الشغف والإتقان... ورحلة كتابة القرآن

في رمضان، شهر القرآن، تعالوا معي لنتعرّف على مَن خطّ مصحف المدينة المنوّرة، والذي لُقّب بعميد الخطّاطين. 
اسمه عثمان عبده حسين طه، واحد من أهم وأقدم الخطّاطين بالعالَم العربي، خطّت يداه المصحف الشريف أكثر من 13 مرّة، حتى لُقِّب بـ «خطّاط مصحف المدينة المنورة». 

بين سؤال وجواب، موهبة:

وُلد الخطّاط عثمان طه عام 1934 في إحدى قرى ريف حلب، بسوريا. والتحق بالمدرسة، واستهواه الرسم والخطّ منذ صغره. كان أبوه خطيبًا للمسجد، فكان طه يراقبه وهو يكتب خُطَبه الأسبوعية بخطّ يده، فيسأله عن أسماء الخطوط التي تعجبه على أغلفة الكتب في مكتبته، ويجيبه والده: «لا أعرف، ولكن لماذا تسأل؟ هل ستنسخ مصحفًا»؟ وهذا الجواب كان له تأثيرٌ بالغٌ على الصبي الصغير، حيث استقر في قلبه، وداعب أحلامه، بأن يخطّ المصحف عندما يكبر. من هذا السؤال والجواب، بدأت رحلة طه للتعلّق بالخطّ العربي الجميل، حيث أخذ يتردّد بعد دوام المدرسة على الخطّاطين في مدينته، ليتعلّم منهم فنّ الخطّ. 
وبعد تخرّجه من المدرسة دخل الكلية الشرعية، ثم التحق بجامعة دمشق عام 1964، وحصل على ليسانس الشريعة الإسلامية ودبلوم التربية، ثم تفرّغ لدراسة فنّ الخطّ العربي. 

حلم يتحقّق: 

وبعد سنوات طويلة، التقى بعددٍ من الخطّاطين من دول أخرى، مثل العراق وإيران وتركيا، لِيتعلّم منهم أكثر عن فنون الخطّ والرسم والزخرفة الإسلامية، فالعلم واسعٌ مثل البحر، ليس له حدود. وجاءته الفرصة الأولى لتحقيق حلمه بكتابة المصحف الشريف في بلاده سوريا، بعد أن تجاوز سن الثلاثين، وقامت وزارة الأوقاف بطباعته وتوزيعه مجانًا عام 1970، واستدعاه الرئيس السوري آنذاك وشكره وكرّمه. ثم توالت إنجازاته ونجاحاته، بفضل اجتهاده وعزمه، وشغفه بهوايته وإصراره على إتقان عمله. 
وعُيّن في عام 1988 عضوًا في هيئة التحكيم الدولية لمسابقة الخطّ العربي في إسطنبول بتركيا.

حدث في المدينة المنورة:

 وفي 1988 أيضًا التحق عثمان طه بِمجمّع الملك فهد لِكتابة المصحف الشريف كخطّاط، وتولّى شرف كتابة «مصحف المدينة المنورة» الذي طُبع بِإخراج جميل وأوراق صقيلة. وإذا كان الخطّاطون الآخرون يكتبون في حياتهم المصحف مرّةً أو مرّتين أو ثلاثًا، فإن خطّاطنا الكبير كتب المصحف 14 مرّة، وكانت الكتابة تستغرق منه عامين ونصف العام. وهكذا بلغ مجموع ما طُبع من كتابته 200 مليون نسخة، دخلت أكثر المساجد والبيوت والجوامع في العالَم العربي والإسلامي، وتنافست على طباعة نُسَخه مختلف الدول والهيئات، لِما تميّزت به من جمال وإتقان. 

تواضع عثمان: 

ورغم ما حظِيَ به الفنان عثمان طه من شهرة عالمية وشرف عظيم، كان يجيب بتواضع عن شعوره وهو يشاهد آلاف الحجّاج والمعتمرين في الحرمين الشريفين، مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وهم يقرؤون من المصحف الذي خطّه بيده، قائلًا: «حين أشاهد الناس يقرؤون في المصحف ويُعجَبون بخطّي أشعر بالراحة النفسية، لأنّي أدّيت واجبًا تجاه العالَم الإسلامي، وحين أُسأل عن حياتي فقد قضيتها في كتابة المصاحف».
وفي الختام نُعرّف عثمان طه، بأنه رجل أحب هوايته، واجتهد لإتقانها، ثم تواضع حين أبدع فيها.