مكتبة العبودي التاريخية في الأقصر قبلة الآثاريين وعلماء المصريات وعشاق آثار مصر القديمة على مدار 112 عامًا

مكتبة العبودي التاريخية  في الأقصر قبلة الآثاريين وعلماء المصريات  وعشاق آثار مصر القديمة على مدار 112 عامًا

ارتبط تاريخ المكتبات في مصر بتاريخ الحضارة الفرعونية، وعرف قدماء المصريين الاحتفاظ بالكتب في صناديق خاصة، أو داخل «جرار» تصنع من الفخار، وذلك قبيل آلاف السنين.
 وتُعدُ مدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر  إحدى  أقدم المدن التي عرف سكانها المكتبات والاحتفاظ بالكتب والعناية بها، ووضع بطاقات تعريف لها، مثل البطاقة التي ميّزَ بها أمنحوتب الثالث كتاب «الجميزة الحلوة». 

 

تعد مقابر ملوك ونبلاء مصر القديمة، في البر الغربي لمدينة الأقصر، مرجعًا مهمًا أمد علماء المصريات بالكثير من المعلومات عن المكتبات القديمة في مصر.
وتسجل جدران معبد إدفو  أيضًا قائمة كبيرة بأسماء الكتب التي جرى تسليمها لكهنة المعبد لتكون بعهدتهم في مكتبة المعبد.
كثيرة هي الأدلة التي تؤكد على معرفة قدماء المصريين المكتبات، وقد عثر في الفيوم على مكتبة كهنوتية تضم نصوصًا أدبية ورسائل دينية وعلمية، كما عثر أسفل معبد الرامسيوم في غرب الأقصر، على مجموعة كتب تعرف باسم «مكتبة الكاهن المرتل»، وفي منطقة دير المدينة التي كانت مدينة للعمال والفنانين الذين شيدوا معابد ومقابر ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة في جبانة طيبة، ومكتبة كبيرة تضم كتبًا تحوي قصصًا شعبية وسحرية وحكايات أسطورية وترانيم وتراتيل للنيل ومؤلفات لتفسير الأحلام، وجميعها كتب على ورق البردي.

الأقصر... مدينة المقابر والمعابد والمكتبات
وكما عرفت مدينة الأقصر الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد، التي شيدها قدماء المصريين، والمكتبات قبيل آلاف السنين، فقد عُرفَتٌ المدينة بأنها قبلة الآثاريين والمستكشفين من علماء المصريات المصريين والأجانب خلال القرون الثلاثة الأخيرة، ولاتزال حتى اليوم محط أنظار دراسي الآثار والباحثين في تاريخ وفنون مصر القديمة، وقد تطلب ذلك أن تكون في المدينة مكتبة تمد هؤلاء الدارسين والباحثين بما يحتاجونه من مراجع علمية، وكتب الأقدمين من علماء المصريات وكبار الآثاريين.
وفى عام 1909 شعر شيخ المرشدين السياحيين في مدينة الأقصر، السيد محمد العبودي، بأهمية وجود مكتبة توفر الكتب التي يحتاج إليها المستكشفون وعلماء المصريات وجموع الأثريين والسياح أيضًا، ممن يقومون بزيارة المدينة، أو يعملون في أعمال التنقيب عن كنوز الفراعنة ومقابرهم، ويبحثون في تاريخ مصر القديمة، واتفق مع السيد حامد العبودي، على إنشاء مكتبة توفر الكتب التاريخية، والأدلة السياحية، والمراجع الأجنبية والعربية والمؤلفات التي تدور في فلك مصر القديمة وتاريخها وآثارها ولغاتها، وإلى جانب توفير الصور والقيام بتوثيق الاكتشافات الأثرية أيضًا، لذلك فقد أطلق على المكتبة عند إنشائها قبيل 112 عامًا اسم «محلات التصوري الإنجليزي».
كان موقع المكتبة في السوق الملاصق لفندق ونتر بالاس التاريخي، القريب من معبد الأقصر الفرعوني، والمطل على نهر النيل الخالد، ثم أزيلت المكتبة ونقلت إلى سوق مرحبا السياحي الذي أقيم ليكون تجمعًا للبازارات والمحال السياحية في الأقصر.
أزيل أيضًا سوق مرحبا السياحي في وقت لاحق لتنتقل المكتبة إلى مقرها المواجه لمعبد الأقصر الفرعوني، وسط مدينة الأقصر.
من الطريف أن المكتبة كانت إلى جانب قيامها بتوفير الكتب والصور، كانت أيضًا هي الوكيل المحلي للبريد المصري في المدينة، فكانت تتلقى الرسائل وتبيع طوابع البريد، إذ لم يكن للبريد المصري وقتها مكتب في مدينة الأقصر... ورغم أن المكتبة آلت ملكيتها إلى آخرين بعد مؤسسها الأول، فإن المالكين الجديدين وهما قاسم العبودي وممدوح حامد العبودي، ومن بعدهما صار اسم المكتبة «محلات العبودي» وذلك في ستينيات القرن الماضي، ثم أطلق عليها عبدالستار حامد العبودي، اسم «مكتبة العبودي» ومع الاسم الجديد ازداد الدور الثقافي والتنويري والحضاري للمكتبة، وازداد عدد روادها، وتحولت المكتبة إلى مكتبتين، الأولى تقع حتى اليوم في مواجهة معبد الأقصر الفرعوني، والثانية تتوسط اليوم منطقة المنتجعات والفنادق السياحية في شارع خالد بن الوليد جنوبي مدينة الأقصر، ويدير المكتبة حاليًا الناشران المصريان عبدالستار العبودي وطاهر العبودي.

