«جنوة»... ميناء الشمال ومهد المستكشفين

«جنوة»... ميناء الشمال ومهد المستكشفين

 جنوة هي عاصمة إقليم ليغوريا، ومساحتها تتعدى الـ240 كيلومترًا مربعًا، وتقع في الشمال الإيطالي ما بين الجبال والبحر الأبيض المتوسط. وتعرف هذه المدينة بشوارعها الضيقة المتشعبة وكثرة المهاجرين إليها خصوصًا من إفريقيا، وبمينائها الذي يعتبر الأكبر في إيطاليا، وبوابتها التجارية حيث كانت في الماضي المركز التجاري الأول بإيطاليا والملاذ الآمن من القراصنة والأعداء. امتد نفوذ جنوة التجاري إلى كل حوض البحر الأبيض المتوسط، ويشهد على ذلك برج غلطة بإسطنبول، الذي تم بناؤه من قبل تجار جنوة الذين كان لهم نفوذ تجاري قوي بالإمبراطورية العثمانية، كما أنها من أكثر المدن الشبيهة بالمدن العربية، خصوصًا بالمعمار والطعام وبعض العادات المشتركة. 

 

ولجنوة إرث بحري عريق، حيث تشهد القرون التي مضت على ذلك، ولها حاضر مزدهر بسواعد البحارة والصيادين الذين تشتهر بهم المدينة، وأدرج جزء منها من قبل منظمة اليونسكو عام 2006  باعتباره من التراث العالمي، فمن العصور الوسطى إلى فخامة عصور النهضة وبساطة وروح البحر الأبيض المتوسط، وترجمة اسم جنوة التي تعني «الجميلة الصغيرة»، ستكون جولتنا المصورة لنستكشف هذه المدينة الصغيرة ذات التاريخ البحري العريق.
الطريق إلى جنوة أثبت لي نظرية أن الزمن نسبي كما يقول العالم الفيزيائي الشهير أينشتاين، حيث إن الرحلة بالقطار ما بين ميلان إلى جنوة استغرقت بالفعل ساعة وأربعين دقيقة، لكن بالنسبة لي لم تتعد العشرين دقيقة، وسبب ذلك استمتاعي بالطريق ومشاهدة التضاريس والطبيعة الخضراء، وطويت لي الأرض، أو كما قال الشاعر المتيم قيس بن الملوح:
 وكنت إذا ما جئت ليلى أزورها
 أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
 من الحفرات البيض ود جليسها
 إذا ما قضت أحدوثة لو تعيدها

 لذلك، الزمان والمكان لا شك أمر نسبي، وبخاصة في مدينة جنوة، شبيهة المدن العربية بأناقة إيطالية.

البداية من الميناء
 كالعادة تبدأ القصة من الميناء، فسمعة المدينة البحرية عبرت المحيطات، وعرف بحارة جنوة بالخبرة، وأسطولها الناقل البحري الرائد بالمنطقة له الأولوية بالنقل البحري التجاري بل والعسكري أيضًا.  وقد كانت جنوة في القرون الوسطى إحدى الدول الملاحية العظمى في البحر الأبيض المتوسط، بالمنافسة مع البندقية، وكان لهما مخازن كثيرة في اليونان وإسطنبول والشرق الأوسط، أما الأسطول الجنوي فتاجر بنجاح في البحر كله ووصلت سفنه إلى سواحل أوربا الشمالية، كما أن بصمات العصور والإمبراطوريات حاضرة بالمدينة، فمر الإغريق من هنا قبل الميلاد. والحضارة الفينيقية المتميزة بالملاحة والتجارة كانت جنوة من مدنها المهمة، كما أن الإمبراطورية الرومانية وكل ما تحمله من تفاصيل موجودة بالمدينة، وفي العصور الوسطى وعصر النهضة كانت من أهم مدن العالم تجاريًا وذات تأثير سياسي خصوصًا في مدن غرب آسيا، وكانت في تنافس دائم مع البندقية. وبحكم موقعها الجغرافي حظيت جنوة بميناء له خلفية من الجبال والتضاريس الطبيعية تحميه، وميناء جنوة القديم عبارة عن مدينة صغيرة، وهو يعج بسفن الصيادين الذين يجهزون شباكهم ليوم صيد حافل، واليخوت الأنيقة الفارهة، فضلًا عن سفن النقل البحري العملاقة، لكن أيقونة الميناء التي أعجبتني هي سفينة خشبية عملاقة كسفن القراصنة الأيقونية تسمى «نبتون» نسخة طبق الأصل من سفينة شراعية إسبانية من القرن السابع عشر، تم استخدامها لفيلم القراصنة الذي أنتج عام 1986، حاليًا تحرس الميناء بإطلالتها الجميلة، والملامح بالميناء ليست كلها إيطالية، فنتيجة الهجرات تعج المدينة بأعراق مختلفة سيما الإفريقية والعربية خصوصًا من شمال إفريقيا. وتم تجديد الميناء بالكامل بملامح معمارية حديثة من قبل المعماري الإيطالي ابن مدينة جنوة رينزوبيانو، وليس بغريب على أبناء المدينة من المشاهير المساهمة والتبرع، بل إن المستكشف الشهير كولومبوس تبرع بجزء كبير من تركته لتعمير المدينة، وبعد استراحة بأحد المقاهي وكعادة المدن البحرية تتشعب من الميناء شوارع تؤدي إلى وسط المدينة القديم.

