الهوية النسائية والوعي بالكتابة

الهوية النسائية والوعي بالكتابة

شكلت الكتابة الأدبية، التي صدرت عن المرأة في السنوات الأخيرة، حيزًا مهمًا في المشهد الثقافي العربي، من خلال التراكم الذي حققته على مستوى الإنجاز والتداول معًا.  فقد كتبت المرأة في مجالات متنوعة طالت مجالات الفكر والفن والأدب، كانت إلى وقت قريب حكرًا على الكاتب/الرجل. هي كتابات متباعدة في الزمان والمكان؛ غير أنها تشترك في ملامسة الظواهر والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، أبانت فيها المرأة عن عمق في التفكير وجدّة في التناول وجرأة في الطرح والتحليل.

 

بعيدًا عن أي تجنيس أدبي يميز بين أدب رجالي وآخر نسائي وما يثار من أسئلة الخصوصية والاختلاف، نستحضر عددًا من التجارب النسائية التي ارتبطت بالمجال السردي، فالمرأة كتبت في القصة القصيرة مثلما كتبت في الرواية، ويكفي أن نتأمل عناوين الإصدارات المتوالية لنتبين طبيعة النشاط النسائي ونستوعب نوعية اختياراتها ورؤاها الفكرية والفنية.  ولعل هذا الحضور الكمي والنوعي في آن هو ما يضفي الشرعية على بعض الأسئلة من قبيل: ما طبيعة الأعمال الإبداعية التي تصدر عن المرأة؟ وماذا عن مضامينها وأشكالها؟ كيف قدمت المرأة نفسها للقارئ وما الأساليب التي اعتمدتها وسائل للتعبير؟ هل ما اقترحته من تجارب قصصية وروائية وسير ذاتية يعكس وعيًا بالكتابة؟ وبالتالي كيف تجسّدت هويتها النسائية، في هذا المكتوب؟

