جزيرة تاروت أرض الفردوس والخلود .. و أقدم الجُزر المؤهولة في الخليج العربي

أصدقائي، هناك العديد من المدن والجُزر التي تتوزّع على بلدان الخليج العربي، ومنها ما تتميّز بتاريخ يمتد لآلاف السنين، وارتبطت بالحضارات القديمة، مثل حضارة دلمون. في الماضي كانت مراكز حضارية، صارت اليوم قبلة لكثير من المؤرّخين، وعلماء الآثار، الذين يفِدون من بلدان العالم لدراسة تاريخ تلك المناطق القديمة، والكشف عن أسرارها، وتفاصيل الحياة اليومية بها قبل آلاف السنين.
لنتعرّف اليوم على إحداها، وهي جزيرة تاروت، التابعة لمحافظة القطيف، بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وهي ثاني أكبر جُزر المملكة في الخليج العربي، ويعود تاريخها لخمسة آلاف عام مضت، وبذلك فهي من أقدم المناطق التي سكنها الإنسان في شبه الجزيرة العربية.
ويُذكر بأن أحد رؤساء البعثة الأثرية الدنماركية، ويُدعى جيوفرى بيبى، زار الجزيرة في العام 1968، وحينها شعر بالانبهار لما شاهده من معالم وآثار، فقال: «تاروت ليست فقط أقدم منطقة في السعودية، بل هي أقدم مدينة في الخليج العربي».
وكانت جزيرة تاروت قديمًا من المراكز المهمّة لمملكة دلمون، ولعبت دورًا كبيرًا في تاريخ المنطقة، خاصة الحياة التجاريّة فيها، حيث استمر الوجود البشري فيها بشكل كبير. ولعل من أدلّة ذلك، هو اكتشاف العديد من المواقع الأثريّة التي تدل على هذا الوجود حتى اليوم.

 

آلهة الحب والجمال 
ويقول المؤرخون بأن اسم تاروت اشتُقّ من اسم أشتار... أو عشتار.. أو عشروت... وجميع تلك الأسماء التي اشتُقّ منها اسم الجزيرة، تدلنا على آلهة الحب والجمال لدى الفينيقيين والبابليين والكنعانيين، الأمر الذي يدل على اتّصال الجزيرة بالحضارات القديمة المحيطة بها.
وقد عُثر في جزيرة تاروت، على آثار ساسانية وفينيقية وإسلامية، ومن بين ما عُثر عليه في الجزيرة أوانٍ فخارية ذات فتحات كبيرة، وقبور، وتماثيل طينيّة.ومن بين المعالم الأثرية التي تتفرّد بها الجزيرة، توجد قلعة تاروت التي جرى تشييدها فيما بين الأعوام 1515 - 1521 ميلادية.

تراث معماري
إن جزيرة تاروت، تُعدّ من أقدم المناطق التراثية التاريخية على أرض الجزيرة العربية، ويذكر الفنّان التشكيلي السعودي، وهو عبدالعظيم الضامن - من مواليد جزيرة تاروت -، أن في الجزيرة قلعة شهيرة تدعى بتاروت، بُنيت على معالم حضارة آلهة عشتار، وتزيد من أهميتها التلّة التي بُنيت عليها تلك القلعة، وما تضمّه من معالم حضارية ترجع للفينيقيين، وما تلتها من حضارات لم يكشف الكثير من جوانبها حتى اليوم.
جزيرة تاروت مكوّنة من خمس قرى، وهي تاروت التاريخية القديمة، وسنابس، والزور، ودارين، والربيعية، وفي كل قرية من تلك القرى تراث عريق ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، ومدافن ترجع لتاريخ قديم.
ويخبرنا الفنّان الضامن، بأن معظم بيوت جزيرة تاروت بُنيت من حجر يُجلب من البحر، وتمتاز عمارة جزيرة تاروت ومنازلها التاريخية بالأقواس والأبواب والنوافذ، وهي منازل تجاوز عمرها 350 سنة، وماتزال تلك المنازل قوية. وتتفرّد منازل الجزيرة بنظام لتوزيع الهواء داخل المنزل. وهناك «الحوي» الذي يجعل أشعّة الشمس تدخل لأرجاء المنزل، وبئر المياه، والدرج ذات التفاصيل الجميلة، والروزنة التي تحفظ الأشياء مثل الدولاب الذي نستخدمه اليوم. وكان هناك ثلاث مراحل لسقف المنازل، وأولها الجندل، ثم سعف النخيل، ثم طبقة جثية، ثم فرش عبارة عن حصى من البحر، ثم فرشة من الجصّ، وجذوع النخيل التي كانت ُتستخدم كأعمدة وكجسور على الأبواب والنوافذ، وهكذا فإن كل بيت يمتاز بتفاصيل تحفظ ذاكرة المكان.
يُذكر أن حضارة دلمون التي تنتمي لها جزيرة تاروت، هي حضارة عربية قامت في جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية، وعرفها السومريون بأرض الفردوس وأرض الخلود والحياة. وقد أُدرجت مقابر دلمون على لائحة التراث العالمي عام 2019 بقرار من لجنة التراث العالمي، وكان مركزها قبل خمسة آلاف سنة تقريبًا في جُزر البحرين، وجزيرة تاروت بالمملكة العربية السعودية. وقد امتدّت حضارة دلمون على طول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، من الكويت عند جزيرة فيلكا التاريخية، وحتى حدود سلطنة عمان وإمارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتّحدة. وقد عُرفت حضارة دلمون بهذا الاسم، لأنها مُحاطة بالماء من كل اتّجاه.