ثيمات الانتظار والأمل في رواية «كونت مونت كريستو»

ثيمات الانتظار والأمل  في رواية «كونت مونت كريستو»

«يا صديقي إن الحِكم البشرية بأكملها تتلخَّص في هاتين الكلمتين: (الانتظار والأمل!)»، بهذه العبارة تنتهي رواية «كونت مونت كريستو»، للكاتب والروائي الفرنسي ألكسندر دوما، ترجمة محمد آيت حنا، وهي تعتبر تلخيصًا أمينًا لما دار فيها من أحداثٍ، على مدار ثلاثةِ أجزاء وبعدد صفحات يقارب 1650 صفحة، احتوت على العديد من التفاصيل والشخصيات التاريخية، لدرجة أن القارئ يخالها وثيقة تاريخية؛ لكونها تصف جزءًا من التاريخ الفرنسي إبَّان حقبة «نابليون بونابرت» وما رافقها من معارك وحروب.

 

تبدأُ القصة بوفاة «لوكلير»، قُبطان سفينة «الفرعون» المملوكة لعائلة التاجر «موريل»، فقد كان من المفترض أن ينزل على جزيرة «ألبا»، التي نُفي إليها «بونابرت»، لكن وفاته المفاجئة أجبرت مساعده الشاب «إدمون دانِتس»، البالغ من العمر تسعة عشر عامًا، أن يحلَّ محله، فالتقى «نابليون»؛ وسلَّمه صندوقًا أمانةً من القبطان الراحل، كما تسلم منه رسالة إلى أتباعه في باريس، وبعدها انطلق مُكملًا طريقه إلى «مرسيليا»؛ ليرسو هنالك بنجاح، فينال إعجاب مالكها، ويتحصَّل على وعده بتنصيبه قبطانًا عليها.
لكن كان  للأقدار رأي مختلف، إذ تبيَّن لـ«موريل» حسدُ «دانغلار» المحاسب، لـ«دانِتس»؛ حينما تحدَّث عن كونه أضاع يومًا ونصفًا، من أجل الالتفاف والوصول إلى جزيرة «ألبا»، وهي المهمة الأخيرة التي أسندها القبطان الراحل إلى مساعده، فلمَّا علِم مالكُ السفينة بما حصل أشاد به وامتدحه، وازداد ثقة في حكمته وحنكته؛ فهو أيضًا من أنصار الإمبراطور «بونابرت»، مما أثار حنق وغيرة المحاسب أكثر، وهنا بادر التاجر إلى سؤال «دانِتس»؛ عمَّا إذا سيُقصي أحدًا من الموظفين إذا تسلم قيادة السفينة، فأجاب: مَن يرتضيه السيد يرتضيه هو أيضًا، حتى وإن وقعت بينهما بعض خلافات، ثم أخذَ يمتدح دقَّة المحاسب، الذي أضمر الحسد تجاهه، فتبعهُ مراقبًا وراصدًا لتحركاته.
التقى المحاسب بـ«كادروس»، جار «دانِتس»، وأحد المصابين بداء الغيرة والحسد، فجلسا يخططان لكيفية الإيقاع به، وفي هذه الأثناء فرغ الشاب من زيارة أبيه، واتجه إلى بيت حبيبته «مرسيدس»، محبوبة ابن عمها «فرنان»، فالتقى به، حيث توترت الأجواء، وكادت تحصلُ معركة لولا تدخُّل الفتاة وطلبها رحيلَ «فرنان»، الذي استجاب وملامح الانكسار بادية على وجهه، وهو ما لاحظه المُخطِّطان، فقدما له دعوة للجلوس معهما.
حرَّض المحاسبُ «فرنانَ» على منافسه، وأشار إليه بتسليمه للشرطة، والادعاء أنه من أنصار «الغاصب» للحكم (إشارة إلى بونابرت)، لكنه اعترضَ؛ مؤكدًا أن «مرسيدس» ستلعنه؛ حالما تعلم بما قام به، إلّا أن المحاسب أقنعه للقيام بحيلة يتمكن بواسطتها من إبلاغ العدالة، من دون أن يفصح عن نفسه؛ تتمثل في كتابة رسالة بـ«يده اليسرى»، تحكي لقاءهُ بالغاصب، مع وجود رسالة يحملها تثبت اللقاء، موجهةً إلى أحد أنصاره في باريس، وهو ما قام به، متسببًا في إلقاء القبض على «دانِتس» أثناء إقامة وليمة خطبته، أمَّا «كادروس»، فهو وإن لم يوافق على ما حدث؛ إلّا أنه التزم الصمت.
