«العربي» تحاور الكاتب والروائي الفلسطيني ووزير الثقافة الأسبق يحيى يخلف

«العربي» تحاور  الكاتب والروائي الفلسطيني  ووزير الثقافة الأسبق يحيى يخلف

الروائي الفلسطينيّ الكبير يحيى يخلف كاتبٌ استثنائيّ، وسارد من طرازٍ رفيع... ارتبطت كتاباتهُ السرديّة بفعلهِ النضاليّ في المقاومة الفلسطينية، بحبرِ روحٍ متفانيةٍ في حُبّ الوطن، كفدائي منغّم الخطواتِ، سلاحهُ الأكثر مضاءً الكلماتُ التي لا تموت، وخرائط غزواتهِ رؤى بجرأة فجر مهيب... وكمثقف - سياسي حارسِ رؤى وتطلعاتِ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

 

في روايتهِ الأخيرة «الريحانة... والديك المغربي»، ورُبّما في مجملِ سردهِ الثري بهواجس نضالٍ غير مسبوق، نظامهُ الداخلي وإيعازه الروحي الوطن و « هو المحلُ الهندسي للعقلِ الكُليّ، وللحريةِ العُليا»، حسب تعبير تيري أجيلتون، فلسطين مهما اختلفَ المكانُ والزمانُ... قِبلة النضال الأزليّ التي لا يُمكنُ تغييرها... والقضية المركزية لكلّ عربيّ.
يحيى يخلف المثقف الذي عملَ بالسياسة، وترمومتر الروح يشير إلى الثقافةِ والفنّ بإلحاحٍ مُحبّبٍ أيضًا... لمْ تضطرب خطاهُ الصباحية في دهاليز السياسة العربية، لأنهُ يعملُ بروح الفنّان والمثقف. استطاع، وعقاربُ ساعةِ قلبهِ تدورُ باتجاهِ «الكتابة - الحياة، والإبداع – التواصل»، أن يبني علاقاتٍ حميميةً عابرةَ للأزمان مع الكبار من أعلام ومثقفي ومبدعي فلسطين والوطن العربي... وشيفرة إبداعه لا يُمكن فكّها إلا بأسرار الوطن... ولديه دافئ وبليغ الحديث إلى مجلة «العربي» وقُرّائها بهذا الحوار الراقي:

الكتابة خيارٌ طوعي وحدث جماليّ
● يحيى يخلف الكاتب الكبير ورحلة شاقة – عذبة في خضم بحار فنون الكتابة، الصحافة والإعلام والثقافة والأدب... أي رحلةٍ هذه؟ أهيَ منطاد النجاة من الكآبة والقلق فعلًا كما يرى عديد الكتّاب في العالم؟ أم إنها رسالة إنسانٍ حالمٍ تجاه الوطن والعالم والحياة؟ قُلْ لي: ماذا أخذت منك؟ وماذا أعطتك؟
- عندما تدرك الإنسان هواية أو مهنة الكتابة يصبح الأمر خيارًا طوعيًا، ويجد المبدع طريقًا سالكًا للعبورِ من الهوايةِ إلى الاحترافِ، وتصبحُ الكتابةُ متعةً، ورغبةً، وسعادةً، وليست هناك حاجة إلى منطاد نجاة من الكآبة والقلق... الكتابة خيارٌ جماليّ ينفتح على التجارب الإنسانية، وللإبداع منهجٌ عمليّ يضيء النصَّ وأبعاده الفتية وتطلعاته الدلالية.
الكتابة بالنسبة لي خيارٌ طوعيّ بدأ كهوايةٍ، وتحوّل إلى احتراف، بل تحوّل إلى رسالة، فقد كانت هناك ضرورة إلى أن نقدم روايتنا الفلسطينية في مواجهة الرواية الإسرائيلية التوراتية الخرافية. وكان عليّ وعلى الكتاب الفلسطينيين أن يقدموا روايتنا بمحتواها العادل، وأن يواجهوا مكرَ الرواية الصهيونية، فقد ضبطت الثقافة الصهيونية خطواتها على إيقاع خطوات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وهنا لا بد أن نقول إن الكتابة بالنسبة للكاتب الفلسطيني تصبح هواية وحرفة ورسالة.