1 - في دوافع الكتابة
اعتبارًا للصلة القائمة بين مفهوم الكتابة وفعل الكتابة، لوحظ حرص النساء المبدعات على تقديم شهادات تعكس علاقتهن بالكتابة، كما لوحظ حرصهن لحظة الكتابة، على ضمان الانسجام بين وعيهن الإبداعي من جهة، ووعيهن الواقعي من جهة ثانية.  ولعل أبرز ما يلفت الانتباه، ونحن نتابع عددًا من الأعمال السردية النسائية المعاصرة، ذلك الحضور المكثف لشخصية المرأة بوصفها كاتبة، قياسًا إلى زمن الستينيات والسبعينيات، كما يتجلى في الحضور النوعي لمفهوم الكتابة لدى المرأة المبدعة، حيث لاحت مظاهر الجرأة الأدبية في التعبير ومشاركة الرجل/ المبدع همّ الكتابة ولذّتها، دونما إحساس بالنقص أو الدونية.
هكذا، لم يكن غريبًا أن تختلف الدوافع بين كاتبة وأخرى، بحسب المفهوم الذي تحمله كل منهما عن الكتابة، بوصفها شكلاً من أشكال التعبير، وبحسب التكوين والخلفيات الفكرية والإبداعية التي تتحكم في طبيعة اختيارها للقضايا والموضوعات.  بهذا المعنى، تفتح الكتابة النسائية، ومنها الكتابة القصصية، مسارات جديدة تستدعي مداخل مغايرة للقراءة والمقاربة النقدية. فهي (أي الكِتابة) مرتبطة تارة بالرغبة في إثبات الذات والوجود، وتارة بالتفاعل مع الآخر والأشياء، وتارة أخرى متصلة بالشهوة والحلم والتخييل.  ومن هنا كانت كل كاتبة على حدة تقترح نصوصًا تتفاوت حجمًا ودلالة.  والواقع أن هذه المقترحات السردية تستمد وعيها الجمالي مما تختزنه الذات الكاتبة للمرأة من مواقف ورؤى إزاء الواقع والموجودات.
لقد أضحت الكِتابة عند المرأة، بحكم التحولات التي عرفها المجتمع، فعلاً ثقافيًا وضرورة إنسانية لإثبات الذات والوجود.  ولنا في عدد من الحوارات والشهادات التي تمحورت حول مفهوم الكتابة ودوافعها ما يعزز مكانة المرأة الكاتبة ويقرّبنا من الأسباب التي تحرك المرأة في هذا الاتجاه، حيث الحلم والرغبة في المغامرة والتجدد والمغايرة عبر الكتابة. تقول الكاتبة وفاء مليح: «أنا أكتب إذن أنا موجودة» وهو رأي يتقاطع، بصورة أو بأخرى، مع تعبير الكاتبة منى وفيق، ذات حوار، حيث تقول: «أكتب لأحيا داخل ما أكتبه وليحيا الآخرون داخلي».
أما الكاتبة لطيفة باقا فتحصر الكتابة في قدرة الإنسان على تجديد نفسه، عن طريق التخيل، ما دام العالم كما هو لا يعجب، وأن «التصالح مع الذات الكاتبة ومع الطفولة ومع الذاكرة هو السبيل الوحيدة إلى التصالح مع العالم»، وهو قول شبيه بما صرحت به الكاتبة مليكة نجيب حين تقول إن «الكتابة تخييل يحرر الفكر من ربقة المباشر والمحسوس والتبسيطي، فبانصهارهما يشكلان عالمًا رحبًا تنعدم فيه التناقضات».
ومثلما نجد احتفاء الكاتبة (ربيعة ريحان) بالكتابة عبر وصفها لها بـ «الورطة الجميلة التي ليس من السهل التخلي عنها، لأنها شهوة وكشف وحلم ورغبة»، من جهة، أو لأنها «تنوير ما بالداخل وتفجير له» من جهة ثانية، نجد احتفاء آخر، لا يقل قيمة ورمزية عمّا سطّرته الكاتبة رجاء الطالبي إذ الكتابة عندها «عودة إلى الرحم البدائية، تلك التي تمنح الحياة وتزخ في الجسد تلك الدماء الصاخبة الطالبة للحياة والمنتصرة على كل موت أعجف». 
نقرأ في السياق ذاته جزءًا من حوار أدبي مع سعاد الناصر عن علاقتها بالكتابة جاء فيه: «الكتابة نهر من أزهار وأطيار وأشواك وعلامات، تبوح بأسرارها لعاشقها المضمخ بعبير الدهشة والسؤال... حين انبثق الشعر في ذاكرتي، منذ الطفولة، كان بساطًا يحملني نحو ألق الحلم واليقين.  كانت ثمة أصوات من الزمن الغابر ومن الحاضر المتجدد، تقتحم عزلتي الخاشعـة كصدى لأشواق ضبابيـة تجرفني نحو كلمات مرتبكـة الإيقـاع، لكنها مضاءة بعمـق ذاتي... ومنذ بدء الحنـين، كانـت القصيـدة ولم تـزل، تتعمق كوشـم صارخ فوق جسدي، هـي لقـاء في سمـاء متوضئـة بالسـؤال، أبتعـد عنها كلمـا أحرقني الواقـع بفيـض يغمـر شاعريتي، لأتجه صوب وجهها الغائب في ثنايا السرد».

الكتابة مجال للإبداع والتباري
وهكذا، وبين هذا التعبير وذاك تبقى الكتابة لدى هؤلاء وغيرهن من الكاتبات المبدعات مجالاً خصبًا للإبداع والتباري؛ بل حق في  الاختلاف وإبداء الرأي في الحياة والكتابة.  إنها غيض من فيض شهادات وحوارات، وإن لم تسعف كليًا في استجلاء الدوافع الحقيقية الكامنة وراء اقتراف الكتابة؛ فإنها تسمح بأخذ صورة تقريبية عما في هذه الكتابة النسائية، من نفَس إبداعي، غالبًا ما نجد صداه متجليًا، بصيغ متفاوتة، في إنتاجاتها المتتالية، ومنها الكتابة القصصية.

