الكويت مركز لتجارة مسابيح الكهرب في الخليج

الكويت مركز لتجارة مسابيح الكهرب في الخليج

ارتبطت السُّبحة (أو المِسبحة) في العديد من الطقوس  والرموز الدينية لدى بعض الشعوب منذ آلاف السنين، وتذهب بعض المصادر إلى أن استخدامها بدأ لدى الحضارة السومرية في الألفية السادسة قبل الميلاد ثم انتقلت إلى بقية حضارات العالم القديم. كان الاعتقاد الشائع أن هناك أحجارًا أو موادّ معينة تحتوي على قوى شفائية وروحانية خارقة يمكن ـ إذا جمعت بشكل وعدد معين ـ أن تطرد الأرواح الشريرة التي تسبب الأمراض المستعصية،  وبمرور الوقت أخذت بعض الحضارات والديانات تولي اهتمامًا خاصًا لعدد حبات السبحة وما ترمز إليه في طقوسها الدينية، فعلى سبيل المثال كان عدد حبات السبحة لدى الهندوس يوازي عدد ما يقدسونه من أبراج ونجوم وكواكب، ولدى المسيحيين الأوائل الذين استخدموا السبحة للتعارف فيما بينهم بدلًا من الصليب خوفًا من الرومان كان عدد حبات السبحة 33 حبة دلالة على عمر السيد المسيح عليه السلام حين ارتقى إلى السماء. كما استخدم اليهود من أتباع مذهب الكابالا السبحة لتفسير الظواهر الكونية بواسطة الأعداد.

 

 السبحة لدى المسلمين 
وعدد حبات السبحة لدى المسلمين بشكل عام 33 حبة، ومرد ذلك إلى الحديث النبوي الشريف، إذ جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: جاء فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم .فقال: «وما ذاك؟» قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق! قال : «أفلا أعلمكم شيئًا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين». قال: فقالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. قال : «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»
وهناك المسابيح المكونة من 99 حبة بعدد أسماء الله الحسنى، ثم ظهرت مسابيح أخرى بعدد 66 حبة و45 حبة. 
وخلافًا لما هو شائع، لم يستخدم المسلمون السبحة في شعائرهم الدينية إلا في وقت لاحق لظهور الإسلام وذلك إبان العصر الأموي إذ كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم يقومون بالتسبيح لله بواسطة أنامل اليد أو باستخدام الحصى ونواة التمر، ولعل هذا الأمر بالإضافة إلى ما ارتبط بالسبحة من أوهام وخرافات في حضارات أخرى هو ما دفع بعض علماء المسلمين إلى اتخاذ موقف عدائي من السبحة واعتبارها بدعة، لكن مع مرور الزمن خفت حدة هذه المعارضة وأصبحت أثرًا بعد عين.
ومع توسع الفتوحات الإسلامية وازدياد الثروات برع الصنّاع في تصميم السبح من المجوهرات والأحجار الكريمة، فحوت خزائن الخلفاء والولاة نفائس السبح، ومن أشهرها وفقًا لكتب التاريخ مِسبحة زبيدة بنت جعفر المنصور، زوجة الخليفة هارون الرشيد المصنوعة من حجر الياقوت النفيس، والتي يقال إنها اشترتها بخمسين ألف دينار من الذهب.

المواد المستخدمة في صناعتها 
تنقسم المسابيح من حيث المواد التي تصنع منها إلى طبيعية ومصنعة، وتصنع من الأحجار الكريمة كالكهرب والياقوت والمرجان والعقيق واللؤلؤ أو عاج الفيل وبعض المعادن الثمينة كالذهب والفضة، كما تصنع من بعض الأخشاب وحتى من نواة الزيتون وغيرها من المواد.
أما بالنسبة للمواد المصنّعة فهناك الفاتوران والبكلايت والمستكة، ويتفاوت سعرها وفقًا لمنشئها وجودتها، ومن خصائصها أنها مقاومة للحرارة وقدرتها العالية على التحمل، إلى جانب شكلها المميز الجذاب، وقد تصنع المسابيح أيضًا من كرات البولينج أو البلياردو بعد أن تتم خراطتها لصنع خرز المسباح. 

المسابيح في الكويت
للسبحة أو «المسباح» كما يطلق عليه باللهجة المحلية مكانة خاصة لدى الرجل الكويتي، فإلى جانب استخدامها لأغراض الذِّكر والتسبيح أصبحت قطعة كمالية تكاد لا تخلو يد أي رجل كويتي منها في أي مجلس أو مناسبة اجتماعية. كما يحرصون على تقديمها كهدايا في المناسبات الاجتماعية والأعياد.
ويفضل الكويتيون المسابيح المصنوعة من حجر الكهرب على ما عداها من مسابيح. ولمعرفة سر «المحبة» التي يكنها الكويتيون لهذا الحجر النفيس التقينا أحد المختصين بتجارة مسابيح الكهرب في الكويت السيد علي الأيوب القناعي، الذي يؤكد أن الكويت مركزًا لتجارة الكهرب بدول الخليج العربي. 
يقول الأيوب إن حجر الكهرب يمتاز بجمال منظره وملمسه وندرة وجوده، وكان هناك اعتقاد لدى الكويتيين قديمًا بوجود خصائص عجيبة فيه كقدرته على علاج مرض «اليرقان» أو «بوصفار».  
بدأ الأيوب في العمل في مجال المسابيح والكهرب وتداوله بعد أن كانت مجرد هواية بينه وبين الأصدقاء، إلى أن افتتح محلًا خاصًا لبيع وشراء وإصلاح مسابيح الكهرب في سوق المباركية التراثي بدولة الكويت، «القناعي أمبر» بالاضافة إلى تنظيمه مزادات محلية وعالمية لبيع وشراء الكهرب.
يقول الأيوب إن تجار الكهرب الكويتيين مشهورون بخبرتهم التي اكتسبوها على مدى سنوات، وحرصهم على اقتناء وبيع أجود أنواع الكهرب، حتى أصبحت الكويت مركزًا لتلك التجارة وقِبلة لعشاق الحجر النفيس من دول الخليج والعالم أيضًا، ويقام فيها مزادات وملتقى سنوي للهواة يقوم بتنظيمه السيد شملان المسلم «عميد هواية الكهرب في الخليج». 

