حديقة ماجوريل سحر طبيعي وسط مراكش المغربية

حديقة ماجوريل   سحر طبيعي وسط مراكش المغربية

زيارة مدينة مراكش المغربية غوص في التاريخ بمختلف تجلياته، فساحة جامع الفنا بتراثها الشفاهي (فن الحلقة والحكواتيين) وسحرها الأخاذ منذ غروب الشمس إلى منتصف الليل، يختلط بأدخنة مختلف المأكولات التي تحولها إلى مطعم مفتوح يأخذك في عوالم لن تجدها إلا في مراكش، مآثرها تحكي قصة دول وحضارات حكمت المغرب من الموحدين والسعديين وصولًا إلى العلويين.

 

  فقصرها البديع الذي يعد أعجوبة العجائب، حسب وصف الرسام الهولندي أدريان ماثام، يحكي حضارة دولة استطاعت أن تحاكي الإمبراطوريات الكبرى آنذاك... وقبور السعديين تسافر بك إلى التراث الجنائزي المأتمي، والمنارة تمنحك الهدوء والسكينة وتسافر بك إلى سنوات خلت وأين كان الملوك يقضون فترات راحتهم، ومسجد الكتبية وصومعته الشامخة يحدثك عن أخواتها صومعتي حسان بمدينة الرباط وخيرالدا بالأندلس...، وزيارة كلية ابن يوسف ترحل بك إلى التعليم التقليدي المغربي قبل دخول المدرسة العصرية للمغرب مع الاحتلال الفرنسي، وتبين لك مدى اهتمام الأجداد بالعلم والعلماء.
بعد زيارة هاته الأمكنة بثرائها وحمولتها التاريخية تفرض عليك راحة في قلب سحر الألوان وبهاء النباتات والأشجار، وذلك لن تجده إلا في حديقة جاك ماجوريل، الذي سكن وتعلق بالمدينة وكتب اسمه ضمن تاريخها.  فمن هو ماجوريل؟ وما حكاية حديقته التي تعد من المعالم السياحية بمدينة مراكش الحمراء؟

ماجوريل وعشق مراكش
جاك ماجوريل (1962-1886) هو رسام استشراقي فرنسي ولد بمدينة نانسي شرق فرنسا، في وسط فني، فأبوه كان صانع تحف خشبية، وجده كان فنان ديكور على الخزف والأثاث. درس الفن سنة 1901 بمدرسة الفنون الجميلة بنانسي، ليقوم سنة 1903 بدراسة الرسم بأكاديمية جوليان بباريس.
 اكتشف المغرب سنة 1914 بدعوة من أول مقيم عام فرنسي في المغرب المارشال ليوطي، المعروف بكونه رجل حرب ويحب أن يكون محاطًا بالفنانين والمبدعين. أعجب ماجوريل بالمغرب وأصبح مصدر إلهامه في لوحاته، خاصة مدينة مراكش التي استقر فيها منذ 1923، وقد عبر عن ذلك حين صرح لأحد الصحفيين بقوله:  «... أنا أرغب الآن في أن أكرس نفسي لدراسة كائنات هذا البلد، لا فقط رسمها وتشكيلها وإنما لأجعلها ذات دلالة».   
عرف ماجوريل كيف يمسك بجمال وسحر المغرب، ويحتفي به في لوحاته الفنية، التي عكست الحياة اليومية لساكنته حيث تناغم الألوان والمناظر بشكل رائع، كما احتفى بقصبات الأطلس الكبير وغرابتها المعمارية، وكان معجبا بمراكش وأصالة حياة سكانها، فصور لنا حياة الأسواق وأنشطة التجار والحرفيين العاملين بها.

