الرحلة العجيبة

قفزت فكرة شقيّة في عقل الصغيرة أُمنية، فتركت ألعابها المسلية واتّجهت إلى معمل والدها، وقبل أن تتسلّل تذكرت كلماته التحذيرية بعدم دخول معمله، ولكن الكلمات تبخّرت أمام فضول أُمنية، فدخلت المعمل بخطوات حذرة متأنية، واقتربت من الأدوات المعملية، وأمسكت أنبوبة اختبار كبيرة، ومزجت فيها بعض المواد بتلقائية، وما هي إلا لحظات وعَلت أصوات مدوّية، وفجأة... ظهرت يد، وبقوة جذبت أُمنية التي خافت ونظرت إلى صاحبة اليد، وسألتها: من أنت؟ 
قالت: أنا تجربة، تجديني في المعامل وأماكن الأبحاث العلمية. أنا سر نجاح كل اختراع، وحضرت لأنك أخطأت بالمواد التركيبية، وفي هذا خطر كبير!
برّرت أُمنية فعلتها: كنت أريد أن أقلّد والدي.
صعدت تجربة على المنضدة العالية، وجلست على كأس زجاجى قاعدته مخروطية، وقالت: أنا لازمت والدك منذ فترة، وأعرف أنه يقرأ ويطّلع قبل الإقدام على أيّة تجربة. 
أُمنية: أنا متحمّسة لتعلّم الكثير عن تجارب المعامل. 
وفجأة! قفزت تجربة وقالت: سآخذك فى رحلة لبلاد عجيبة، وسنصل إليها من خلال هذه الخزانة العالية. 
اقتربت تجربة وأُمنية من الخزانة الموجود بها الأدوات العلمية، وفي لحظة كانتا في مكان عجيب به مبانٍ بلّورية، وقوارير ضخمة، ووسائل انتقال على شكل أنابيب ملتوية. ركبت تجربة وأمنية ناقلًا على شكل دورق زجاجي يقوده عنصر اسمه الصوديوم.
قالت تجربة: أعرّفك بصديقي الصوديوم المسؤول عن التنقّل هنا، لأنه عنصر نشط كيميائيًا. 
قاطعها الصوديوم: وأنا أخفّ فلزّ بعد صديقي الليثيوم. 
وأكملت تجربة: كما أنه يفكّ جزيئات الماء، ويجعل غاز الهيدروجين وأيونات الأكسجين متحرّرة.
شاهدت أُمنية مبنًى جميلًا طوابقه مربّعة متدرّجة، فتركت تجربة وانطلقت مسرعة حتى كادت تصطدم بأنبوب به غاز سام، ولكن تجربة أنقذتها باللحظة المناسبة، وقالت: انتبهي لخطواتك يا أُمنية.
وهنا سمعت أُمنية أصواتًا عالية، قالت: أريد معرفة ما يحدث هنا!!
ردّت تجربة: إنه مبنى الجدول الدوري، وستجدين العناصر بحالة شجار متصارعة.
قال الصوديوم: إنهم الأن في مدينة الألعاب الترفيهية.
قالت أُمنيه: رائع! هيّا بنا، فأنا أحب الألعاب والتسلية.
انبهرت أُمنية من شكل الألعاب! فقد شاهدت لعبة المتاهة، وهي قارورة ضخمة متعرّجة، ووجدت الأكسجين على لعبة الدوّارة مع الهيليوم الذي في لحظة طار عاليًا. لوّحت له أُمنية ثم نظرت إلى الأكسجين، فعرّفها بنفسه: مرحبًا، معك أكثر العناصر الاجتماعية، الكل أصدقائي وأتفاعل معهم، إلا الغازات الخاملة.
وأسرع الأكسجين إلى الحديد ليلعب معه على لعبة الميزان الشائقة، قال الحديد: أنا الفائز بلا شك، فأنا الأثقل، وأنت أوزانك خفيفة، وأنت...
وعندما اشتدت المقارنات أبعدت تجربة وأُمنية الحديد عن الأكسجين بكل الإمكانات، وقالت له تجربة: ألم أحذّرك من اللعب مع الأكسجين؟ لأنك ستصاب بالصدأ، وتتغيّر تركيبتك الكيميائية!!
تدخّل ثاني أكسيد المنجنيز ليساعد الحديد، فهو عامل مساعد، ويقوم بدور كبير في التفاعلات الكيميائية. وأشارت أمنية ناحية عنصر الجميع يتجنّبه، قالت: مَن يكون هذا؟
تجربة: إنه الفلور، متطفّل للغاية، ودائمًا ما يأخذ إلكتروناتهم ليزيد بها طاقته. فجأة دخل عنصر وجد ترحيبًا كبيرًا. 
أمنية: أراه متفاخرًا متباهيًا بنفسه!
تجربة: إنه النتروجين العنصر الرئيسي للهواء الجوّي، وله مكانته الاجتماعية.
وشدّ انتباه أُمنية عنصر ينام داخل إحدى الفقاعات الشفّافة، اقتربت منه ونظرت بإعجاب إلى الفقاعة البلّورية وقالت: مدهش! مَن هذا النائم بعفوية؟
تجربة: إنه النيون، من الغازات الطيّبة، ولكنه خامل، لا يتفاعل مع أحد، ويعتمد كثيرًا على نفسه.
شعر النيون بالصوت، ففتح عينيه وابتسم لِأُمنية، وعاد لغفوته. 
لامست أُمنية بِرقّة فقاعته، وانصرفت مبتعدة. وإذ بالجميع يشعر بهزّة قوية، وأصوات فرقعة نارية، فاختبأت خلف تجربة، وسألتها: ماذا يحدث؟ 
تجربة: إنها التجارب الخاطئة التي يقوم بها مَن هم ليسوا على دراية كافية، فيضرّون أنفسهم ومَن حولهم.
ونظرت أُمنية إلى يد قفّازية تأخذ العناصر بطريقة عشوائية، فحاولت الفرار، لكنها وقعت أسيرة مع بعض العناصر، وتقف بالقرب من أنبوبة تجارب شاهقة تنتظر مصيرها وسط العناصر المرتجفه الخائفة. 
أخذت اليد القفّازية العناصر الواحد تلو الآخر، ووضعتهم في الأنبوبة مع سوائل تغلي في درجة حرارة عالية، وجاء دور أُمنية، وحملتها اليد القفّازيه لترمي بها في الأنبوبة العالية. حاولت تجربة إنقاذها، ولكن دون جدوى أو فائدة! صرخت أُمنية صرخة مدوّية: أنقذونـــــــــــــــي...
وهنا استيقظت أُمنية على يد والدها الحانية، وصوته: لقد تأخّرت على موعد المدرسة! 
نظرت أُمنية إلى فراشها فوجدت كتابًا عن العناصر والعلوم، وتذكّرت أنها كانت تقرأ فيه قبل النوم، فابتسمت وقالت: سأزور يومًا أصدقائي في هذه المدينة العجيبة، ولكن بعد أن أدرسهم وأعرفهم جيدًا.