مساحة ود

 مساحة ود
        

ليتني كنت سمكة!

          ليتني كنت سمكة! قالتها صديقتي سها، وانتقلت عبر مسامعي فورًا، إلى مقاطعات وطرقات عقلي وترسخت في بؤرة التفكير، لتجعلني أسألها، لماذا؟

          أجابت: لعل السمكة تستطيع أن تفعل ما لا يفعله البشر.

          سألتها وأنا أتعجب: وما الذي تستطيع أن تفعله سمكة بسيطة عن البشر العظام بالنسبة إليها؟

          قالت: لعل السمكة تحسدنا كبشر لكني أحسدها لأنها حرة، لديها من الحرية ما لا يملكه البشر. سألتها كيف ذلك؟

          قالت وهي مبتسمة بفاهها الصغير: السمكة يمكن أن تتخذ من البحر بحرًا وسماء وأرضًا تجوبها كما تشاء، لا تقف أمامها حدود فاصلة ولا أسلاك شائكة تقول لها مهلًا أين جواز سفرك لكي تعبري؟، الجميع يحترم بعضهم بعضًا، الجميع يسير بقوانين ليست من صنعنا.

          وسألتها هنا: هل لأنها قوانين ليست من صنعنا فهي عبقرية؟

          أجابت بسرعة: بالطبع، فالأسماك تحيا وتموت وما بينهما تعيش بقوانين عادلة ناصفة.

          أكدت كل منا على فكرتها، وصار الأمر كمبارزة محمودة على معلومة رفيعة المستوى هل الأسماك أفضل أم البشر؟ وبات الأمر أشمل فقلنا هل المخلوقات الأخرى أفضل أم البشر في ممارسة الحرية بلا قيود مصطنعة وفي العيش بأمان وسلام؟

          تذكرت أنني أملك مكتبة إلكترونية تثقيفية بها أفلام عن أشياء كثيرة منها الحيوانات والطيور والأسماك وباقي المخلوقات، ودعوتها لمشاهدتها معي في اليوم التالي، لعلنا نقوم بحل اللغز الخطير، وسنرى هل بالفعل المخلوقات الأخرى أفضل حالًا من البشر أم لا؟ وقبلت الدعوة.

          في الجزء الأول من كل فيلم كانت المخلوقات تعيش في هدوء وحرية، شاهدنا الأجزاء الأولـى من كل فيلم، وأنا أعلم أن الوجه الآخر للعملة يوجد في الجزء الثاني من الأفلام، وتركتها تقول قبل أن تشاهد الجزء الثاني: لقد كان كلامي صحيحًا يا عزيزتي، الحرية كلها في المخلوقات الأخرى وليس في بني البشر. ابتسمت لها، وقلت لها دعينا نشاهد الجزء الثاني من كل فيلم.

          وهنا ارتطم عقلها بالحقيقة المرة، فهنا حيوان مفترس يقترض أليفي الحيوانات، وهنا الطير الجارح يخطف أبناء الطير المسالم، وهنا أسماك القرش تفترس صغار الأسماك، كانت مشاهد دامية، اعتصر قلبي وقلبها وطلبت مني أن أوقف التشغيل فورًا، وفعلت.

          تنفسنا الصعداء، وتأكدت صديقتي سها أن البشر أحسن حالًا بعض الشيء من المخلوقات الأخرى، فهم يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ولهم قوانين لا تترك المذنب من غير حساب ولهم حريات أكثر بكثير من المتاحة للمخلوقات الأخرى رغم وجود العراقيل، لكن ذلك أفضل بكثير من العوالم الأخرى غير البشرية.

          لكن صديقتي قالت في إصرار: ولكني مازلت أريد أن أكون سمكة.

          قلت لها: كيف بعد كل هذا، فضحكت وقالت: سأختبئ من الحيتان الكبيرة في حوض سمك صغير. وضحكنا ملء فاهينا، حيث كانت سها تمزح.
-------------------------------
* كاتبة من مصر.

 

 

 

أسماء الطناني*