مسجد الإمام الشافعي حكايات ورسائل الناس ظاهرة اجتماعية

مسجد الإمام الشافعي  حكايات ورسائل الناس ظاهرة اجتماعية

يُعدُ الإمامُ محمد بن إدريس الشافعي، المولود في غزة سنة 150 هجرية - 767 م، والمتوفى بمصر يوم الجمعة 28 رجب سنة 204 هجرية -  819م، ثالث أئمة مذاهب الفقه الإسلامي عند أهل السُنّة والجماعة، بعد الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام مالك بن أنس، وهو صاحبُ المذهب الشافعي، ومُؤسسُ علم أصول الفقه، وإمامُ علم التفسير، وعلم الحديث، قال عنه تلميذه الإمامُ أحمدُ بن حنبل:  كان الشَافِعِيُّ كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، وأجمعَ الناسُ عليه أنه هو إمام قريش الذي ذكره سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (عالمُ قُريش يملأ الأرضَ عِلْمًا)، فاجتمع حوله أهل مصر كلهم وأحبوه، وكانوا يُنادونه :(يا قاضي الشريعة) وتزاحموا حول دروسه بمسجد عمرو بن العاص طوال السنوات الخمس الأخيرة من عمره، هي كل فترة إقامته بمصر المحروسة.

 

شهيد الاجتهاد ومخالفة الرأي
كانت دروس الإمام الشافعي ترتكزُ على إعمال العقل وتجمعُ بين الاجتهاد في الرأي، والأخذ بروايات أهل النقل ورواة الأحاديث، وعلى هذا أسسّ كتاب: الأم، في الفقه، وكتاب: الرسالة، وهو كتابه الفقهي الأشهر.
كان الإمامُ الشَافِعِيُّ جريئًا قويًا في أحكامه الفقهية، فخالفَ أستاذه الإمام مالك في الرأي للأحكام الشرعية، ولم يتقبلْ تلاميذ الإمام مالك الخلاف، عندما قال الشَافِعِيُّ: إن الإمامَ مالك بَشرٌ يُخطئ ويُصيبُ، فانتفضَ أحدُ المُتعصبين، واسمه فِتيان بن أبي سَمْحِ، وقام بسبّه بكلمات بذيئة، عندما دخلَ في مناظرة حول قضية العبد المرهون إذا أعتقه الراهن ولا ملك له غيره، وكان الشَافعي يقولُ: يُباعُ، بينما رأى فِتيان المُناظر له أنه لا يُباع.
ويحملُ تلاميذُ الشافعي فِتيان ويلقون به خارج المجلس، والشَافِعِيُّ مُستمرُ بحديثه، ثم طلب من تلامذته الصفح عن فِتيان، لكنهم ذهبوا يشكونه، وغضبَ الوالي قائلا : واللـه لو شهدَ الشافعي على فِتيان هذا لقطعت رأسه، وأمر بضرب فِتيان بالسوط، والطواف به وهو يجلسُ مقلوبًا على حمار، وقد حُلِقَتْ رأسه ولحيته وشاربه، ومن أمامه المنادي يُنادي: هذا جزاءُ من سَبَّ آل رسول الله صلي الله عليه وسلم، وعاد الشَافِعِيُّ مَهمومًا مَريضًا، ولمَّا استرد عافيته وخرج للجلوس بحلقة الدرس تربصَّ به من على بُعْدٍ أصحاب فِتيان، وعندما انتهى الدرس وبقي الشافعي وحده انقضُّوا عليه بالهراوات؛ ليسقطَ مجندلا فيولوا هاربين، ويُحملُ الشَافِعِيُّ الغائبُ عن الوعي إلى منزله، وما إن استردَ أنفاسه حتى أرسلَ غلامه للسيدة نفيسة رضي الله عنها يسألها كعادته الدعاء كلما ألمَّ به مكروه، فقالت لرسوله: أحسنَ اللّـهُ لقاءَهُ ومتعه بالنظر إليه، فعلم الشافعي أنها النهاية، ومات سنة 204هـ، فقالت السيدة نفيسة رضي الله عنها: رحمَ اللهُ الشَافِعِيَّ فقد كانَ يُحْسِنُ الوضُوءَ.

