فيلم «Don’t look up» الحقائق العلمية في مجتمع التفاهة

فيلم «Don’t look up» الحقائق العلمية في مجتمع التفاهة

يعد فيلم «Don’t look up» أحد أهم الأفلام المثيرة للجدل لعام 2021، حيث ترك انقسامًا حادًا واختلافًا بارزًا كونه ضم مجموعة من الوجوه السينمائية المشهورة: الممثل ليوناردو دي كابريو، بالإضافة إلى جنيفر لورنس، وميريل ستريب، وتيموثي شالامي، وكات بلونشيت. تصدّر الفيلم مشاهدات منصة «نتفليكس» في نهاية سنة 2021، واعتبر من أبرز الأفلام المنتجة هذا العام، كونه من إخراج المخرج الشهير آدام ماكاي، الذي أخرج فيلم «The Big Short» و«Vice»، ولأنه يزخر بحضور وازن للعديد من النجوم العالميين. 

 

عنوان الفيلم «لا تنظر إلى الأعلى» يلمح إلى مضمونه الأساسي وقصده الفني، فعبارة (لا تنظر) جاءت في صيغة إنشاء طلبي (نهي)، والطلب هنا موجه إلى متلقٍ مجهول. ويطالب فيه المتكلم المخاطب بعدم الرؤية والتبصر في شيء ما، والكف عن الاهتمام والدراية بتفاصيله وجزئياته. وموضوع هذه الدراية له صلة بمجال فوقي، يقع أعلى مجال البصر، ويحتاج إدراكه إلى جهد وارتقاء وتميز. وبما أن الطلب يكون من الجهة العليا إلى الجهة الأقل في الترتيب السلطوي للخطاب، فهذا يدل على أنه طلب إلزامي من هذه الجهة العليا التي تنهى رعاياها عن الاهتمام بموضوع مهم وأساسي ومتميز، موضوع قيمته الأساسية تكمن في تموضعه في الأعلى (السماء، الكون، الفضاء...)، وهذا ما يتطلب خبرة وذكاء ومعرفة للوصول إلى أسراره.
 والطلب هنا مناقض تمامًا لمنطق ما يجب أن يكون، فالمفترض أن تأمر الهيئة العليا رعاياها بإلزامية الاهتمام بمواضيع كهذه، لا أن تنهاهم عن التعرف إليها والنظر إلى خباياها. ومن هنا نستنتج أن هذه الجهات العليا ترفض العلم وتستهزئ بالمعرفة وتسخر من كل الباحثين عن أسرار الكون الغامض، وحقيقة الفضاء المرتقي عن وعي الإنسان المستوي في الأرض.

البداية
تبدأ قصة فيلم «Don’t look up»، الذي يمكن تصنيفه ضمن سلسلة أفلام نهاية العالم، باكتشاف باحثة علمية تدعى «كيتي ديبيسكي» مذنّبًا عملاقًا، وهذا هو الجزء الجميل من الاكتشاف، أما الكارثة فيتوصل إليها أستاذها الذي يدعى «راندال ميندي»، وتتمحور حول أن هذا المذنّب متوجه نحو كوكب الأرض، وبحلول ستة أشهر سيصطدم به، وبناء على حجم المذنب فقد يؤدي إلى إنهاء الحياة البشرية. يحمل «ميندي» هذا الخبر المهم متجهًا به إلى «البيت الأبيض» كي يضع المسؤولين في صورة هذه المشكلة، إلا أن رئيسة الولايات المتحدة، وهي شخصية خيالية (لم يحدد الفيلم شخصية واقعية)، تناولت هذه المشكلة بأقصى درجات اللامبالاة.
 بالإضافة إلى السياسيين، هناك رجال الأعمال الذين ينكرون وجود كارثة في البداية، ثم يحاولون توظيف هذه الكارثة لمصالحهم فيما بعد، وحين تصرخ الباحثة التي اكتشفت الكارثة بالحقيقة في برنامج «توك شو»، يستهزئ المذيعان بها فتصير مجرد وسم ساخر تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي، ليحوّل الإعلام الكارثة إلى «تريند» مسلٍّ، ويتواطأ مع رجال السياسة والأعمال.
 يصمّم العلماء على قول الحقيقة، فيتوجه «ميندي» إلى تقديم عرض دعائي كي يبسّط فكرة الكارثة للشعب، الذي بدوره ينقسم إلى عدة أقسام، فريق كبير يصدّق السياسيين ويتهم العلماء بالتضليل، وفريق صغير يصدّق العلماء الذين يحذرون الناس من اقتراب النهاية، لكنهم يشعرون بقلة الحيلة، وفريق لا يؤمن بوجود كارثة على الإطلاق، وفريق يتعامل مع الكارثة على أنها نكتة أو خرافة افتراضية، وهكذا يلغي الشعب نفسه بنفسه عن طريق الانقسام والتخوين واللامبالاة.