وصلت برقية عاجلة تُعلم «دو فيلفور»، يوم خطوبته، بإلقاء القبض على أحد المتعاطفين مع الغاصب، مما دفعه إلى ترك الحفل من أجل التحقيق مع المتَّهم، الذي أخبره بصفاء نية عن جميع تفاصيل رحلته، وما حملته من أحداث، منذ وفاةِ القبطان «لوكلير»، حتى الساعة، كما أعطاه الرسالة التي كُلِّف بإيصالها، فشحب وتغيَّر وجهه، إذ اكتشف أنها موجهة إلى أبيه «نوارتييه»، المناصر للبونابرتية، فما كان منه إلا أن أحرقها، قائلًا للشاب: إنه «يقف إلى جانبه»، وأنه «أزال الدليل الوحيد ضدَّه»، طالبًا منه «عدم إخبار أيٍّ كان عن الرسالة»، فوعده بذلك.
 
سجن إيف
تسير الأحداث ضد رغبة «دانِتس»؛ إذ اِقتيد إلى «سجن إيف» الرهيب، وهناك قام بتهديد سجانه، فتضاعفت عقوبته، وأُنزل الحبس الانفرادي، مدة سبعة عشر شهرًا، حطَّمته وغيَّرته من الداخل، وجعلته من دون أمل، ففكر عندها في الانتحار؛ إما بخنق نفسه أو تجويعها، فاختار الامتناع الطعام، وذات يومٍ سمع صوتًا خفيفًا يطرقُ على الجدار، فعاد إليه الأمل، وأنهى الإضراب الذي بدأه.
  عند الضفة الثانية من الجدار كان «الأب فِريا»، الذي اعتقد الجميع إصابته بالجنون؛ يعرض دفع مليون فرانك لإطلاق سراحه، ولمَّا يئس عرض مليونين، ثم ثلاثة، ثم أربعة، ثم خمسة، وهو ما قُوبل باستهزاء وسُخرية من لدنْ سجَّانيه، وتأكيد اعتقادهم بجنونه، مما جعله يواظب على الحفر؛ أملًا بالهرب، لكنه أخطأ التقدير، إذ بدلًا من الاتجاه ناحية البحر، حفر باتجاه زنزانة «دانِتس»، الذي بدوره قام بالحفر، إلى أن التقيا.
توطَّدت علاقته مع الأب؛ إذ وجده إنسانًا حكيمًا، خبِر الحياة، مُلمًّا بالعديد من المعارف والمهارات، فوضع نفسه بين يديه، وجلس ينهل بشغفٍ من معرفته مدة سنة كاملة، ريثما يخططان للهرب، أتقن خلالها مجموعة لغات، كما نال نصيبًا وافرًا من العلوم، وذات يومٍ أُصيب الأبُ بـ«تشنجات»، فأطلع «دانِتس» على مخبأ الدواء، وطلب منه تقطيره في فمه، حينما يراه متخشبًا كميّت، وهو ما قام بتنفيذه، فتجاوز الأب «النوبة»، لكن بعد إصابته بشلل في نصف جسده.
تبخَّرت خطط الأبِ في الهرب، وأيقن أن الموتَ قريب، فباح بسرِّه المتمثِّل في «كنز مخفي»، يعود لعائلة نبيلة من عائلات إيطاليا، اختفى منذ ما يقارب ثلاثمائة عام، حيث اكتشف مصادفةً وجوده على جزيرة «مونت كريستو»، لكن تم الإمساك به وإيداعه السجن، قبل أن يصل إليه، وهنا جاءته نوبة ثانية ثم ثالثة أودت بحياته.
أخفى آثاره، وتوارى في زنزانته، منتظرًا قدوم الحارس، الذي أبلغ مدير السجن بما حدث، فجاء وبرفقته طبيبٌ أكَّد الوفاة، هنا تقدَّم حارسان، يحملان «كيس خيش»، ومدّدا الجثَّة داخله، ثم أحكما إغلاق الزنزانة، وبعدها رحل الجميع، حيث ستقام الجنازة غدًا، فلما أحسَّ بخلوّ المكان تسلل وأخرج الجثَّة، ثم سحبها إلى زنزانته، ومددها على سريره، بينما اختبأ داخل «كيس الخيش»، بعد أن خاط الشق.

