باي باي إنترنت

باي باي إنترنت

بعد التعلق الحميم بوسائل التواصل الاجتماعي، وبعد هذا الكم الهائل من المؤسسات والشركات والهيئات الحكومية والخاصة حول العالم بتشغيل خدماتها ومصالحها عبر هذا الوسيط المسمى بالإنترنت منذ ظهوره للعوام في عام 1991، ليستخدمها اليوم ما يقارب 4 مليارات شخص في العالم... حتى غدا من أساسيات الحياة كالماء والهواء والنت.
هل تخيل أحدكم فكرة حياته ليوم واحد من دون هذه التكنولوجيا؟ بالتأكيد هناك من فكر في ذلك وهناك أيضًا من جربها ليوم أو اثنين أو حتى أسبوع تحت ظروف معينة كالعوارض الصحية أو الانشغال بالعمل الفيزيائي أو المسؤوليات الاجتماعية وغيرها.
يقول الدكتور ويليام دوتون من جامعة ولاية ميشيغان، وهو مؤلف كتاب «المجتمع والإنترنت»: «إحدى أكبر المشكلات مع الإنترنت اليوم هي أن الناس يعتبرونها أمرًا مفروغًا منه، ومع ذلك فهم
لا يفهمون الدرجة التي سمحنا لها بالتسلل إليها في كل جانب من جوانب حياتنا تقريبًا. إنهم لا يفكرون حتى في عدم الوصول إليه».
ويوضح الدكتور إيف هانكوك الذي يدرس العمليات النفسية والاجتماعية المشاركة في التواصل عبر الإنترنت في جامعة ستانفورد، أنه يحب أن يعطي طلابه مهام عطلة نهاية الأسبوع التي تسمح لهم بتجربة المفاهيم بدون إنترنت، فقد قالوا إن عدم الاتصال بالإنترنت حتى في عطلة نهاية الأسبوع سيمنعهم من إكمال العمل في فصول أخرى، ويدمر حياتهم الاجتماعية، ويجعل أصدقاءهم وعائلاتهم يشعرون بالقلق من أن شيئًا فظيعًا قد حدث لهم.
وترى الدكتورة ستين لومبورغ من جامعة كوبنهاغن، أنه «قد يؤدي فقدان الاتصال إلى جعل الأشخاص أكثر اجتماعية في حالات محددة، مثل إجبار زملاء العمل على التحدث مع بعضهم البعض بدلًا من إرسال رسائل البريد الإلكتروني، لكن من المرجح أن تكون التجربة مؤلمة بشكل عام». وتقول: «لن ينهار العالم إذا لم تكن لدينا إمكانية الوصول إلى الإنترنت ليوم واحد. لكن بالنسبة لمعظم الناس أعتقد أنه حتى في يوم من الأيام بدونها سيكون مرعبًا».
لكن حينما يتعلق الأمر بأن الضرر قد يكون شاملًا وواسعًا ليضم الشبكة بأسرها، فتتوقف الإنترنت في الكرة الأرضية كلها ولمدة لا معلومة من الزمن قد تصل إلى عدة أشهر، بسبب عاصفة شمسية هوجاء، أو فصل الكيبلات البحرية وتخريب الخوادم الرئيسية التي تقوم عليها عمليات التشغيل، بهجوم سيبراني تشنه بعض الجهات التخريبية أو الصبيانية كنوع من إبراز القدرات وتحدي الكبار والتحكم بالكون، وما إلى ذلك من أسباب مجهولة... هنا نحتاج إلى بروتوكولات محددة وخطط بديلة لتفادي هذا الانهيار العالمي الكارثي.

الفضاء الأكثر تدميرًا
الضربات الأكثر تدميرًا يمكن أن تأتي من الفضاء، وهي أمر غير مستبعد. فمثلًا عاصفة شمسية كبيرة أرسلت مشاعلها في اتجاهنا، من شأنها أن تأخذ الأقمار الاصطناعية وشبكات الطاقة وأنظمة الكمبيوتر إلى الدمار. يقول ديفيد إيغلمان، عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد ومؤلف كتاب «لماذا يهم الشبكة»: «ما لا يمكن للقنابل والإرهاب القيام به يمكن تحقيقه في لحظات بواسطة التوهج الشمسي. العواصف المغناطيسية الأرضية الرئيسية القادمة قادمة في نهاية المطاف».
أكثر التأثيرات السلبية، إذا استمر الأمر لعدة أيام أو لأشهر غير معلومة، ستصيب الأعمال ذات العلاقة بالإنترنت مباشرة كالاستثمارات والاقتصادات المتعلقة بالدول والأفراد، وحجوزات السفر والفنادق، التي ستخسر المليارات من الدولارات، وكذلك ستؤثر على العمليات الجراحية التي تقام عن بعد في بعض المستشفيات، وطلبات الشحن والتوريد للبضائع والسلع وبخاصة الغذائية منها، ولا ننسى الجانبين العلمي والعسكري في هذا المجال، فهي مؤسسات حساسة للغاية. وأقل ما سيكون هو ما سيتأثر به الناس العاديون لأنهم الأغلب في الاستخدام من حيث العدد، لكن الأقل في النتاج الاقتصادي عبر الاستفادة من خدمات هذه الشبكة الجبارة. 
ففي اليوم الأول يسود الغضب والتخبط وتدور الأسئلة، فلا منصة مفتوحة لتلقي الأخبار مع صعوبة توافرها إلا عبر التلفزيون والمذياع والصحف الورقية، وتصبح العودة إلى الوسائل التقليدية كالتليغرام والبريد وغيرها أمرًا واردًا. 
بعد اليوم الثاني لا يزال الترقب والانتظار لمدة غير معلومة هما السمة العامة بين الناس، فيزداد الغضب في المجتمعات وتكثر الأقاويل والشائعات بسبب عدم مصداقية الأخبار وكثرة مصادرها بلا تفاصيل دقيقة للوضع القائم. ويبدأ الناس بتخزين الأطعمة والماء خوفًا من القادم المجهول. 
أما في اليوم الثالث فيتم اعتماد الناس للأخبار من المصادر الرسمية والإخبارية الموثوقة فقط. وعند اليوم الرابع وما يتلوه يبدأ الاستسلام يأخذ مساحة أكبر للوضع القائم، آملين في انفراجة قريبة. 

الحياة من دون إنترنت
يضيف هانكوك: «معظم الإنترنت مصمم لغرض واحد هو السماح لنا بالتواصل مع بعضنا البعض، والآن نحن اعتدنا أن نكون قادرين على الاتصال بأي شخص، في أي مكان وفي أي وقت، وعدم القدرة على القيام بذلك سيكون مقلقًا».
في ظل ما ستكون عليه الحياة من دون إنترنت، يبدأ الالتفات للمحيط الأقرب، فتبدأ العلاقات الاجتماعية بأخذ اتجاهات محددة مثل حسم بعض العلاقات، وأخرى تتجه للتهذيب والتربية والاهتمام الأسري والعائلي، مع التركيز على الصحة العامة والترفيه، وتحديد الأولويات الحياتية والمعيشية، ثم العودة إلى حياة عاصرها الآباء والأمهات ومن هم من مواليد الثمانينيات وما قبل. حيث إنهم عايشوا تلك الحقبة بوعي تام، ومن ثم البحث عن بناء اجتماعي حقيقي، علّ صخب الإنترنت السريع يخف والهدوء يعم العالم من جديد ■