«خيال الظل نموذجًا» الحسّ الجمالي للسينوغرافيا في الفنون الإسلامية

«خيال الظل نموذجًا» الحسّ الجمالي للسينوغرافيا  في الفنون الإسلامية

جاءت المتعة الجمالية في إدراك الفن الإسلامي نتيجة امتزاج الفكر الذاتي للفنان المسلم مع قدرات المُشاهد امتزاجًا مُعقدًا في فهم الأشكال وتصورها، استنادًا إلى الصورة التي يملكها العقل بالنسبة لشيء ما، وبفضل هذه العلاقة يكون هناك فهم أكبر وإدراك أوسع لفكرة الفنون الإسلامية التي تكمن وراء ما يُسمى بالحقيقة. وقد يكون من الضروريات المُلحة أن يزداد اهتمامنا جميعًا بالفن الإسلامي نُقادًا، ومؤرخين، وفنانين، ومُثقفين، وكُتَّابًا، وأساتذة جامعات متخصصين في هذا المجال، وأن نوجه أقلامنا لنشر ثقافته، وفلسفته. وليس هذا لأن هذا الفن جزء من تراث شكَّلَ في المئة سنة الماضية العنوان الثقافي الأبرز، بل لأن هذا الفن تنسدل منه حُجب النسيان، والإهمال، والجهل، في الوقت الذي تُطرح فيه أعمق الأسئلة على الصعيدين الإبداعي والجمالي للفن الإسلامي.

 

قامت دعوات فنية لاستلهام التراث، إلا أنها أثارت جدلًا وتأملًا جماليًا عميقًا، فثمة اختلاف بين القيم الفنية التي تقوم عليها اللوحة الحديثة، والقيم الفنية التي قام عليها التراث. هناك حجب كثيفة تفصل بين الحاضر والماضي، ففن التراث نفسه مُحاصر بالنسيان من جهة، وعلى مسافة بعيدة من الذوق من جهة أخرى، لذا لابد لنا من عودة إلى المنطلقات الاجتماعية والثقافية والحضارية للمجتمعات العربية الحديثة نفسها، فالتراث هنا ليس نتاج الماضي الإبداعي، بل إنه العلامة، والشهادة على الخصوصية الحضارية .

مصطلح الفن الإسلامي
ارتبط الإبداع الفني الذي ميَّزَ الحضارة العربية والإسلامية بمصطلح «الفن الإسلامي»، أو «الجمالية الإسلامية»، التي تجلت معالمها في العمارة، والفنون، والخط، والتصوير، والأدب، والبلاغة. وقد مثَّل الفن، بوصفه أحد روافد التعبير الثقافي، بُعدًا مهمًا في الحضارة العربية الإسلامية، وتجلَّت فيه خصوصيتها، وقد ارتبطت جماليَّات الفنّ الإسلامي بروح هذه الحضارة.
ويتميز مجال الفنّ المسرحي بقدرته على توجيه رسائل مُتتالية للمُتلقي القابع أمام فراغ التمثيل، وتنفرد هذه الرسائل بكونها مُتزامنة، وذات إيقاعات مُختلفة، ففي مرحلة من مراحل العرض المسرحي يتم في آن واحد تلقيّ رسائل متنوعة المصدر، صادرة عن الديكور والملابس والإضاءة، وعن مكان التمثيل وزمن الحدث، وحركات المُمثلين، وإيماءاتهم، وانفعالاتهم، وأحاسيسهم، التي تُنبئ بطبيعة الشخصية، وأيضًا حواراتهم. كل هذه الأمور طبّقها الواسطي مُنفذّ تصاوير مقامات الحريري، وأبدع أبطال المقامات في أداء أدوارهم المسرحية وهم أبوزيد السروجي البطل، وتابعه الحارث بن همّام. وتدور هذه المسرحية في حيز من الفراغ، أو هنا خلف الشاشة البيضاء في مشاهد خيال الظل Shadow Puppet، ويحكم هذا العمل ثلاث قيم: القيمة الفكرية، وتتحقق هذه القيمة عن طريقة طبيعة العمل الرمزي أو العمل الواقعي حتى يصل المضمون الفلسفي إلى المتفرج عن طريق المشاركة الوجدانية والعقلية في آن واحد. ويتعلق هذا بطبيعة النص المسرحي وطريقة عرضه وإرساله للمتلقي.
القيمة التشكيلية (الرؤية البصرية)، وتتحقق عن طريقة اختيار المُصمم للشكل والمساحة ووضع الكتل بالنسبة للفراغ والأحجام واتجاهاتها، إلى جانب تقنية تغيير المناظر، على أن يُحقق هذا الاختيار القيمة الفكرية.
القيمة اللونية، فنظرًا لتحويل النص إلى عرض بصري، فإن اختيار اللون من أصعب الأمور في عملية الإبداع الفني، فإن اختيار اللون من أصعب الأمور في عملية الإبداع الفني، سواء كان اختيار ألوان مُشبعة أو مُحايدة أو دافئة أو باردة، أو خليط من الألوان الدافئة والباردة في تباين أو تكامل، حسبما يقتضيه العمل الفني، ولاشكّ أن القيمة اللونية تُضفي تكاملًا على القيمة التشكيلية والفكرية.

