الحمراوات

يرتبطُ اللونُ الأحمر بأشياء كثيرة، منها عنفوان الحياة، والقوّة، والعواطف الجيَّاشة، والغضب، والحرب. ويرد في بعض القواميس الإنجليزية تعريفٌ للّون الأحمر بأنه لون جمر النار المستعرة أو الدم. وثمّة تفسير لتواجد أشياء حمراء اللون في مقابر مصرية ويونانية ورومانية قديمة، من مجوهرات وأقمشة وأوانٍ زجاجية، بأن المعتقد قديمًا أن هذا اللون يحمي الموتى في العالم الآخر، ويعينهم على استعادة جانب من حيويتهم! 
وقد حظيَ هذا اللونُ في العصور الوسطى بمكانة خاصة عند الشعوب الغربية، كما أنه لا يمثّل في ثقافات عديدة مجرّد لون من مجموعة ألوان معروفة، وإنما هو اللون الوحيد المختار للاستخدام في كثير من النواحي الاجتماعية. بل إن بعض اللغات لا تعرف كلمة (لون)، وإنما (أحمر) بمعنى لون. والأحمر أوّل الألوان التي استخدمت في الرسم والصباغة.
وظلّ اللون الأحمر، بدءًا من ظهوره في رسومات الكهوف إلى استخدامه كطلاء لسيارات السباق العصرية، ينبض بالحيوية. وثمّة طرفة تشيع بين الفرق الرياضية، تقول بأن الفريق الذي يرتدي لاعبوه قمصانًا حمراء يخيف منافسيه، ونادرًا ما يخسر!
 وكانت ستائر المسرح زرقاء اللون، فجاء الأحمر ليحلّ محلّ الأزرق تدريجيًا، بدءًا من القرن الثامن عشر، ولم يكن ذلك نتيجة لتغيّر الأذواق، فقط، ولكن أيضًا لأن وسائل الإضاءة الجديدة في ذلك الوقت تطلّبت أن تكون الستارة حمراء، ثم لم تلبث خشبة المسرح ذاتها أن صارت حمراء، بل إن اللون الأحمر عمَّ القاعة بأسرها. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن يندر أن تجد قاعة مسرح أو دارًا للأوبرا بلا لون أحمر. وللأحمر أكبر طول موجي بين ألوان الطيف، ويساوي 700 نانومتر، أما أقصر الأطوال الموجية فللبنفسجي، ويساوي420 نانومتر. 
 وإن ظهر اللون الأحمر في الطبيعة، فإن ظهوره يحمل في الغالب رسالة مهمة، ويقوم بوظيفة حيوية. ولننظر إلى (الدعسوقة)، مثلًا، وهي حشرةٌ مُجنَّحَةٌ، تشبه الخنفساء، تنتمي لفصيلة حشراتٍ من غمديات الأجنحة؛ لونها أحمر مرجانيّ، ويحمل كلُّ غمد منها ستَّ نُقَطٍ سوداء. ولأنواع الدعاسيق ألوان أخرى، فمنها الكريمي والأصفر والبني والبرتقالي، لكن الأنواع الحمراء هي التي استحوذت على الخيال العام. وهي تبدو كأنها جواهر ملوّنة صغيرة بين النباتات، ويحبها البستانيون لأن الكثير منهم يتغذون على الآفات التي تتغذّى على النباتات. ويحتوي جسم الدعسوقة الحمراء على مواد كيميائية تجعل طعمها سيئًا للطيور المفترسة، وكلما كان لون الدعسوقة الأحمر أكثر حيوية ووضوحًا، كلما كان مذاقه أسوأ. وقد تعلّمت الطيور هذا الدرس فأصبحت تحاذر من الدعسوقة ذات اللون الأحمر الساطع، بل تسارع فتبتعد عنها.
والأحمر هو لونُ ما يبدو أنها قبعة حمراء زاهية، لنوع من الفطريات البرية لا يوجد إلا في بريطانيا، يُعرفُ باسم (فطر الغاراك)، وأصبح حكاية يتناقلها الناسُ، إذ يحتوي على مركّبات قلوية تؤثّر فيمن يأكلها من البشر، وتسبّب الهلوسة. ليس هذا فقط، لكن فطر الغاراك البريطاني يحتوي أيضًا على سموم أخرى موجودة تحت غطاء رأسه الأحمر، يمكن أن تسبب التعرّقَ المفرط والقيء، وقد تصل درجة سمّيتها إلى حدِّ الموت. إذن، فالعلامة الحمراء التي يحملها هذا الفطر تحذّرُ من خطر على البشر إن تجاسروا على الاقتراب. 
أما طائرُ (أبو منجل)، الذي يستوطن مستنقعات غابات المنجروف البحرية والسهول الطينية والبحيرات الضحلة في أمريكا الجنوبية، فيطغى اللون الأحمر على كامل جسمه، باستثناء منقاره الأسود وأطراف جناحية السوداوين. وتبين أن سرّ احمرار الجسم هو اعتماد هذا الطائر البرّي على غذاء مكوّن أساسًا من القشريات، كالجمبري أو الروبيان، التي تتغذى على أنواع محلية من الطحالب تحتوي على صبغ الكاروتين الأحمر، فإن لم تتوفر هذه الطحالب، أو القشريات، فإن لون الجسم الأحمر يبدأ في التلاشي! 
وتعرف جزيرة الكريسماس في المحيط الهندي هذا النوع من السرطانات الذي تعيش تجمّعاته الضخمة في غاباتها، فإن حان موعد تكاثرها، هجرت الغابات وتحرّكت نحو شاطئ الجزيرة، التي تحوّلها ملايين السرطانات إلى اللون الأحمر.