البناء بالطابعات ثلاثية الأبعاد حلول ونمو في سوق العقارات

البناء بالطابعات ثلاثية الأبعاد حلول ونمو في سوق العقارات

   مع تطور الطابعات ثلاثية الأبعاد واستخدامها في البناء، يبدأ عهد جديد يبشر بثورة قادمة يمكن أن تغير قواعد اللعبة في سوق العقارات، وتتيح مساكن لعدد أكبر من الناس بتكلفة أقل، وفي فترة زمنية قصيرة قد تصل إلى 24 ساعة. ومن بين ثمار هذه الثورة، انخفاض نسب إصابات العمل في مواقع البناء، نتيجة لاستخدام عمالة أقل، بالإضافة إلى تلاشي الأخطاء إلى أدنى مستوى، حيث يجري العمل وفقًا لبرمجيات تعطي أوامرها للطابعات أو الروبوتات فتنفذ المطلوب بدقة متناهية
وبلا كلل أو ملل. هذا إلى جانب إتاحة مساحة إبداع أكبر أمام المصممين، وإمكانيات أعظم لتغيير تفاصيل التصاميم وفقًا للاحتياجات المستجدة؛ وتيسير تنفيذ المنحنيات والرسوم المعقدة باستخدام «حبر» من نوع خاص، عبارة عن خليط خرسانة - يأتي بعض مكوناته من مخلفات بناء معاد تدويرها، وإسمنت، وحديد، وألياف زجاجية، وإضافات أخرى - ينطلق من فوهة الطابعة ثلاثية الأبعاد ويشيد الجدران بسرعة مدهشة ضمن طريقة بناء غير تقليدية، صديقة للبيئة، وتتميز بالقوة وكفاءة استخدام الطاقة، وبلا مخلفات تذكر. 

 

 يعد قطاع البناء أحد أكبر القطاعات مساهمة في اقتصاد العالم، حيث يقدر المتخصصون الإنفاق العالمي فيه بعشرة تريليونات دولار - ما يعادل ثلاثة عشر في المئة من الناتج المحلي الإجمالي - غير أنه يعاني منذ سنوات طويلة، من ضعف ملحوظ في الإنتاجية، مقارنة بالقطاعات الأخرى. فخلال العقدين الماضيين كان متوسط النمو السنوي في الإنتاجية 1 % وربما أقل من ذلك - حتى في أكثر الاقتصادات العالمية قوة - مع وجود مشكلات عديدة من جراء عدم المقدرة على مقابلة الطلب والارتفاع المتزايد في التكاليف. وعند مقارنة النمو في هذا القطاع مع قطاعات أخرى نجد، مثلًا، أن الإنتاجية في قطاعي الزراعة والتصنيع نمت بما يعادل 10 - 15  مرة منذ الخمسينيات، مع تطور الأداء على إثر استخدام تكنولوجيا الرقمنة والأتمتة والاستشعار عن بعد، بينما بقيت إنتاجية قطاع البناء عالقة عند مستوى ثمانية عقود ماضية مع استمرار الممارسات اليدوية بصورة كبيرة. 


بيوت مطبوعة
  ما يثير التفاؤل اليوم، أن ثمة إنجازات على أرض الواقع في مجال البناء بالطباعة ثلاثية الأبعاد الوليد تشير إلى نمو متسارع في عديد من دول العالم في السنوات القليلة الماضية. ففي عام 2014، أعلنت شركة وينسن - WinSun - الصينية عن بناء عشرة بيوت - مساحة البيت 195 متراً « مربعًا ـ في يوم واحد، وبتكلفة 4800 دولار للبيت. وذلك باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، حيث تم تجهيز أجزاء البيوت في المصنع ثم تجميعها في الموقع. وفي 2015 شيدت الشركة مبنى شقق مكونًا من خمسة طوابق بمساحة ألف ومئة متر مربع، إضافة إلى فيلا من دورين بتكلفة 160 ألف دولار. وفي وقت لاحق بدأت مشروعًا أكبر، عبارة عن مبان على مساحة 50 ألف متر مربع، بتسعة عمال، وثلاث آلات، وحفارة واحدة، وطابعة ثلاثية الأبعاد، ورافعة، في إطار زمني لا يتجاوز العام، وبتكلفة أقل بكثير من البناء التقليدي. فالجدران التي تطبع بسرعة فائقة منقوش بعضها بصورة متقدمة يصعب تنفيذها من دون هذه الطريقة التي تختصر عديدًا من مراحل البناء التقليدية - فلا داعي، مثلًا، لقياس الميل لتفادي تجمع مياه المطر، لأن البرمجيات وضعته في الحسبان - وإلى جانب المباني، قامت الشركة المذكورة بتنفيذ عديد من المجسمات، ووحدات إعادة التدوير، والأسوار، وأحواض الزراعة في الأماكن العامة، وفي الجامعات، في تحالف فريد بين البيئة والتكنولوجيا والفن.