السينوغرافيا في المسرح الإسلامي
 يُمكن للمخرج أن يُوظف جميع العناصر الفنية الهادفة في العمل الفني الدرامي؛ شريطة ألا يكون هناك إخلال بتعاليم الشرع الحنيف، فيُمكن للمخرج أو السينوغراف أن يُوظفا السينوغرافيا الواقعية realistic scenography، أو التاريخية، أو الأسطورية، أو الرمزية لتنصهر في بوتقة روح الإسلام وتعاليمه، كما يُمكن للسينوغراف أن يستثمر اللوحات التشكيلية، والجداريات المُعبرة أثناء التقديم للفرجة الدرامية.
ويمكن للمسرح الإسلامي أن يستعين بالتكنولوجيا المعاصرة والإعلاميات الرقمية الدقيقة في بناء الديكور والمناظر، وتأثيث الركح الدرامي. كما يمكن له أن يعمد إلى عرض مجموعة من الفرجات المسرحية والأشكال الدرامية الفطرية الواعية واللاواعية، كأن يستحضر المشاهد الاستعراضية الفنية والجمالية الهادفة، وتوظيف الأجواء الاحتفالية البانية، وتوظيف الجذبات الصوفية الروحانية التي تعبر عن صراع الجسد والروح وصراع الإنسان مع الشيطان، واسترجاع الملاحم والمعارك والبطولات التاريخية الإسلامية اليانعة عبر التحبيك الفني والإيحائي والدراماتورجي، وتمثيل حياة الصحابة والشخصيات التي خدمت الإسلام.