مراحل عمارة المسجد
على الرغم من قلة عدد الأبنية الدينية التي خلّفها سلاطين بني أيوب، فإن ضريح الإمام الشافعي يُعتبرُ أقدمها، حيث أمر السلطان الأيوبي بعمل تابوت، صُنعَ من الخشب المحفور بزخارف بارزة دقيقة، وبكتابات كوفية ونسخية جميلة، مُتضمنة آيات قرآنية، وَكُــتِبَ علـى التابوت: عـمل هــذا الضــريح المــبارك للإمام الفقيه أبى عبدالله محمـد بن إدريس العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف رحمه اللـه، صـــنعة عبيد النجار المـعروف بابن معالي، وعمله في شهور سنة 574 هــ - 1178م.
ويَضمُ هذا الضريحُ إلى جوار رُفات الشافعي رُفات الأميرة شمسة زوجة الملك صلاح الدين الأيوبي ورُفات العزيز عثمان بن صلاح الدين، كما يَضمُ أيضًا رُفات والدة الملك الكامل المتوفاة سنة 608 هجرية
- 1211م.
تبلغُ مساحة الضريح من الداخل 15 × 15 مترًا تقريبًا، وبجداره الشرقي ثلاثة محاريب غُلفتْ تجاويفها بأشرطة من الرُخام المُلون، كما غُلفت طواقيها بالخشب المنقوش، ثم محراب رابع صغير أحدث لتصويب اتجاه القبلة، وتكسو الحوائط الداخلية وزرة من الرُخام المُلّون، تتخللها ثلاث لوحات رخامية، تُشيرُ اثنتان منها إلى تجديد السلطان قايتباي للقبّة سنة 885 هجرية، 1480م، وتُشيرُ الثالثة إلى تجديد السلطان الغوري، وتنتهي بإفريز من الخشب المحفور بزخارف بارزة، وتعلوه منطقة منقوشة ومذهبة من عمل علي بك الكبير سنة 1186 هجرية-  1772م، ثم طراز خشبي عليه كتابة كوفية تتخللها زخارف نباتية، وتبرزُ منه ثمانية كوابيل خشبية محفورة عليها كتابة كوفية أيضًا.
وتحملُ هذه الكوابيل 8 كمرات مُزخرفة تُكّونُ إطارًا مُثمنًا أُعِدَّ لتعليق قناديل الإضاءة، ويعلو ذلك أركان القبّة المشتمل كل منها على ثلاث حطات من المقرنص المنقوش، يَحصرُ بينها شبابيك من الجصّ المفرغ المُحَلّى بالزجاج المُلّون، ووسط الضريح تابوت وضع على قبر الإمام الشافعي، ويُجاورُ هذا التابوت تابوتٌ آخر لا يقل أهمية عنه، حُلّي بزخارف جميلة وكتابات نسخية تضمنت اسم والدة الملك الكامل، ويُعتبرُ هذان التابوتان مع تابوت مشهد الإمام الحسين رضي الله عنه، من أدق وأجمل النجارة العربية طُرزًا، ويتوصل إلى داخل الضريح من باب مفتوح بالجدار البحري حُلّي مصراعاه بزخارف دقيقة محفورة في الخشب، وَكُتِبَ عليه أبيات من الشعر وتاريخ الإنشاء سنة 608 هجرية، كما كُتِبَ هذا التاريخ أيضًا على عتب خشبي أعلى الشباك الغربي الذي يتكون سقفه من قصع نصف كروية داخل أشكال هندسية. ويُعتبرُ أول نموذج لهذا النوع من الأسقف. وتتألف حوائط الضريح من الخارج من طبقتين: الطبقة السفلية بارتفاع 11 مترًا تقريبًا، تُحيطُ بها عصابة نصف دائرية يعلوها شباك معقود، تتوسطُ كل وجهة من وجهات هذه الطبقة عن يمينه ويساره طبقتان معقودتان، وتنتهي هذه الطبقة بشرفة على هيئة أشكال هندسية مُضفرة، أما الطبقة العلوية فقد ارتدت عن السفلية بمقدار 70 سنتيمترًا تقريبًا مُكونةً ممرًا خلف الشرفة، وتُحلي وجهات هذه الطبقة صفف مُخوّصة بينها دوائر ومعينات مزخرفة، يَعلوها إفريز على هيئة أشكال هندسية، ثم شُرفاتُ مُسننة أوجهها مُزخرفة، أما القبّة فمصنوعة من الخشب المُصفّح بألواح من الرصاص، رُكِبَ بأعلاها قارب من النحاس يَبرزُ منه الهلال.
وعندما خربت المدرسة الصلاحية التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي بجوار ضريح الشافعي أنشأ الأمير عبدالرحمن كتخدا مكانها المسجد سنة 1176 هجرية بمساحة 1762×63 مترًا، والذي  بقي إلى أن تصدعت أركانه، فأمر الخديو توفيق بتجديده وتوسيعه سنة 1309 هجرية بمساحة 1891×92 مترًا على طراز الجوامع الحديثة، وهو الجامع الذي نشاهده الآن مُجاورًا للقبّة. وقد قامت وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار بترميم وتجديد المسجد وافتتح منذ سنتين.