كريستوفر كولومبوس 
 وكأني أحد سكان مدينة جنوة أو أحد بحارتها، أخذتني الخريطة الإلكترونية لمنزل المستكشف كريستوفر كولومبوس الذي ليس ببعيد عن الميناء، وبصعود شارع مرتفع متفرع من ساحة فيراري برزت أبراج سوبرانا، وهي من العصور الوسطى، وإلى جانبها مسكن الرحالة ابن جنوة البار الذي تبرع بأمواله وأوقفها للمدينة. ولد كولومبوس عام 1451 في جنوة لأب يعمل بحياكة السجاد وترعرع بمينائها وتعلم فنون الملاحة بجامعة بافيا، وأخذه ولعه بالبحر بعيدًا عن شواطئ إيطاليا وتعرض للغرق في إحدى رحلاته ورسا اضطراريًا بمدينة لشبونة عاصمة الملاحة العالمية في ذلك الزمان، مما جعله يستقر بالبرتغال ويعمل على رسم الخرائط البحرية، لكن مع ولعه بالاستكشاف والإبحار، ومع الطفرة الملاحية العالمية ، جاءت فكرة المضي للهند غربًا، ليكون هناك طريقًا جديدًا لتجارة الفلفل والتوابل الرائجة في ذلك الوقت، وبعدما تبلورت الفكرة عرضها على ملك البرتغال جون، لكن مستشاريه أشاروا للملك بأنها فكرة جنونية، وما الأفكار الناجحة إلا من الجنون. وبذلك عرج كولومبوس إلى ملوك أوربا لكنه لقي الجواب نفسه، إلا أنه وجد ضالته لدى منافس مملكة البرتغال المزهوة بتسلم وبسط النفوذ على الأندلس، إسبانيا، وأقصد الثنائي الملكي الإسباني فرديناند وزوجته إيزابيلا اللذين قبلا بتقديم المساعدة رغم صعوبة تقبل ذلك وعدم الموافقة من البحارة على دخول المجهول بالمحيط الأطلسي، لكن تم توفير سفن قديمة وبحارة مساجين وعدوا بالحرية.
وفي عام 1492 أبحرت ثلاث سفن غيرت مجرى التاريخ باكتشاف العالم الجديد، حيث تم اكتشاف جزر البهاما (كولومبوس كان يعتقد أنها الهند)، وعاد كالأبطال إلى إسبانيا واستقبل استقبال الفاتحين واستمر بتكرار رحلاته إلى أن توفي عام 1506، حيث تبرّع بعُشر دخله من اكتشاف أمريكا إلى مصرف «سان جورجو» في جنوة لدعم المدينة، لذلك ما زال اسمه يتردد بفخر في مسقط رأسه.

