لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

  منذ بدء الخليقة والحدث هو حركة الحياة الإنسانية. وقد تطور قصّ الأحداث وسردها إلى أن وصل في العصر الحديث إلى ما يسمى بالفن القصصي. وفن كتابة القصة القصيرة جزء من الفن القصصي، له خصوصية وملامح مميزة. وقد توالت جهود كتّاب القصة القصيرة في أرجاء العالم من أجل إرساء أساس متين لهذا الفن، فظهرت محاولات عديدة في الوطن العربي لتأسيس فن قصصي ذي قيمة جمالية وفنية سليمة منذ زمن طويل. وبما أننا بصدد تقييم مجموعة قصص قصيرة لأصوات شابة من أبناء الوطن العربي، والتي اشتركت في كونها قصصًا اجتماعية ورمزية تعبر عن أصوات شابة تبحث عن الإبداع في هذا المجال، وتحاول أن تتلمس الطريق الصحيح في نجاح العملية الإبداعية، وكيفية اجتذاب المتلقي إلى هذه الأعمال الشابة، فقد جاء الاختيار على أساس موضوعيّ من حيث تأثير الموضوع واكتمال أدوات السرد؛ فكل قاصّ يحرص على أن يكون له عالمه الخاص الذي لا يشترك معه فيه غيره، والذي يتميز به عن الآخرين، ولهذا سوف نتناول كل قاصّ على حدة كي نغوص بعالمه الفني؛ في محاولة منّا لنقد هذه القصص والحكم عليها.  وفيما يلي عرض للقصص الفائزة. 

 

 

المرتبة الأولى: «محنة الرائي» لميثم الخزرجي/ العراق 
  هذه القصة تصوّر طموح السارد العليم في الوصول إلى طبيعة شخصية حامد الكاتب المسرحي، ذي الشخصية الغريبة. تميزت القصة بتناول اللحظة والتركيز عليها من خلال الحدث، مع ذلك لم تفقد عنصر التشويق والقدرة على الإثارة، ما أدى إلى ظهور فعالية الصورة التي ترددت بين جنباتها بين الحين والآخر؛ فالكاتب المسرحي والممثل القديم ذو شخصية تشد القارئ للدخول والإبحار في عالمها، شخصية هذا الإنسان، ذي التصرفات التي يراها الآخرون أنها غريبة، استطاع المؤلف أن يلوّنها من خلال أسلوب المعالجة والإفادة بعلم النفس والاجتماع، على نحو لا يخلّ بطبيعة القصّ، متمثلّا في درجة التلاحم بين عناصر القصة المختلفة، ومن أهمها رسم شخصية حامد ورصد تطوراتها إيجابيًا وسلبيًا، وردود أفعالها مع الواقع، كذلك لا يمكن عزل عنصر الزمن عن بقية عناصر القصة لتداخلهما، بحيث يصعب عزل الزمن عن الشخصية أو المكان. وأخيرًا، فإن المونولوج الذي ختم به المؤلف قصته جسّد الفكرة الكلية للقصة (الغد الذي لا علم لنا به). وقد استوفت القصة عناصر القصّ من بدايةٍ وشخصيات وعقدة، وفكرة، ولغة، وإحساس، وبذلك تفوقت وتميزت. 


المرتبة الثانية: «النافذة المغلقة» لسامح أدور سعدالله / مصر 
  يسود القصة – بصفة عامة – إيقاع هادئ يتناسب مع أحداث القصة، والتي بالإمكان اعتبارها وقفات تحليلية غير مباشرة، فشخصية البطل الأوحد الذي يعيش حبيسًا في غرفته بالقصر لظروف غير معلومة، ثم نجده يخرج من غرفته خارج القصر الذي وصفه بـ «الملعون»، كما أنه أخبرنا بأن حبسه كان إجباريًا؛ لكن لم نعرف لماذا، ومن كان سبب العزل والحبس، نقاط استفهام تعرضها القصة لكي تستثير المتلقي فيتكاثف عنصر التشويق فيها. الأحداث تتوالى في صورة وقفات ومشاهد متتالية، لتشكل نسيج العقدة، والتي تتطلب حلًا لنهاية الأحداث. نجد السارد يركز على طبيعة المكان (الغرفة في القصر)، ووصفها وصفًا دقيقًا لكل محتوياتها، وبخاصة النافذة العريضة والمغلقة بإحكام، ثم يأخذنا السارد العليم في وصف الطبيعة خارج القصر، ولما لها من أثر في فعالية الصورة؛ فللوصف مكانة بارزة في هذه القصة. البطل يخرج من الغرفة (المسجون بها في القصر) إلى الفضاء والطبيعة، ثم يعاود الوصف من خلال وصف دقيق عندما يعود إلى الغرفة مرة ثانية ويقيده الكرسي، ثم يشعل سيجارة تقع من يده وتشتعل الغرفة، في عملية وصف مفصل لكيفية الاشتعال، من خلال لغة معبرة موحية لها دلالات رمزية تأخذ المتلقي إلى خيالات عديدة ودلالات كثيرة وثراء في المعنى. 
 
المرتبة الثالثة: «سأحبك اليوم وغدًا» لعبد العالي أحمامو / المغرب 
  منذ السطر الأول في القصة نجد المشاهد والمواقف ممزوجة بالأحاسيس المتناقضة، فالبطل (الطفل أيمن) يركض باتجاه المدرسة على وقع المطر بسبب خوفه الشديد من معلمته التي يكرهها، والتي كانت تعاقبه بسبب حوادث سابقة بينهما. استطاع المؤلف بوعي خاص أن يشكل شخصيات قصته، وأن يوائم هذا التشكيل مع كل شخصية على حدة. نتجت عن ذلك حركة نمو للأحداث والشخوص معًا، من خلال تجسيد المشاعر والانفعالات، وكذلك الأحاسيس في صور مشهدية ملموسة. البطل أيمن عندما وصل الفصل كان في حالة من الخوف الشديد والارتباك، لكن سرعان ما تغيّر الوضع لديه عندما حنّت عليه معلمته؛ وأخذت تساعده على التخلص من بقايا المطر، في هذه اللحظة شعر بظلمه لمعلمته، وسرعان ما تغيرت المشاعر واختلفت. مما لا شك فيه أن القصة قدمت شخصية واضحة الملامح محددة الأبعاد، كما قدمت حدثًا واضح التطور في بناء فني متزن تتخلله عناصر ملموسة مثل الطقس والمكان والزمان، كل هذه العناصر عملت على خدمة التشكيل الفني للقصة.