2 - الكتابة النسائية القصصية بين الذاتي والموضوعي
تحضر في المشهد الثقافي العربي مجموعة من الأسماء الإبداعية، بوصفها أصواتًا نسائية، انتصرت لفعل الكتابة في مجال القصة القصيرة تحديدًا.  والظاهر أن انشغال المرأة بعوالمها وفضاءاتها ليس لكونها امرأة فحسب؛ وإنما لما أتيح لها من إمكانيات التأمل وإعمال النظر في عوالمها الذاتية والإنسانية والرمزية، ولما أتيح لها أيضًا من قدرات تعبيرية تحرص على تنويع موضوعاتها تبعًا للغاية والوسيلة. أما الغاية فكانت غايات متعددة، منها استرجاع الذاكرة وإحياء المنسي تارة، ومنها مقاربة الواقع ومساءلة الذات تارة أخرى. أما الوسيلة، فتمثلت في اللغة، بكل تداعياتها وتمظهراتها المختلفة.
لقد أبانت المرأة الكاتبة عن رحابة فكرها وقدرتها على التخيل دفعًا للصمت وطلبًا للحياة، ولعل إلقاء نظرة خاطفة على مجمل عناوين المجاميع القصصية، التي أبدعها يراعها يحيل إلى خصوبة الموضوعات وشسوع اللغة.  ومن هذه العناوين الدالة نذكر: «هذه ليلتي»، «همس النوايا»، «ضفائر»، «بعض من جنون»، «أجنحة للحكي»، «الوهم والرماد»، «شموس الهاوية»، «عين هاجر»، «السماوي»، «ما الذي نفعله»، «منذ تلك الحياة»، «ترانت سيس»، «نعناع، شمع وموت»، «أنين الماء»، «اعترافات رجل وقح»، «التابوت»، «التمثال»، «ظلال وارفة»، والقائمة طويلة... فضلًا عن عناوين النصوص المبثوثة في ثنايا كل عمل قصصي، فهي الأخرى تتنوع بتنوع الحكاية أو تتشكل بتشاكل العناصر المكونة، لهذه الحكاية أو تلك، شخوصًا وأمكنة ولغة وأحداثًا،  فمنها ما ارتبط بالشخصية القصصية في حالاتها النفسية والاجتماعية، وفي حركاتها وسكناتها اليومية، ومنها ما ارتبط بعنصري المكان والزمان في تشعباتهما المختلفة، ومنها ما اتسم بالرحابة مجازًا واستعارة.
نذكر من العناوين القصصية الكثيرة التي استوقفتنا، على سبيل التمثيل لا الحصر، عنوان (التابوت) الذي اختارته الكاتبة العراقية صبيحة شبر، حيث يحيل مباشرة إلى فضاء له علاقة وطيدة بالمكان ويدفع القارئ المتلقي إلى تأويلات أولية منها أن التابوت، سواء أكان من خشب أو من حديد، من مواصفاته الضيق والانغلاق والظلمة، وهو مكان قد تحرز فيه الأمتعة أو تودع فيه الجثث. والتابوت، بهذا المعنى أو ذاك، إشارة قوية إلى الفقد والموت والهلاك تارة، وإلى الحفظ والإخفاء تارة أخرى. أما عنوان الكاتبة الكويتية بثينة العيسى (قيس وليلى والذئب) فيحيل، تبعا لكلماته الثلاث، إلى اسمي علم للإنسان (قيس وليلى) ببعدهما التناصي مع أسطورة الحب الخالدة قيس وليلى. كما يحيل إلى اسم علم لحيوان (وهو الذئب) في بعده التناصي مع حكايات الأطفال العجيبة. ومن ثم، تحضر المفارقة كملمح موضوعاتي بارز، حيث المقابلة بين عالمي الإنسان والحيوان، بما يضمرانه من عوالم متناقضة بين القوة والضعف والسكينة والمطاردة والتعايش والصراع والنقاء والخداع... وما إليها.
كما نذكر من العناوين القصصية المغربية الدالة ما اقترحته الكاتبة وفاء مليح لمجموعتها (بدون..)، حيث يختزل أكثر من دلالة واحتمال، إضافة إلى ما توحي به نقط الحذف، بعد كلمة (بدون). ولعل أقرب الاحتمالات، استنادًا إلى نصوص المجموعة، ما اتصف بطابع السلبية واختزل معاني الخيبة والفقد، نفترض منها: بدون عنوان، بدون هوية، بدون وطن، بدون كلام، بدون ألوان..؛ كما يمكن أن نفترض أيضًا ما يقابل ذلك في سياق الإيجاب هذه المرة، فنذكر مثلاً، بدون خوف، بدون يأس، بدون تقاعس، بدون أحقاد.  وهي إحالات وغيرها تفضي بنا إلى باقي العناوين المبثوثة داخل المجموعة بما تحمله هي الأخرى من دلالات عميقة ورؤى متباينة تنسجم وطبيعة الموضوع.
أما عنوان الكاتبة فاطمة الزهراء الرغيوي (خمس رقصات في اليوم)، فهو أيضًا عنوان مثير ودال يتألف من جملة اسمية تشمل أربعة ألفاظ تحيل مباشرة إلى مجال الرقص، بما هو فن تعبيري يتوسل بالجسد، ومنها الإشارة إلى العدد رقم خمسة، بما يحيل إليه من دلالات دينية واجتماعية (الأركان الخمسة، الصلوات الخمس، «الخميسة» لإبعاد العين والحسد...)، ومنها الإشارة كذلك إلى عنصر الزمن المقيد بحرف الجر «في» (رقصة الجسد في اليوم الواحد). ومن ثم، فاقتراح العناوين يزاوج بين البعدين المكاني والزماني في علاقتها بالذات الكاتبة.

