«الجسر»... رؤيةُ سحر خليفة إلى العالم المرجعيّ آفاق بين القلق الوجوديّ وتجلّيات الوعي

«الجسر»... رؤيةُ سحر خليفة إلى العالم المرجعيّ  آفاق بين القلق الوجوديّ وتجلّيات الوعي

إنَّ الشّروعَ في تبيّنِ ما أمسكَتْ به رؤيةُ الكاتبة الفلسطينيّة سحر خليفة في روايتها «الجسر»، الصّادرة في العام 2021، والكشفِ عن استثنائيّةِ الثّقافةِ وفرادةِ عُمقِها غيرِ الحياديِّ، يتوكّأ بدايةً على العنوان بما يُضمر، والّذي حرّره تثويرُ الرّؤيةِ منَ القيودِ التّركيبيّةِ، واستبقاه بصيغةِ الإفرادِ بوصفه لغةً تساندُ في الكشفِ عنِ الجدلِ القائم ما بين الرّؤية، بما تمتلك من ثقافة هي سلطتها العليا، والعالم المرجعيّ (مادّة الأدب)، الجدلِ المسهمِ في تأطيرِ طبيعةِ المسارِ الّذي لا بدَّ من انقيادِ الأنا الفلسطينيّةِ عبرَهُ نحوَ الأفقِ الإيابِ الوطنِ، الفرصةِ الّتي تنفي معها دمارَهَا، بعدَ انسلاخِهَا عنِ القلقِ الوجوديِّ والهمِّ السّياسيِّ الاجتماعيِّ الوطنيِّ، واستغراقِهَا في ترتيبِ كُلّيّتِهَا، وصوغِ ملامحِهَا بعدَ إعادةِ الخلقِ منْ منظورٍ مغايرٍ يستشفُّ المصيرَ المتخطّي الاغترابَ الدّاخليَّ والخارجيَّ، الاغترابَ الّذي كرّسَهُ اصطناعُ المجتمع ِالصّهيونيِّ الدّخيلِ. وقدْ حسمَ التّعريفُ في كلمةِ «الجسر» الوجهةَ والغايةَ بمعزلٍ عن تشعّبِ السّبلِ والتّشتّتِ والحيرةِ والضّياعِ المُربكِ حركةَ الفلسطينيّ الّتي يمسي معها الحضورُ والغيابُ متلازمَين.

 

 و«الجسرُ» شديدُ الالتصاقِ بالمكان، بما يكتنف منْ رسوخٍ وثباتٍ وصلابةٍ وغايةٍ نفعيّةٍ، لكنّه يثيرُ لدى المتلقّي أسئلةً عميقةً بفعلِ ما يحتشدُ فيه من أبعادٍ دلاليّة تلازمُها صفةُ العبورِ المتأرجحِ ما بين التّيهِ والحياةِ، والخلاص والموت... أبعادٍ تشهد نماءً وفق البنية التّركيبيّة الّتي ترِدُ فيها كلمة «الجسر»، بالسّياقِ المستخدمةِ فيه كلّ مرّةٍ، وقد أفصحَت عن ذلكَ افتتاحيّةُ الرّوايةِ، وما تلاها من وحداتٍ سرديّة تنامَتْ حتّى نهاية الرّواية. وكان للتّاريخ = الزّمن، الّذي عاينته سحر خليفة عام  1969، الفاعليّة مع إيحاءاته في تأطير العلاقة المتوتّرة والمتقلّبة مع المكان (الجسر). فإضافة كلمة (الجسر) إلى الرّقم (1969)، في المتن قدّمَتْ جدليّة العلاقة بين رؤية سحر خليفة والعالم المرجعيّ الّذي هو موضوع تاريخيّ (العام 1969)، والّتي تُظهر العمق الاستثنائيّ الّذي تيسّر لتلك الرّؤية الإمساكَ به من ذلك العام المتشظّي بأبعاده، لما اكتنزه من مدلولات مرتبطة بحضور المقاومة الفلسطينيّة بمنظّماتها، في ظلِّ اتّفاق القاهرة، وغوغائيّة العدوّ الإسرائيليِّ وهمجيّته. الحضور الّذي