دكتور عويس وست سنوات دراسة للرسائل
في يوم 10 مايو عام 1958 نجح الدكتور سيد عويس في الحصول موافقة وزارة الأوقاف والتصريح له بالاطلاع على خطابات المصريين من ضريح الإمام الشافعي وبالفعل حصل على 163 خطابًا من جوابات المصريين للإمام الشافعي سلمها له الشيخ علي محسن حارس الضريح والقائم على صندوق النذر والخطابات. درس الدكتور سيد عويس الرسائل لمدة ست سنوات ، فقام بتحليل ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي، وسجل عليها ملاحظات عامة، منها أن الرسائل من 80 رجلًا و80امرأة والبقية بين أطفال ومفقودي الهوية، وأغلب الذين أرسلوا الرسائل من محافظات الوجه البحري، والأشخاص المشكو في حقهم 211 شخصًا (67 امرأة و144 رجلًا)، وكانت غالبية الخطابات توجه لشخص الإمام الشافعي: «إلى صاحب الموكب العظيم الإمام الشافعي»، «حضرة المحترم صاحب الفضيلة الإمام الشافعي رضي الله عنه»، «لحضرة صاحب السيادة والفضيلة المحترم صاحب المجد والشرف سيدي الإمام الشافعي بمصر المحروسة في خير وسلام، خصوصي لسيادته»، «سيدي وتاج رأسي العارف بالله مولاي الإمام الشافعي رضي الله عنه» وكانت بعض تلك الرسائل توجه لإمام مسجد الشافعي أو خطيب المسجد أو شيخ السجادة أو خادم الضريح، وقد أتت تلك الرسائل من أربع عشرة محافظة مختلفة من محافظات مصر.

تحليل فكر المصريين البسطاء 
بعد ست سنوات من البحث ودراسة الرسائل وتحليلها كظاهرة سوسيولوجية صدر كتابُ دكتور سيد عويس عالم الاجتماع «رسائل إلى الإمام الشَافعي» عام 1965 الذي سَيظلُ فريدًا في فكرته، ويُشَكّلُ ظاهرة اجتماعية، ويعد الكتابُ مدخلًا لتحليل فكر المصريين البسطاء، إذ ظل دكتور عويس أيامًا طويلة قريبًا من ضريح الشَافعي، يَجمعُ الرسائلَ التي يضعها البسطاء من الناس، ويطلبون فيها من الإمام الشافعي أن يساعدهم في تلبية رغباتهم. ويؤكدُ دكتور عويس أن أغلب الشكاوى تحكي عن ظلم يَصعبُ إثباته ورفعه عبر القوانين الوضعية؛ لذلك يكون الأولياء الصالحون المخرج النفسي للمظلومين.
 وأضافَ أن فداحةَ الشعور بالظلم الاجتماعي واليأس من تحقيق العدل كانت تدفعُ بعض المصريين إلى إرسال الرسائل لمسجد الشافعي عبر البريد الحكومي وكأنهم يُرسلونها إلى صَديقٍ أو قَريبٍ لهم.