منازل ذكية لأسر محتاجة
من جانب آخر، بنت شركة صينية أخرى منافسة، هواشين تندا - HuaShang Tengda  -  فيلا مساحتها 400 متر مربع، مكونة من طابقين وتتحمل زلزالًا بقوة 8 ريخترات، في 45 يومًا، وذلك باستخدام تقنية تسمح بطباعة البيت كاملًا في الموقع. وفي 2016، أعلنت شركة إيبس كور- Apis Core -  بناء أول بيت في الموقع في روسيا خلال يوم واحد باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد وبتكلفة منافسة. كما نجحت شركة مايتي بيلدينغس - Mighty Buildings - الأمريكية في جمع 70 مليون دولار من المستثمرين لصالح بناء بيوت ذكية ومستدامة بطابعات ثلاثية الأبعاد في كاليفورنيا بتكلفة أقل 40 في المئة من البناء التقليدي، مع تقليل مخلفات البناء إلى 99 في المئة، واختصار الزمن بصورة كبيرة، واستخدام الطاقة الشمسية وتخزينها في بطاريات، وذلك ضمن مشروع بناء مجتمع متكامل بتكلفة 15 مليون دولار. 
  من الأسماء اللامعة في هذا المجال أيضًا شركة آيكون - ICON - التي تعمل في أوستن بتكساس، وقامت بالتعاون مع منظمة نيو ستوري غير الهادفة للربح - التي تتبنى تسكين الأسر بلا مأوى وتخطط لتسكين مليون شخص مع حلول2030  ـ ببناء بيوت لعائلات محتاجة في المكسيك، حيث تم اختيار 50 أسرة - من بين 500 أسرة متقدمة - لا يتجاوز دخلها 76 دولارًا شهريًا، لتحصل على البيوت مقابل قروض حسنة تسدد على سبع سنوات بدعم كبير. وتوظف الأقساط المحصلة في بناء مزيد من المساكن. واستطاع المشروع أيضًا توفير فرص عمل للعمالة المحلية لإنجاز أعمال الأبواب، والنوافذ، والسباكة، والكهرباء. ومما يذكر أن بناء البيت - الذي شاركت الأسرة في تخطيطه - استغرق 24 ساعة. كما أعلنت آيكون مؤخرًا - بالتعاون مع جهات أخرى - عن مشروع لبناء مساكن اجتماعية مستدامة متعددة في أوستن بتكساس.
  
مكاتب في دبي
في دبي، قامت شركة  جينسلر- Gensler -  ببناء مجمع مكاتب مؤسسة مستقبل دبي، على مساحة 800 متر مربع تقريبًا وبارتفاع طابق واحد، باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد جلبت من شنغهاي. وساهمت في خفض العمالة بنسبة تتراوح بين 50 و80 في المئة. وخفض المخلفات إلى ما بين 30 و60 في المئة. واعتبرت المباني التي أنجزت في 2016 الأولى من نوعها في المنطقة. وفي العام نفسه بنت شركة دي يو إس آركيتيكتس -DUS Architects - كابينة باستخدام بلاستيك حيوي بمساحة ثمانية أمتار مربعة في أمستردام، يمكن أن يبيت فيها الضيوف، كنموذج يقدم حلولًا لبيوت مؤقتة.
 في عام 2018 قامت جامعة نانت الفرنسية ببناء بيت بطابعة ثلاثية الأبعاد أطلقت عليه اسم ينوفا - Yhnova - مكونًا من أربع غرف نوم، بتكلفة 176 ألف يورو، أي بتكلفة أقل 20 في المئة من البناء التقليدي. وبعد الانتهاء منه سكنته أسرة مكونة من خمسة أفراد، انتقلت إليه من بيتها القديم المبني في الستينيات. ويعد هذا البيت جزءًا «من مشروع إسكان اجتماعي يهدف إلى بناء مساكن مستدامة معقولة التكاليف. 
وفي هولندا شهد عام 2019 بدء بناء أطول جسر مشيد بالطابعة ثلاثية الأبعاد في العالم، في مدينة نيميخن، يبلغ طوله 38 مترًا. هذا، وتوجد نماذج أخرى لبيوت مشيدة على هذا النحو في بلدان مختلفة كألمانيا، وإيطاليا، والهند، وأستراليا، حيث طورت شركة فاستبريك روبوتكس - Fastbrick Robotics - أول روبوت يقوم برص قوالب الطوب. ويستطيع «الروبوت» هادرين - Hadrien - وضع ألف طوبة في الساعة، والعمل ليل نهار، وبناء 150 بيتًا في السنة.
 
بيوت في المريخ
 لا يزال التجريب والتطوير مستمرًا في هذا المجال بابتداع عتاد وبرمجيات وتقنيات وخلطات بناء جديدة، وتدريب عمالة متخصصة، واستحداث قوانين ومعايير لضبط هذا النوع من البناء. ومع تحسن النتائج ينشط العرض والطلب لبناء بيوت ومرافق مستقلة أو شراء أخرى جاهزة تلحق بالبيوت الأصلية لترفع من قيمة العقارات على الأرض؛ إلى جانب مشروعات بنية تحتية على القمر وبيوت في المريخ تلبية لطلب «ناسا».
ومن المتوقع أن تصل قيمة الاستثمارات في سوق البناء باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد هذا العام 4.63 ملايين دولار، بنسبة زيادة 21.7 في المئة مقارنة بـ 2020. كما سيلعب توافر رؤوس الأموال المبدئية دوراً في  التغلب على تحديات ارتفاع أسعار الطابعات المذكورة وصيانتها، وتحقيق نمو متوقع يقدر بـ 190في المئة ومع حلول عام 2025 ■