التنجيم الطبي علم لا شعوذة سامي محمود علي

التنجيم الطبي علم لا شعوذة

علم التنجيم من أكثر العلوم القديمة غموضا، وهو مزيج من علم الفلك والطب والكيمياء، وعلاقته بالطب ما زالت تثير الدهشة. فهل هناك صلة بين الحالة الصحية للفرد والبرج الذي يولد فيه؟ وهل تؤثر حركة الكواكب على أعراض المرض؟

كانت المهمة الأساسية للمنجم في العصر القديم رصد حركة الكواكب والتنبؤ بكسوف الشمس وخسوف القمر، وكان مجرد القيام بذلك يجعله محاطا بجو من الرهبة بل والقدسية في بعض الأحيان، ومن الغريب أن ظاهرة الكسوف والخسوف كانت- ولا تزال- مصحوبة بأحداث لا تبشر بالخير، ويشير المنجمون إلى أن نسبة الجرائم تزداد في هذه اللحظات، وهذه الجرائم من النوع العفوي أي الذي يحدث مصادفة ولا يأتي نتيجة تخطيط مرتب، ولعل وقوع مثل هذه الأحداث المؤسفة يرتبط بظاهرة فلكية أخرى وهي مرور المذنب هالي بالقرب من الأرض، ومن هذه الحوادث، سقوط روما وقيام الحرب العالمية الأولى. وحدث في 24 أبريل سنة 1986 أن خسف القمر وفي الشهر نفسه صادف مرور المذنب هالي قريبا من الأرض، وفي 26 أبريل- أي بعد ذلك بيومين- حدث انفجار محطة تشيرنوبل الذرية.

من الغريب أن ترتب الأشياء نفسها بهذه الصورة المثيرة، ولكنها طبيعة الإنسان التي تدفعه باستمرار إلى التطلع لمعرفة المجهول، ولا شك أن الإنسان- نفسه- هو أكثر ما في الحياة غموضا وربما كان السعي المحموم لبني البشر لاستقراء مستقبلهم يتفق مع هذه الغريزة الكامنة في أعماق كل منا، وعلم التنجيم يغذي هذه الغريزة ويحلق بالإنسان عبر آفاق الزمان والمكان، ولا يحفل الشخص بعد ذلك إن كان ما يكشفه الطالع كذبا أو حقيقة.

النظر الى الكون الواحد

إن أسس علم التنجيم التي وضعها البابليون منذ أكثر من خمسة آلاف سنة هي نفسها الأسس التي يعتمد عليها منجمو اليوم، ولسنا نملك إلا أن نحترم حقا أولى هذه الأسس لهذا العلم، فالمنجم ينظر إلى الكون وكأنه كيان واحد يخضع كل ما فيه إلى تأثير جميع الموجودات من أحياء وجمادات، والإنسان جزء من هذا الكون الواسع وهو لا ينفلت من هذا التأثير، إلا أن علم التنجيم يعتبر أن مستقبل الإنسان ومسار حياته يعتمد على لحظة الميلاد وحركة النجوم في السماء، وهو- أي علم التنجيم- لا يقدم بالتالي أي تفسير لكيفية حدوث ذلك.

وقد أظهرت دراستان قام بهما باحثان من فرنسا كل على حدة، نتائج فيها من الغرابة بقدر ما فيها من الدهشة حول حقيقة هذا العلم، وكانت الدراسة الأولى قد نشرت في مجلة "Nature" العلمية قبل ست سنوات وقام بها زوجان فرنسيان هما ميشال وفرانسواز جوجلان، وقد ظهر في هذه الدراسة أن ثمة علاقة توجد بين وضع النجوم في السماء عند ميلاد الشخص وبين علو شأنه وتميزه في مستقبل حياته، وجاءت هذه النتيجة بعد دراسة حياة كثيرين من المشاهير والبارزين في ميادين سياسية وفكرية مختلفة. أما الدراسة الأخرى فقد قام بها عالم النفس الفرنسي ميشيل جوكويلين، وقد حاول في هذه الدراسة أن يقيم علاقة بين مهنة الشخص ومواقع النجوم عند مولده، وقد اعتمد جوكويلين على إحصاءات علمية دقيقة وكانت نتائجه مثيرة حقا، فقد تبين له أن عددا كبيرا من الرياضيين، مثلا، ولدوا عند صعود كوكب المريخ في الأفق، وأن عددا مماثلا من رجال الدين ولدوا عند صعود كوكب عطارد. لكن المثير هنا أن كوكب المريخ يرمز عند المنجمين إلى الصراع والنضال بينما يرمز عطارد إلى وسائل الاتصال، ويبدو أن مهن هؤلاء ترتبط بالفعل بصعود هذه الكواكب دون غيرها.