معالم المدينة
تجد لمحات من العصر الروماني والقرون الوسطى وعصر النهضة بعد الميناء مباشرة، حيث تظهر المباني والمنازل بألوان جميلة زاهية متنوعة، قد يكون السبب في ذلك كثرة الضباب بالصباح، فيتم صبغ الجدران بالألوان الزاهية ليتم تمييزها، ويتغير نمط المباني عند التوجه للمركز التجاري الذي يعتبر الأحدث نسبيًا، حيث خلال ذروة ازدهار جنوة في القرن السادس عشر جذبت المدينة الكثير من الفنّانين مثل روبنس وكارافادجو فان ديك، كما صمّم المهندس المعماريّ الشهير غالياتسيو أليسي العديد من قصور المدينة الرائعة. وارتحل عدد من الفنّانين (الباروكيين) الجنوبيين عنها، وبرز عدد من الفنانين من عصر النهضة مما ترك بصمة معمارية مميزة للمدينة التي تعتبر ساحة دي فيراري قلب المدينة الداخلي (طبعًا الميناء هو سر وجود المدينة)، وبعد الميناء تعتبر من أهم المعالم، وتتفرع فيها الطرق والشوارع المهمة، وتعتبر الساحة الوصلة بين المركز التاريخي والحديث، وتحيط بالساحة أهم البنوك والمراكز التجارية والبورصة (غالبًا ما كانت هذه المباني قصورًا للنبلاء وهذا ما شاهدته من فخامة للمباني)، وتتوسط الساحة نافورة مائية تلطف الأجواء المتوسطية، وبعد التجول وسط الأزقة وصلت إلى ساحة كاتدرائية سان لورينزو، وتعتبر رمز وأيقونة المدينة وبارتفاع 60 مترًا لبرج الجرس فيها وبوابة ضخمة تحرسها تماثيل الأسود، وزخرفة أجدها شخصيًا تقترب من زخارف الجامع الأموي بدمشق، وقد يكون سبب ذلك شهرة المهندسين العرب وانتشارهم وتأثيرهم على إيطاليا
سيما وأن جزيرة صقلية الإيطالية كانت تحت الحكم العربي لمدة ثلاثة قرون تقريبًا، واستمر تواجد العرب كمهندسين وأطباء وقد ازداد التمازج بين الضفتين بعد الحروب الصليبية، وقد تم الشروع ببناء الكاتدرائية عام 1100 واستغرق إتمام البناء ثلاثة قرون، وكانت النتيجة النهائية تستحق الجهد، وكادت هذه التحفة المعمارية أن تدمر خلال القصف البريطاني بالحرب العالمية الثانية، لكن لحسن الحظ لم تنفجر القذيفة الصاروخية مما زاد من الحب والاحترام للكاتدرائية من قبل سكان جنوة. أكملت السير جاعلًا معالم المدينة هدفًا لعدستي النهمة، فقادتني قدماي لساحة جميلة اسمها بانشي تباع فيها الزهور، وبعد الاستفسار أكثر تبين أنه في العصر التجاري الذهبي كانت تباع فيها الحبوب الغذائية، وتخيلت كم من أطنان من أنواع القهوة الفاخرة الآتية من ميناء المخا اليمني أو البرازيل حيث تزرع القهوة وتصدر لإيطاليا وتحديدًا لميناء جنوة، ويعرف عن الطليان ولعهم ومهارتهم في تحميص القهوة، التي يعتبر فنجانها أول ما يبتدئ به الإيطالي يومه، لكن أنا السائح لا بأس بشرب القهوة بين الفينة والأخرى لأخذ جرعة من النشاط لمواصلة رحلتي في توثيق هذه المدينة الجميلة.

 ما بين الساحات والمتاهات
جميل أن تتوه بشوارع جنوة والأجمل أن تنسى أنك تائه، وذلك لكثرة الأزقة الضيقة المفعمة بالحياة والمتاجر والمقاهي الصغيرة التي تشجع على التجوال، وتؤدي الشوارع الضيقة إلى ساحات وهذه هندسة «لي سترادا نوفي» أي الطرق الجديدة، وهو نظام معماري أنشئ بالقرن السادس عشر عندما تم الربط ما بين أكثر من قصر ومنزل لنبلاء جنوة، ويعتبر من أهم هذه الشوارع وأشهرها شارع غاريبالدي (جوسيبي غاريبالدي من أشهر الشخصيات الإيطالية وقاد حرب توحيد إيطاليا الحديثة بالقرن التاسع عشر)، والشارع واحد من أفضل أماكن جذب السياحة في جنوة المُوصى بزيارتها، بفضل ما يُزيّنه من قصور ومبان تاريخية ضخمة وفخمة المعمار، جعلت المكان يتربع على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي منذ العام 2006.
ومن الشوارع المهمة والمتفرعة من ساحة دي فيرارا شارع «العشرون من سبتمبر»، الشريان الرئيسي للمنطقة التجارية ويعج بالقصور والمباني الفخمة ذات الطراز الباروكي والزخارف والأعمدة والقناطر التي توفر حماية للمتسوقين، خصوصًا في الأيام المطيرة، وأعيد تصميم الشارع عام 1912 وفيه متاجر بيوت الأزياء العالمية. وتعد جنوة مدينة عمودية ترتفع تدريجيًا، لذلك من السهولة أن أعود للميناء ذي الموقع المنخفض، لكن ليس الآن وقت الميناء فهناك الكثير ينتظرني بأسواق جنوة. 