مجلة العربي والقامات الإبداعيّة 
● كساردٍ لهُ حضورهُ في السرد الروائي العربي، بدأتَ في القصّة القصيرة عام 1973 فكانت «المهرة»، ووجدت الإجابة الشافية في الرواية ابتداءً من «نجران تحت الصفر» عام 1976، وبكم هائل من الروايات المثيرة... هل هجرت القصّة القصيرة وإلى الأبد؟ وهل تؤيد قول عمالقة السرد في العالم وعلى رأسهم، عربيًا، نجيب محفوظ، وعالميًا ماركيز وإيزابيل الليندي، في أنَّ القصة القصيرة هي الفنّ الأصعب... ماذا تقول؟
وما الفارق بين القصّة القصيرة والرواية فنيًّا برأيك؟
- بدأت كتابة «خربشاتي» الأولى وأنا طالب في الثانوية، حيث بدأت كتابة الخاطرة في الصحف اليومية، ثمّ بدأت أنشر المحاولات الأولى للكتابة القصصية في مجلة «الأفق الجديد» الثقافية التي صدرت في القدس مطلع ستينيات القرن الماضي، والتي لعبت دورًا مهمًا في حياة الأدب الفلسطيني والأردني، وفي نشر وتعميم المعرفة، وتمكين جيل من الأدباء والشعراء والنقاد من تأسيس حركة ثقافية في الأردن وفي القدس والضفة الغربية الفلسطينية. نشرت محاولاتي الأولى في مجال القصة بمجلة «الأفق الجديد» منذ عام 1964 حتى عام  1966عندما توقفت عن الصدور. كانت مرحلة «الأفق الجديد» مرحلة شبابي المبكر ومرحلة طموحي لأن أكون كاتبًا، والمرحلة التي تعلّقت فيها بالقراءة، ومتابعة التيارات الفكرية التي تهب علينا من العالم، حيث كانت الفلسفة الوجودية تجد اهتمامًا في الوطن العربي، وكذلك تيارات أخرى مثل ما راج في تلك الأيام تيار الغضب ويمثله  جون أوزبورن، وتيار «اللامنتمي» ويمثله كولن ولسون وتيارات أخرى تعزى إلى فرانز كافكا وألبرتو مورافيا ومكسيم جوركي وغيرهم .
كانت مجلّة «الآداب» اللبنانية التي تصدر عن دار الآداب تتصدر المجلات الثقافية في الوطن العربي، وهي التي عرفتنا بالوجودية، عرفتنا بجان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وفرانسواز ساغان، كما أنّها نشرت معظم مؤلفاتهم، ومن مصادر ثقافتنا في تلك الأيام كانت مجلة «العربي» التي صدرت عن وزارة الإعلام الكويتية، وكان د. أحمد زكي رئيس تحريرها يكتب افتتاحيتها، وعلى صفحاتها تكتب مقالات ثريّة لقاماتٍ عاليةٍ، ومنهم على سبيل المثال: عباس العقاد، طه حسين، نجيب محفوظ، إحسان عباس، نزار قباني، يوسف إدريس، فاروق شوشة، أحمد عبدالمعطي حجازي، وصلاح عبدالصبور، وأسماء أخرى.
بعد نكسة يونيو عام 1967 التحقت بالثورة الفلسطينية وبدأتُ أنشر قصصي القصيرة في مجلة الآداب، قصصًا عن المقاومة، كان د. سهيل إدريس رئيس تحرير المجلة يشجّع ظهور أدب فلسطيني وعربي يمجد مقاومة الاحتلال.الانتقال من مجلة «الأفق الجديد» إلى مجلة «الآداب» أتاح لي نوعًا من الشهرة، وكان من ينشرُ في الآداب يصنّف ككاتبٍ مهمٍ ومعروفٍ. نشرت مجموعتين قصصيتين، الأولى صدرت عام 1972 وعنوانها «المُهرة»، والثانية عنوانها «نورما ورجل الثلج» عام 1978، لكنني نشرتُ ما بينهما روايتي الأولى «نجران تحت الصفر»، وروايتي «تفاح المجانين»، وقصة «تلك المرأة الوردة».
كانت الثقافة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي تشهد حياة ثرية في الوطن العربي، وكانت هناك أسماء أثبتت حضورها الإبداعي القصصي والروائي، على سبيل المثال كان هناك نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، إحسان عبدالقدوس، يوسف السباعي في مصر، وكان هناك حنّا مينه، عبدالسلام العجيلي، زكريا تامر، نبيل سليمان في سورية، وكان الطيب صالح في السودان، ومن الجزائر كان كاتب ياسين، محمد ديب، الطاهر وطّار، ومن المغرب عبداللطيف اللعبي، محمد شكري، محمد زفزاف، ختانة بنونة، بنسالم حميش، أحمد المديني. وفي الأردن كان عيسى الناعوري، وفي فلسطين كان غسان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا، وسميرة عزام المتخصصة بالقصة القصيرة، ثمّ إميل حبيبي وأبناء جيلنا... حركة السرد كانت نشطة، ومعظم كتاب السرد كتبوا القصة القصيرة أولًا ثمّ كتبوا الرواية.