الصحة والمرض في ميزان علم التنجيم

لم يكن بمقدور المرء في الأزمنة القديمة التمييز بين حدود واضحة للعلوم المختلفة، فقد كان العلم نسيجا غريبا يضم خيوطا شتى من بدائيات العلم وبساطة معارفه، وقد كان هذا في أحيان كثيرة يتيح لشخص واحد أن يلم في جعبته العديد من أوليات العلوم، ولم يكن من المستغرب أن تجد الطبيب المنجم الأديب صاحب الفلسفة الملم بعلوم الهندسة والجغرافيا والتاريخ. وربما استمر هذا الحال حتى وقت قريب- نسبيا- فمن يطالع حياة ابن سينا والبيروني والكندي والرازي وغيرهم من علماء العرب سوف يدهشه أن كلا منهم كان بمثابة موسوعة بشرية تحققت من خلالها شمولية العلم والإلمام بأطرافه مهما بعدت وتباعدت.

وقد اهتم العرب بعلم التنجيم أو العرافة، وكانت الكتب المترجمة من الشرق والغرب تتيح الاهتمام بهذا العلم ودراسته، وربما كانت علاقة التنجيم بالطب هي أكثر ما جذب اهتمام الدارسين لهذا العلم من العرب، ولعل الإشارات الكثيرة التى وردت في الكتب المترجمة عن كهنة بابل القديمة وأطبائها واهتمامهم بحركة النجوم ورصدها لمعرفة مدى انتشار مرض او الشفاء منه، كذلك الكتب الهندية المقدسة مثل "الفيداس واليورفيداس" والتي تشير إلى علاقة الإنسان بالكون وانعكاس ذلك على صحته وحياته. وفي المقابل أيضا كانت ترجمات كتب أبوقراط حافلة بمعاني أثر النجوم وحركة الكواكب على صحة الإنسان، لعل كل هذه الإشارات خلقت من بعض العرافين العرب أطباء بالفعل، فقد تجاوز دور العراف مجرد الوقوف عند حدود استقراء المستقبل إلى محاولة التطبيب والكشف عن تطور المرض ومساره، وكان العراف يستعين بطالع المريض وحركة النجوم وأعراض المرض، ومن أشهر هؤلاء العرافين رباح بن عجلة أو عراف اليمامة وفيه يقول الشاعر عروة بن خزام:

فقلت لعراف اليمامة داوني

فإنك إن أبريتني لطبيب

ويمكن للمرء عند مطالعته للكتب المترجمة عن باراسيلوس "Baracelsus"- أبي علم العقاقير- أن يجد ما يمكن اعتباره دراسة كاملة عن علاقة البروج الاثني عشر المعروفة في علم التنجيم بصحة الإنسان وأمراضه، وكان باراسيلوس يعتقد أن النباتات التي تتشابه مع الأعضاء المريضة من جسم الإنسان قادرة على شفائها، فالعضو المريض والنبات المشابه له يستمدان صورتيهما من نفس المصدر الكوني، وبذلك فإن باراسيلوس يخلص إلى أن كل نجم أو برج له أعضاء محددة من الجسم يكون سببا في مرضها والشفاء منها، فهذا البرج- كما يعتقد باراسيلوس- يملك مفاتيح الصحة والمرض كليهما على السواء.

ويذهب باراسيلوس إلى أبعد من ذلك فيقسم الأمراض- جميعها- إلى ثلاث مجموعات لكل منها أربعة بروج تشكل في مجموعها أعراض الأمراض المختلفة وهذه المجموعات هي:
- المجموعة الأولى: أمراض الجسم، تضم أبراج الثور والأسد والعقرب والدلو.
- المجموعة الثانية: أمراض الروح "النفس"، وتضم أبراج الجوزاء والعذراء والقوس والحوت.
- المجموعة الثالثة: الأمراض العقلية، وتضم أبراج الحمل والسرطان والميزان والجدي.

وهكذا فالمرض لا يظهر نفسه في الجزء المصاب فقط من الجسم ولكن أعراض هذا المرض تتجلى من خلال ثلاثة بروج أخرى يمكن التنبؤ بها عند معرفة العرض الأول الذي يظهره المرض وذلك من خلال المجموعة البرجية التي تضمه.