المكتبة منهل عشاق الحضارة المصرية
 والمكتبة منذ إنشائها حتى اليوم بمنزلة منهل ينهل منه دارسو وعشاق الحضارة الفرعونية وعلوم المصريات بمختلف لغاتهم وجنسياتهم،
كما صارت قبلة أولى للمرشدين السياحيين والآثاريين، ولطلاب كليات الآثار ربما في كل أقاليم مصر.
وكما يقول الناشر المصري طاهر العبودي، فإن المكتبة منذ إنشائها عام 1909 حتى اليوم تستقبل علماء المصريات من كل البلاد وكل الجنسيات.
يشير طاهر العبــودي إلى أن المكتبة صارت اليوم تسعى لنشر مؤلفات أجنبية عدة في علوم المصريات وتاريخ مصر القديمة، لعلماء مصريات أجانب، وأن آخر قائمة كتب نشرتها المكتبة تضم أحد عشر عنوانًا لمؤلفات بعض من كبار علمــاء المصريات في بلاد الغرب.
ولفت طاهر العبودي إلى أن مكتبة العبودي تسعى إلى توفير كتب علوم المصريات وتاريخ مصر القديمة، وكل ما نشر عن الاستكشافات الأثرية في الأقصر وكل مدن مصر التاريخية لجمهور تلك الفئة من الكتب والمؤلفات في كل ربوع مصر، وأن جناحًا كبيرًا لكتب علوم المصريات يقام للعام الخامس على التوالي بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
وتابع بالقول: إن المكتبة صارت هي الأقدم والأكبر في المكتبات المتخصصة في علوم المصريات وكتب الآثار والتاريخ المصري القديم في مصر، وأول كتاب أصدره مؤسس المكتبة محمد العبودي، قبل مائة عام حمل عنوان: «عبودي قايد إيجبت» – دليل العبودي السياحي لمعالم مصر الأثرية – و المكتبة ستعيد إصداره مجددًا خلال العام الجاري 2021، بمناسبة مرور 112 على إنشائها، إلى جانب إعادة نشر كتاب آخر، كتبته عنوانه «رجل الأقصر» ويدور حول سيرة حياة مؤسس المكتبة وشيخ المرشدين السياحيين في الأقصر محمد العبودي، والــذي كتبتــه السيدة «L. j. R C A V E N  by» وصدر باللغة الإنجليزية عام 1958.
وأكد أن المكتبة تحرص على مواصلة دورها في مساعدة جموع الباحثين والدارسين والعلماء بمجال تاريخ مصر القديمة، وعلوم المصريات، عبر شراكة مع الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكبار دور النشر والتوزيع بمصر والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلى جانب التعاون الدائم مع مكتبة الإسكندرية، لتبقى منذ إنشائها قبيل 112 عامًا حتى اليوم هي المكتبة الأكبر في مصر، من بين المكتبات المتخصصة في مجال تاريخ وآثار مصر القديمة، وكل أفرع علوم المصريات وبكل اللغات من عربية وإنجليزية وفرنسية وإيطالية وألمانية وغيرها.
لكن التحول اللافت لأنظار الأوساط الثقافية في صعيد مصر وجموع السياح الذين يتوافدون بمئات الآلاف لزيارة آثار الفراعنة في مدينة الأقصر، هو أن مكتبة العبودي صارت إلى جانب كونها قبلة للآثاريين والباحثين في علوم المصريات، من مصريين وأجانب قبلة لعشاق الروايات والقصص والأشعار العربية من المصريين والسياح الأجانب من الذين يترددون بشكل يومي على المكتبة لشراء مؤلفات نجيب محفوظ وجمال الغيطاني، والكثير من مؤلفات الأسماء المصرية والعربية الذين ترجمت أعمالهم الروائية والقصصية والشعرية للغات عالمية ■