كريسبر ومقص الجينات حلم يتحقق بالتعديل على الجينات

كريسبر  ومقص الجينات حلم يتحقق بالتعديل  على الجينات

 المتابع لأفلام الخيال العلمي لا بد أن يلاحظ بعض أحداث المستقبل المتوقعة، والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق، ومن خلال تعديل يطمح العلماء إلى القيام به لعلاج بعض الأمراض الوراثية وإنتاج نسخة مثل إنسان السوبر الذي يتفوق علينا بالقوة والذكاء وتحمل الضغوط البدنية. وما يتوق له العلماء لن يتحقق إلا بالدخول إلى النواة وتعديل الحمض النوي (دي. إن. إي)، وبخاصة أن هناك آليات تقوم بها الخلايا لإصلاح العيوب في الشريط الوراثي. وقد برز مصطلح «إصلاح الحمض النووي» بقوة عام 2015، عندما مُنحت جائزة «نوبل» في الكيمياء لثلاثة باحثين، هم: توماس ليندال، وبول مودريتش، وعزيز سانكار، تقديرًا لجهودهم في «وضع خريطة لكيفية إصلاح خلايا الحمض النووي التالف على المستوى الجزيئي، وحماية المعلومات الوراثية».

 

الحمض النووي (DNA) هو جزيء غير مستقر، يتحلل ببطء مع مرور الوقت ويمكن أن يتلف خلال النشاط اليومي، ولكي تستمر الحياة، لا بد من وجود آليات إصلاح ذاتية لإجراء هذه العملية، أما الفشل في إصلاح العيوب التي تحدث في المادة الوراثية فيؤدي إلى احتمالات إصابة الإنسان بالسرطان والاضطرابات العصبية ونقص المناعة والشيخوخة المبكرة.

أجسامنا وترميم الحمض النووي
من حسن الحظ أن أجسامنا لديها القدرة على إصلاح انكسارات الحمض وترميمها بشكل طبيعي، لكنها قد تعجز عن أداء هذه المهمة نتيجة مجموعة من العيوب التي تتسبب في عدم إتمام هذه الآلية فهم الآلية التي تسلكها الخلايا لإجراء عملية إصلاح العيوب التي تحدث في المادة الوراثية، ففي حال لم تتم هذه العملية بشكل سليم وسريع قد تؤدي إلى حدوث أمراض أبرزها خرف الشيخوخة، والضمور في الجهاز العصبي، كما يمكن أن تسبب الإصابة بالسرطان.
في البكتيريا آلية مشابهة لذلك من خلال الاحتفاظ بأي تعديلات على الشريط الوراثي (دي. إن. إي) وحصره ضمن منطقة معينة بفواصل خاصة بحيث يرجع إليها في حال الإصابة بالفيروسات، حيث تعمل هذه الفيروسات عند دخولها للنواة على وضع الشريط الوراثي الخاص بها ضمن الشريط (دي. إن. إي)، وعند انقسام الخلية/ البكتيريا فإنها تنقسم بشكل مضاعف، والبكتيريا تنقسم إلى اثنتين تنقسمان بدورهما بسرعة كبيرة بحيث تصبح مستعمرة من البكتيريا الحاضنة للفيروس لكن يمكن لبعض البكتيريا أن تقاوم، ولا يستطيع الفيروس أن يلصق شريط الوراثة الخاص به ضمن نواة البكتيريا، هنا تقوم البكتيريا بحصره ضمن منطقة بالشريط الوراثي (دي. إن. إي) وبفواصل خاصة لكي تتعرف البكتيريا على الفيروس. ذاكرة البكتيريا تكون من خلال الجزء الذي احتفظت به ضمن شريطها الوراثي (دي. إن. إي)، وهذه العملية هي ملخص لكريسبر وكاس 9 مقص الجينات فمن خلال آلية القص واللصق يمكن للعلماء الاعتماد عليها في أي تعديل على الشريط (دي. إن. إي) مستقبلا.
ما سبق كان حلمًا راود العلماء، في التعديل على الجينات سواء كانت بشرية أو على البكتيريا، وبخاصة أن هذه التقنية موجودة في الخلية الحية ومحاولة تقليدها بتأثير خارجي يمكن أن يسهم في علاج كثير من الأمراض. تقنية جديدة في الهندسة الوراثية تُسمى تقنية «كريسبر» CRISPR تتيح للباحثين تغيير الحمض النووي لأيّ كائن حي بسرعة فائقة وهي تقنية رخيصة التكلفة، وسهلة الاستعمال اجتاحت مختبرات العالم كالإعصار. ويأمل الباحثون استخدام هذه التقنية لتعديل جينات البشر، بغرض القضاء على الأمراض، وإكساب النباتات قوة تحمُّل، والتخلص من مسبِّبات الأمراض.
الآن تتوفر للعلماء تقنيّتان ثوريّتان في الهندسة الوراثية، هما «كريسبر»، وتفاعل البوليميريز المتسلسل» (الذي يذكرنا بفحوصات كورونا التي تعمل على إكثار جزء من الشريط الوراثي بحيث يمكن الكشف عليه بالمختبر من خلال قراءة الشريط الوراثي ومقارنته بما هو موجود في المختبر من فيروسات).