ويطرح باراسيلوس بعد ذلك لائحة بالبروج الاثني عشر والأمراض المرتبطة بكل منها، ويمضي تصوره كالآتي:
-برج الحمل: أمراض الرأس والكلى
- برج الثور: أمراض الأنف والأذن والحنجرة
- برج الجوزاء: أمراض الرئة والدم والأعصاب.
- برج السرطان: أمراض الهضم والصدر والدم والأورام.
- برج الأسد: أمراض القلب وأوجاع الظهر.
- برج العذراء: أمراض الهضم والأعصاب ومتاعب الرئة أحيانا
- برج الميزان: أمراض الكلى والسكر وأمراض الجلد والصداع
- برج العقرب: أمراض الجهاز التناسلي والبولي والنقرس والبواسير
- برج القوس: إصابات الأطراف، الشلل وأمراض الأعصاب والرئة والعين وأوجاع الساقين.
- برج الجدي: البرد والروماتيزم وأمراض الجلد والهضم.
- برج الحوت: الاستعداد لعدوى الأمراض وأمراض الأمعاء والضعف العصبي.
- برج الدلو: أمراض الدورة الدموية والدم وضعف البصر.

وكأمثلة لإيضاح تصور باراسيلوس عن هذا التتابع في أعراض المرض تبعا للمجموعة البرجية وعلاقة كل برج بأمراض أو أعضاء محددة نذكر مثالين: أولهما: ارتفاع أملاح اليوريا في الدم "Uraemia" من أعراضه: جفاف الأغشية المخاطية "برج الثور"، حمى ودوخة "برج الأسد"، متاعب في النظر "برج الدلو".

ثانيهما: التهاب الكلى المزمن "-Chronic Pye Ionephritis".

من أمراض الكلى "برج الميزان"، اضطراب الأمعاء "برج السرطان"، متاعب العين "برج الحمل"، أوديما الجلد "برجا السرطان والجدي"..

الحقيقة أن هذه الدراسة قد جاء ذكرها في مخطوطات كهنة بابل وسومر القديمة وذكرها الهنود في كتبهم المقدسة، وربما لم تكن بكل هذه التفاصيل ولكن كانت هناك مجموعة من الإشارات والأبحاث - قبل باراسيلوس- حول هذه العلاقة الغامضة بين حركة النجوم في السماء وبين صحة الإنسان ومرضه.. ويمكننا أن نلمح في هذه الكتب القديمة إشارات أخرى لها معنى ودلالة، فالمنجم القديم ينصح الطبيب بألا يعطي دواء أو يقوم بإجراء جراحة في الفترات الأربع الحرجة من الشهر القمري- تستغرق كل فترة حوالي 6 ساعات- وهذه الفترات محددة بالتغيرات القمرية عند ولادة القمر وعند اكتمال ربعه الأول وعندما يكون بدرا وأخيرا في ربعه الأخير.

في الطب.. هل يكذب المنجمون؟

ليس ممكنا- بالطبع- رفض كل القديم أو اعتباره نوعا من الدجل والخرافة، وقد أظهر البحث في التراث القديم ولمرات عديدة أن الحدس يكون في أحيان كثيرة على صواب وأنه يمكن أن يصل إلى الحقيقة بصورة ما تختلف عن المنهج العلمي التجريبي.

وربما كان ضروريا أن نفرق بين التنجيم بمعناه الواسع كوسيلة لاستقراء المستقبل والوقوف على أحداث لم تزل بعد مجهولة، وبين التنجيم للتنبؤ العلمي القائم على الحسابات الفلكية والأنشطة الجوية "الميتورولوجي"، ومن غير المشكوك فيه أن الرأي قد استقر على رفض التنجيم بمعنى قراءة الغيب حتى بين المنجمين أنفسهم، وتقول المنجمة بيتا بيشوب في ذلك: "إنني أعلم أن كثيرا من الناس يتمتعون بقراءة طالعهم كل صباح ويمدهم ذلك بمصدر للتسلية البريئة، ولكن كل ذلك في رأيى لا يعدو أن يكون نوعا من الهراء والهذيان، إذ لا يمكنك أن تقول شيئا مفيدا لإنسان ما وتعتمد في ذلك على معرفة أن كوكبا ما يؤثر على تصرفات وحياة ذلك الإنسان، إنه لشيء مضحك أن تقول لإنسان ولد في برج الجوزاء إنه سوف يقوم بعقد صفقة مربحة في يوم معين، إذ يجب ألا ننسى أن نسبة 12:1 تقريبا من تعداد سكان الأرض ولدوا في برج الجوزاء ومن غير المعقول أن يقوم كل هذا العدد الهائل من البشر بعقد صفقات مربحة في يوم معين واحد، ولعل نفس هذا المعنى أظهرته دراسة علمية قام بها الدكتور شون كارلسون من جامعة كاليفورنيا عام 1982.