تيمات أساسية بالعمل
 هيمنت مجموعة من التيمات الأساسية في هذا العمل السينمائي أبرزها: السخرية والاستهزاء والازدراء واللامبالاة. وتظهر ملامح السخرية السياسية من العلم في مشهد الزيارة الأولى للبطلين إلى البيت الأبيض للقاء الرئيسة الأمريكية التي لم تأبه لحضورهما، ولم تعرهما أي اهتمام، بغض النظر عن الموضوع الحساس الذي قدما من أجله، والذي يهدد حياة البشرية جمعاء. حيث فضلت الرئيسة (ميريل ستريب) اللامبالية الاستمتاع والاحتفال بعيد الميلاد قبل الإنصات إليهما، حتى وإن كان الموضوع مستعجلًا، لا يقبل التأجيل.
رفضت رئيسة البيت الأبيض استقبال البطلين في اليوم الأول رغم حساسية الموضوع وخطورته، ورغم قضائهما سبع ساعات في انتظار تفرغها لمقابلتهما، بينما كانت هي تراقص الفتيان، وتشارك القيان، وتستمتع بالخلان. إنه إهمال كبير من مسؤولة كبيرة في الدولة، فضلت اللهو، والاحتفال، واللامبالاة بالمستقبل المخيف الذي ينذر الجميع. وحينما آن وقت اللقاء استقبلتهما استقبالًا باردًا متعاليًا، والأكثر من ذلك طلبت منهما عرض موضوعهما في وقت وجيز وضيق جدا (20 دقيقة)، رغم قيمته وأهميته وهوله. 
وقد رصد المخرج لقطة بارعة تعبر عن هذه اللامبالاة من النظم السياسية تجاه الواقع والبيئة والكون، من خلال تركيز العدسة - بالتناوب - على ملامح الرئيسة ويدها التي تحمل ساعة باهظة الثمن. فالرئيسة - المتوترة، والمضطربة، والمتضايقة - تنظر كثيرًا إلى الساعة، في انتظار انتهاء زمن العرض الجليل الذي يلقيه البطلان (20 دقيقة). إنه استهتار سياسي بالخطاب العلمي الذي يهم البيئة، والمجتمع، وكل مجال في الكرة الأرضية، وهذا ما يعلل لنا حالة الجهل والسخافة والحماقة التي وصل إليها الزعيم السياسي المعاصر، وسمة الانحطاط والسفالة والضحالة التي آلت إليها السياسة الحديثة بصفة عامة.
ومن مظاهر التفاهة والسفاهة التي عالجها موضوع الفيلم، إشارته في أحد مشاهده، إلى الاهتمام الكبير من جمهور السوشيال ميديا بانفصال نجمين عن بعضهما البعض، بينما يغيب الاهتمام العلمي والمعرفي بالحدث الخطير الذي يهدد البشرية. إنه زمن الإلهاء وعصر الرداءة الذي طغى على السطح، وشلّ طرق التفكير والنقد، ودمر روح الفرد وكيانه. وفي مشهد آخر، يغادر وزير الدفاع القصر الرئاسي متجهًا صوب منزله، بعد تلقيه رسالة هاتفية من الأسرة تخبره بضرورة القدوم إلى المنزل من أجل مستجد عائلي غير