إبداع ماركيز
● غارسيا ماركيز يقول: «القصّة القصيرة كالسهمِ في الهدف، أما الرواية فهي أشبه بوضع قوالب الطوب في البناية»، ما رأيك في العبارة؟ هل المقصود التكثيف اللغوي والزمني للحدث؟ أم ماذا؟ حدثني!
- لا أدري إن قال ماركيز هذا الكلام أم لا، لكن من حيث المبدأ لستُ معنيًا بمثل هذه الأقوال. ما يعنيني إبداع ماركيز وما قدمهُ للعالم من روايات.
كثيرٌ من كبار المبدعين في العالم تعزى لهم تصاريح صحافية عابرة، وقد لا تكون دقيقة، وربما لا تعنينا.
● يحيى يخلف الروائي الكبير... ألا ترى أنَّ فنّ الرواية العابر للأزمان غدا مستباحًا، لعبة ورغي كلام معًا، واللاعبون الفاقدون للمهارة كثرٌ، صحفيون، وشعراء، وفنانون، ونقّاد... لماذا كلّ هذا اللهاث للقلب (الروائي)؟ أهوَ المقصود فعلًا لأنه الأكثر انتشارًا أم إنَّ كثرة الجوائز وراء هذه المغامرة غير المأمونة وغير المضمونة النتائج؟
- تقصد الإقبال على كتابة الرواية من غير الروائيين المحترفين، وهذا صحيح، فنحنُ نشهد إقبالًا من مثقفين ومن في حكمهم يتوجهون لكتابة الرواية، وكذلك ظاهرة شعراء يتحولون إلى رواة، ومن صحفيين وربما من أشباه مثقفين احتذوا بحذاء الرواة، وربما ما دفعهم إلى ذلك الجوائز المخصصة للرواية العربية، علما بأنّ الجوائز حفّزت كثيرًا من الروائيين على الإجادة، واحتفت بالعديد من القامات التي تستحق.
ليس كل من يكتب رواية روائيًا، وأعتقد هنا أنّ ما ينفعُ الناس يمكثُ في الأرض، أمّا الزبد فيذهب جفاء.

رواية الريحانة والقضية الفلسطينية
● روايتك الرائعة الأخيرة «الريحانة... والديك المغربي»: الوطن والقضية والتاريخ والإنسان، كلّ هذه الأقانيم مجتمعة، ويغذي بعضها البعض بشمسٍ لا تغيب... ماذا أيضًا؟ ما الذي لم يكتشفهُ القارئ بعدُ؟ هلْ الراوي /السارد/ بطل الرواية (عادل عبدالغني) المتلبس بهمّه الفلسطيني هو صلب حكاية الوطن والمواطن معًا؟ حدثني! 
- للرواية شخصيات من فلسطين (المشرق العربي) وشخصيات من تونس والمغرب والجزائر (أي المغرب العربي)، فلسطين تجمع ولا تفرق، وإليها كانت تُشدُ الرحال. ففيها المسجد الأقصى وقبّة الصخرة، وفيها حارة المغاربة التي تأسست أثناء الحروب الصليبية، فقد هبّ المغاربة وجاءوا من المغرب والتحقوا بقوات صلاح الدين الأيوبي، وبعد معركة حطّين عام 1187 فتح المسلمون وحرّروا بيت المقدس، فخصّصَ لهم صلاح الدين حارة جنوب شرق البلدة القديمة سُمّيت بحارة المغاربة، وظلّت شاهدة على مشاركةِ المغاربة في الدفاع عن القدس.
«عادل عبدالغني» هو الرواي، وليس بالضرورة أن يكون هو المؤلف، والراوي قدّم لنا شخصياتٍ وحكاياتٍ تتوالد في فضاء الرواية بأمكنتها المتعددة، وشخصياتها النسائية والذكورية، خصوصًا شخصية «الريحانة»، وشخصية «سي المبارك» (أي الديك المغربي) الذي سحرتهُ بلاد الشام وفلسطين والقدس، فاندمجَ في صخب الحياة وهدوئها، وجماليات أمكنتها وناسها وحكاياها، وانضم إلى الثوّار ودافع عن عروبتها، وستكون «شجرة الصنوبر» التي جلب فسيلتها إلى تونس من شجرة معمرة في جبال القدس وصارت مصاحبة لحكاية «الريحانة»، وسيكون مشرق العرب ومغربهم متصلين بحكاية الشجرة. وهكذا، فإن الرواية تؤكّد بمعمار فني ثري، أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية.

