قل للعالم مَن تكون

قل للعالم مَن تكون

 يؤكد خبراء التسويق حقيقة أننا إذا لم نصنع علاماتنا الشخصية المميزة - ماركاتنا الشخصية - ونديرها بأنفسنا، سيفعل لنا العالم من حولنا ذلك، وسنضع مستقبلنا في أيدي الآخرين؛ وهذا خطر. وينبهون إلى أن كل ما نفعل، وكل من تتعاون معه من الناس، وكل جهة نعمل فيها تؤثر على كيفية إدراك العالم لنا. 

 

ولكي نبني سمعتنا ونحافظ عليها نحتاج إلى وضع استراتيجية محددة الرؤية والرسالة، والأهداف؛ وندعمها بدلائل شخصية، تثبت ما نقول؛ ودلائل اجتماعية تشهد لنا، واعتراف من الآخرين بإنجازاتنا، وروابط توضح انتماءنا لكيانات احترافية في مجالنا. وسيفيدنا ذلك كثيرًا في تنمية شخصياتنا العامة بشكل مستمر، وفي تحديد اتجاهات حراكنا السريع نحو مواقع التأثير التي نرغب فيها. ولا يرون في ذلك فعلًا أنانيًا، ولا ذاتًا متضخمة، ولا تغليفًا للذات قبل الترويج لها وبيعها للآخرين، بل هو وعي بالذات، ووسيلة للحفاظ عليها، وابتداع منصات نقف عليها لنقول للعالم من نكون.

العلامة الشخصية المميزة
بدأ الحديث عن العلامة الشخصية المميزة - Personal Branding - قبل ربع قرن تقريبًا، عندما كتبت مجلة فاست كومباني الأمريكية - المعنية بالأعمال والتكنولوجيا والتصميم - على غلافها «الماركة التي تُدعى أنت»؛ ثم توالت بعد ذلك النقاشات والمؤلفات حول الموضوع حتى يومنا هذا. ومع تسارع التطور التكنولوجي، وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الدعوة عامة لخلق مثل هذه العلامة الشخصية المميزة - التي لم تعد قاصرة على المشاهير والمؤثرين - واعتبارها أساسًا لنجاح التواصل، بل أصبحت هناك مطالبات من جانب بعض الأكاديميين بتعليم الطلاب كيف يميزون أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي منذ وقت مبكر. 
فقد دعت أستاذة بجامعة متروبوليتان ستيت - الدكتورة كاترينا جونسون - على سبيل المثال، المعلمين إلى توجيه طلابهم لما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والآثار المترتبة على خلق الماركة الشخصية، بحيث يتمكنون من المحافظة عليها، والتعامل معها بشكل أفضل، وذلك من خلال جعلها جزءًا من الواجبات المدرسية على مدار سنوات الدراسة، نظرًا لكونها عملية مستمرة وحافلة بالتفاعل مع الآخرين في تواصل مباشر
أو غير مباشر. 
وأشارت إلى أهمية إلمام الطلاب بكيفية تأكيد حضورهم الرقمي، وفهمه بشكل مقصود، ووقوفهم على مدى تأثير سلوكياتهم على تصورات أصحاب العمل المحتملين لهم في المستقبل. فوفقًا لموقع كاريير بليدر للتوظيف، يستخدم 60 في المئة من أصحاب الأعمال المعلومات المتاحة على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي ضمن إجراءات التشغيل، لمراقبة المرشحين للوظائف والتأكد من مؤهلاتهم، ومهاراتهم، وتوجهاتهم وسلوكياتهم التي يمكن أن تكشفها الصور والتعليقات. ولهذا تساعد توعية الطلاب بأهمية صنع الماركة الشخصية والحفاظ عليها، على تنظيم ما ينشرون، واستخدام وسائل التواصل بصورة تعظم رأسمالهم الاجتماعي، وتحسن فرص التحاقهم بسوق العمل.
 