أهمية تقنية كريسبر
 تؤثر تقنية «كريسبر» على العديد من علوم الحياة من عدة جوانب، وهي في ذلك تشبه تقنية تفاعل البوليميريز المتسلسل لتضخيم الجينات، التي أحدثت ثورة في الهندسة الوراثية، بعد التوصل إليها في عام 1985. جائزة نوبل للكيمياء لسنة 2020 منحت للفرنسية إيمانويل شاربينتييه، والأميركية جينيفر دودنا اللتين قامتا بتطوير طريقة لتحرير الجينوم تُعرف باسم «كريسبر- كاس9»، والتي تتضمن استخدام إنزيم يُسمَّى النيوكليز (Nuclease) ومنها كاس 9، وهو يعمل بمنزلة مقص جزيئي «لقطع» الحمض النووي. وباستخدام هذه التقنية يمكن للباحثين تغيير الحمض النووي للحيوانات والنباتات والكائنات الحية الدقيقة ويمكن أيضًا تغيير كود الحياة على مدار بضعة أسابيع، وكان لهذه التكنولوجيا تأثير ثوري على علوم الحياة، كما أنها تسهم في إيجاد علاجات جديدة للسرطان، وقد تجعل حلم علاج الأمراض الوراثية يتحقق عمّا قريب. عملية تحرير الجينات تتكون من بروتين وجزيء من جزيئات الحمض النووي الريبي RNA. يمثل المكون الأول شكلًا معدلًا من إنزيم كريسبر المعروف، ويسمى كاس 9، مقترنًا بإنزيم ثانٍ يسمى إنزيم النسخ العكسي (reverse transcriptase). أما المكون الثاني فهو شكل معدل من الحمض النووي الريبي الدليل، ويُسمَّى pegRNA، وهو يقوم بوظيفتين هما: تحديد الموقع المستهدف في الحمض النووي، والعمل كقالب للتحرير المطلوب. 
في الموقع المستهدف، يصنع إنزيم كاس 9 المعدل شقًّا في أحد شريطي الحمض النووي، ويقوم إنزيم النسخ العكسي بنسخ الحمض النووي الريبي الدليل المعدَّل مباشرةً إلى شريط جديد من الحمض النووي متصل عند تلك النقطة، حرفًا حرفًا. تخلق هذه العملية قطعة إضافية من الحمض النووي تحمل التسلسل المُحرَّر. يقوم محرر الجينات الأَوَّلي بعد ذلك بقطع الشريط غير المُحرَّر وإحلال الشريط المُحرَّر محله.
النيوكليزات مثل (كاس 9) تشبه في عملها المقص، والمحررات القاعدية تشبه أقلام الرصاص، والمحررات الأَوَّلية تشبه معالجات النصوص»، فهي تؤدي ما يشبه مهمة «البحث والاستبدال» للحمض النووي. وبالطبع لا يتوقع نجاح جميع عمليات القص بالجينات، ومن الممكن ألا تنجح جميعها، إلا أن النتائج مشجعة في المختبر، وهناك بعض الشركات تعمل على تطويرها في إنتاج الأدوية، مثل شركتي إديتاس ميديسين (Editas Medicine) وبيم ثيرابيوتيكس (Beam Therapeutics)، اللتين تقومان بتطوير علاجات قائمة على تقنية كريسبر، وبخاصة إذا علمنا أن الناس يحملون ما متوسّطه 100 إلى 400 من الجينات غير الطبيعية.