مهم، فانصرف هذا المسؤول الكبير، مفضلًا مناوشة أسرته في أمور منزلية عرضية وسخيفة، مقابل تخليه عن البطلين القادمين لإخباره (هو والرئيسة) بموضوع مهم يهم العالم ككل، ويهدد بخراب العمران، وانقراض السكان، وهدم المكان. ورغم قيمة الموضوع المطروح وأولويته، إلا أن رئيس أركان الجيش فضل العودة إلى المنزل لأمر عائلي هامشي لا يستحق الذكر والاهتمام.
 بالسخرية والاستهزاء والتحقير، استقبلت الرئيسة الأمريكية (والمسؤولين المرافقين لها) الوفد العلمي القادم إليها بخصوص هذا الموضوع الجوهري والمستعجل. سخرية تقوم على تصغير العوائق وتحقير الحقائق، تسفيه الأفكار وتتفيه الأخبار، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على التسطيح الفكري الذي تعاني منه البشرية جمعاء، في عصر طغت فيه أنظمة سياسية فاسدة، همّها تنميط الحياة والسلوك، وتحنيط المعرفة والأخلاق. ولهذا اختار المخرج وسيلة السخرية السوداء في فيلمه السينمائي هذا، قصد نقل هذا الموضوع المثير. فالرئيسة الأمريكية كذبت النسب العلمية التي طرحها البطلان حول مدى قدرة المذنب على تدمير الأرض، وفضلت اختلاق نسب أخرى لتضليل المواطن، وخلق الإشاعة التي تسيطر على وعي العامة من الشعب.
في أحد المشاهد التي جرت في البيت الأبيض أيضًا نستمع إلى هذه الجملة التي جاءت على لسان الرئيسة الأمريكية: «الانتظار وتقييم الأوضاع». وهي قولة رددتها الزعيمة الشقراء بغية تهدئة هيجان البطلين، وتشكيل سلسلة من التماطل في أداء الواجب الوطني، وحماية حياة وأمن الملايين من البشر في العالم، فكلما أرادت الرئيسة التهرب من الموضوع خلقت سلسلة من المبررات التافهة من أجل التماطل، وتعطيل فترة التدخل الذي يحتاجه الجميع بشكل عاجل.
 ويلاحظ في الفيلم أن كل مداخلة مهمة كانت تلقى من طرف الدكتور وطالبته (البطلين)، كانت تقابل بنوع من السخرية والاستهزاء واللامبالاة من طرف الرئيسة. وهذا ما ظهر جليًا في مشهد بارع التقطه المخرج آدم مكاي، حيث رصد خطاب الدكتور (ليوناردو دي كابريو)، وهو مركز على خطورة الموضوع، بينما الرئيسة تلهو في مكتبها وتدخن نوعًا من السجائر الثمينة، مفتخرة، بتبجح وتبذخ، بشرائها لهذا النوع من السجائر. إنه تحول سلبي في تناول الواقع من الجوهري والمركزي إلى الهامشي والمنحط، قصد المراوغة والتزييف والتدليس والتضليل: مراوغة المواطن، وتزييف الحقائق، وتدليس المعرفة، وتضليل الفكر.

