أمواجٌ ضالّة

أمواجٌ ضالّة

عقلي يزدادُ غموضًا
تعقيدًا
أسئلةٌ قلقة
أحلامٌ نزِقة
تحفرُ في العقلِ الباطن
لا فلسفةَ ...
ولا رمزَ ...
ولا حكمةْ 
لا تجريدَ ...
ولا تحديدَ ...
ولا بسمةْ
أتأمَّلُ حالاتِ الكونِ الممدود
أدخلُ جسدي الجبلَ المحدود
أتحسَّسُ كلَّ حواسي
أسقطُ في حفرةِ سَمْعي
أسمعُ صوتَ النهرِ
ولا ماء
أسمعُ صوتَ البحرِ
ولا موجة
أسمعُ صوتَ الشعرِ
ولا حرفٌ أو موسيقى
أسمعُ صوتَ الألوانِ
ولا خطٌّ أو ريشة
أسقطُ في بئرِ العينِ
وأستدعي «الزرقاءَ» فلا تأتي
كيف سأبصرُ قومًا 
يتخفَّونَ بأوراقِ الأشجار
كيفَ سأبصرُ مَلَكًا 
يضبطُ ميزانَ الأرضِ
وإيقاعَ الأحجارْ
كيف سأبصرُ ثَوْرًا 
يتنفَّسُ مَدَّ البحرِ
وجَزْرَ الموجةِ
يأكلُ زَبَدَ الأنهار؟
كيف سأبصرُ حَشَرةْ
تدخلُ عينَ الحوتِ
وتشغلُهُ عن سحرِ الخُضْرة؟
أخرجُ من أنفي
وأشمَّ هواءَ الأرضِ
الأرضُ على ماءٍ
والماءُ على صَخْرة
والصخرة فوق سَنَام الثَّوْرِ
والثَّورُ على كَمْكَمِ رملٍ متلبِّد
والكَمْكَمُ في ظهر الحوتْ
والحوتُ على ريحٍ غادرةٍ وشَتيتْ
والريحُ على أحجبةِ الظُّلْمةِ
والظلمةُ لا رائحةً لسواها
أدخل في فمِّي
تدخلُ كلَّ سماواتي
يدخلُ مائي
يزرعُ في أمعائي
شَحْناتٍ ضوئيّة
وعواصفَ كونيّة
أنشطةً إشعاعيّة
موسيقى بيولوجيّة
غازاتِ ودُخانا وبُخارا وغُبارْ
أمعائي تحتضنُ صخورَ البحرِ
تعانقُ غاباتِ الأسرارْ
بَرْقٌ ...
رَعْدٌ يُخرجني
أسقط في لمَسَاتي
أتحسَّسُ جِلْدي
أتحسَّسُ أرضي بعدَ الفَتْقِ
هناك دخانٌ يحملُني للعرشِ
لمستُ الماءَ البكرَ
فصار بحارًا ومحيطاتٍ
ولمستُ الموجةَ 
صارتْ نيلا
ولمستُ النيلَ
فخرجتْ مصر
أرسلتُ إليها حَرسًا ذا بأسٍ
زيَّنتُ سماها بمصابيحِ الدهشة والأشعارْ
فاهتزَّتْ تربتُها وَرَبَتْ
أطلقتُ طيورًا تسبحُ في الملكوتِ
وتحملُ حَنْجَرتي
أجعلُها في الجوِّ خليفةْ
وأعلِّمُها أسماءَ البحرِ
وأدعو الأمواجَ لكي تسجدَ لطيوري
ترفضُ أمواجي 
تأكلُ من رمْلِ الشيطان
تزهو فوقَ الشطآن
أطردُها من كورنيشِ «الأنفوشي»
أبني فوق بَقَاياها قلعةَ عشقٍ
ومنارةَ شوقٍ
كلَّ صباحٍ تأتي حفنةُ أمواجٍ
وتقبِّلُ كفِّي اليُمنى
أُمْسكُها باليسرى
تهربُ منِّي
وتعودُ إلى الزَّبدِ المفقود
فلماذا تأتي أمواجي الضالّة؟
عقْلي يزدادُ غموضًا
تعقيدًا
أسئلةٌ قلِقةْ
أحلامٌ نزِقَةْ
تحفرُ في العقلِ الباطن ■