الجوائز تكريم للمبدع واحتفاء بالثقافة 
● فزتَ بجوائز أدبية مرموقة ومستحقة، آخرها جائزة ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية 2019، ما الأثر الذي تتركهُ الجائزة على المبدع؟ أهي الحافز لنتاج أجود؟ أمْ إنها - كما يراها البعض - خطر وعبء ومسؤولية أكبر؟ أم ماذا؟
- الجوائز الأدبية نظام معمول به في معظم دول العالم، فالدولــــة التي تـــرعى الآداب والفنون تخصّص جوائز تقديرية للأدباء أو الفنّانين الكـــــــبار، وجوائز تشجيعية للأدباء أو الفنانين الشباب. وهناك جوائز في مجالات الآداب والفنون تخصّصها مؤسسات حكومية أو تمولها مؤسسات مستقلة لأنواع أدبية أو فنية مخصصة في عالمنا العربي تستهدف الاحتفاء بآداب وفنون عربية على المستوى القومي... كما أنّ هناك جوائز عالمية، أهمّها جوائز «نوبل». الجوائز التي لها لجان تحكيم ذات قيمة ومصداقية تستحق التقدير، ويمكن أن نقول إنّها تكريم للمبدع. وقد لعبت بعض الجوائز العربية دورًا في تكريم والاحتفاء بكتّاب وفنانين كبار، كما احتفت وقدّمت مواهبَ جديدة... والجوائز بهذا المعنى تستحق التقدير. 
   بالنسبة لي حصلت على تكريم من بلدي فلسطين، وتكريم من جوائز عربية ذات مصداقية، منها: جائزة دولة فلسطين للرواية عام 2000، والوسام الذهبي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجائزة كتارا للرواية العربية 2016، ووسام دولة فلسطين للثقافة والفنون - درجة التألق عام 2019، جائزة القاهرة للإبداع الروائي العربي 2019.
  أي مبدع يكرّم من قبل جهة ثقافية ذات مكانة، وذات مصداقية فهو احتفاء بالثقافة والموقع العالي الذي تستحق. على الرغم من مرور قرن على ظهور الرواية العربية، وبروز قامات روائية عربية عبرت بوابة الإبداع، وحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وحصول بعض الروائيين العرب الذين يعيشون في فرنسا ويكتبون باللغة الفرنسية وحصلوا على جوائز مثل الطاهر بنجلون، وأمين معلوف وأسماء أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الرواية العربية لم تصبح ظاهرة عالمية مثلما أصبحت ظواهر أخرى، كظاهرة أدب أمريكا اللاتينية، وظاهرة الأدب الياباني، وظاهرة الأدب الإفريقي، مع أنّ كثيرًا من الروايات العربية تتوافر فيها عناصر فنية عالية تؤهلها لكي تكون ظاهرة أدبية عالمية، إلا أن هناك تقصيرًا من الجهات الرسمية العربية، وعدم اهتمام بترجمة الروايات العربية إلى اللغات الأجنبية بالتعاون مع دور نشر شهيرة في أوربا ومختلف دول العالم.

النقدُ والنصّ
● أنصفكَ النقدُ، كما يبدو من أحاديثك وسيرتك الذاتية... هلْ لدينا حركة نقدية فاعلة، ومواكبة لهذا التفجّر الإبداعي المتنوع، قصة قصيرة ورواية، مَن ناقدُكَ الأمثل فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا؟
- النقد العربي الحديث تأثّر في مناهجه واتجاهاته بالنقد الغربي، فهناك من النقّاد العرب من أخذ بالمناهج الغربية كنوعٍ من الانفتاح، وهناك من يأخذ ما يناسب خصوصية الأدب العربي، ويهمل ما لا يناسبه، وأعتقد أن ثمّة إشكالية في هذا الصدد. مهما يكن من أمر، فإن النقد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود النص. 
ونحن في العالم العربي نفتح نوافذنا لكلّ التيارات الفكرية بما في ذلك مناهج النقد بهذا العالم. ومن المفروض أن نتأثر بكلّ المناهج الوافدةِ ومنها مثلًا البنيوية، والسيميائية، لذلك يمكن أن تكون هناك إشكالياتٌ لدى الناقد العربي، فيجمع الخصوصية بما هو وافد.
 وهناك نقّاد كبار عبروا وأثروا في النقد العربي، منهم على سبيل المثال: عزالدين إسماعيل، محمد مندور، إحسان عبّاس، صلاح فضل، محمود أمين العالم، رئيف خوري، عباس العقاد، طه حسين، عبدالعظيم أنيس، رجاء النقاش، وعذاب الركابي.
 بالنسبة لي أنصفني النقاد، وأضاء معظمهم بشكل منصف على أعمالي الأدبية والروائية، وهم كثر، منهم على سبيل المثال لا الحصر: علي الراعي، فيصل درّاج، رياض كامل، حسين عيد، الذي أصدر كتابًا منشورًا بعنوان: «قضية فلسطين والأدب... يحيى يخلف نموذجًا»، وعالية أنور الصفدي التي أصدرت كتابًا منشورًا بعنوان: «شعرية الأمكنة في روايات يحيى يخلف»، كما كُتبتْ عن أعمالي دراسات في العديد من الصحف والمجلات الثقافية، وكُتبتْ أيضاً العديد من الرسائل الجامعية، وتُرجمتْ بعض أعمالي إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية.