الإنزيم المعدل والمناعة
 الإنزيم المعدل والحمض النووي الريبي (RNA) يعملان على تنشيط جهاز المناعة في الجسم، مع العلم بأن الحمض النووي الريبي في الأصل من بكتيريا، ويأتي الإنزيم من فيروس، وبالتالي فهي من التحديات أمام العلماء في تطبيقها على البشر، كما أن إضافة إنزيم النسخ العكسي يمكن أن تنسخ أيضًا حمضًا نوويًّا ريبيًّا آخر في الخلية إلى حمض نووي يمكن دمجه بعد ذلك في الجينوم، مُسببًا تأثيرات غير مرغوب فيها.
والآن لنعد إلى تقنية كريسبر وكاس 9 أو تقنية مقص الجينات التي تتعلق ببروتين وإنزيم وشريط من (دي. إن. إي). ولتقريب المفاهيم للقارئ نقوم بتوضيحها كالتالي: بالنسبة للكريسبر، وهي اختصار للتكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد (Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats)‏، وهي عبارة عن تقنية في الهندسة الوراثية يمكن من خلالها تعديل جينات الكائنات الحية. وهي طريقة طبيعية تستغلها البكتيريا وتسهم من خلالها في تعزيز دفاعات البكتيريا ضد الفيروسات، وعندما تقوم الفيروسات بغزو البكتيريا فإنها تخترق النواة وتعمل على تحويرها، بحيث تغدو مصنعًا لنسخ كثيرة من الفيروسات التي في النهاية تقتل البكتيريا، لكن للبكتيريا أسلوبها الدفاعي الخاص بها وليس كما يظن البعض أنها تبقى مستسلمة لهذا الغازي وتسلم له مصنعها الوراثي، فالبكتيريا التي تصمد أمام غزو الفيروسات تستفيد من وجود آلية تمكنها من الدفاع عن نفسها من خلال وجود نظام طبيعي يعمل على إفراز إنزيم يسمى كاس 9، فيرتبط بالجزء المعين من الحمض النووي للفيروس (القاتل)، ويعيق نسخه وبالتالي تقضي على هدف الفيروس من الهجوم على البكتيريا وهو تحويل النواة إلى مصنع له لإنتاج نسخ مكررة منه بالتالي يمنع تكاثره داخل البكتيريا وتسلم بذلك البكتيريا من الموت. لكن تبقى هناك ذكريات لهذا الهجوم الأليم فواصل على شريط الـ (دي. إن. إي) وهي عبارة عن تسلسلات (دي. إن. إي)  تتواجد في نواة البكتيريا وتكون من خلال فواصل مقتطعة من بقايا الحمض النووي للفيروسات التي سبق أن هاجمت الكائن بدائي النواة. يحتفظ الكائن بدائي النواة بهذه البقايا في حمضه النووي كفواصل حتى يستخدمها لاحقًا في الكشف عن الدنا الخاص بتلك الفيروسات في هجماتها اللاحقة، ومن ثم تدميره بمساعدة بروتين. ومن خلال هذه التقنية يمكن البحث عن تسلسلات الحمض النووي المرتبطة بصفات معينة مما يمكن معها إصلاح الجينات المعطلة واستبدالها بجينات سليمة أو معدلة من خلال كاس 9.
كاس 9 كما ذكرنا سابقًا يعمل بمثابة مقص الجينات في النواة، الإنزيمات هما وسيلتها للتعديل، أنزيم قاطع يستخدِم تسلسلات كريسبر(المحتفظ بها من الفيروس) كدليل للتعرف على سلاسل معينة من (الدنا) للكائنات الأخرى (مثل الفيروسات المهاجمة للبكتيريا) ومن ثم قصها. وبالتالي تشكل تسلسلات كريسبر مع بروتين cas9 آلية دفاع جزيئية مهمة في البكتيريا ضد الفيروسات المهاجمة لها. وقد قام الإنسان حديثًا بالاستفادة من هذا النظام البكتيري الطبيعي، واستخدامه في التعديل على جينومات الكائنات الحية عن طريق قص أجزاء من حمضها النووي بسهولة، في ما يعرف الآن بتقنية كريسبر-كاس9 التي تستخدم بمجال واسع من التطبيقات كالأبحاث العلمية الحيوية والطبية، وتطوير منتجات التقانة الحيوية وعلاج الأمراض، حيث سخر العلماء نظام كريسبر الموجود في البكتيريا أصلًا للتعديل على الجينوم لأي نوع من الكائنات الحية، وذلك عن طريق قص جزء معين من الحمض الوراثي DNA الخاص بها بدقة لإزالة جينات مسؤولة عن إظهار صفة وراثية غير مرغوبة في الكائن الحي، أو استبدالها بجينات أخرى.