شكّلَ خطوةَ رفضٍ للواقع، مع اختراق الوعي القديم المأزوم، وإشعال صراع الأضدّاد المودي إلى ولادة جديدة مقرونة بالخصبِ الشّبابيّ وبالصّوت الإنسانيّ الفدائيّ الصّاعد الّذي همّهُ الإطاحة بالرّضوخ، وهوَ ما يبشّرُ بالانبعاث الممكن من الجدْبِ والقتلِ والويلاتِ الّتي سيقَتْ مسبقًا مع انكساراتٍ وكثافةِ حزن ٍوكآبةٍ ألمَّتْ بالفلسطينيّينَ بفعل الأحداث المأسويّة المتلاحقة الّتي شكّلَتْ تكثيفًا للتّاريخِ، من عام النّكبة 1948 إلى النّكسة 1967، والمقرونة بالعبث بالحدود الطّبيعيّة للأرض، وتمزيقها لصالح اليهوديّ الّذي جدّ في سلخ الفلسطينيّ عن دياره ومجتمعه ووطنه، بكل الإمكانات المتاحة، وتهويد أرضه، والإطاحة بالهويّة الأصيلة... في ظلِّ هزيمة الحلف الثّلاثيّ العربيّ أمام الجيش الإسرائيليّ. 

«الجسر» شريك بصناعة الحدث
لم يكن الجسر حياديًّا، بل كانَ شريكًا ومتحيّزًا ووسيطًا في صناعة الحدث، والكشف عن علاقة الشّعب الفلسطينيّ المتقلّبة مع المكانِ المستجيبِ للتّحوّلاتِ الواقعيّةِ. فالجسر، بدايةً، كان يُعقّدُ مأزقَ الإنسانِ الفلسطينيِّ أكثر لإسهامه في تعدّد الدّوائر المكانيّة مع مستوياتها، في ظلِّ هشاشته، وفي لحظةٍ تاريخيّةٍ حَرجةٍ «وقفا كالضّائعيْنِ بينَ جموعِ النّاس المتزاحميْنَ أمام جسرٍ قيلَ إنّه جسر العودة... جسر هزيل... لكنَّ الجسر ما عاد خشبيًّا ولا فجره ضاحكًا». يَظهرُ الجسرُ وسيلةً لاجتياز الوطن نحو المنفى، الأردن، حيث المخيّماتُ المحاصرةُ والمغلقةُ، الّتي تكشفُ حدّةَ التّقاطبِ ما بين الوطن ورحلة المنفى، في ظلّ طبيعة الجسر غير الإسمنتيّة أو الحديديّة، بل الخشبيّة القابلة للتّفاعل السّلبيّ مع مستجدّات الواقع، أيْ التّفتّت وقطع السّبل بعد الانهيار، في لحظةٍ داهمةٍ، بفعل الاستهلاك المُفرط زمنًا، بعيدًا عن الصّيانة والرّعاية، وهو ما ينفي دوام الاستقرار والأمن، بل يربك رحلة المنفى ويهدّدها. «لكنّ النّاس، أغلبهمُ وقد ملُّوا الهزائمَ والنّكباتِ... مشَوا خطواتٍ تترنّحُ فوقَ جسرٍ خلا إلّا منَ الجيشِ وخوزاتٍ رصاصيّةٍ وبنادقَ، وهم يحملُونَ صررًا وأطفالًا وأرغفةَ خبزٍ، ويغلّفُهُم ضبابٌ كثيفٌ وصمتٌ مطبقٌ». يبينُ الجسرُ، في ما سلفَ، سبيلًا نحوَ المطلقِ المجهولِ بوصفه خيارًا مباحًا قسرًا يجرّدُ منْ صفةِ الأنسنة، ويحيلُ إلى التّشيء، أي يقضي على الهويّة والحضور والنّفع، خصوصًا حين يُجرَّدُ الفلسطينيّ من مقدّراته، في ظلِّ فقدان التّوازنات، الفلسطينيّ الّذي لا يشعر بكونه قوّة فعل، بل يلوذُ بالمجهول مع أطفاله وما تيسّر من الخبزِ، وهمّه الفوز بالبقاء المرفق بالغياب وخسارة الوطن، مع استمرار المأزق. 