 السياسة بروح المثقف
 ● الكاتب الكبير يحيى يخلف ثقافة وسياسة! كاتب ومثقف ووزير سابق في السلطة الفلسطينية... ماذا تضيف السياسة للثقافة والكاتب والمثقف؟ مَن يتبع مَن في عالمنا -المتاهة على حدّ تعبير بورخيس؟
-  لم أنضم إلى حزب سياسي في حياتي ومسيرتي، انتميت إلى حركة تحرّر وطني، إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، الحركة النضالية التي تهدف إلى تحرير فلسطين، وعملتُ مع قاماتٍ وطنيةٍ عاليةٍ. وكتبتُ انطلاقًا من هذا الالتزام ومن هذه التجربة قصصي ورواياتي، حافظت على شخصيتي كمثقف ينتمي إلى وطنه ووطنيته، وعملتُ في السياسة بروح المثقف والفنّان، حيث إنني عملتُ في الجانب الثقافي وبمهماتٍ ثقافيةٍ حيثُ كنت أمينًا عامًا للاتحاد العام للكتاب والصحفيين، وبعدها مديرًا عاما لدائرة الثقافة الفلسطينية، ومستشارًا ثقافيا للزعيم ياسر عرفات، ورئيسًا للمجلس الأعلى للثقافة العربية، ومن ثمّ وزيرًا للثقافة في السلطة الفلسطينية... كانت تجربة ثريّة، رافقت فيها عمالقة الأدب الفلسطيني، ومنهم محمود درويش، وعبدالكريم الكرمي، ومعين بسيسو، وماجد أبو شرار وقاماتٍ أخرى.

فخور بوطني وثقافتي
● يقولُ إيتالو كالفينو في «مدن مرئية»: «المدن مثل الأحلام مكونة من رغبات ومخاوف»... لوْ تختصر لي بكلماتٍ مقتضبة وقليلة: «القدس، عمّان، تونس، لبنان، القاهرة، الكويت»، مدن عشت ومررت بها بزورق القلب الدافئ!
- في مسيرتي الأدبية والنضالية تنقّلت في مدن عديدة، عمّان، ودمشق، وبيروت، والجزائر، وتونس، وفي عام 1994 عدتُ إلى أرض الوطن، إلى رام الله. كانت مسيرتي كفاحًا ونجاحًا، وكانت التجاربُ ثريةً، وكانت العلاقة مع محيطي القومي حلاوة انسجام لا مرارة تباين. 
أنا فخور بوطني العربي وبالشعب العربي، وبالثقافة العربية. وفخور بأننا كمثقفين فلسطينيين أوجدنا ظاهرة في الأدب العربي هي ظاهرة ثقافة وأدب المقاومة.
● «الكتابة حياة، الحياة كتابة!»... قُلْ لي أيهما الأقرب إليك؟ ولماذا؟
-أنا ورفاقي من أدباء فلسطين كرّسنا عطاءنا في حبّ وعشقِ وتحرّرِ وطننا المحتل، عشنا حياة فريدة، خصوصًا في العصر الذهبي للكفاح المسلّح، عندما كان الزمن مديدًا، وسقف النضال عاليًا، والكفاح يزرع، والسياسة تحصد. كنّا وما زلنا نغمسُ ريشتنا بمداد قضية فلسطين، نكتبُ قصصًا ورواياتٍ ونحنُ تحتَ سقفِ النار، ونحرصُ على توافر عناصر فنية عالية في أعمالنا، بعيدًا عن الخطابة والركاكة. ما زلنا نحتفظ بمكانة خاصة في المشهد الثقافي العربي والإنساني، ونحتفظ بالتواصل مع الحركة الثقافية العربية. من هنا فإنّ الكتابة حياة والحياة كتابة... والاستغناء عن الكتابة استغناء عن الحياة ■