الرقميات وحياة البشر
 يشير الفيلم كذلك إلى الطفرة التكنولوجية العالمية، وكيف سيطرت الرقميات على حياة الإنسان، فكبحت بالتالي جهوده الفكرية، وحصرت مجال إحساسه وروحه، وضيقت مسار وعيه وثقافته، عن طريق الآلة ومرفقاتها التي تحكمت في جميع مجالات الحياة، فانمحت بالتالي الروابط الاجتماعية، وتضاءلت أواصر التفاعل الإنساني، وضعفت شبكة العلاقات العاطفية والروحانية. وهذا ما يبرز لنا في المشهد الذي يظهر فيه رئيس شركة الهواتف المحمولة الجديدة (باش لايف)، وهو يلقي خطابه الافتتاحي لهذه الشركة العملاقة التي طورت من وسائلها، وانتقلت إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور التكنولوجي. حيث أصبح الهاتف المحمول قادرًا على التعرف ليس فقط على الأشخاص وهوياتهم وهيئتهم، بل على مشاعرهم وأحاسيسهم الداخلية أيضًا.
 ومن الأمور التي سُلِّط عليها الضوء في هذا العمل السينمائي الانتخابات السياسية وتصارع القوى الرأسمالية والليبرالية حولها بشتى الطرق ومختلف الأساليب، حتى وإن أدى ذلك إلى إهمال قضايا جوهرية وأساسية في حياة الأمة، فالرئيسة الأمريكية كان همها الوحيد هو التحضير للانتخابات جيدًا، وعدم تشويه سمعتها قبل هذا الحدث البارز، لذا تجاهلت موضوع البطلين، وأجّلت الحديث عنه إلى وقت لاحق، ريثما تنتهي من مهمتها الأساسية في عالم السياسة. إن المخرج - من خلال هذا الموضوع - يريد أن يقول لنا بأن كل ما يهدد الطبيعة والبيئة والكون والكرة الأرضية لم يعد مهمًا وضروريًا للنقاش والحديث بين السياسيين، وليكن تأجيله حلًا مقترحًا من أجل تسويف الموضوع، وإرجاء الخضوع، وإبطاء الخنوع وتأخير الدموع: خضوع للمستقبل الصادم الذي ينتظرهم بفعل الخطر القادم من المذنب ديبيسكي، وخنوع للأمر الواقع الذي يهدد البشرية جمعاء في ظل هذا الترهيب الفضائي والتهويل الخارجي، ودموع لكارثة قادمة قد تدمر جزءًا مهمًا من الكرة الأرضية وقد تبيد نسبة قياسية من البشر.
وقد عرض المخرج آدم مكاي لقطة بارعة ترصد ظاهرة الاستخفاف السياسي والإعلامي بالحقائق العلمية، من خلال تركيز عدسة الكاميرا على البرنامج التلفازي والحوار الإعلامي الذي نقلته إحدى القنوات الأمريكية الشهيرة، فمقدما اللقاء تعمدا تأخير الفقرة الخاصة بتقديم العرض العلمي للبطلين، بعد فقرات ترفيهية وفنية وفكاهية من دون محتوى ولا معنى ولا رؤى. إنه نظام التفاهة كما سماه العديد من المفكرين (ألان دونو في كتاب «نظام التفاهة»، جي ديبور في كتاب «مجتمع الاستعراض»، بيير بورديو في كتابه «التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول»، إيريك فروم في كتابه «الإنسان بين الجوهر والمظهر»، كتاب «الإنسان العاري» لمؤلفيه «مارك دوغان» و«كريستوف لابي»...إلخ)، وكما خلده مجموعة من الأدباء ( «حضارة الفرجة» لفارغاس يوسا، «حفلة التفاهة» لميلان كونديرا...إلخ). وهو نظام يروج لقيم فكرية رأسمالية تلهي العقول، وتلغي الحس النقدي، وتروض الفكر لصالح التشيء المادي، والتسليع القيمي، فلا عجب أن يختار مقدما البرنامج الفقرات المثيرة التي تجذب الحس، وتغري النفس، وتهيج النزوة (فقرة الفنانة التي تريد أن تتصالح مع حبيبها الخائن) على الفقرات العلمية التي تحفز العقل، وترشد الذهن، وتوجه اللب.

