ورقة مطوية من ملف الشعر الكويتي عبدالعزيز الرشيد... وقصيدة مجهولة

ورقة مطوية من ملف الشعر الكويتي  عبدالعزيز الرشيد... وقصيدة مجهولة

 «لا يفتى ومالك في المدينة»... لعل هذا القول المشهور الذي سرى مسرى الأمثال هو لسان حال كاتب هذه السطور، وهو يتحدث عن رائد من رواد الثقافة العربية، وأحد الرموز البارزة من الرعيل الأول في الكويت، ونعني به مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد (1301-1257 هـ/1883-1938 م)، لا في محفل عام، بل أمام عشيرته وأهله وبني وطنه وأقرب الناس إليه دمًا ونسبًا وفكرًا. ومعنى هذا أنه ليس هناك ما هو جديد قد يأتي به كاتب مهما كان شأنه، فعبد العزيز الرشيد صاحب «تاريخ الكويت»، شأنه في ذلك شأن الروّاد الأوائل قد أوسعه الباحثون درسًا وبحثًا في شتى جوانب حياته ونتاج فكره، بدليل كتاب الدكتور يوسف يعقوب الحجي «الشيخ عبد العزيز الرشيد... سيرة حياته» الذي لم يترك شاردة أو واردة في حياة الشيخ مهما صغرت، فضلًا عن وجود ابن بار بأبيه وهو الدكتور يعقوب عبدالعزيز الرشيد الذي هو في حقيقة الأمر ذكر ثان للأب، فنعم الأبناء ونعم الآباء. 

 

من هنا لا يجد الكاتب، أي كاتب مجالًا لمستزيد إلا في معرض ترسيخ مفاهيم القدوة الصالحة والعمل الدؤوب وإذكاء روح النهوض ومضي العزم وكيفية التغلب على المصاعب والعقبات، لدى النشء من شباب الأمة العربية.