تنمية الوعي بالذات 
يعد تقديم الذات مفهومًا أساسيًا في صنع هذا النوع من الماركات - وفقًا لـ د. جونسون - حيث يحاول كل شخص تقديم ذاته بصورة معينة، كما يرغب أن يراه الآخرون. ويسمح هذا التقديم للذات بتوصيل بعض المعلومات والرسائل للآخرين والتأثير على إدراكهم، فالماركة الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن وسيلة لإحكام السيطرة على الانطباعات التي يصنعها المرء في العالم الافتراضي. وهكذا يسعى الطلاب، مثلًا، إلى تقديم أنفسهم للعالم، بصورة يومية، من خلال ما يلبسون، وما يتناولون من موضوعات، وما يضعون من صور وفيديوهات، وما يتشاركون من تعليقات وآراء. وبالنظر إلى الإنترنت كمسرح كوكبي، يمكننا رؤية كيف يكون العالم في متناول الجميع لخلق سلسلة بلا نهاية من الانطباعات. 

الطلاب وتنمية الوعي بالذات
ولصنع العلامة الشخصية المميزة، يتعين على الطلاب معرفة أنفسهم أولًا، عبر تنمية الوعي بالذات؛ أي فهم جوانب مهاراتهم، وقدراتهم، ومعارفهم، ومواهبهم، وشخصياتهم، ونقاط قوتهم ونقاط ضعفهم، وما يراه الآخرون فيهم. ويحتاجون إلى صياغة شعارات تؤكد تفردهم، وتحدد ما يمكنهم فعله، كأن يقول أحدهم: «أنا مسوق تكنولوجيا رائد، وشغوف بتكوين فريق مناصر للعلامة التجارية التي أسوق لها، وبتوثيق العلاقات مع العملاء والمستخدمين». وهكذا يمكن لصاحب العمل المستقبلي أن يحدد أهم مهارات المرشح ونقاط قوته من خلال الشعار الذي صاغه. 
وتنصح د. جونسون بالتركيز على المعرفة، والخبرة، والمهارات، وبيان القدرات، والأصالة، والكشف عن الشخصية عند صناعة العلامة المميزة للأغراض المهنية. وتدعو الطلاب إلى التفكير في مظهرهم الشخصي - كأن يلتزموا بمظهر مهني يناسب جهة العمل - الذي لا يقتصر على المظهر المادي فقط، ولكن يضاف إلى ذلك المظهر العاطفي، أي الكلمات التي تقال والتصرفات التي تصدر عن الشخص. فمما لا شك فيه أن صورتنا في عيون الناس، وماركتنا، تتأثر بحياتنا اليومية وبتفاعلنا مع الآخرين. 
وتجد أنه من المهم أن تكون العلامة المميزة متسقة في جميع وسائل التواصل الاجتماعي عبر المواقع الشخصية والمهنية المختلفة. وفي حال تعدد الهويات والأدوار من الضروري مراعاة اتساقها مع المظهر المهني، حتى لا يؤذي السلوك غير المهني والشكل غير الملائم على مواقع التواصل مهنة المستقبل. 
ولعل أول خطوة للتحكم في الحضور على الخط هو فهم ما ينبغي تجنب وضع أسمائنا عليه، والتوقف لطرح أسئلة، مثل: ما تبعات نشر هذا الموضوع، أو التعليق على ذلك الرأي، أو التواصل مع ذاك الشخص؟ ومن يمكن أن يرى ما أكتب وما أفعل؟ وإذا لم نحصل على إجابة واضحة، فلابد من إعادة النظر في الأمر. 
أما أدوات صنع الماركة الشخصية فهي عديدة، من بينها التعامل مع مدى واسع من مواقع التواصل الاجتماعي كالمدونات وفيسبوك، وإنستغرام، ويوتيوب، وتويتر، وغيرها، وتحديث السجلات الشخصية التي تبين الإنجاز الأكاديمي والعملي، وتدرج الأهداف المهنية - كما هي الحال في LinkedIn الذي يعد من أفضل المواقع المعنية بالتطوير المهني والتوظيف - إلى جانب إعداد سيرة ذاتية افتراضية تبين المهارات والقدرات بصورة مطابقة للواقع. كما يفيد تعلم الحكي المهني ورواية ومشاركة قصص النجاح والكفاح من أجل التقدم على طريق الطموح، سواء كان ذلك بصورة مكتوبة، أو مسموعة، أو مرئية.

