نستحق أكثر من اعتذار أجوف

نستحق أكثر من اعتذار أجوف

ربما تكون رواية جوزيف كونراد «قلب الظلام»، التي نشرت عام 1902، أول سرد أدبي للتاريخ الدموي للكونغو تحت حكم ليوبولد الثاني ملك بلجيكا في القرن التاسع عشر. تغلب على الرواية، كمعظم الأعمال الأدبية الأوربية في تلك الفترة، مسحة عنصرية إلى حد كبير لا سيما في وصفها النمطي للأفارقة، أولئك «المتوحشين»... «أكلة لحوم البشر».
للراحل إدوارد سعيد نقد مطوّل وقاسٍ لهذه الرواية في كتابه الرائد «الاستشراق». ولكن بالنظر إلى أن الرواية صدرت قبل أكثر من 120عامًا، يسجل لكونراد فضل تسليط الضوء على جرائم الاستعمار الأوربي في حق الشعوب الإفريقية التي استُعبدت وعُذبت وذُبحت وسُرقت لعقود من قبل الرجل الأبيض. 
خطرت الرواية في بالي قبل أيام وأنا أتابع على التلفزيون زيارة ملك بلجيكا، فيليب، مؤخرًا إلى الكونغو. في خطابه أمام البرلمان في كينشاسا، ندد فيليب بـ«العنصرية» التي مارسها حكم أسلافه في الكونغو. كان خطابه شبه اعتذار خجول، وبدت كلماته جوفاء. لا أعلم ماذا شعر الناس في الكونغو وهم يسمعون كلماته الباردة خاصة أولئك الذين يتحدّرون من رجال ونساء استُعبدوا وعُذبوا وقُطّعت أطرافهم من قبل ليوبولد، الذي اعتبر الكونغو ملكًا شخصيًا له!
تعود قصة إفريقيا المأساوية إلى مؤتمر برلين 1884 حيث اجتمعت 13 دولة أوربية تعاني من كساد اقتصادي قاتل لتقرر تقسيم القارة الإفريقية بينها طمعًا في مصادرها الثرية. قررت تلك الدول، وفق وثائق ظهرت حديثًا، أن «إفريقيا لم تكن ملكًا لأي شخص، وبالتالي يمكن الادعاء بأنها قارة مشاع»، للرجل الأبيض الحق في استعبادها أرضًا وشعوبًا. مؤخرًا، ظهرت وثائق تكشف هَول مجازر ألمانيا في ناميبيا.  
بحلول عام 1885 كان «التدافع من أجل إفريقيا» على أشده. استمر ذلك حتى عام 1914 عندما اكتمل احتلال معظم إفريقيا من قبل سبع قوى أوربية. الكونغو كانت من «نصيب» ليوبولد الثاني ملك بلجيكا. 
يذكر المؤرخ الأمريكي آدم هوتشيلد في كتابه الصادر عام 1999 بعنوان «شبح الملك ليوبولد»، أن البلجيكيين قتلوا 10 ملايين شخص في الكونغو، فيما أسماه «الهولوكوست المنسي».
حديث طويل ومؤلم يجب أن يفتح. إفريقيا، التي لا تزال قارة مشوّهة بسبب الجرائم الاستعمارية، تحتاج إلى أكثر من مجرد اعتذار عابر من قبل سياسي عابر. جاء الوقت الذي يجب أن يفتح فيه ملف جرائم أوربا بالعالم كله، بما في ذلك عالمنا العربي البائس، وفي البال فلسطين وعرب الأندلس قبل ذلك بقرون ■