لماذا تغيرت صورة العربي من «الديكاميرون» إلى هوليوود ؟!

لماذا تغيرت صورة العربي من «الديكاميرون» إلى هوليوود ؟!

ستقارن بين الصورتين، صورة العربي في روايات «الديكاميرون» وصورته في هوليوود، وستصاب بعد ذلك بالذهول، ثم تتفرع أمام عقلك سُبل التفسير، فتقنع نفسك بأنها مؤامرة كبرى تحاك ضدك، وأن وراء هذه المؤامرة «أشرار الكون»، وأنك لا قبل لك بهم، وبالتالي ليس عليك أن تبذل مجهودًا لمكافحتهم، وأنك من «الأخيار» الذين سينصرهم الله ولو بعد حين؛ وبالتالي فليس عليك أن تفعل شيئًا أيضًا. أو ستفكر، إنه الغرب الذي كان يراني منذ عدة قرون، وهو الغرب الذي يراني الآن، فهل هو الذي تغير، أم أنا، أم نحن الاثنين تغيرنا فانحدرت صورتي المتألقة إلى هذا الدرك من التشويه؟ وما أسباب هذا التغير؟ وما الذي فعلته أدى إلى ذلك؟ وما الذي عليّ أن أفعله حتى لا تظل هذه الصورة المشوهة هي المعتمدة لدى الآخرين؟ وما خطة العمل التي يجب عليّ أن أتبعها وأن أنفق على تنفيذها الأفكار والوقت والجهد والمال؟

 

تعتبر «الديكاميرون»، وهي مجموعة روايات تلقّب بالكوميديا البشرية، للإيطالي جوفاني بوكاتشيو، و«حكايات كانتبري» للإنجليزي جيفري تشوسر الكتابين المؤسسين للسرد الغربي الحديث. ويرى بعض الباحثين الغربيين أن المقامات العربية هي التي أوحت لبوكاشيو فكرة كتابه «الديكاميرون» ولتشوسر فكرة «حكايات كانتبري». فكيف كانت صورة العربي في «الديكاميرون» التي تعتبر أنضج وأشهر الكتابين المذكورين؟
وُلد جوفاني بوكاتشيو سنة 1313م، ومات سنة 1375م، وحفر لنفسه اسمًا من ذهب بكتابه «الديكاميرون»، إضافة إلى الكثير من الأعمال الأخرى مثل: (المتيم - ملهاة حوريات فلورنسا - مرثاة السيدة فياميتا- سقوط المشاهير من الرجال - نساء مشهورات - أنساب الآلهة الوثنية - الرؤيا العاشقة - مطاردة ديانا).
في عام 1351م أتم بوكاتشيو كتابه «الديكاميرون»، وهي تسمية محرفة لعبارة «عشرة أيام» باليونانية، الحكاية الإطار لها هي التقاء سبع فتيات وثلاثة شبان في مكان منعزل لمدة عشرة أيام هربًا من الطاعون القاتل الذي اجتاح أوربا في هذه الفترة، ولكي يمضي بهم الوقت بلا ملل اتفقوا على أن يحكي كل منهم حكاية يوميًا، أي عشر حكايات في عشرة أيام.