سارق الديوك الرومي
من كتاب دكتور سيد عويس (رسائل إلى الإمام الشافعي) اختار نماذج من الرسائل التي أرسلها عدد من المصريين للإمام الشافعي على أساس أنه ما زال حيًا وباستطاعته أن يقضي الحاجات ويفصل في نزاعاتهم ويقضي بالحق بينهم. 
أرسل رجل من محافظة الفيوم رسالة إلى ضريح الإمام الشافعي، وكتب رسالته على ورقة متموغة، ولم يكتب فيها تاريخًا، قال بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على سيدنا محمد:
«سيدي البطل الشهير أنا في عرض الله وعرضك، وببركة الله وبركتك تبيّن لنا الذي سرق الديوك الرومي، وببركة الله وبركتك، وأن الله حاكم عادل بيننا وبينه يصرف فيه هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وهو على كل شيء قدير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل على كل من سرق هذه الديوك، تبيّن لنا فيه، الله يا سيدي يا إمام يا شافعي، يا اللي شرّعت بين أمك وأبوك تبيّن لنا في الذي أخذ هذه الديوك الرومي، ولا إذا كان المدعو كاذب تبيّن في هذا الشخص الذي ادعى هذا الكذب يا إمام يا شافعي».

اختفاء تقاوي البرسيم 
أرسل رجل من عزبة «الشركة» التابعة للناصرية بمحافظة الفيوم، رسالة كتبها على ورقة عادية، بتاريخ 23 سبتمبر سنة1956م، قال فيها بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على سيدنا محمد:
«سيدنا ومولانا الإمام الشافعي، رضي الله عنه، مقدمه العبد الفقير إلى الله تعالى المقيم بعزبة الشركة تبع ناحية الناصرية مركز ومديرية الفيوم، أعرض الآتي: حيث إنه سرق من على سطح منزلي عدد ثلاث كيلات برسيم تقاوى، ولم أشعر بهم، سرقوا ليلًا أو نهارًا، وأنا غافل والله سبحانه وتعالى لا يغفل ولا ينام، وهو الذي يعلم حقيقة الأمر وما فيه، وحيث إني رجل فقير الحال، وفاقد السمع، ومصلي وأعرف الله حق المعرفة، ولم أسعَ لضرر أي مخلوق كان، قدمت هذا لقدركم للتصرف برأي الله ورأيكم، والنظر في أمري بما يتراءى لسيادتكم، وأنا منتظر أمر الله وأمركم، حتى أرى بعيني مَنْ الفاعل، ومنتظر التصرف بفروغ الصبر، والله يفعل ما يريد».

جلسة للحكم في ضياع 900 قرش صاغ
قام رجل من «البتانون» مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بإرسال رسالة إلى ضريح الإمام الشافعي، كتبها على ورقة عادية، بتاريخ 8 مايو سنة 1958م، جاء فيها بعد ذكر البسملة والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين: «صاحب الفضيلة سيدنا ومولانا قاضى شريعة الإسلام الإمام سيدنا محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، وجعل مسكنه الرفيق الأعلى بجواره سبحانه وتعالى آمين، يتشرف بعرض هذا لفضيلتكم العبد الفقير الذليل المقر بالعجز والتقصير المحسوب على الله، ثم على فضيلتكم فلان من البتانون مركز شبين الكوم منوفية.
أعرض الآتي ضد فلان بن فلانة من البتانون المذكورة، إن المذكور أعلاه أخذ مني مبلغ تسعمائة قرش صاغ، وطالبته مرارًا ويماطل ولم يدفع وأبى الدفع، ولكوني رجلًا من حملة القرآن الشريف لم يكن لي جاه إلا الله، وسركم الذي عمّ الكون، بادرت بتقديم هذا الطلب والشكوى إلى فضيلتكم، وقد توسلت إلى الله سبحانه وتعالى بسركم الذي عمّ الكون، وأنتم أهل البصيرة والشكوى، لكم عين تنظرون في قضيتي هذه، وتحكمون فيها بما يرضي الله ورسوله ويرضي فضيلتكم؛ حيث إني ضعيف الحيلة والقوة، ويكون ذلك بأقرب جلسة والحكم بالنفاذ».