مصادره وأنواعه
الكهرب مادة صمغية متحجّرة منذ ملايين السنين، تفرزها أشجار الصنوبر عندما تصاب بمرض أو عفن أو عندما تهاجمها الحشرات للدفاع عن نفسها، وتستخرج من قاع بحر البلطيق والدول المحيطة به.
ومن أنواعه: البولندي وهو من أكثر الأنواع المرغوبة، والأوكراني والكلغرادي والألماني، وهو شحيح ونادر الوجود في السوق. ويأتي الكهرب باللون الأبيض واللون الأصفر بدرجاته والشفاف، وهناك بعض الألوان والأنواع يعرفها الهواة مثل: المشخط، والدارسيني والمبرقع وقيمر عسل، والمحشر، وهو الذي يحتوي داخله على حشرات متحجرة، والمنمش والذي تحوي حباته على شوائب تعطي للخرز شكلًا مميزًا.
أما بالنسبة لتصميم حبات المسبحة، فأشكاله متنوعة، وهذا يعتمد على الصانع أو «الخراط»، ومن التصاميم المتعارف عليها في الكويت: بيض الحمام، الصندوقي، البرميلي، الصنوبري والمدور وهو «شيخ المسابيح»، حسب ما يسميه الأيوب.

خراطة المسابيح 
هناك نوعان من المسابيح: مسابيح الفرز، وهي المصنوعة من أكثر من حجر، ومسابيح الحجر الواحد وهي الأغلى، وتكون مصنوعة من قطعة كهرب واحدة، وما يميزها هو حبات الخرز التي تكون متقاربة من بعضها أكثر من المسابيح الأخرى.
 ويضيف الأيوب أن كل «خراط» له بصمة خاصة وتوقيع يضيفه للمسبحة التي يصنعها، مثل الرسام الذي يضيف توقيعه على لوحته، ويتواجد أمهر وأشهر الخراطين في تركيا ومصر. وقد دخلت إلى مصر هذه الحرفة عن طريق الأتراك إبان تواجد الدولة العثمانية، كما يوجد خراطون كويتيون مهرة في هذا المجال.

ارتفاع أسعارها 
 يعزي الأيوب ارتفاع أسعار الكهرب إلى ندرته في الطبيعة، وصعوبة الحصول عليه، وصعوبة خروجه من الدول التي يتواجد فيها، وتتراوح أسعاره في الكويت تقريبًا من 10 دولارات للجرام الواحدإلى أكثر من 1000 دولار للجرام!
وليس هناك سعر ثابت للكهرب فأسعاره متغيرة، وقد تؤثر بعض الأزمات على الأسعار. فمع ظهور جائحة كورونا يذكر الأيوب أن سعر الكهرب في السوق ارتفع أربعة أضعاف السعر القديم! ومؤخرًا الحرب الروسية - الأوكرانية أدت إلى انتعاش السوق وارتفاع أسعاره كون البلدين أيضًا من أبرز أماكن استيراد الكهرب، فحركة التبادل التجاري قلّت عن السابق وأصبح هناك شح في المواد، والأسعار في ارتفاع دائم. 

تراب الكهرب 
المختص بالكهرب يستطيع تمييزه بسهولة عن طريق الشكل واللون والملمس والرائحة والصوت! فللكهرب رنّة مميزة عندما تحتك خرزاته ببعضها، كما أن للكهرب رائحة قريبة من رائحة الليمون، وهناك تراب الكهرب وهو البودرة الناتجة عن خراطة الكهرب، يتم تجميعها ومزجها بمواد لصنع خرزات المسابيح، وتكون أقل قيمة من سعر الكهرب بكثير، فيجب على الشاري التأكد من جودة الكهرب واللجوء إلى ذوي الخبرة بالمجال.

استخدامات أخرى     
إلى جانب استخدامه في صناعة المسابيح، يذكر الأيوب أن هناك إقبالًا على شراء الكهرب من قبل بعض الجاليات الآسيوية كالصينيين واليابانيين، حيث يستخدمونه في الديكورات وتزيين وترصيع الأبواب والبراويز والعصي، وصناعة قلادات للنساء وأساور لليد.

العناية بمسابيح الكهرب 
الكهرب مادة ذات كثافة منخفضة، فهي بالنهاية مادة صمغية متحجرة، لذلك يجب حمله برفق وعدم استخدامه وتقليبه باليد بقوة، لأنه سهل الكسر، وإذا كسر فإنه يفقد قيمته السوقية، كذلك يجب حفظه بمكان معتدل الحرارة، لأن الحرارة الزائدة تؤدي إلى تغير لون الكهرب، وتعرف المسبحة المتعرضة للحرارة باسم «مسباح حراري» أي إن حباتها تغير لونها بفعل الحرارة وتفقد قيمتها أيضًا، ويفضل حفظها بكيس من الصوف، أما بالنسبة لتنظيف الكهرب فالماء وحده كافٍ للتنظيف ■