لكن المعني الآخر للتنجيم وقدرته على التنبؤ بالحالة الصحية للإنسان في مرضه وعافيته تستحق وقفة، وهي وقفة تدعونا بالفعل إلى اتخاذ موقف أكثر شمولية فيما يتعلق بصحة الإنسان وإمكان إصابته بالأمراض على كوكب الأرض، وثمة ملاحظة تستوقفنا في البداية: أن الإنسان ليس معزولا عن هذا العالم بل هو على الدوام في مركز تقاطع خطوط وقوى تؤثر فيه باستمرار، وهذا التأثير يمضى في حساب دقيق يمكن تحديده وملاحظة أبعاده، ولا شك أن دوران الأرض حول الشمس وتأثر هذا النشاط بالمنظومة الكونية كلها تؤدي بالفعل إلى تغيرات تأخذ شكل قوى مثل التغيرات الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية والرياح الفضائية والعواصف الشمسية، هذه وغيرها لوحظ أنها تملك حرية العمل في جسم الإنسان ومسار صحته ومرضه، وقد أمكن ملاحظة تغيرات تصيب المرضى بأمراض مزمنة عند تغير حقل الجاذبية الأرضية، أو عند حدوث عواصف مغناطيسية، أو عند حدوثها معا، فالمرضى مثلا بارتفاع ضغط الدم وجد أنهم في هذه اللحظات يصابون بنزيف أو جلطة في المخ، ويحدث هذا فجأة ودون سابق إنذار.

الحقيقة أننا لم نفهم كل شيء عن الإنسان، جسمه وطبيعة عقله ونفسه، وربما كان هذا- وسيظل- الباب المفتوح الذي تدخل منه نظريات وأفكار تحاول أن تفسر ما يؤثر في الجسم سواء من داخله أو خارجه، ومن أكثر ما يحيط بالإنسان غموضا، إحساسه بالوعي، ومدى تأثير هذا الوعي في آلية الجسم، وربما كان إيمان العلم الآن استقر على شكل من أشكال انفصال الوعي عن الجسم بل وتشير دلائل كثيرة وعديدة إلى امتداد هذا الوعي في الكون وقدرته على اختراق حواجز الزمان والمكان والقفز فوق حدود الحواس. لكن ما هو مؤكد ولا نجد له تفسيرا حتى اليوم هو هذا التأثير الغريب للوعي أو الإرادة الحرة في عمل الجسم، في صحته ومرضه، تقول الدكتورة "تانيا ليرمان" عالمة الاجتماع الأمريكية إنها حضرت اجتماعا للمنجمين وتكلم أحدهم في البداية شارحا أن له طفلا مريضا ولم يفلح في علاجه دواء أو طبيب، وعلى الفور تم عمل تمثال طيني يمثل الطفل ووضع على المذبح، ثم أمسكنا بأيدي بعضنا البعض- كما تقول الدكتورة تانيا- والنظرية الكامنة وراء ذلك هي أن العالم وحدة متشابكة مترابطة، وأن هناك طاقات خفية تجري خلاله لا ندركها، ولكن بتركيز اللاوعي يمكننا بشكل ما أن نغير مجراها ونسيطر عليها، وهكذا أمسكنا بأيدي بعضنا البعض وركزنا تفكيرنا على الطفل المريض وأخذنا نجري على شكل دائرة وأنظارنا مسلطة على شمعة في وسط الدائرة حتى فقدنا إحساسنا بالزمان والمكان، وحين بلغ الجري مداه أوقفنا رئيس الاجتماع فأغلقنا أعيننا ورفعنا أذرعتنا وتصورنا الطفل المريض في مخيلتنا وهذا يعني إطلاق الطاقة الكامنة التي جمعناها، ثم تستطرد الدكتورة "تانيا ليرمان"، وتقول: ومن الغريب أن الطفل بالفعل قد تماثل للشفاء.

إن ما نريد أن نقوله أخيرا إن صحة الإنسان ومنظورها من خلال علم التنبؤ أو التنجيم أمر يمكن قبوله كأحد علوم المستقبل، لكن ذلك لا يكون على أساس لحظة الميلاد وحركة النجوم في السماء بل على أساس أن الإنسان إحدى النغمات في معزوفة الكون الرائعة الألحان، وتوازن الإنسان داخل هذه المعزوفة يعتمد على مزاج ساعته البيولوجية وتأثرها بحركة كل ما في الكون ونشاط القوى فيه، وهذا هو ما يمكن رصده والتنبؤ به.

 

سامي محمود علي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات