«العربي»... توجيه مسارات

«العربي»... توجيه مسارات

اشتريت مجلة العربي العدد 358 سبتمبر 1988، وعلى غلافها صورة فتاة شقراء ممهورة بعبارة: «السويد بلاد الشمس الباردة». كان الموضوع استطلاعًا أنجزه الكاتب عباس حسن عن السويد. استفز المقال إعجابي بصوره المرفقة ووصفه الدقيق، ومعلوماته القيمة عن السويد. أعدت قراءته عدة مرات، ووجدتني منشغلًا بما قرأت.. بدأت فكرة زيارة بلاد السويد تكبر في ذهني، ثم تحولت الفكرة إلى تطبيق، وسافرت إلى السويد. وهناك بدأت حياتي من جديد وصنعت مستقبلي وأنا الآن رجل أعمال كبير وناجح بمعنى الكلمة. أنا مدين لمجلة العربي التي عرّفتني على السويد، فبفضلها حققت مستقبلي وصنعت حياتي، وانتقلت من حياة البطالة والفقر، إلى حياة الثراء والرخاء».
 كان هذا تصريحًا صحافيًا أدلى به مهاجر عربي لإحدى القنوات الفضائية، هاجر إلى السويد في نهاية الثمانينيات، واستطاع أن يندمج في مجتمع بلاد الشمس الباردة كما وصفتها مجلة العربي، وأن يتحول إلى فاعل اقتصادي مهم، سواء في السويد أو في بلده.
إن ما يثير الإعجاب في قصة هذا المهاجر هو أن تكون مجلة العربي هي التي وجّهته وحددت مسار حياته ووضعته على سكة النجاح. وجعلته متيمًا بالسويد بعدما قرأ الاستطلاع الشيق الذي أنجزه عباس حسن عن تلك البلاد فقرر زيارتها. لكنه ما إن وطأت قدماه أرضها حتى قرر البقاء والاستقرار فيها لبناء مستقبله بعزم وحزم. 
لقد استطاعت مجلة العربي أن تكون منذ نشأتها معلمة علمية مؤثرة في المجتمع العربي، ومساهِمة في تشكيل القيم النبيلة وغرسها في شتى المجالات الحياتية العربية، مقدمة محتويات قيمة قوامها الثقافة النقية والأفكار الجادة والمفيدة، بعيدًا عن النعرات السياسية والتيارات الأيديولوجية المختلفة... ثقافة أصيلة وفكر رصين وعقلية متزنة. وبذلك  ساهمت في توجيه مسارات جماهير غفيرة من القراء العرب، وتحولت منذ تأسيسها إلى جامعة حقيقية خدمت التثقيف الذاتي للإنسان العربي، وبفضلها كوّن شباب كثيرون ثقافة عالية، مكنتهم من اجتياز امتحانات إشهادية حرة، والتحقوا بالجامعات وتخرجوا وأصبحوا أطرًا عليا ذات كفاءات معتبرة، بعدما كانوا يعانون من البطالة والعيش على هامش الحياة. 
إن حكايات القرّاء العرب مع مجلة العربي تتعدد وتتنوع، وكلها مشفوعة بمشاعر حب متأصل في الوجدان لهذه المجلة التي تعد صرحًا معرفيًا نادرًا واكب الأجيال العربية منذ نهاية الخمسينيات إلى اليوم. وقد عرفها أكثرنا منذ مراحل الدراسة الابتدائية والإعدادية. وعلاقتنا بها وطيدة يُمتِّنها النزوع إلى الفكر النقي والثقافة الحقيقية الأصيلة النابعة من مقومات الأمة العربية الإسلامية، والمنفتحة كذلك على الحضارات الإنسانية والثقافات العالمية دون اعتبار لخلفيات سياسية أو غيرها... 
لقد عُرفت مجلة العربي، منذ صدور عددها الأول في ديسمبر سنة 1958م، بحرصها على الجودة في كل ما تنشره، حتى صارت مجمعًا علميًا وفكريًا وثقافيًا لكبار الكتاب والأدباء والمفكرين والمبدعين. واستطاعت الصمود أمام العواصف والأنواء، وظلت شامخة كما كانت دائمًا. وبذلك استحقت أن تنال لقب «مجلة كل العرب» ■