للكتابة سحر

للكتابة سحر

وعلى حين غفلة، انطفأت الدنيا وتغير شكل العالم إلى ملامح لا نعرفها، لم تعد هناك وجوه... ولا ضحكات عالية... ولا أماكن ترفيه للأطفال، ولم يعد للأطعمة مذاق.
أغلقت المدارس، والمساجد، والوزارات، والمقاهي والمراكز التدريبية، ونوادي الرياضة، ودور السينما والأسواق... وبيت الله الحرام، الذي لن ننسى هيئته الموحشة بخلو المطاف وإخلائه من المصلين... انطفأت أرواح الناس وحزنت أعينهم.
أقفلت أبواب البيوت والمنازل، بدت الحياة كليل أسود صامت كئيب.
وكأن العالم قد اتخذ إجراءً من التحديث الذاتي، وليعاود نفسه بنسخة جديدة مزعجة - صامتة. نسخة رمادية... ليس لها لون ولا رائحة ولا طعم ولا أصوات. نسخة جافة... صلبة.. كقطعة خشبية غليظة صمّاء، لا يوجد بها أي زخرفة، أو أي نقش.
وقفت... أتأمل المكان، وهدوء البلاد، ووجوه المدرسين والطلبة والصديقات والزملاء وأجهزة الكمبيوتر التي تجهزت لبدء عملية التعليم عن بعد، تأملت عائلتي وإخوتي وأبنائي، تأملت خرائط العلاقات بقربها وابتعادها وكل الأشياء التي تبدّلت أماكنها... أين الضحكات والتجمعات العائلية، والمشاريع التي بدأتها؟
أين البورتريهات التي كنت أحبها بتعابيرها الكاملة حينما غطتها فرشاتي بتلك الأقنعة التي أرغمنا بها... تمهلت بنفسي قليلاً... بين رزمة من الورق وقلم أزرق جاف.
ويا للسحر العظيم الذي تحدثه الكتابة، حينما يأتي البوح دفعة واحدة وينهمر بنفسه على الورقة مقروءًا أمام عيني.
لتكن الكلمة مرآة للفكرة، للشعور، نظيرة للخاطرة، للموقف، واللحظة المتعثر فهمها.
الكتابة - العلاج السريع والعميق - لتفكيك الشيفرات غير المفهومة، والألغاز الصعبة، ولتتضح من جرائها الرؤية، ولتأخذ كل معضلة حجمها الصحيح المنطقي.
ولتكن الكتابة بمنزلة الأرض التي يعود بها الفرد إلى توازنه، وليتجاوز بها الفكرة واللحظة والموقف، وعاهدت نفسي ألا أنطفئ.
عاهدتها أن أحتضنها وأطببها، وأطبطب على كتفها لأساعدها وأنهض بها.
فإن ضاقت يومًا أو تعسرت سيأتي فرج رحب من عنده، كمرور الغيم حينما يغزو السماء ويحجب نور الشمس، ويمضي... كتخطيط القلب المتعرج، الذي يصعد قليلاً ويخفق بالأسفل ويعاود الارتفاع والنزول مرة تلو الأخرى ليرسم خطًا متواصلاً نقرأ فيه استمرارية الحياة بتقلباتها.
هذه هي الحياة ستُفرج... وإن ضاقت... ستُفرج مرة أخرى ■