خريطة الطريق 
لصنع علامتنا الشخصية المميزة، يضع لنا الخبراء في هذا المجال خريطة طريق يمكن الاسترشاد بها والإضافة إليها، تتكون من سبع خطوات مفتاحية، كالتالي:
الخطوة الأولى: تحديد دوائر الشغف والاهتمامات؛ والمهارات والمؤهلات والإنجازات؛ والقيم الجوهرية والمعتقدات لتكون ماركتنا الشخصية في منطقة تقاطع هذه الدوائر الثلاث، ثم طرح أربعة أسئلة رئيسية على أنفسنا: 1 - ما رؤية هذه العلامة الشخصية المميزة - التصور المستقبلي العام والطموحات؟ 2 - ما رسالة هذه العلامة - المضمون الموضح للأهداف العامة وبنودها وتفاصيل المهام؟ 3 - ما الشعار الذي سيتم تداوله وتعزيزه خلال التسويق للذات؟  4 - ما نوع شخصية العلامة المميزة والصوت الذي تتحدث به، هل هي احترافية رسمية، أو مغامرة عفوية، أو
غير ذلك؟
 الخطوة الثانية: اختيار الجمهور، حيث من الخطأ أن يستهدف المرء جميع الناس، والأفضل تحديد فئة يخاطبها. ولهذا يتعين جمع بعض المعلومات عن الجمهور المستهدف، كالفئة العمرية، والنوع، ومستوى التعليم، والحالة الاجتماعية، ومستوى الدخل، والمهنة. إلى جانب تحديد رغبات وطموحات هذا الجمهور لتقديم المطلوب من الخدمات والمنتجات. 
الخطوة الثالثة: تقديم عروض لا يمكن مقاومتها، ويتحدد ذلك بعد معرفة: وما يريد الجمهور، وما يحب صاحب العلامة المميزة عمله، وما يستطيع فعله بمهارة، على أن يخبر - صاحب الماركة الشخصية - الجمهور بما يفعل، وكيف، ويبسط ما يؤمن به في جملة. 
الخطوة الرابعة: تعظيم الموقع الإلكتروني الشخصي، والاهتمام بتكوين انطباعات أولى جيدة لدى الجمهور المحتمل، كأن يعرف صاحب العلامة المميزة ما يمكن أن يقدمه بوضوح، وربما يحتاج إلى شعار وصور احترافية، وإبراز السيرة الذاتية، ووسائل للتواصل. 
الخطوة الخامسة: استراتيجية لمحتوى الموقع مثل المقالات، أو الفيديوهات، أو مصادر معلومات مجانية، وكلمات مفتاحية تقود إلى مشاركات في موقع مختلفة، وغير ذلك. ومن المهم التركيز على النوعية المتسقة مع شخصية صاحب العلامة وأهدافه. والالتزام بالنشر وفقًا لجدول زمني محدد. 
الخطوة السادسة: استراتيجية لظهور صاحب العلامة، لبناء نوع من الثقة والمصداقية. وأقصر طريق لذلك المقابلات والعلاقات العامة، والكتابة في مطبوعات ومواقع الآخرين على الخط، إضافة إلى المشاركة في المؤتمرات، وعقد شراكات والقيام بمغامرات في إطار علاقات مفيدة مع الأفراد والشركات. 
الخطوة السابعة: تكوين مجتمع للجمهور يتفاعل فيه أفراده مع بعضهم، ويتشاركون الأفكار ويدعمون بعضهم ويتواصلون مع صاحب العلامة مباشرة، مثل عضوية في موقع يمكنهم من الوصول إلى محتوى أو استضافة فعاليات حية، أو مجموعة على فيسبوك ■