لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

لم تتفق هذه القصص على موضوع واحد، بل اختلفت، وهذا ما دعاني إلى الاختيار؛ حتى يتسنى للقارئ الكريم الاطلاع على نماذج عدّة من الثيمات القصصية الواردة في النصوص، وبالطبع لكلّ قصة ميزاتها الأسلوبية وتفردها في طريقة السرد، وعرض الأحداث، والتقنيات المتبعة من لدُن الكُتّاب، وآليات التفاعل مع الأفكار المبثوثة في المتن الحكائي للقصص، فرغم اجتياح وباء كورونا العالم، ظل هاجس «ليلة أخيرة» يُقلق الكاتب في الحدث الذي سافر فيه عبر الزمن؛ ليعود إلى ماضي مقاهي بغداد، ويسرد لنا ما كان يحدث فيها عبر فضاء سردي متخيل شكّل المعادل الموضوعي لأحداثهِ المستوحاة من شخصيات بغدادية تنتمي إلى زمن الخمسينيات، بينما جاءت «وثبة من على الشرفة» قصة متخيّلة من نسج عقلية متأزمة عاشتْ في انفصام بشخصيتها، وتخيلت أنها وسط الأحداث منذ الانطلاقة الأولى، وتحكم السرد في مجريات القصة مع إثارة عنصر التشويق والاختفاء؛ لمصير الشخصيات الموجودة في المتن الحكائي، وتكتمل عندنا الحكايات لتُظهر لنا أثر جائحة كورونا على العالم، حتى تأتي «الغرفة الآمنة»، لتُبين مدى الحرص من لدُن الشخصية/ باسل في المحافظة على صحته، وهو كان في الأصل شخصية تعاني مرض الوسواس الذي ينغص حياته وحياة عائلته، ومع ظهور الوباء حتى تأزم الأمر وبات لا مناص من الفرار إلى مكان آمن.

 

المرتبة الأولى: «ليلة أخيرة» لحيدر الهاشمي / العراق 

السرد الموضوعي والحدث والوصف، كلها من عوامل بناء القصة القصيرة للكاتب، حتى يحقق هدفه من بيان الموقف الخاص به، وهو يتكلم عن مشهدية واقعيّة تنتمي إلى واقع مقاهي بغداد القديمة، ويصبح المكان هو العنصر الأبرز في اللغة الوصفية التي تحكمت بالنصّ، وبها ثبت للقارئ الأهمية التي تعود إلى هذا العنصر الذي يُعدّ الفضاء السردي المتحكم في واقعية القصة القصيرة، فضلًا عن استذكار الأحداث والخروج من إطار بغداد في زمننا الحاضر، وأجاد الكاتب بالرجوع واستحضار الماضي بشكل متخيل ليُعيد إلى أذهان المتلقّي الأحداث التي عاشها العراق آنذاك، حتى أقفل قصته باللجوء إلى الكوخ القديم، مستذكرًا ما كان يدور بينه وبين جدّهِ، فالقصة كلها مبنية على زمن الماضي والخروج من أزمة الحاضر.

المرتبة الثانية: «وثبة من على الشرفة» لولاء فهد الحربي / السعودية

تحكّم الخيال في نسج هذه القصة القصيرة التي صدرت من شخصية تكاد تكون نسخة من شخصيات واقعية تعيش في حياتين، ما يُطلق عليه انفصام الشخصية، وهذا استنتجناه من القفلة للقصة القصيرة حينما «قالت بصوتِ عالٍ (يا آنسة عليكِ أن تتناولي أدويتك حالًا، وربما يكون من الأفضل لو أخذت قسطًا من الراحة)».
جاء هذا الادعاء مناسبًا لتخيّل الذي كوّن الأحداث، التي اكتنفها الغموض والتشويق لتشدّ القارئ وتجذبه إلى قصتها. أحسنت الكاتبة في التأليف والسرد حتى تمكنت من أخذ القارئ صوب أفكارها عبر شخصية متأزمة تخلق الحدث تلو الحدث، وتتمكن من بناء المبنى داخل الحكاية حتى تصل بنا إلى العُقدة التي ما رأيناها تنفرج لولا تدخُّل شخصيات أخرى من خارج الحكاية، لتعلن في النهاية أنها كانت محض خيال.

 

المرتبة الثالثة: «الغرفة الآمنة» لعبدالمنعم المجاور / مصر 
بنى الكاتب قصته القصيرة من الواقع، واحتاج إلى فضاء متخيّل حتى يضفي عليها إطارًا يمنحه عنصر التشويق والإثارة ويلفت المتلقّي إليها. افتتح قصته بحدث اعتيادي، مستعينًا بلُغة واصفة يُشكّل بها بدايات تكوين الشخصية النفسي، وهذا دلنا على أنها شخصية رجولية تعاني مرض الوسواس، وساقنا صوب أثر جائحة كورونا على الأفراد بصورة عامة وعلى الفرد الذي كان متأزمًا نفسيًّا، ليُعلن عن بطل القصة باسل، الذي ترك عائلته وذهب صوب بيت آمن يستطيع من خلاله التأمين على حياته من دون تهديد هذا الوباء، حتى جاءت القفلة غير المتوقعة وارتفاع حدّة الأنانية عند الشخصية / باسل، فهو لم يكترث لزوجته عندما فتحتْ باب الغرفة، وصرخت طالبة النجدة منه، لكنّه لم يردّ إطلاقًا، وهذا إن دلّ فإنما يدل على الفوضى التي عاشتها الشخصية المتخيلة جراء ما حدث للعالم بأسرهِ من وباء كورونا.