خيال الظل في العالم الإسلامي
خيال الظل العربي الذي ازدهر في مصر وبخاصة قصير العمر، في الفترة التي استطاع المؤرخون تتبعها تقل عن ستة قرون.
وهناك بعض الإشارات المتفرقة عن فن الخيال بمصر، فذكر أحمد تيمور:  «أن أقدم ما وصل إليه علمنا عن اشتغال العرب بها - أي لعبة الخيال - أنها كانت من ملاهي القصر بمصر مدة الفاطميين، ذلك أن خيال الظل ظل حبيسًا فترة في قصور الفاطميين لتسلية الأمراء وضيوفهم والمقبلين إليهم، ثم خرج بعد ذلك إلى الشعب ليسهم في الترويج للدعوة الفاطمية، وبلغت رعاية الفاطميين هذا الفن أنهم كانوا يستأجرونهم للترفيه عن المرضى وإضحاك الجنود في ثكناتهم.
فلما أسقط الملك الناصر صلاح الدين الدولة الفاطمية سنة 567هـ (1171م) عرض على (القاضي الفاضل)عرضًا لخيال الظل ليرى هل هذا الفن حلالًا أم حرامًا، فقال القاضي تعقيبًا على التمثيلية الظلية التي شاهدها: «موعظة عظيمة، رأيت دولًا تمضي كأنها ما كانت، ودولًا تأتي، ولما طوي الأزار- طي السجل - إذا المحرك واحد».
واستنادًا إلى ما ذكره القاضي الفاضل نرى أن خيال الظل لم يكن مقصورًا على تقديم الموضوعات الهزلية والمواقف الفكاهية المقصود بها التسلية فحسب، بل كان يقوم أيضًا بعرض تمثيليات ذات أفكار جادة وموضوعات تاريخية بقصد الوعظ والعبرة، حتى حازت إعجاب (القاضي الفاضل) الذي كان من أبلغ أدباء عصره.
وفي العصر المملوكي أولع بعض السلاطين بخيال الظل أيما ولع، مثل السلطان شعبان الذي حمله معه إلى الحج سنة 778هـ، وأنكر الناس عليه ذلك.
وقد قام الظاهر أبو سعيد جقمق سنة 855هـ بإبطال اللعب بخيال الظل، وإحراق شخوصه، وكتب على اللاعبين العهود ألا يعودوا إليه. ولعله فعل ذلك لما بلغه مما يقع في مجتمعاته من المفاسد.
فلما قضى السلطان العثماني على الدولة المملوكية، وجعل من مصر إيالة عثمانية سنة (1517م)، أشيع أنه أحضر في بعض الليالي خيال الظل وجلس للفرجة، فقام المخايل بصنع صفة باب زويلة، وصفة السلطان طومان باي لما شنق عليه، وقطع به الحبل مرتين، فانشرح ابن عثمان لذلك وأنعم على المخايل في تلك الليلة بثمانين دينارًا وخلع عليه قفطانًا مخملًا مذهبًا وقال: «إذا سافرت إلى إسطنبول امضِ معنا حتى يتفرج ابن على ذلك»، وقد سافرت فعلًا فرقة إلى اسطنبول سنة 1102هـ (1612م)، على رأسها داود المناوي العطار، لتقديم عروضها هناك ابتهاجًا بتزويج ابنة السلطان العثماني أحمد الأول على ابن أحد الوزراء الأتراك، وقد مكثت هذه الفرقة قرابة عام ثم عادت إلى مصر.
وأدى ارتحال خيال الظل المصري إلى تركيا، إلى ظهور عرائس من نوع جديد سرعان ما استحوذت على اهتمام الجماهير الشعبية في مصر وصارت وسيلتها المحببة الأولى في الترفيه والتسلية، وهي القره كوز(عرائس القفاز). 
وقد ذكر إدوارد وليم لين أنه شاهد القره كوز التركي في مصر، وأن بعض التمثيليات كانت تقدم باللغة التركية وذلك لمخاطبة اللاعبين سكان القصور من الأتراك والمصريين المتشبهين بالأتراك، لكن اللغة العربية ونمو الروح الوطنية تغلبا في النهاية على اللغة التركية. 
كان للناس شغف بالخيال - خيال الظل - في مصر حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي؛ فكانت له سوق نافقة في الأعراس، قلّ أن يُقام عرس لا يلعب الخيال في إحدى لياليه، وكانت له مقاهٍ يلعب فيها، إلى أن اخترع الأوربيون الصور المُتحركة، وكثرت أماكن عرضها في مصر، وهجر الناس أماكن الخيال فأبطلت، واقتصر اللعب به في الأعراس. 
أما عن طريقة اللعب بالخيال، فكانوا يتخذون له بيتًا مربعًا يُقام بعوارض خشبية، ويُكسى بالخيش أو نحوه من جهاته الثلاث، ويُسدل على الوجه الرابع ستار أبيض يُشد من جهاته الأربع شدًا مُحكمًا على الأخشاب، وفيه يكون ظهور الشخوص، فإذا أظلم الليل دخل اللاعبون هذا البيت، ويكونون خمسة في العادة، منهم غلام يُقلد النساء، وآخر حسن الصوت للغناء، فإذا أرادوا اللعب أشعلوا نارًا قوامها القطن والزيت تكون بين أيدى اللاعبين، أي بينهم وبين الشخوص، ويُحرك الشخص بعودين دقيقين من خشب الزان، يمسك اللاعب كل واحد بيد، فيحرك بهما الشخص على ما يريد. وتتخذ الشخوص من جلود البقر، وهي في الغالب جلود تعمل منها أعكام للعشبة التي تأتي من السودان ليتداوى بها؛ فيشتري بعضها لاعبو الخيال من التجار، ويُصورون منها ما يشاءون من الشخوص، ثم يصبغونها بالأصباغ على ما تقتضيه ألوان الوجوه والثياب وأجسام الحيوانات، وجذوع الأشجار، وأوراقها، وثمارها، وأحجار المباني وغير ذلك.
 