صورة العربي في «الديكاميرون»
لك أن تتوقع صورة سيئة وشريرة للعربي والمسلم في هذه الحكايات، فأوربا عدو صريح، وصليبية حتى النخاع، لكنك ستبحث عن هذه الصورة ولن تجدها، بل ستجد صورًا براقة للرجل العربي والمرأة العربية، وستندهش وتسأل نفسك عن السبب.
بطل القصة الثالثة من اليوم الأول هو «صلاح الدين الأيوبي»، الذي يقدمه بوكاتشيو هكذا «كان صلاح الدين رجلًا شجاعًا، لذلك تحول من رجل عادي إلى سلطان بابل، وحقق انتصارات كثيرة على ملوك المسلمين والمسيحيين». كان صلاح الدين يحتاج إلى المال، لكن اليهودي شديد البخل «ميلكيزديك» يرفض إقراضه «ولم يشأ صلاح الدين إكراهه». وبعد تطور الأحداث يوافق اليهودي على القرض «وبعد فترة رد إليه صلاح الدين أمواله، وزاد عليها هدايا عظيمة، واتخذه صديقًا دائمًا له». لا تقف عند كلمة سلطان بابل! فهي قصة خيالية، لكن مغزاها الأهم أن الكاتب عندما أراد أن يجسد صورة ملك قوي شجاع لا يحصل على أموال رعيته بالإكراه ولو كان صاحب المال يهوديًا، ويرد ما عليه من دين وزيادة، ولا ينسى الجميل، ويكون متسامحًا... لم يجد بوكاتشيو في ملوك أوربا من يمنحه هذا النموذج، ولجأ إلى صلاح الدين. وفي قصة أخرى من أطول قصص الكتاب وهي القصة التاسعة في اليوم العاشر يعود الكاتب إلى شخصية «صلاح الدين» عندما يريد تجسيد نموذج الملك الذي يغامر بحياته ليعرف أسرار عدوه من الصليبيين، وينتصر عليهم، والذي يرد جميل السيد «توريلو» الغني الذي أكرم صلاح الدين وتابعيه وهو لا يعرفهما ستفاجأ بأن توريلو يحب صلاح الدين بمجرد أن يراه، ويكرمه كما يكرم الملوك، رغم أنهم في زي تجار، وأخبروه أنهم تجار «بدا للسيد توريلو أنهم أشخاص رفيعو المقام، وأعلى مكانة مما ظن حين رآهم»، ويقول لهم: «آمل من الرب أن يكون في بلادنا سادة نبلاء مثلما أرى فيكم» و«أنا لا أعلم من تكونون... ولكن أينما تكونون لا يمكنني تصديق أنكم تجار فقط، فلتصحبكم السلامة». ليس هذا مجال رواية تفاصيل القصة، لكن صلاح الدين هو الذي ينقذ توريلو من الأسر، وهو الذي منحه ثروة ضخمة، ويعيده إلى زوجته قبل أن يتزوجها آخر.
أما المرأة العربية فهي في القصة الرابعة من اليوم الرابع «ابنة ملك تونس، تلك الفتاة الجميلة التي برهن كل من شاهدها على جمالها المبهر، ووصفوها بأجمل الكلمات؛ فكانت فعلًا أجمل نساء الدنيا حينها، فضلًا عن أنها كانت أكثر النساء تهذيبًا وأخلاقًا». وفي الحكاية الثانية من اليوم الخامس «هي امرأة مسلمة صالحة... طاعنة في السن، وطيبة القلب». 
ستجد في هذه الحكايات الكرم العربي، والفروسية العربية، وأناقة الزي العربي... إلخ، فقد استطاع العرب في هذه الفترة أن يكونوا العدو المتحضر المحترم، المثال لكل الصفات الحميدة، والتي ستقدرها حقًا عندما تقرأ الحملة الشعواء التي شنتها قصص «الديكاميرون» على فساد رجال الدين والنبلاء في أوربا في ذلك الوقت.
سأقول لك الآن: ضع كتاب «الديكاميرون» بجزأيه اللذين ترجماه عن الإيطالية د.عبد الله عبد العاطي النجار وعصام السيد؛ وصدرا عن سلسلة آفاق عالمية بهيئة قصور الثقافة في مصر عام 2016م.