البدايات من اليابان
علماء يابانيون من جامعة أوساكا عام 1987 اكتشفوا وجود التسلسلات عندما درسوا جينات معينة في بكتيريا E. Coli، حيث قاموا من دون قصد بتحديد تسلسل منطقة من الحمض النووي المشمول بالدراسة فوجدوا أنها تحتوي على عدد كبير من تكرارات تسلسلات متناظرة بينها فواصل، وبما أنها خارج موضوع دراستهم لم يهتموا بها وأكملوا دراستهم، لكن لاحقًا لوحظ تكرار هذا النمط في أنواع أخرى من البكتيريا الحقيقية والبكتيريا القديمة. ثم طُرِح عام 2005 أن التسلسلات على شريط (دي. إن. إي) كريسبر هي عبارة عن جزء من النظام المناعي البكتيري. في عام 2007 كان العلماء يدرسون البكتيريا Streptococcus thermophilus وآليات مقاومتها لهجمات الفيروسات، حيث كانت هجمات هذه الفيروسات من أكبر المشاكل التي تواجه صناعات الألبان والأجبان، فوجدوا أن كريسبر هي وسيلة مناعة تكيفية (مكتسبة) تستخدمها عند تعرضها للهجمات الفيروسية. في عام 2011 عند البحث في آلية عمل نظام كريسبر تبين للعلماء أنه من الممكن تركيب أي سلسلة من الحمض النووي دليل guide RNA على إنزيم cas9. عندما فعلوا ذلك، وتحديدًا في عام 2013، صار بالإمكان استخدام الإنزيم للبحث عن أي DNA له نفس تسلسل الـgRNA الذي يحمله، وليس فقط في الفيروسات، وبذلك أصبح بإمكان العلماء التعديل على جينوم أي كائن حي، بقص الحمض النووي الوراثي له بشكل مرن وأكثر سهولة من باقي تقنيات التعديل الوراثي، حتى أصبحت أكثر طرق تعديل الجينوم انتشارًا. ويطلق الآن عادة اسم تقنية كريسبر على نظام القطع هذا والمكون من الجزأين: بروتين القطع cas9 والـgRNA.