المستشرق الألماني بول كاله وعلاقته بخيال الظل:
تخرج المستشرق الألماني بول كاله في قسم اللغات الشرقية من جامعات ماربورغ، وهاله، وبرلين، وتردّد على مكتبات لندن، وأكسفورد وكمبريدج، وعُين قسيسًا للبروتستانت في رومانيا، ثم في القاهرة، فأسس بها مدرسة (1903-1908م)، ومُدرسًا في كلية جييسن، وفي جامعة بون، وأمينًا للمكتبة الشرقية الألمانية، ومديرًا للقسم الشرقي في جامعة بون، وأستاذًا للغات السامية في جامعة أكسفورد، وقد صُنِّف كتابًا لتكريمه (ليدن 1935م).
ومن آثاره: النظم العربي (شتوتغارت 1930م)؛ وطريق البحر الأبيض المتوسط لبيري ريس متنًا تركيًا، وترجمة ألمانية في جزأين (برلين 1926م)؛ ونشر بمعاونة الأستاذين محمد مصطفى، وسوبر نايم: الأقسام الثالث والرابع والخامس من «بدائع الزهور في وقائع الدهور» لابن إياس الحنفي (ليبزيج - اسطنبول 1921-1932-1935م، وقد تُرجم إلى الإنجليزية والفرنسية)، وله فهرس المخطوطات العربية المُستجدة في جامعة أكسفورد (أكسفورد 1939م)، والزار، وقنصوه الغوري، وشبيبة القاهرة، وتصحيح كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي، ومن دراساته المسرح، الإسلام (1910م)، والمحفوظات الاستشراقية (1913م، وأصل الدراويش في مصر عام 1916-1915 م، والخليفة الناصر (تكريم ياكوب 1932م)، والفاطميون (المجلة الشرقية الألمانية (1935)، والبيروني (المجلة الشرقية الألمانية 1936م)، وابن سمحون، والطب العربي (وثائق إسلامية غير منشورة 1952م).
وقد قام بول كاله بشراء اثنتين من خيال الظل من أسرة بمدينة المنزلة عام 1909م، وكانت هذه الأسرة قد اشترتهما من أحد الباشوات بمدينة القاهرة في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي (لوحة1)؛ وتُشير أصول أغطية الرؤوس لهذه الدمى إلى أنها ترجع إلى العصر المملوكي، ويُزين إحدى هذه الدمى شعار الجمدار، الذي كان يمثل إحدى المهن الخاصة ببعض المماليك في العصر المملوكي (مُتولي ثياب السلطان)؛ وإجمالًا يعود تأريخ هذه الدمى إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي.
وعادة ما تكون هذه الدمى في حدود 60 سنتيمترًا، وفي كثير من الأحيان تصل إلى نصف حجم الرجل، ويتم تصميمها عن طريق شرائح، ودوائر متوازية من الجلد، ويُستخدم فيها الجلد المُلون، وتستعمل الخياطة حول المناطق الرئيسية، ويتم تجميع الأشكال الكاملة في المفاصل، وذلك حتى تسهل عملية التحريك، ويتم وضع العرائس في صندوق، ويتم ترتيبها حسب الظهور على المسرح في مربعات داخل الصندوق. والدمى التي اكتشفها بول كاله تشمل موضوعات مُتنوعة، وتشهد تقاربًا مع ما وصفه ابن دانيال، فنى دُمية للصقار Falconer، وقد رفع كلتا يديه لأعلى مُمسكًا بيديه صقرين، وقد بدا بشارب بهلواني ضخم (لوحة 2)، وقد ظهر في وضع المواجهة، كما تظهر دُمى لراكبي الإبل، والأفيال، والبحّارة، والباعة، والخدم، والسجناء، وبعض الطيور، منها الديوك، والنسور، والتماسيح، والأسماك، وهكذا قدمت مسرحيات خيال الظل لجمهورها الحضري ذخيرة من المشاهد.
 