الكنز
حضر حمَّالان، ونقلا ما يظنانه «جُثَّة»، إلى شُرفة مطلَّة على البحر، فثبَّتا «كرة حديديَّة» برجلها، وألقياها، فصرخ بينما يهوي، وحين شعر ببرودة الماء استلَّ سكينه البدائية، محرِّرًا نفسه من ثقل الكرة، وفارًا سباحة ناحية جزيرة بعيدة، وصلها منهكًا وعاريًا، حيث شاهد قارب صيدٍ تضربه الأمواج، وتحطِّمه، ليموت بحّارته، وتصل بقاياه إلى صخور الشاطئ، فيستغلُّ الفرصة؛ ويرتدي ملابس أحد البحّارين، ثم يلاحقُ مركبًا رآه يبتعدُ، فتم انتشاله.
 استفاق على مركب «مهربين»، أُعجبوا بدرايته وحنكَته في تجاوز الصخور، ومعرفة الاتجاهات، فاتَّفق على العمل معهم «ثلاثةَ أشهر»، اكتشفَ خلالها عالمهم السري، وأقنعهم بالذهاب إلى جزيرة «مونت كريستو»، البعيدة عن مراقبةِ السلطات؛ لتكون نقطة انطلاق وتسليم، وهناك أوهمهم بإصابته؛ حيث أتقنَ تمثيل دور سقوطه من مرتفَع، مما اضطرهم إلى تركه، مع وعدٍ بالرجوع إليه، وبمجرد مغادرتهم بحث عن «الكنز المخفي»، الذي وجده مدفونًا، داخل «المغارة الثانية»، مثلما أخبره الأب فريا.
انقلبت حياته رأسًا على عقب، فبعد اليأس الشديد عاد إليه الأمل، ومُنح أكثر مما حَلُم ذات يوم، فاشتعلت في قلبه «رغبةُ الانتقام»، ممن تسببوا في سجنه وتغييبه أربعة عشر عامًا؛ وهم «كادروس، فرنان، فيلفور، دانغلار»، فنصَّب نفسَه «أداة انتقام إلهي»، وتخفَّى وراء اسم «كونت مونت كريستو»، مُنتسبًا إلى الجزيرة الصخرية، التي اشتراها، وتلقَّب بلقب كونت بسببها.
قبل تنفيذ انتقامه عمد إلى مكافأة الذين وقفوا معه أثناء محنته، وهم «والده، ومرسيدس، وموريل التاجر»، فتنكَّر بزي رجل إنجليزي لئلا يُكشف أمره، وهناك عَلم بوفاة أبيه جوعًا، وزواج مرسيدس من فرنان، أمَّا موريل فتعرَّضت تجارته لمجموعة من الحوادث الغامضة أفضت به إلى الإفلاس؛ فقرَّر «الانتحار»، لكن وصول «الكونت مونت كريستو»؛ أنقذه وأنقذ تجارته؛ إذ اشترى سندات الديون بواسطة مؤسسة «طومسون وفرنش»، ثم غادر دون أن يفصح عن هويته.

الانتقام
اشترى قصرًا في «باريس»، وتعرَّف إلى «شخصيات المجتمع» الأرستقراطي، فأثَّر فيهم ببلاغته ومعرفته، ثم أخذ يكتشف تاريخ أعدائه، وعائلاتهم، وتعاملاتهم المشبوهة، ومن أين جاءت ثرواتهم؟ وكيف تحصلوا على ألقابهم؟ فتيقَّن من استحقاقهم العقاب؛ فـ«كادروس» المخادع، الذي فقد أمواله، وأصابته لعنةُ الفقر هو وزوجته، اكتفى بإدارة «نُزُلٍ» بائس، وحين تنكَّر الكونت في هيئة «الأب بوزوني»، مُخبرًا إياه أنه أحد ورثة «دانتس» إضافة إلى «فرنان، ودانغلار، ومرسيدس» وأبيه لم يقاوم إغراء ماسة قيمتها خمسون ألف فرانك، ففضح المؤامرة التي تسببت في سجنه، وبهذا استحقَّ وحده أن يكون الوريث، فأعطاه الكونت الماسة.