 كما تجلّى الجسرُ رمزًا لرحلةٍ تنفرعُ إلى واقعيْنِ مرجعيّيْنِ مؤرَّقيْنِ بالهمومِ الوجوديّةِ، لكلٍّ اتّجاهٌ خاصٌّ دلاليًّا، وهو ما عاينته عينا وفاء ونبيل الفدائيَّيْنِ والحبيبَيْنِ وبطلي الرّواية. قالت وفاء «جسر الفراق، جسر الضّياع، جسر الغربة». صحّح نبيلٌ قولها «بل جسر الشّوق، واللّقاء، والمحبّة». إنّ ما سلف يوضح أنَّ الجسر ينضوي في دوالِّهِ على صراعٍ مفتوحٍ على جدليّةٍ ضدّيّةٍ: (المنفى العودة)، جدليّةٍ تختزلُ التّاريخ الفاصلَ ما بين التّنازلِ عنِ الحضورِ قسرًا في ظلِّ أزمةِ الوطن- الهويّةِ والانتماءِ- وسوداويّةِ المشهدِ معَ الحضورِ الإنسانيِّ المُجْدِب، وبينَ الرّغبةِ في التّصدّي للاحتلال والإقصاءِ، الرّغبةِ الّتي تُحال إلى فعلٍ لتثوير الواقعِ على ذاته، والانتقالِ بعلاقاتِهِ ومناخاتِهِ القلقةِ والخانقةِ منَ الاضطهادِ إلى الحرّيّة، ومنَ المظلوميّةِ إلى العدالةِ، ومنَ الرّضوخِ إلى المقاومةِ والخلاص.

تفاؤل حذرٍ وانتصار مرتقبٍ
لقد كشف فضاء الرّواية عن تجاذب رؤى الشّخصيات أطراف العالمين المرجعيّيْنِ، بهمومها الّتي لا تنسلخ عن هموم الكاتبة الّتي تجتاز بالقارئ فصول الرّواية وأحداثها، في تفاؤل حذرٍ يشرّع المسار على انتصار مرتقبٍ وحتميٍّ، على الرّغم من المطبّات الّتي تحكمه، والملزمِ بتجاوز الذّكرى الملأى بالسّواد الطّاغي، لأنَّها إذا تغلّبَت على الذّاكرة الفرديّة يتحوّل الوعي من إحباط فرديّ إلى إحباط جمعيّ، وبالعكس. 
  لقد برز التّأرجحُ في فاعليّةِ الزّمنِ الّذي أُقصيَ بُعدُه النّمائيّ في عينيْ تلكَ الفئة من الفلسطينيّينَ المنهزميْنَ فاقدي الأمل، ليتصاعدَ حضورُ الزّمنِ الّذي يسحُّ كآبةً، ويطالَ الفلسطينيَّ ومجتمعَه وأشياءَه بما هو سلبيّ بفعل وحشيّةِ العدوّ وعنصريّته، مع ما يرفق ذلك من انهزامِ الحسِّ الوطنيِّ والقوميِّ، ومساندةِ أنفاسِ الإحباطِ الزّمنَ في إلغاء ملامح الخصوصيّةِ، مع تكريس الضّياع والتّفكّك العائليّ والمجتمعيّ بفعل الشّتات. لقد تحوّلَ الزّمنُ في علاقتِهِ بالجسرِ بواقعيْهِ، إلى همّ وبُعدٍ مفصليٍّ ضاغطٍ، لأنّه يفتقدُ هيمنةَ هويّتِه على مرحلة مضطربةٍ ومرتبكة في الكثير من محطّاتها، مرحلة شكّلَتْ فضاءً تاريخيًّا لرواية الجسر زمانًا ومكانًا، وهي تمتدُّ بالأزمة والتّبعات من الخمسينيات حتّى الثّمانينيات، وذلكَ بفعل رهان الظّالم على ظلمه، وإمعانه قسوةً، مستثمرًا نتاجات العلم وسلطة القوّة لتكريسِ حضوره وهويّته الدّخيلة على الواقع الفلسطينيّ.