خيال الظل ومقامات الحريري
بمقارنة شكل دمى خيال الظل التي تُمثل رجلًا مُمسكًا بعصا في يده (لوحة 3) نجد أن هذا الشكل الفني يتشابه مع المنظر التصويري الوارد في مقامات الحريري؛ ومنها على وجه التحديد تصويرة أبوزيد السروجي مع أحد الشباب في مواجهة الحاكم في الرحبة (لوحة 4)، والمؤرخة بشهر رجب سنة 734هـ/ مارس 1334م، والمحفوظة في ڤيينا. ويكمل التشابه في النظرة الجانبيةprofile، وفي الإمساك بالعصا، مع اختلاف وضعيتها، وفي اللحية، وغطاء الرأس، وشكل الوقفة نفسها، وحتى زخارف الثياب.
وضمن إطار تخطيطي معماري، نجد مشهد صناعة النبيذ لدمية خيال ظل مؤرخة بالقرن 12هـ/18م تُنسب إلى مصر (لوحة 5)؛ ويُستنسخ هذا النموذج مما جاء في تصويرة أبوزيد السروجي، والحارث بن همام وهم في إحدى الحانات، حيث يظهر ذلك الشاب الذي يقوم بعصر العنب لإعداد النبيذ (لوحة 6). وبمقارنة أقدام السيدة التي تظهر في تصويرة أبوزيد في الحانة، والتي تظهر بالبشرة السمراء، وقد رفعت كلتا يديها لأعلى، وربما تقوم بمهمة عصر العنب، فتظهر حركات أقدامها كأنها دمية. وشكل العمائر والستائر في خيال الظل يستحضر ما جاء في رسوم مقامات الحريري من حانات؛ وشكل العمائر والستائر في تصويرة أبوزيد السروجي أمام حاكم مرو (لوحة 7) .
أيضًا من المشاهد المُتعلقة بالسفن التي تمخر عباب الماء نجد نموذجًا لخيال الظل يُمثل سفينة بها مجموعة من الأشخاص (لوحة 8)، ويتشابه هذا العمل مع نمط السفينة في تصويرة سفينة باتجاه عُمان من مخطوط مقامات الحريري (لوحة 9)؛ ومشهد السفينة تكرر كثيرًا كنمط للإبحار في تصاوير مقامات الحريري (لوحة 10)، بنفس النمط الذي ورد في خيال الظل. وفي تصويرة أبوزيد السروجي والحارث بن همّام، وهما ينضمان للعبة الألغاز (لوحة 11)؛ ويظهر الحارث بن همّام بغطاء رأس مخروطي الشكل يُشبه القُلنسوة (وهي غطاء كان يُميز خيال الظل)؛ وقد توكأ على عصاه، وبدا في سن متقدمة بلحية بيضاء، ويقف وسط جمهوره، وهو يلجأ إلى الحيل، وخداع الجلوس، فتارة نجده وسط ثلاثة أشخاص، وتارة أربعة أشخاص، وتارةً جالسًا، وتارةً واقفًا، وتارةً يظهر كهلًا وقد بلغ من العُمر أرذله، وتارةً يظهر شابًا صغيرًا، وكل هذا في تسلسل بصري شبه حركي وشريط هزلي.
ويظهر في المقامة السادسة والأربعين من مقامات الحريري أبوزيد السروجي، وهو يستقبل الطلاب الذين يعرضون موهبتهم أمامه في ثماني صور متتالية تحت عنوان أبوزيد السروجي في المدرسة (لوحة 12)، حيث يرتدي كل طفل ملابس مختلفة عن الآخر، وقد عبّر المُصور عن الحيوية والحركة في التصويرة من خلال حركات هؤلاء الأطفال؛ وتُعطي انطباعًا برؤية سلسلة من اللقطات الثابتة المأخوذة من الصور المُتحركة، أو بالأحرى أشكال الدُمى الذين يؤدون أفعالهم في خيال الظل، وقد تستدعي هذه الطريقة أيضًا المشهد الدرامي. ويبدو أنّ إعادة التدوير وصياغة الشخصيات بشكل صارم تعكس طريقة من التصور والدراما مأخوذة ومُستوحاة من مسرح الظل، والذي به عدة أجيال، ويبدو أنّ أعمال الرسامين قد انخرطت من جديد.
ويتجلّى الإبداع والإيقاع الفني في الإطارات المعمارية الشبيهة بالدعامات، وأشكال العقود، ولُغة الجسد التعبيرية في المنمنمات، والتي قد أثارت إحساسًا قويًا بين الجماهير بنمط خيال الظل؛ كما يتجلّى الإبداع في نمط المراسلات في متن المخطوطات، وترجمة هذه المُتون من خلال التصاوير في (لوحة 13)، والذي يظهر في إحدى هذه التصاوير أبوزيد السروجي في صراع مع دائنه، وسجال وحركات أياد، ومحاولة للتشابك بالأيادي، ثم يلجأ أبوزيد السروجي إلى والي طوس ليرفع قضيته إليه، وهو يعلم أنه سيتأثر بأسلوبه اللفظي؛ ويبدو أنّ مشهد الصراع على الدين مأخوذ من فكرة خيال الظل ■