الذات الأنثى في القصة النسائية
احتفت القصة النسائية بالذات/ الأنثى، حيث حضرت في أكثر من قصة، سيرة كانت أم ذاكرة أم لحظة راهنة، مثلما نجد في مجموعة «ضفائر» للطيفة لبصير إذ كل قصة، من قصصها الإحدى عشرة، تحمل اسم علم مؤنث (عالية، منانة، زهرة، نانسي، طامو، ليلى، رقية، زينب، حياة، غيثة، أحلام) وترصده حكائيًا عبر تجلية أبعاده وأدواره ومساراته المختلفة.  كما احتفت القصة النسائية بالذات في علاقتها بالآخر وبالأشياء من حولها.  تحاور العالم بما أوتيت من قوة الفكر وبلاغة التعبير، ساخرة حينًا، ومنتقدة غاضبة، حينًا آخر.  وهكذا تحضر موضوعات الذات والجسد، كما تحضر موضوعات الحب والطفولة والطبيعة والوطن والزواج والطلاق وعوالم البيت والشارع والوظيفة، وهواجس التحرر والانعتاق وإثبات الوجود.
وصلة بالموضوعات يحضر الموت بكل ثقله، في إحدى قصص الكاتبة سعاد الناصر ضمن مجموعتها القصصية (في معراج الشوق أرتقي)، ويستبد بتفكير طفلة كانت تعيش لحظتها بكامل عفويتها، داخل البيت مع أمها ولعبها ودفاترها؛ غير أن حدث الموت سيقلب حياتها رأسًا على عقب، وتشعر الطفلة بالوحدة والغربة ولمّا تستوعب الحدث، كما أنه حين تستشعر الطفلة ألم الغياب بفراق الأم تدرك بعدَها معنى ألا تلعب ومعنى أن تتوسد عتبة المنزل، يكون اليتمُ قد تمكن منها وأخذ منها كل مأخذ.  ومعناه، أن القدر كان عنيفًا، فهو يغتال طفولتها إذ يحرمها حنان الأم ودفء العائلة؛ لكن في المقابل هي دفعة جديدة، لتشكل الذات وتأقلمها مع الأوضاع والحالات المناسبة.

