أمريتا شيرجيل... «مجموعة من ثلاث فتيات»

أمريتا شيرجيل... «مجموعة من ثلاث فتيات»

في عام 1933م، منح «صالون باريس الكبير» ميداليته الذهبية للفنانة الهندية أمريتا شيرجيل التي لم تكن قد بلغت العشرين من عمرها، واختارها عضوًا مشاركًا فيه، فكانت بذلك أصغر أعضائه سنًا، والآسيوية الوحيدة التي حظيت بهذا الاعتراف الرسمي بموهبتها. ورغم أن هذه الفنانة توفيت وهي في الثامنة والعشرين من عمرها، فقد تركت إرثًا من الأعمال التي تُعتبر من مفاخر المتاحف الهندية وغيرها.
وُلدت شيرجيل في بودابست بالمجر عام 1913م، ونشأت منذ طفولتها في بيئة محفّزة ثقافيًا وفنيًا. فوالدها هو أومراو سينغ شيرجيل، الأرستقراطي البنجابي والعلّامة في اللغتين السنسكريتية والفارسية، وأمها مغنية أوبرا من أسرة مجرية برجوازية نافذة.
في عام 1921م، وبسبب ضائقة مالية، عادت أمريتا مع أسرتها إلى شيملا في الهند، لكنها ظلت دائمة التنقل بين أوروبا والهند. فبعد عامين سافرت إلى فلورنسا لدراسة الفن في أحد معاهدها لسنة واحدة، ثم إلى باريس للدراسة في «لا غراند شوميار» أولًا، ثم في «المعهد العالي للفنون الجميلة» ولم تكن قد بلغت آنذاك السادسة عشرة من عمرها. كما كان لخالها إرفين غوتسمان، المستشرق المتخصص بالثقافة الهندية، دور كبير في توجيهها ونقد أعمالها منذ أن زار أسرتها لأول مرة في شيملا عام 1926م.
تميّزت الأعمال الأولى لشيرجيل بتأثر واضح بأساتذة ما بعد الانطباعية، أمثال سيزان وغوغان. ورغم الترحيب الذي لقيته في الدوائر والثقافية الفرنسية، وارتيادها أرقى منتدياتها الفنية، جرفتها الرغبة القوية في العودة إلى الهند. فعادت إلى بلادها فعلًا في عام 1934م، لتستقر في أوتار براديش لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم لتنطلق عام 1937م في رحلة داخلية طويلة إلى جنوب البلاد، اطلعت خلالها على مختلف مذاهب الرسم والنحت الكلاسيكية منها والمعاصرة، ما شكّل منعطفًا بارزًا في مسيرتها الفنية، وجدد شخصية فريدة من نوعها للأعمال التي أنجزتها لاحقًا، والتي ركّزت بشكل خاص على مشاهد الحياة اليومية، وتميّزت بتعاطف دافئ مع المرأة الهندية في ضعفها وبؤسها، ما وضعها في مرتبة كبار الفنانين الهنود في القرن العشرين، علمًا بأن هذا الاعتراف العام لم يحصل إلا بعد وفاتها، إذ إن قلة من النخبة فقط تمكّنت من تلمس عبقريتها خلال حياتها.
تعود اللوحة التي نقف أمامها هنا إلى عام 1935م، أي إلى الفترة التي تتوسط مرحلتي التأثر بما بعد الانطباعية الأوربية من جهة والغوص في شخصية جمالية هندية صرفة من جهة أخرى. 
نرى في هذه اللوحة ثلاث فتيات جالسات في تركيب هرمي لافت في وصوله إلى أعلى اللوحة، بحيث لا يبقى شيء يُذكر للخلفية وما يمكن أن ترويه، إذ احتل رسم الأجسام بالزي الوطني المحلي المساحة الكبرى. وبالتطلع إلى أسلوب رسم هذه الملابس وألوانها الزاهية لا يمكن للمرء إلا أن يتذكر غوغان ولوحاته في جزر الماركيز، سواء أكان ذلك من خلال تأطير المساحات اللونية بخطوط باروكية ملتوية، أو من خلال ضربات الفرشاة الغليظة، وتسطيح الأعماق، وحتى سُمرة الوجوه. ولكن ما هو أهم من ذلك هو الطابع الستاتيكي الساكن الذي يميّز وضعيات الفتيات الثلاث، وكأن الرسامة طلبت إليهن البقاء جامدات كالأصنام. فعلى المستوى الجمالي يمكن ردّ هذا الجمود إلى التأثر بالتماثيل الهندية. ولكن التأمل في الوجوه وتعابيرها يكشف فيضًا من المشاعر المكتومة: مشاعر الفتيات الثلاث وما فيها من عدم رضا، وصبر على الفقر، ولمسة يأس من احتمال تغيّر الأحوال. وأيضًا مشاعر الفنانة المتعاطفة معهن حتى الحب، فرسمتهن شابات جميلات وأنيقات رغم بساطة الملبس الدالّ على الفقر أو التواضع.
في تلك الفترة كتبت أمريتا شيرجيل إلى أحد معارفها تقول: «لا أستطيع الرسم إلا في الهند. إن أوربا هي ملك بيكاسو وماتيس وبراك... أما الهند فهي لي وحدي» ■