لوحة (1): خيال الظل، أحد مقتنيات المستشرق الألماني بول كاله

لوحة (3): خيال الظل مُمسكًا بعصا

لوحة (13): أبوزيد السروجي في صراع مع دائنه، مخطوط مقامات الحريري القرن 7هـ/ 13 م ، نسخة المكتبة الأهلية الفرنسية

لوحة (6): أبوزيد السروجي خلال أحد الاجتماعات

لوحة (10):  أبوزيد السروجي يسأل ويستأذن قبطان السفينة أن يُبحر معهم، مخطوط مقامات الحريري، القرن 7هـ/ 13م، محفوظة بسان بطرسبرغ

لوحة (11): أبوزيد السروجي ولعبة الألغاز مع جمع من الناس، مخطوط مقامات الحريري، القرن 7هـ/ 13م، نسخة المكتبة الأهلية الفرنسية

لوحة (8): خيال الظل لسفينة عليها مجموعة من الجنود

لوحة (7): أبوزيد السروجي أمام قاضي مرو- مخطوط مقامات الحريري

لوحة (12): أبوزيد السروجي يُعلّم الصبية في المدرسة

لوحة (4): أبو زيد السروجي مع أحد الشباب أمام الحاكم، مخطوط مقامات الحريري، ڤيينا، النمسا، مؤرخة بعام 734هـ/ 1334م

لوحة (2):  خيال الظل (الصقار)، لرجل مُمسك بصقرين، أحد مقتنيات المستشرق الألماني بول كاله