السوق الشرقي اسم على مسمى
 يعرف الكتاب من عنوانه، وأيضًا الأسواق، فالسوق الشرقي الذي كانت تسميته مثارًا للجدل، البعض يفسر تسميته شرق المدينة، وآخرون يردون التسمية للشرق وتحديدًا الضفة العربية، وذلك للبضائع ذات الطابع المشرقي من توابل وبهارات وفواكه مجففة وخضراوات وأسماك طازجة وأجبان وما أنعم الله من أطايب البر والبحر، فالسوق يذّكرني بأسواق إسطنبول والإسكندرية ودمشق لكثرة ما يباع فيه من مواد غذائية اشتهرت بها مدن البحر الأبيض المتوسط. ويشغل السوق ديرًا قديمًا لم يكتمل بناؤه، وتم افتتاحه عام1899 ، ويعتبر أول مبنى في جنوة يبنى من الخرسانة، والتجول بالسوق ممتع والباعة يتهافتون على الزبائن لتذوق منتوجاتهم الطازجة واللذيذة، ووجدت ضالتي بشراء حفنة من الفواكه المجففة لتكون وجبة سريعة لا تضيع وقتي الثمين الذي أقضيه في اكتشاف هذه المدينة البحرية الجميلة.

«البيستو»... سر الوصفة في جنوة
 يشتهر المطبخ الإيطالي بقائمة طعام شهيرة ومحببة، فمن البيتزا إلى الباستا وغيرهما من المعجنات والمأكولات الشهية، ولكل مدينة ما يميزها، فبولينا في شمال إيطاليا تشتهر بصلصة البولونيز، والبيتزا في نابولي، أما جنوة فهي شهيرة بصلصة البيستو الخضراء التي باتت من أشهر الصلصات على مستوى العالم، ويزداد الطلب عليها يومًا بعد يوم، ووصفتها عبارة عن ريحان ذي حجم صغير ومزيج من الثوم والصنوبر والجبن وأخيرًا زيت الزيتون فخر البحر الأبيض المتوسط، لكن ليس هذا  كل ما في الأمر، والسر بالتفاصيل، فهنا الآنية الحجرية تدق حتى تسحق وتمتزج المكونات وتكون جاهزة للأكل سواء مع الخبز أوبإضافتها إلى البيتزا أو الباستا معطية نكهة إيطالية متوسطية ساحرة للطعام.

 جنوة والكتاب... علاقة وطيدة
في زمن رقمي متسارع وانتشار التابلت والهواتف التي يقال عنها «ذكية»، مع تطبيقات وبرامج، تحولت الكتب والجرائد والمجلات إلى إصدارات إلكترونية فتقرأ في كل مكان وزمان، وتجد في جنوة ما زال هناك الإقبال على الإصدارات الورقية التقليدية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ولع الجنوبيين بالثقافة والقراءة لا سيما أنهم يعيشون بمدينة ولّادة بمشاهير الشعراء والمثقفين مثل الشاعر إدواردو سانغوينيتي الذي ولد بجنوة عام 1930، ومثّلها في مجلس النواب بالجمهورية الإيطالية، وكانت أطروحة التخرج لـ«أبو الأدب الإيطالي» دانتي أليغييري، كما عمل أستاذًا بجامعة جنوة وترأس قسم الأدب فيها، وما أثار إعجابي بالشاعر أنه داعم للقضية الفلسطينية، ولابد من الإشارة إلى ابن جنوة أيضًا الأديب والصحفي الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1975 أوجينيو مونتالي، الذي حصل على مقعد فخري بمجلس الشيوخ الإيطالي، وله الكثير من الأعمال الأدبية والشعرية والترجمة وتم تجميع تقاريره الصحفية سيما تقريره عندما كان مرافقًا لبابا الفاتيكان بولس السادس في كتاب ناجح أسماه «بعيدًا عن الوطن»، ومن البديهي أن تكون المدينة أرضًا خصبة للثقافة لعدة عوامل، منها أنها مدينة ميناء تختلط بمختلف الأعراق والثقافات واللغات، شعبها متفتّح ومطلع، وعلاوة على ذلك لديها عمق تاريخي ممتد من حضارة الإغريق والإمبراطورية الرومانية والاحتكاك مع الدول العربية، ولا يفوتني أن أنوّه بأن جنوة  كانت عاصمة للثقافة الأوربية عام 2004. ومن الأشياء التي أعجبت بها أكشاك الكتب المنتشرة، منها أكشاك للكتب المستعملة، فكم هو جميل أن تقتني كتابًا قيمًا ونادرًا بسعر شبه مجاني، فالثقافة للجميع وليست فقط للنخبة، طبعًا ليس لي نصيب من هذه الكتب لأنها جميعًا باللغة الإيطالية لكن صديقي ومرافقي بالسفر اشترى نسخة من كتاب «اللص الظريف» لأرسين لوبين الشخصية الشهيرة باللغة الإيطالية، وحتى الآن لا أعلم سبب ذلك نظرًا لعدم معرفته باللغة الإيطالية.