دفاع جاك شاهين عن العرب 
سيكون عليك أن تربط حزام أعصابك، لأن الطائرة الفكرية والتاريخية ستهبط بك في منخفض فني شديد الوعورة، وستكون صدمتك مروعة وأنت تفتح كتاب «الصورة الشريرة للعرب في السينما الأمريكية» بجزأيه، والذي كتبه جاك شاهين وترجمته خيرية البشلاوي، وصدر عن المركز القومي للترجمة في مصر عام 2013.
فيما يزيد على 1250 صفحة من القطع الكبير، يدرس جاك شاهين أكثر من 900 فيلم أمريكي تمتد منذ عصر السينما الصامتة حتى عصر الأفلام التي تعتمد على أعقد التقنيات الكومبيوترية، لم يجد إلا اثني عشر فيلمًا تقدم صورة إيجابية للشخصية العربية، بينما قدمت البقية الكاسحة صورة شديدة السلبية والوحشية والعدوانية، باعتبار العربي مصدرًا للتهديد، مكشرا عن أنيابه على الدوام، لذلك فإنه يستحق القتل بلا شفقة ولا رحمة. 
يحرص جاك شاهين على أن يعرف العرب الحقيقيين الذين يزيدون على 265 مليون شخص في 22 دولة إضافة إلى ملايين أخرى تعيش في دول العالم المختلفة، مشيرًا إلى الإنجاز الحضاري والعلمي للعرب على مدار التاريخ، ويشير إلى الخلط المتعمد لدى هوليوود بين العرب والمسلمين، مشيرًا إلى ملايين المسيحيين العرب الذين يعيشون في المنطقة العربية، أما الوضع في الولايات المتحدة فهو عكسي، إذ إن 40 في المائة من العرب هناك من المسلمين والأغلبية من المسيحيين. ويؤكد بأمثلة عملية أن «العرب المهاجرين وأبناءهم يعملون لخير أمريكا، مثلهم مثل المهاجرين الأيرلنديين والإيطاليين والبولنديين... الصناعة السينمائية أغفلت إلى حد الغياب التام صورة العرب الأمريكيين كأناس عاديين».
استبدلت هوليوود العرب بغيرها من الأقليات التي كانت موضع سخريتها مثل الهنود الحمر والزنوج واليهود، وحسب ما يقول ويليام جريدر: «اليهود كانوا محتقرين كنماذج للحداثة، في حين يصور العرب في الأفلام كناقلين لمظاهر البدائية والتخلف، وأن الاثنين يشكلان تهديدًا ينذر بتقويض عالمنا الحديث». وبعد أن كان اليهود يصورون «باعتبارهم مصدرًا لكل الشرور والفسوق في العالم... صار العرب هم الهدف فقط». ويشير جاك شاهين إلى بعض أسباب استمرار هذه الصورة النمطية للعرب منذ قرن؛ السياسات، وأرباح شباك التذاكر، واللامبالاة، وغياب العرب عن صناعة السينما الأمريكية، موضحًا الخطورة الناجمة عن هذه الصورة التي تنعكس أحيانًا في «مواقف وأفعال الصحفيين والمسؤولين بالحكومة». وهذه الصورة النمطية تؤدي إلى النظرة السلبية تجاه العرب في أمريكا، بل تؤدي إلى الكثير من الكراهية والعنف والجرائم غير المبررة ضدهم، بل الأدهى أنها تؤثر سلبًا حتى على الأمريكيين العرب المستقرين والناجحين في المجتمع الأمريكي، ويفضلون ألا يشار إليهم كعرب، مثل الممثل «إف موراي إبراهام» الحائز على جائزة الأوسكار، حيث «إف» اختصار «فريد»، فقد خشي أن الاسم العربي قد يحصره داخل الصورة النمطية البغيضة للعربي الذي يقتل أي إنسان.
لقد ورثت هوليوود الصورة النمطية السلبية للعربي من مرحلة الاستعمار، واستخدمت قدراتها الجبارة في الترويج لها، وكانت كل أقلية أخرى محل سخرية تستطيع أن ترغم هوليوود على احترامها، يكون العرب جاهزين بصورتهم الهوليوودية ليحلوا محلهم كأشرار بدائيين مرعبين.
ويرى جاك شاهين أن الحل الأهم في تغيير هذه الصورة هو أن يشكل العرب جماعة ضغط نشطة ومنظمة في لوس أنجلوس، ليمارسوا ضغوطهم بطريقة منظمة. ويقدم أمثلة لمحاولات ناجحة قام بها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في هذا الصدد. ويذكر حالة نادرة صادقة لم تتكرر حدثت سنة 1977 أثناء تصوير فيلم «أعظم عاشق في العالم» من بطولة جين وايلدر، فأثناء التصوير يترك الممثل سطور الحوار صارخًا «هذا زائف، تلك ليست الحياة الحقيقية»، ويقرر أن كل عرب أفلام هوليوود زائفون، ويأخذ الجواد ويركض به خارج الديكور.
لن نعتمد على حالة يقظة ضمير لا تتكرر، لكن خطة العمل التي أشار إليها جاك شاهين ممثلًا للجماعات التي سبقت العرب ونجحت في جعل هوليوود تتعامل معهم كبشر عاديين وليس كأشرار ووحوش، هي خطة جيدة ولا بد من دعمها دائمًا، لكن يبقى الأهم أن نعود لأن يكون لنا دور فاعل في الحضارة الإنسانية، ليحترمنا ويقدرنا ويعجب بنا العدو قبل الصديق ■