 3 - القصة النسائية بين الواقعي والمتخيل
تمتح القصة النسائية المعاصرة من مرجعيات متعددة ومختلفة، منها الواقع واليومي والهامشي، ومنها ما ارتبط من قريب أو بعيد، بالشخصية القصصية، فقد تعاملت المرأة الكاتبة مع شخوصها عبر مصاحبتها في أدق التفاصيل والجزئيات وصفًا وتشريحًا.
وهكذا، لم يكن غريبًا أن نجد شخصيات إنسانية، قاصرة أو راشدة، تتجاذبها الحياة من كل الجهات وتغرقها في بحرها اللجي العميق. شخصيات تفاوتت أعمارًا وسلوكًا وانتماءً، وغالبًا ما كانت تمارس عليها تعرية اسمية، حيث الاكتفاء بالصفة أو اللقب (طفلة، زوجة، أم، يتيمة، مشعوذة، عاملة، كاتبة...) كما تقدم أحيانًا، عبر ضمير الغائب (هي) أو تترك للتعبير عن نفسها بضمير المتكلم (أنا) أحيانًا أخرى.
ولأن شخصية المرأة، الإنسانية والقصصية، حاضرة بقوة في اهتمام المرأة الكاتبة، فقد أولتها عناية كبيرة انطلاقًا من خصوصية أدبية وجمالية، على مستوى الكتابة، ومن إشكالات اجتماعية وحقوقية ومن اضطرابات نفسية مختلفة، على مستوى الواقع. فثمة نصوص كثيرة عرضت لشخصية المرأة، ضمن سياقات متباينة، فتارة هي الجدة الصبور المعطاء بلا حدود، وهي تارة أخرى المرأة الباحثة عن لحظة صفاء وطمأنينة.  وليست القصة في هذا المقام سوى تجسيد لحالات الذات وتحولاتها.  وبين هذا التوصيف وذاك تظل المرأة تلك الشخصية الحالمة أحيانًا بسحر الماضي حيث الرقة والوداعة والجمال والشباب، والمهمومة بثقل اللحظة وعنفها أحيانًا أخرى.  وقد يحضر الجسد وتحضر الذاكرة لتزيد من توتر هذه الذات وتأرجحها بين وضعيات الأمس واليوم.
ومثلما انشغلت الكتابة النسائية المعاصرة بالقصة القصيرة، انشغلت أيضًا بجماليات الأداء والتعبير.  ولم تكن هذه الجمالية بعيدة عن الاحتفاء باللغة السردية، واقعية ومتخيلة.  لغة تروم رد الاعتبار للذات/ الأنثى وإثارة القلق أكثر من ميلها إلى الهدوء والطمأنينة، سردًا ووصفًا وحوارًا، كما تروم، في عرضها للقضايا والأحداث داخل الحكاية، التنويع في العتبات والمصادر والإحالات.  فالتاريخ والسينما والأشعار والأمثال والأغاني والرموز والأساطير والأخبار عناصر ساهمت كلها في تطعيم الحكاية وترسيخ القيم الإنسانية التي تعيد إلى العالم توازنه وانضباطه.  ولأن تمثل الكاتبة للذات النسائية في القصة القصيرة لا يتم بمعزل عن زمنها الداخلي ومحيطها الخارجي؛ فإن الكتابة، باعتبارها وعيًا، تقـود الحكاية/القصة إلى توظيف لغة تجمع بين الواقعي والمتخيل، وبين الروح والجسد، في الآن نفسه، مانحة لمتلقيها متخيلًا قابلًا لتعدد القراءة والتأويل.
فبقدر انشداد المرأة الكاتبة إلى تاريخها يكون تطلعها إلى المستقبل. ومن ثمّ، كان اتخاذ تراكيب لغوية متنوعة وأساليب تعبيرية مبتكرة مدعاة للفت الانتباه وخلق توازن فني بين المبنى والمعنى. ولعل الوصف، إلى جانب السرد والحوار، يعد أحد المكونات المركزية في بلورة هذا الحس الجمالي، حيث يقرب القارئ من العوالم الداخلية لتشكل الذات القصصية النسائية، من خلال رسم مختلف معالمها وملامحها.

4 - على سبيل الختم
يتبين من خلال هذه النظرة السريعة في بعض الإنتاجات القصصية النسائية، أن الوعي لدى المرأة بالكتابة حاضر بقوة، تكشفه اختياراتها الموضوعاتية، من جهة، وتعكسه ذائقتها الفنية، من جهة ثانية.  وعي، وإن اختلفت مقاييسه وحدوده مكنها من تحقيق نجاح إبداعي متميز لا يقل أهمية وأدبية عما أبدعه نظيرها الرجل ■