كريسبر وسيلة دفاع للبكتيريا
تسلسلات كريسبر هي وسيلة مناعية تكيفية تستخدمها البكتيريا ضد الدخلاء مثل البلازميدات والفاجات التي تتعرض لها. فمثلًا، عندما يصيب فيروس بكتيريوفاج (ملتهم البكتيريا) بكتيريا فإنه يعمل على حقن حمضه النووي DNA داخل البكتيريا، ليتكاثر داخل البكتيريا بأعداد كبيرة وموتها وانفجارها والانتشار والفتك ببكتيريا أخرى، عندها البكتيريا تطلق أنزيمات لتعمل على جمع قطع من الحمض النووي لذلك الفيروس، وتخزين تلك الشيفرة في كريسبر عن طريق إضافة وحذف قطع من الحمض النووي الفاصل في منطقة كريسبر، والذي وُجد أنه يطابق أجزاء من الشيفرة الوراثية الخاصة بالفيروس. 
بذلك عند تعرض البكتيريا لفيروس مماثل مرة أخرى تقوم هذه البكتيريا بنسخ الحمض النووي المخزن في كريسبر على هيئة RNA، يسمى  المنشط  crRNA. ويقترن crRNA ببروتين القطع كاس 9 cas9، حيث يستخدمه cas9 للتعرف على الفيروس. وعندما يلتقي إنزيم cas9 بفيروس، فإنه وبطريقة تبدو كأنه يمتطي سلسلتي الـ (دي. إن. إي) الخاصة بالفيروس يبحث عن تطابق بين جزء من الـcrRNA الذي يحمله والحمض النووي الخاص بالفيروس. هذا الجزء من crRNA الذي يستخدم في التعرف على الفيروس يكون طوله 20 نيوكلوتيد تقريبًا. فإذا تطابقت الـ20 نيوكليوتايد التي يحملها cas9 مع 20 نيوكليوتايد من DNA الفيروس تنفك سلسلتا الـDNA، ما يحفز cas9 على قطع سلسلتي DNA الخاصتين بالفيروس، مسببًا تدميره.

تركيب تسلسلات كريسبر
تتكون منطقة كريسبر من تكرارات تسلسلات النيوكليوتيدات المتناظرة والمتباعدة بشكل منتظم، والتي توجد بينها فواصل من قطع صغيرة وفريدة من الحمض النووي.
ولكل نوع من البكتيريا تسلسلات كريسبر خاصة بها ويمكن أن يختلف تركيب تسلسلات كريسبر وأنزيماته وطريقة نسخ الـcrRNA من نوع لآخر.
تشتمل منطقة كريسبر على منطقة محفز promoter لضمان أن منطقة كريسبر يمكن قراءتها وترجمتها إلى CRISPR-RNA (أو crRNA) الذي تستخدمه الأنزيمات المتعلقة بكريسبر cas proteins في التعرف على الهدف. يتبع المحفز تكرارات قصيرة short repeats بينها فواصل فريدة.  كما توجد جينات أخرى مجاورة لكريسبر معروفة باسم الجينات المتعلقة بكريسبر cas genes، والتي تحتوي على الشيفرة اللازمة لبناء البروتينات المتعلقة بكريسبر cas proteins - والتي من ضمنها أنزيم cas9. يتبع تسلسل CRISPR والفواصل منطقة لبناء جزيء RNA يعرف باسم tracrRNA، المرشد والذي يرشد جزيئات القطع وcrRNA إلى مواقعها المستهدفة على DNA.

آلية عمل تقنية كريسبر- كاس
عند العثور في الجينوم على منطقة القطع المطابقة للـgRNA تفتح سلسلتا DNA، ويرتبط gRNA بإحدى السلسلتين ما يحفز أنزيم cas9 لقطع سلسلتي الـDNA. استخدم العلماء نظام كريسبر الموجود في البكتيريا للتعديل على الجينوم لأي نوع من الكائنات الحية، عن طريق قص جزء معين من الحمض الوراثي DNA الخاص بها بدقة لإزالة جينات مسؤولة عن إظهار صفة وراثية غير مرغوبة في الكائن الحي، أو استبدالها بجينات أخرى.