 والكاتبةُ رائيّةٌ تكشفُ برؤاها عنِ الأبعادِ الثّلاثةِ للزّمنِ، بقدرِ استيعابِها مشاهدَ الماضي المُغتالِ وحراجته وفقَ الشّروطِ التّاريخيّةِ القائمةِ على ثقافةِ المُحتلِّ التّدميريّةِ الإقصائيّةِ بالمطلقِ، والّتي أسقطَتْ أنساقَهَا القِيَميّةَ على الواقعِ منذ نكبة 48، فغدَتْ معها الهويّةُ الفلسطينيّةُ مرَاوغةً، يغتربُ عنها زمانُها ومكانُها ما بينَ المظلوميّةِ والتّهجيرِ والفُرقةِ والغربةِ والنّفي والرّحيل. 
إنَّ دلالاتِ تلكَ المشاهدِ الرّمزيّةِ تقعُ تحتَ طائلةِ إدراكِ الكاتبةِ تمدُّدِها واقتحامِها حاضرًا يتأرجحُ ما بينَ العدمِ والوجودِ، الحقيقةِ والحلمِ، اليأسِ والأملِ، النّهرِ والأرضِ، الفقرِ والغِنى، الحربِ والسّلمِ، الصّمود والهزيمة، البقاء والرّحيل، الرّضوخِ والمواجهةِ، التّقليد والحداثة «لكنَّ النّكسة هدَّتهم، وجموعٌ جديدةٌ تزاحمُهم على لقمةِ العيشِ. طارَ الحلمُ وانتشرَ اليأسُ»... يُفسِّرُ ما ورد من كلام الانقسامَ في الموقفِ من العدوّ بين أبناء الهويّة الواحدة، فهناكَ منْ سلّموا بفائض قوّة العدوّ المطلقة، فأقرّوا بالضّعفِ ليشكّلَ ذلكَ عائقًا إضافيًّا معرقلًا إعادة قيام الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة مع استعادةِ حدودِهَا وكيانِهَا، لذا تجلّى الارتدادُ المطّردُ الّذي أسقطَ الحاضرَ الفلسطينيَّ على الماضي، والماضي على الحاضر، وهو ما كرّسَ المراوحةَ في القطبِ السّلبِ من المنفى والاغترابِ عن الأرض جسديًّا أو معنويًّا، في زمنٍ دائريٍّ، اشتملَ على الثّباتِ مرحليًّا، إلى أنْ عُدِّلَ سياقُهُ الحركيُّ بفعلِ منْ آمنوا بعزمِهِم في المواجهةِ والانتصارِ، والّذين قرنوا الزّمن بمحاولاتٍ تحرّريّةٍ وتحريريّةِ، بدأتْ بها المقاومةُ الفلسطينيّةُ ضدَّ العدوِّ الإسرائيليِّ، عبر مواجهاتٍ فرديّةٍ وجماعيّةٍ، منظّمة واندفاعيّة تبشّرُ ببوادر مشروع وطنيّ يساير تطلّعات الشّباب الفلسطينيّ الثّائر «فانتفضَ الشّبابُ ولبسوا الكاكيَّ وقاموا بعمليّاتٍ فدائيّةٍ خلفَ السّياجِ وحدودِ النّهرِ، ولاحَ في الأفقِ أملٌ جديدٌ بحلمِ التّحريرِ». إنَّ إفساحَ الدّورِ للوعي النّاهضِ ليتّخذَ مجراه هو الّذي مدَّ الرّوايةَ بنصيبٍ من الانفراجِ، بعدَ أنْ شرّعَ الزّمنَ على مصراعيْهِ واحتمالاتٍ لا تنقطعُ، إذ تمَّ الارتقاءُ إلى صيرورةِ تحوُّلٍ فيهِ تجاوزٌ للزّمن شبه المعطّل، وهوَ ما عزّزَ الحاضرَ بالإيمانِ الّذي لا يشيخُ معه الزّمن، وبفرصةِ انتصارِ الضّوءِ على الجرحِ.