أصاب البريق «كادروس» بالعمى والحيرة، فتدخلت زوجته لتؤكد زيفها، وأن الأب انتزع اعترافاته مقابل لا شيء، فلم يستمع إليها، وعرضها على «جواهري»، اشتراها بمبلغ خمسة وأربعين ألف فرانك، وبسبب الأجواء العاصفة فضَّل المبيت في النُّزُل، لكنَّ «كادروس»؛ قتل التاجر والزوجة، واحتفظ بالمال والماسة لنفسه، وحين حضرت الشرطة ادَّعى أن زوجته هي القاتلة، فأفلت من العقاب، لكنه لم ينتبه إلى وصول مهرِّب البضائع «برتوتشو» الذي اختبأ فشاهد الجريمة كما وقعت.
مهما تأخرت العدالة لا بد أن تتحقق، فذات يوم وصلت إلى  الكُونت رسالةٌ تُخبره بسرقةٍ ستتم لقصره في «الشانزليزيه»، فتنكَّر بزي «الأب بوزوني»، واستطاع الإيقاعَ بالسارق، لكنه عفا عنه بعد رؤيته، سامحًا له بالذهاب، فما كان من شريكه الثاني، الذي شاهده يغادر إلا أن عاجل «كادروس» بطعنات قاتلةٍ، ثم فرَّ هاربًا، فحُمل المصاب إلى القصر، وأُبلغت الشرطة بالحادثة.
«فرنان» المرتزِق؛ انخرط كُجندي، ضمن جيشِ «الأمير علي ألباني»، الذي قاوم الأتراك، وحدَّ من نفوذهم، فحاز ثقته بسبب ما أبدى من قوة أهَّلته ليصبح «حلقة وصل» بينه وبينهم، لكنه خان الثِّقة؛ إذ زيَّف «فرمانًا» بالعفو، وحينما سنحت اللحظة قتله واستولى على أمواله، ثم باع زوجته وابنته إلى تاجر رقيق.
عاد بثروة طائلة مكَّنته من شراء لقب «كونت مورسيرف»، وحين وجد «مرسيدس» محطمة، وفاقدة لكل أمل في رجوع حبيبها مدَّ إليها يده، فأمسكتها كي تنتشل روحها من الألم واليأس، حيث تزوجته، وأنجبت «ألبير»، وشغلت وقتها بتربية ابنها، وتعلم «الفنون الجميلة».
مهما تقادمت الجرائمُ سيأتي اليوم الذي تظهر فيه الحقائق، وما فعله الجنديُّ الخائن بقائده، كشفته الصحَافة، مثيرةً بذلك ضجيجًا، داخل مجتمع النخبة الباريسية، خصوصا «مجلس الأقران» الذي ينتمي إليه «فرنان»؛ حيث عُقدت له محاكمة، انبرى خلالها للدفاعِ عن نفسه، مع تدعيم أقواله بالأدلَّة والوثائق، ولولا تدخُّل «هايدي» ابنة الأمير الألباني لما انكشفت حقيقته إذ قدَّمت «صكَّ» بيعها وأمها إلى تاجر رقيق عثماني، يدعى «الكُبير»، الأمر الذي نزل عليه كالصاعقة فأخفض رأسه، وغادر إلى منزله، ليشاهد رحيل مرسيدس وألبير؛ اللذين لم يتحملا الفضيحة، فانتحر ببندقيته.
«فيلفور» الانتهازيُّ فاقد الضمير، ومَن تسبب في احتجاز «دانِتس» البريء، وملاحقة الكثيرين بتهمة الانتماء إلى «البونابرتية»، تزوَّج من ابنة السيد «دو سان مران»، فاستفاد من نفوذ أبيها للتقرُّب من «لويس الثامن عشر»، حيث نال ما يصبو إليه، وتمت ترقيته لمنصب «نائب الملك»؛ لصرامته وولائه المطلق، وملاحقته الشرسة للمجرمين.
ليس بريئًا كما يبدو، إذ أقام علاقة محرَّمة جمعته بالسيدة «دانغلار»، التي أنجبت طفلًا؛ اعتقد الاثنان وفاته، فحمله ودفنه في الحديقة، بعدما وضعه داخل صندوقٍ خشبي، غير منتبهٍ إلى وجود عدوٍّ متربِّص، أقسم بالـ«فونديتا»؛ أي الانتقام، حينما أرسل أخاه إلى المقصلة، إذ راقبه، ثم طعنه، واستخرج الصندوق، معتقدًا بوجود كنزٍ، لكنه فوجئ بوجود طفل مولود للتوّ، يبدو مختنقًا بحبله السرِّي، وبما لديه من خبرةٍ عمد إلى تدليك صدره وأطرافه، فندَّت عنه صرخة الحياة، هنا تحيَّر أين يذهب، واهتدى إلى وضعه أمام الملجأ، محتفظًا بنصف المنديل الملتف به، وبعد شهرين أحضرت زوجة أخيه المنديل، فتسلمت الطفل، وربَّته كابنٍ لها.