من بوصفصاف إلى ماجوريل الشهيرة 
عندما قرر جاك ماجوريل الاستقرار بمدينة مراكش اشترى فيها أرضًا خارج أسوار المدينة العتيقة في مكان تنتهي عنده واحة النخيل، وكانت تحتضن هذه الأرض شجر الصفصاف، وبنى فيها داره التي كان يسميها «بوصفصاف». في سنة 1928، اشترى ماجوريل قطعتي أرض إضافيتين زادتا من مساحة سكن ماجوريل حيث وصل لـ9000  متر، مما مكّنه من غرس أشجار وزرع نباتات نادرة مختلفة جمعها من رحلاته المختلفة والمتعددة في مناطق ودول العالم،  وذلك مكنه من تهيئة حديقة تحتوي على أكثر من 135 نوعًا من النبات (الصبار، الياسمين، النخيل، أشجار جوز الهند، والموز، والخيزران، وزنابق الماء...). والحديقة محاطة بسور خارجي، وتتكون من متاهة من الأزقة المتقاطعة على مستويات مختلفة ومسالك مفتوحة على مشاهد رائعة وجذابة.
ما يميز حديقة ماجوريل الألوان الصارخة ذات العنف غير المسبوق التي تمت صباغة منزل ومرسم ماجوريل بها، وكذلك الأبواب والنوافذ وأواني الفخار من أغمر مصفر وأصفر ليموني، وأزرق حالك الذي يغلب على الحديقة والذي أصبح يعرف بأزرق ماجوريل، ما يجعلها تتميز عن غيرها من حدائق المغرب والعالم. وقد فتحت للعموم عام  1947، لكن بوفاة ماجوريل سنة 1962 تعرضت للإهمال، وسعى لوبي العقار للاستيلاء عليها نظرًا لموقعها المتميز في حي جيلز الراقي.

إهمال... فإنقاذ  
شكّلت وفاة جاك ماجوريل علامة فارقة في مسار حديقته، حيث دخلت في مرحلة من الإهمال كادت أن تتسبب في ضياع ما جمعه ماجوريل على امتداد ما يزيد على 40 سنة من مجموعات نباتية، والتي تميزت بخصوصية جعلتها مختلفة عن حدائق العالم.  لكن جاء اكتشاف كل من بيير برجي وسان لوران للحديقة ووقوعهما في سحرها، فعملا على شرائها عام 1980 وإنقاذها والحفاظ على رسالة مؤسسها، فحافظا على مجموعاتها النباتية، وعملا على إثرائها، حيث أنشآ بها مكتبة ومقهى ودكانًا للعموم، ومتحف الثقافة البربرية الذي يحتوي على أكثر من 600 قطعة حلي من مختلف أنحاء المغرب (أسلحة وزرابي...)، وهي كلها من مقتنيات إيف سان لوران وبيير بيرجي، وتعكس تنوع وغنى الثقافة الأمازيغية المغربية. وهاته القطع معروضة بطريقة مثيرة وجذابة، وبإضاءة تسافر بك في عوالم ساحرة.
بعد وفاة سان لوران سنة 2008 منح بيير برجي الحديقة لمؤسسة جاك ماجوريل التي تسهر على تسييرها والمتحفين البربري وإيف سان لوران، مواصلة لرسالة مؤسس الحديقة ومساهمة في سياحة مدينة مراكش الحمراء، حيث تستقبل الحديقة سنويًا أكثر من 700 ألف زائر أغلبهم من الأجانب، ومضفية بهاء وجمالًا على المدينة التي تعد من الوجهات السياحية الرائدة على الصعيد العالمي، بفضل ما تتوفر عليه من تراث مادي وغير مادي متنوع.
خلاصة القول، تعد حديقة ماجوريل، بنباتاتها وألوانها الصارخة وزقزقة طيورها وطبيعتها الخلابة والاستثنائية، إحدى أشهر حدائق مدينة مراكش وأكثرها سحرًا، ما جعلها نقطة جذب للسياح وعشاق الحدائق والبيئة من مختلف أنحاء العالم، فهي تحفة فنية خضراء، تختزل جزءًا من التاريخ البيئي للمدينة وجب الحفاظ عليها وتثمينها■