الشعر السياسي لعبدالعزيز الرشيد
 غير أننا سوف نعرض لجانب من جوانب الشيخ عبدالعزيز الرشيد لم يظفر من الكتّاب والأدباء بالقسط المناسب من الاهتمام وهو عبد العزيز الرشيد الشاعر، علي الرغم من أن الشيخ قد أورد بعضًا من أبيات عدد من قصائده في أكثر من موضع في كتابه لاسيما قصيدته الطويلة التي بلغت نحو ثلاثمائة بيت والتي أُورد بعض أبياتها، كما أن الدكتور يوسف يعقوب أورد بعضًا آخر من أبيات عدد من قصائده مثل قصيدته عندما «سمع الشيخ عبد العزيز عن الإصلاحات التي بدأ بها الملك الشاب عبد العزيز آل سعود في نجد فاستبشر به خيرًا وبعث له بقصيدة عام 1923». وعلى الرغم من أن الشيخ عبدالعزيز الرشيد لم يشتهر بالشعر كما هو معروف، إلا أن الغالبية العظمى من قصائده تُعدّ من الشعر السياسي والذي نعتقد أن هذا النوع من القصائد متمم لكتابه وهو يؤرخ للكويت.
 وسوف نعرض الآن لقصيدة لم يشر إليها الشيخ، أو أيٌّ ممن كتبوا عنه، ولعلنا لا نجاوز الصواب إذا قلنا إن هذه القصيدة جزء أصيل من حياة الرجل، كما أنها جزء أصيل أيضا من تاريخ الكويت، وقد أوجز الشيخ سياقًا تاريخيًا لم يشر فيه إلى القصيدة، فكتب تحت عنوان «المراجعات بين ابن السعود والأمير في المسابلة»، يقول: «في رجب سنة 1340 كتب ابن السعود إلى سمو الأمير يخبره بعزمه على منع رعاياه من أهل نجد والبادية عن الكويت، وصرفهم إلى مسابلة بلاده كالقطيف والإحساء والجبيل ، وقال إنه لم يقدم إلى ذلك إلا اضطرارًا...إلخ». والمسابلة هي نوع من التجارة أو التبادل التجاري بين أهل الجزيرة العربية في النصف الأول من القرن الماضي. ولعل أصدق وصف وتعريف للمسابلة ما أورده يوسف بن عيسى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» بقوله: «يسابل الكويت أغلب الأعراب من نجد والعراق والجنوب ولو بعدت عليهم السبيل. والسبب في رغبة الأعراب في مسابلة الكويت هو استعداد الكويت لجميع حاجات البوادي، ويشتري الكويتيون من الأعراب ما عندهم من صوف وسمن وأباعر وأغنام فإذا قدموا صفاة الكويت فإنه لا تمضي عليهم ساعة إلا وقد باعوا ما لديهم واشتروا ما أرادوا وخرجوا من فورهم». وبسبب هذه المسابلة كان هناك تدهور في العلاقات الاقتصادية على حد تعبير الدكتور مصطفى أبو حاكمة في كتابه «تاريخ الكويت الحديث» بين الكويت ونجد في هذه المرحلة (1923-1937)، وهذا التدهور «مرده السابلة أي عربان نجد الذين يقصدون الكويت في مواسم خاصة للتزود بما يحتاجون من مؤن وملابس، وكانوا لا يدفعون أموالًا بديلًا لذلك، بل يعودون بعد عام أو أكثر لسداد دينهم لتسليم تجار الكويت أغنامًا وجِمالًا وفاء لذلك الدَّين. كانت هذه الطريقة تحرم نجد من دخل جمركي كبير، لو أن البادية اشترت تلك البضاعة من موانئ نجدية في الأحساء كالقطيف».
هذا هو السياق التاريخي الذي جعل مؤرخ الكويت الشيخ عبدالعزيز الرشيد ينظم تلك القصيدة التي لا يدري من أمرها أحد ممن تحدثوا عن الشيخ أو حتى ممن كتبوا عن تاريخ الكويت، وهي قصيدة قد أتاح لنا الحظ أن نعثر عليها في أحد أعداد مجلة «الفتح»، التي كان يصدرها محب الدين الخطيب، وتحديدًا في العدد 537 الصادر في 7 ذي الحجة سنة 1355هـ، ولعل نشرها يكون حافزًا لكتاب وأدباء الكويت في جمع شعر هذا الشاعر المؤرخ، كما أن نشرها يبيّن للنشء من أبناء الوطن العربي الكبير أن رجلًا كويتي المولد عروبي الهوى والهوية، مقيم بأقصى البلاد في جزيرة جاوة إحدى جزر إندونيسيا يعلم بزيارة الملك عبدالعزيز آل سعود سلطان نجد وقتها إلى بلده الكويت في غمار التدهور بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين فيعبر عن شعوره وهو على البعد بهذه القصيدة مع مقدمتها النثرية. ولعل قارئ هذه القصيدة قد يسرف على نفسه إذا حاول أن يتلمس مواضع البلاغة أو الجمال الفني، أو حسن الصياغة وغير ذلك من أمور يحفل بها النقد الأدبي عادة، وإنما تأتي أهمية القصيدة من وجهين:
الأول: هي نتاج مجهول لمؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد، أحرى به أن يسجل في أدبيات الكويت وتاريخها، ويكون تحت بصر الأجيال الشابة، تذكرة لجهاد الآباء في سبيل الكويت، وهذا أمر ليس بالقليل.
الثاني: أنه يتطرق لمرحلة دقيقة بين الكويت والرياض في صورة قد تعجز عن إيضاحها كتب التاريخ، أو ربما لا تتوقف عندها.
 إذن، فما نظمه عبدالعزيز الرشيد هو جزء من تاريخ الكويت، كما أنه جزء من تاريخ المملكة العربية السعودية إبان مرحلة التأسيس، وهذا - أيضًا - أمر ليس بالقليل.
وفيما يلي نص القصيدة وما كتبه عبد العزيز الرشيد من مقدمة نثرية تمهّد للجو الذي قيلت فيه، والذي جاء في مجلة «الفتح» بعنوان: «الكويت ونجد».

الكويت ونجد 
لقد طال أمد التقاطع بين الرياض والكويت إلى حد كاد اليأس يستحكم في النفوس، وقد أصيبت الكويت من هذا الجفاء بما أذهب جمالها وأزال رونقها وأكسبها بعد القوة ضعفًا. وكان المحبون لها ولأهلها يودّون من صميم أفئدتهم أن تزيل يد الحكمة كل ما أصابها لترجع المياه إلى مجاريها، لكن لكل أجل كتاب. إن الزيارة الميمونة المعروفة التي تفضل بها صاحب الجلالة أسد الجزيرة المعظم على الكويت في العام الماضي قد نزلت عليها وعلى أهلها نزول الغيث على الأرض الجدباء، وأحيت ما في القلوب من آمال كادت تُقْبر، زيارة ظهر فيها جلالته بمظهر الأب الحنون الشفوق على أهل تلك المدينة صغيرهم وكبيرهم، وعطف على البائسين منهم، بما أذهب بعض ما يشعرون به من آلام، وآسى بيده الكريمة جروحها الدامية فبكت من شدة الفرح والوصال، كما بكت من قبل من طول التجافي والهجران.
 يا عين قد كان البكا لك
عادة تبكين من فرح ومن أحزان 

لقد أبقت هذه الزيارة الميمونة من جلالته في نفس أمير الكويت المعظم الشيخ أحمد الجابر الصباح أثرًا جميلًا، فوصف جلالة الملك المعظم في إثرها وصفًا برّ فيه سمو الأمير وصدق، وصفًا ينطبق على جلالته تمام الانطباق في أقواله وأفعاله وآماله وأعماله.
وعسى أن تكون هذه الزيارة المباركة هي أول الغيث على ربا الكويت فيزول بما سيتبعها من زيارات أخرى مثلها ما تعانيه الكويت من ضنك أخذ بالخناق، وضيق أقلق منها الراحة وليس ذلك على كرم صقر الجزيرة بعزيز، أدامه الله ذخرًا للعرب والإسلام وملجأ يلتجئ إليه أبناؤها من هوج العواصف والمصائب.
 همس البشير بلهجة جذابة
 والبشر يطفح في الجبين ويشرق 
 إن (الكويت) مع (الرياض) تضامنًا 
وبنوهما هجروا الجفاء وطلّقوا
 (أسد الجزيرة) و(الأمير) تصافحا
 فالكل يجهر بالولاء وينطق
 وتعانقا من بعد طول قطيعة 
شعر الجميع بويلها وتحققوا
 خبر أزال من الفؤاد همومه
 من بعد ما كاد الفؤاد يمزق 
هي نعمة أرجو الإله يديمها
 ليذل من يهوى الشقاق ويعشق
وتزول من تلك القلوب مرارة
 تشوي مرارتها القلوب وتحرق

  ***
(أسد الجزيرة) وهو رافع رأسها 
يحنو على أهل (الكويت) ويشفق
وتحل يمناه الكريمة عقدة
 في حلّها تعب الأساة وأخفقوا
ويزيل من قلب (الكويت) وأهلها
 أمرًا به كسر القلوب محقّق
أهل الكويت ومن أطول بفضلهم 
سيان منهم شانئ أو مشفق
فاسدوا إلى أسد الجزيرة سادتي
 شكرًا يضوع به الفضاء ويعبق
ودعوا الجميع يرددوا في حفلهم
 فليحي مَن من فضله لا يلحق 
وليحي من هو للجزيرة صقرها 
وليبق من هو طودها والأبلق
(عبدالعزيز) ومن به آمالكم 
عما قريب سادتي متحقق
فله عليكم منة في عطفه 
والعطف خلّته التي لا تخلق
ولنا شهود جمّة في قولنا 
والحادثات بأسرها لتصدّق 
أهل (الكويت) ومن تزيد مسرتي 
إن غربوا للمكرمات وشرّقوا 
وتسابقوا في نيل كل كريمة
 يعلو بها أقرانه من يسبق
إن التقاطع بين أمّة أحمد 
مَرَضٌ به روح السعادة تزهق 
فتجنبوا أوحاله في مشيكم 
وتحذّروا في دربه أن تزلقوا
وقت التشاحن قد مضى بشروره
 وأمامكم وقت المودة يشرق
فتعاهدوا يا سادتي أن تتركوا 
أعلامها بين المعاهد تخفق
وإلى أميركم المعظم (أحمد) 
من حكمه في كل منكم مطلق
وألو النصيحة وهي أثمن مقتنى
 فسموّه بنصيحكم يترفق
وله بخلق الحلم أظهر ميزة 
أما التواضع فهو فيه موفق
وتعاضدوا وسموّه فيما به 
معه البلاد ونورها يتألق
والعلم أحيوه فما من أمّة 
بالعلم تسبق في الحياة وتلحق
إن الحياة بغير علم لجّةٌ 
يهوى بها الخلق الشريف ويغرق
إن المكارم لا يقود زمامها 
بين الأكارم جاهل أو أخرق
من رام يبني في الحياة فخاره
 من غير ما شرف فذلك أحمق
واسوا الفقير بمالكم وبجاهكم 
وعليه فاحنوا واعطفوا وتصدقوا
واحموا الحقيقة أن يدنّس عرضها
 وغدًا له في الموبقات تأنّق 
ودعوا التفرّق والتشفّي والهوى
 إن الهوى لهو البلاء المطبق
واقلوا التخاذل في صلاح أموركم
 إن التخاذل خرقه لا يرتق
أهل الكويت ومن أريد حياتهم 
وأود من قلبي لهم أن يرتقوا
هذي نصيحتيَ التي أرجو بها
 يوم المخارف ما يسبّب يعتق ■