شبَّ الطِّفل وغدا فتيًا، وتسبب في انتكاسة لأبيه الحقيقي، الذي لم يعلم ببقائه على قيد الحياة حيث طلب الزواج من ابنة «دانغلار»؛ مدعيًا أنه ابنُ أحد أثرياء إيطاليا، وفي يوم الزفاف حضرت الشرطة لاعتقاله بتهمة قتل «كادروس»، لكنه هرب إلى الحدود «البلجيكية»، وهناك قُبض عليه وأودع السجن، وفي يوم المحاكمة كشف «اللقيط» حقيقة والده، فاتجهت الأنظار إلى «فيلفور»، الذي أقرَّ بالحقيقة.
قبل فضيحة المحاكمة، وعلى مدى أشهُر، حصلت وفياتٌ غريبة ومتقاربة في منزل عائلة فيلفور، بدأت بالسيد «دو سان مران»، ثم السيدة زوجته، وبعدها الخادم «باروا»، وأخيرًا ابنته من زواجه الأول «فالانتين»، إلّا أنه لم يصبه الانهيار، وبقي متماسكًا، حتى استمع إلى اعترافات ابنه «البيولوجي»، فجُنَّ!
«دانغلار» المحب للمال؛ الذي «يرى البشر أرقامًا»، بعد تسببه في سجن «دانِتس»، فضَّل عدم الاستمرار مع موريل، فاتجه إلى «إسبانيا»، ولمَّا نمت ثروته وتضاعفت عاد إلى «باريس» ليعمل مصرفيًا مرموقًا، وموثوقًا به، إلّا أنَّ حوادث غامضة ومتتالية؛ تسببت في تضاؤل ثروته، حتَّى أفلس، فهرب إلى إيطاليا، وهناك استوفى تحصيل السندات الموقَّعة من قبل الكونت، بقيمة خمسة ملايين فرانك، عبر مؤسسة «طومسون وفرانش»، لكن عصابة «لويجي فامبا»؛ اختطفته، وجرَّدته منها.

الانتظار والأمل
لم يكنِ الانتقامُ ليتحقق لولا «الانتظار»، والتشبث بـ«الأمل»، إذ حينما بقي «دانِتس» محتجزًا بمفرده سبعة عشر شهرًا كاد يُجنُّ، وراودته فِكرة «الانتحار»، فامتنع عن تناول الطعامِ، إلى أن سمع ذات يومٍ، صوت حفر داخل الجدار، هنا عاد إليه الأمل، وأبعد الفكرة عن رأسه.
أيضًا لولا «انتظار» التاجر موريل، وتشبُّثه بـ«الأمل» لكان قد  انتحر بمسدَّسٍ أُعدَّ لهذا الغرض، لكنه تمكَّن من تجاوز خساراته، بفضل الكونت؛ الذي أنقذه وأنقذ تجارته؛ حيث اشترى سندات الدَّين عبر مؤسسة «طومسون وفرانش»، وبعدها اختفى دون أن يُفصح عن هويَّته.
لولا «الانتظار»، والتشبُّث بـ«الأمل» أيضًا لأقدم الشاب المحبُّ، «ماكسيميليان» ابن التاجر «موريل»، على الانتحار، حينما شاهد محبوبته «فالانتين» ابنة «فيلفور»، ممدَّدة دون حراك، لكن الكونت أقنعه بالانتظار شهرًا كاملًا، وأخذ منه وعدًا قاطعا بألّا يُقدم على أذيَّة نفسه، وبعدها سيخرج من مأساته، وهو ما حدث؛ إذ صحبه إلى جزيرة «مونت كريستو»؛ وهناك وجد حبيبته في انتظاره.
«الانتظار والأمل» ثيمتان رئيستان في الرواية، فبواسطتهما حققت الشخوص أهدافها، إذ ربما يظنُّ الإنسانُ أنَّ القدرَ يعانده، حين يرى تكالُب الظروف ضدَّه، لكنه سيفاجأ ويكتشف أن «المعجزات» ما زالت موجودة ■