الحاضر الفلسطيني ومجابهة المستقبل
  إذًا، لا يبدو الحاضر الفلسطينيُّ، في فضاءِ الرّوايةِ، عاجزًا عن تخطّي استحالتِهِ، وذلكَ عبرَ مجابهةِ المستقبل غير المستحيلِ والمُرغِمِ على الحركةِ قُدمًا، والقبضِ عليه، لاقترانه بالأمل المُشرِّع للوعي الفلسطينيّ الضّدّيّ وصلًا حداثيًّا يمسي فيه قادرًا على الدّخول في رحلة النّشأة وإعادة تكوين الحضور المعاصر بعيدًا عن الهامشيّة والاقصاء والاستسلام، بفعل تمرّد الأنا الفلسطينيّة الفاعلة للوعي على طرائق أدائها القديمة بعد معاينة الواقع، والسّعي إلى تغيير أحواله، والانقلابِ على المرحلةِ الزّمنيّةِ الماضيةِ المطفأةِ لإيغالها في إرهابِ العدوِّ الإسرائيليّ وعنفِهِ، واقتحامِ الحاضرِ بمقوّماتِ الفاعليّةِ للتّأسيسِ للمستقبلِ الّذي تعتزلُ فيهِ الأنا الفلسطينيّةُ سفرَها المُحبِط، وهكذا يتمُّ تجاوزُ الانتصارِ نفسِهِ، بانتصارٍ آخرَ، مع الخروج من المأزق الوجوديّ، على الرّغم من محدوديّة الإمكانات الّتي قد تقيّد الرّؤى، وتُعيق التّعامل مع المستقبل بفعل التّناقضات. 
  لقد شكّلَ العالمُ الرّوائيُّ في رواية «الجسر» عمقًا من أعماق العالم المرجعيّ، وهو العمق الّذي يتلمّس فيه المتلقّي النّموذجيّ، وفق مقولة «أمبرتو إيكو»، ما تنطوي عليه كتابةُ سحر خليفة من جسارة إبداعيّة تقرنُ تثويرَ الرّؤيةِ بتثويرِ التّقنيّةِ المسهمةِ في اقتحام الوعي واللّاوعي الجمعيّ للثّقافة. ولقد قُرِنَتْ الجسارةُ الكتابيّةُ بجرأة إنطاق المسكوت عنه في مجالات الممارسة العمليّة للأفكار السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والعقائديّة، أيْ تحديد العمقِ المكتشفِ من أعماق العالم المرجعيّ، والّذي أمسكت به رؤية سحر خليفة المتملّكة ثقافة عصرها، والمتخطّية إيّاها بخصوصيّتها، وهو ما بيّن فرادة بصمتها الّتي حكمتها وأهّلتها لرصد ما لم يرصده أحد غيرها من الكُتّاب، منتجةً بذلكَ الجماليّةَ الأدبيّة الّتي تجتذب المتلقّي وتستفزّ دهشته حيال المُكتشف الجديد، والمجَسَّدَة في اللّغة وعلاماتها الدّالة على دوافع الانتقال بعلاقات الواقع إلى آفاق الحرّيّة، والوعي الضّدّيّ التّجاوزيّ المتجسّد مسؤوليّةً اجتماعيّةً هادفة إلى التّغيير الجذريّ نحو الإيجاب. ولقد بانت الهواجس كامنة داخل ذات المرأة المهووسة بالقلق والأسئلة أكثر من الإجابات عنها، الذّات الّتي ظلّت تقبض على زمام الأمل المعادل الحضور، لأنّ سقوطه الكلّي يعني موت الإنسان، لذا شكّلت المرأةُ حضورَ الأنا الفلسطينيّة الواعية والفاعلة، بما يربو على حضور الرّجل. ولقد انحازت إليها الكاتبة، ومنحتها فرصتها المُتّسمة بالوعي، مع إمكانات تحقّقها لتتخفّى خلفها كاشفة عن هموم الكاتبة واهتماماتها وقناعاتها، وهي مكوّنات الأدبيّة المرتبطة برؤية المرأة إلى العالم الموضوعيّ، لإدراكها طبيعة العلاقة مع الواقع ومدى حساسيّته، بعيدًا عن الاستقلاليّة. وقد تبدّى الوعي منشقًّا على واقعه، يذخر بالانفعال والتّمرّد على أدوات إنتاج المعرفة، وعلى سبل التّماشي مع السّائد ■