 المساء وقت الوداع
ما إن أرخى بظلاله المساء، ومع نسمات شتوية باردة لكنها منعشة بعبق البحر الأبيض المتوسط، حتى حان الوقت للاستراحة والجلوس بمكان هادئ وبعيد عن الزحام، وبعد جولة في خرائط العالم الافتراضي الذي فرض علينا وجدت ضالتي في التوجه إلى نصب تذكاري محاط بحديقة غنّاء، وكان ذلك سيرًا على الأقدام، فليس أجمل من التجول والمشي بهذه الأجواء، ووصلت إلى نصب قوس ديلا فيتوريا الذي تم افتتاحه عام 1931 لتكريم الجنود الطليان المشاركين بالحرب العالمية الأولى. ولا ننسى أن جنوة عانت الأمرّين من الحروب، فقد كانت لاعبًا أساسيًا في الحروب الصليبية وحملاتها، وكانت في حرب ومنافسة شبه دائمة مع البندقية (فينيسيا)، وفي عام 1797 وبرغبة من الإمبراطور الفرنسي الشهير نابليون بونابرت أصبحت محمية فرنسية وضمت إلى فرنسا عام 1805، وخلدت هذه الحادثة في رواية «الحرب والسلام» للأديب الروسي تولستوي، وثار الجنوبيون على الاحتلال الفرنسي عام 1814 وبدأ حكم 
آل سافوي السلالة الملكية الإيطالية الشهيرة، لكن في عام 1860 بدأت حرب توحيد إيطاليا بقيادة أهم شخصية في التاريخ الإيطالي الحديث ألا وهو جوزيبي غاريبالدي، الذي تقريبًا يوجد شارع باسمه في كل مدن إيطاليا الكبيرة. 
وفي الحرب العالمية الأولى حاربت إيطاليا إلى جانب الحلفاء فرنسا وبريطانيا، الذين انتصروا بالحرب، لذلك تم بناء هذا القوس لتخليد هذه المناسبة الوطنية ولتتذكرها الأجيال ويطلع عليها السياح، وبعد أخذ بعض الصور التذكارية تذكرت أن الوقت ليس في كل الظروف نسبيًا، فهو يقطع كالسيف وحان موعد انطلاق القطار ولا مناص لي إلا بفتح الخرائط الإلكترونية لخطة العودة حيث لم يتبقّ سوى القليل من الوقت، وكنت حجزت تذكرة القطار مسبقًا فكان لي عدة خيارات، المترو.. ولا أعلم أين المحطة، والحافلة التي قد تتأخر، فالأمر يقتضي أخذ سيارة الأجرة (التاكسي) والتوجه لمحطة بياتسا برنسيبي، التي تعتبر محطة المدينة الشمالية والتي بنيت عام 1854 وهي في وسط المدينة،  فلم يستغرق الأمر الوقت الكثير، وكنت ولله الحمد محظوظًا بالوصول إلى محطة القطار بالوقت المناسب، مُنهيًا رحلة تاريخية لمدينة التجار ومهد المستكشفين ■

ساحل جنوة يبلغ طوله 42 كيلومترًا، تحيط به التلال، وترتفع خلفه جبال عالية، ولجنوة مناخ بحريّ معتدل، يتحوّل إلى مناخ متوسطيّ

بوابة سوبرانا التي تعود إلى العصور الوسطى

قوس ديلا فيتوريا الذي افتتح عام1931 لتكريم الجنود الطليان المشاركين بالحرب العالمية الأولى

الجميل بالمدينة التجول بين الآثار وكأنك بمتحف مفتوح

‎جنوة في القرون الوسطى كانت إٕحدى الدول الملاحية العظمى في البحر الأبيض المتوسط بالمنافسة مع البندقية، وكانتا لهما مخازن» كثيرة في اليونان والشرق الأوسط، أما الأسطول الجنوي فتاجر بنجاح في البحر كله  ووصلت سفنه إلى سواحل أوربا الشمالية

نبتون نسخة طبق الأصل من سفينة شراعية إسبانية من القرن السابع عشر

الإطلالة التي كانت تواجه المستكشف كريستوفر كولومبس ومنها مد الآفاق لاكتشاف ما وراء البحار