نماذج أخرى من رسائل الناس
كتبت سيدة من «الحميرات» في محافظة قنا، رسالة على ورقة عادية، ولم تذكر فيها تاريخًا، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعي، جاء فيها ما يلي: «مقدمته لسيادتكم فلانة بنت فلان، بما أنى حرمة فقيرة الحال، ومسكينة وغلبانة، كسر بيتي، وأخذ منى البهايم والبرسيم وتخبله بأي داء في جميع جسمه، أو تلقوه مكتول (مقتول) مرمي، وأنا ولية مسكينة وشاحتة منك ومن الله شكوتي وليك ولله (ولله)».
سيدة أخرى من طنطا محافظة الغربية، ذكرت اسمها وكتبت رسالتها على ورقة عادية بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1956م، قالت فيها دون ذكر البسملة والصلاة على النبي، موجهة خطابها إلى الإمام الشافعي:
«سيدنا الإمام الشافعي، وبعد ذلك نشكو لله ولك فلانة بنت فلانة، ونطلب منك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن ينتقم من فلانة وزوجة ابنها فلانة وبنتها فلانة لأنهم دخلوا منزلي في غيابي، وأخذوا الفرخة بتاعتي مني ظلمًا وعدوانًا».
ونجد رجلا آخر، تعذر التعرف على عنوانه، ذكر اسمه وكتب رسالته على ورقة عادية، ولم يذكر فيها تاريخًا، قال بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على سيد المرسلين موجهًا خطابه إلى الإمام الشافعي قائلًا:
«أقدم شكواي إليكم والله خير الحاكمين... وبعد.
فلان ضد العدوين (الأعداء) فلانة وزوجها فلان وفلانة وفلان، ولم يرجعوا عنا واخدين قيراط ونصف أرض وقالوا أخدت منّا ستة جنيهات، وسمعت الست فلانة رئيسة الهلال، وكانت عاوزه توديهم الكراكون وهربوا على الصعيد».
رجل آخر من قرية الجميزة مركز السنطة محافظة الغربية، ذكر اسمه، وكتب رسالته على ورقة عادية بتاريخ 10 يونيو1956، قال فيها بعد ذكر البسملة والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، موجهًا خطابه إلى الإمام الشافعي: «مقدمه لسيادتكم فلان، وبما أنه كانت معي قطعة أرض زراعية، وكانت منذ سنين وهى معي، ولمّا كان فلان يحرث على مواشيه مثل الفلاحين، تعدى عليّ وذهب إلى ناظر الجمعية ونقلها باسمه بواسطة خفير الزراعة؛ لأنه ابن عمه واسمه فلان، ونقلوا القطعة 9 قراريط، وهو راجل مفترى بعائلة كبيرة، وأنا رجل وحداني وفقير، ولم أقدر أن أقف قصاده وأنا متوكل على الله وأطلب من الله ومن سيدي الإمام الشافعي الحكم بالعدل».
ويذكر الكاتب مكاوي سعيد بجريدة المصري اليوم، أن محمود الجيار (سكرتير الرئيس عبدالناصر) كتب في مذكراته: أن الرئيس عبدالناصر كلّفه بمتابعة الرسائل المُرسلة إلى ضريح الشافعي، وقد وجد رسالة من فلاح فقير، يشكو من موت جاموسته الوحيدة، ويطلب 200 جنيه معونة من الإمام، وعندما علم الرئيس عبدالناصر طلب من الجيار أن يذهبَ إلى الفلاح ويُعطيه 100 جنيه، ونفذ محمود الجيار الأمر، وبعد شهر وجد رسالة أخرى من الفلاح نفسه للإمام الشافعي، فأعطاها للرئيس عبدالناصر الذي قرأها، ولم يتوقفْ عن الضحك، كانت الرسالةُ تشكرُ الإمام الشافعي الذي لبّى الطلب، وتطلبُ منه أن يُرسلَ له بقية المبلغ مع شخص غير جمال عبدالناصر؛ لأنه استولى على نصف المبلغ! ■