مكونات تقنية كريسبر
هناك مكونان رئيسيان في نظام كريسبر- كاس9، وهما:
المقص: وهو بروتين cas9، أو CRISPR associated protein 9 وهو نيوكلييز داخلي غير متخصص يقوم بقص سلسلتي الحمض النووي DNA مثل مقص جزيئي، ويتجه للمنطقة المراد القص عندها اعتمادًا على gRNA الذي يحمله وعلى عوامل أخرى مثل توفر تسلسل خاص للتعرف في DNA يسمى PAM sequence.
والمرشد لمكان القطع جزيء guide RNA، الحمض النووي الريبوزي الدليل (أو gRNA اختصارًا)، يعمل كدليل لتوجيه أنزيم cas9 نحو تسلسل معين من الحمض النووي ليقوم بالقص عند تلك المنطقة. الجزء المتغير من gRNA يتكون من 20 نيوكليوتيدة تقريبًا، هذا الجزء يكون مطابقًا للشيفرة الوراثية المراد القص عندها، لذا يستخدمه أنزيم cas9 في التعرف على المنطقة الهدف من الجينوم.
مع التقدم العلمي أجريت إضافات على نظام كريسبر- كاس9 تمكنه من أداء وظائف أخرى مكملة غير القطع، فأمكن أيضًا باستخدامها تركيب جينات جديدة مسؤولة عن إظهار صفات مرغوبة لتحل محل التي تم قصها، وذلك عن طريق تسخير إنزيمات ترميم repair enzymes لتقوم ببناء الجين المرغوب بدلا من الترميم الطبيعي الذي تقوم به الخلية. لذلك، على سبيل المثال، يمكن للعلماء أن يمكّنوا إنزيم cas9 من أن يتخلص من الجين الذي يسبب مرض هنتنغتون ثم يستبدلونه بجين أفضل ليحل محله. وتوجد أنزيمات قطع أخرى متعلقة بكريسبر غير cas9 لها ميزات أخرى.
وحتى تتم عملية القص يجب أن يكون التسلسل الهدف المكون من ~20 نيوكليوتيد مختلفًا وغير متكرر مع باقي الجينوم. وأن تكون المنطقة المستهدفة للقطع موجودة مباشرة بالقرب من تتابع خاص مكون من 2-6 نيوكليوتيدات ويسمى (Protospacer Adjacent Motif :PAM). لن يقطع cas9 دون وجود هذا التتابع، وهو ذو دور مهم في البكتيريا؛ لأنه موجود في الحمض النووي الخاص بالفيروس أو البلازميد المهاجم وغير موجود في تسلسل كريسبر البكتيري، ما يجنب أنزيم cas9 من قطع التسلسل البكتيري.

تطبيقات المقص الجيني كريسبر كاس 9
تستخدم بكثرة في مجال البحث الطبي، حيث يمكن من خلال التأثير على عمل الجينات وتعطيل بعضها، بحيث يمكن أن تؤثر على مسار بعض الأمراض المعقدة كالزهايمر أو السرطان يتم استخدامها في تقنية الإجبار الجيني السوق الجيني التحكم في مسار الجينات، والتي يستخدمها الباحثون حاليًا في خطة للقضاء على مرض الملاريا، وذلك بجعل البعوض المعدل وراثيًا ليمتلك صفة مقاومة حمل المرض ينشر هذه الصفة بشكل كلي في الأجيال اللاحقة عند تزاوجه مع البعوض غير المقاوِم لحمل المرض، عن طريق جعل احتمال توريث صفة مقاومة المرض بنسبة 100 في المائة في الأجيال الناتجة بدلًا عن قوانين مندل الطبيعية التي يكون فيها احتمال توريث الصفة بنسبة 50 في المائة بالمتوسط. كما تستخدم أيضًا في علاج أمراض الدم الوراثية كمرض الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، وقالت بأنها تمكنت من علاج مصاب بالثلاسيميا من نوع B باستخدام كريسبر.
هناك مخاوف من استخدامها في الأجنة حيث تجري مناقشات كثيرة حول مشروعيتها لأنه في عام 2018 ادعى العالم الصيني خه جيان كوي تطبيقه للتقنية على خلايا أجنة بشرية وزرعها في رحم الأم قبل أن تولد الأجنة التوأم «لولو» و«نانا»، حيث قام بتعديل الشيفرة الوراثية الخاصة بهما لتصبحا مقاومتين لـفيروس HIV المسبب لمرض الإيدز وذلك عن طريق استخدامه تقنية كريسبر في تعطيل الجين المنتج للمستقبل البروتيني CCR5 الذي لوحظ أن الأشخاص الذين تفتقر بنيتهم الوراثية إلى الشكل الوظيفي لهذا المستقبل ينزعون إلى أن يكونوا مقاومين بشكل غير اعتيادي لمرض الإيدز وفيروس HIV، مما أحدث ضجة كبيرة في الأوساط العلمية لأسباب أخلاقية. والعدد الأخير من مجلة the cresper journal يلقي الضوء على هذا الموضوع ■