الاستخفاف ونظام التفاهة
والأكثر من ذلك، ينقل لنا الفيلم كل أنواع السخرية والازدراء والحط من القيمة التي تعرض لها البطلان في هذا البرنامج، فقد تعامل هذا اللقاء الإعلامي مع مجموعة من الوقائع الصادمة والمعلومات الخطيرة بنوع من الاستهزاء والتهكم والهزل: إهانة الفنانة المبتدئة للدكتور راندل وإذلاله على مرأى الضيوف، احتقار الصَّحَفِيَّيْن للخطاب المهم الذي قدمته البطلة ديبيسكي والذي ينذر بأحداث قادمة مروعة، ثم الاستهزاء من المعلومات المفزعة والتفاصيل المخيفة التي عرضتها في كلمتها المؤثرة، فما كان منها إلا أن غادرت بلاطو البرنامج، وهي تصرخ، احتجاجًا على هذا الاستخفاف الإعلامي بهذا الوضع المصيري الذي يهدد حياة البشر في الكرة الأرضية. أما الجمهور الذي تابع هذا اللقاء التلفازي فقد كان رد فعله - من خلال تعليقاته على شبكات التواصل الاجتماعي - ردًا سطحيًا وتافهًا، ركز فقط على الشكليات، والأمور الهامشية، والمظاهر السطحية التي لا قيمة لها: شكل الدكتور وهيئته - وسامته وجاذبيته - شهوانيته - صراخ البطلة (الطالبة) - غضبها وانصرافها - تصويرها بأنها مثل كائن متوحش (مصاصة الدماء)...إلخ.
يركز الفيلم كذلك على الصورة المشوهة للعملية السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت مدارًا للفضائح والأحداث اللاأخلاقية التي سقط في فخها العديد من السياسيين الأمريكيين. وهذا الموضوع له ارتباط رمزي وإيحائي بالعديد من الفضائح الواقعية التي تفجرت في السياسة الأمريكية، وكان مقرها البيت الأبيض: علاقة جون كينيدي ومارلين مونرو، فضيحة بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي، دونالد ترامب وقضايا التحرش الجنسي...إلخ.  أضف إلى ذلك طبيعة تعامل الصحافة والإعلام مع هذه الفضائح من خلال التسابق على التغطية التفصيلية لمواضيع التعصب والعنف والإثارة الحسية، والتركيز على العناوين التي تحرك الغرائز الجنسية والميول العدوانية بين أفراد المجتمع والنظام السياسي.
وقد كان اعتراف الصحفية (كات بلونشيت)، مقدمة البرنامج التلفزيوني لعشيقها الدكتور راندل بأنها سبق أن مارست الحب مع رئيسين أمريكيين سابقين، تلميحًا ذكيًا من المخرج للفساد الأخلاقي الذي ما فتئ يتلازم ويتكرر مع روّاد البيت الأبيض كل مرة، فكثيرًا ما طُبِعَت السياسة الأمريكية بكثير من الزلات التي شوهت سمعة العديد من السياسيين. هذا المشهد رمز فني بارع لبعض الفضائح الواقعية التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية في أنظمتها السياسية التي توالت على الحكم، وقد أشرنا إلى أمثلة لذلك في الفقرة السابقة.
 مثلث هذه الفضائح نقطة تأثير في الفيلم، وسلطة فاعلة في مسار الأحداث، فعلى إثر توالي الضغوط الانتخابية وتسرب الفضائح الأخلاقية في الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي اضطرت الرئيسة الأمريكية إلى قبول مطلب البطلين، وسلمت أخيرًا بصدق نبوءتهما، وخضعت لمنطق النصائح العلمية التي تلقتها منهما، والتي تعززت بآراء الخبراء في وكالة ناسا الأمريكية، وتوقعات العلماء في باقي المعاهد العلمية الكبرى.

الهوس بأسطورة السوبرمان
 يلمح الفيلم أيضًا عبر تقنية الحوار التشخيصي، إلى بعض الأفكار النمطية التي جسدتها هوليوود منذ انطلاقتها، وما زالت ترسخها في أفلامها الحالية. إنها فكرة البطل الخارق (السوبرمان superman) المستقاة من فلسفة القوة عند نيتشه، أو فكرة المنقذ (الأمريكي بالضرورة) الذي يتكفل بحماية العالم وإلحاق الضرر والخراب بالأعداء (أعداء الولايات المتحدة الأمريكية). ففي أحد المشاهد نستمع إلى الحوار التالي: «تصر واشنطن دائمًا على وجود بطل»، وهي جملة صرح بها خبير الوكالة الدولية للفضاء «ناسا»، لتفسير اقتراح الرئيسة الأمريكية بضرورة خلق بطل hero خارق، يكلف بمهمة تدمير هذا المذنب الفضائي الذي يهدد الأرض. إنه الهوس الأمريكي بفكرة الملاحم والبطولات الخارقة التي تتيح للشخص الأمريكي التعبير عن نفسه كقائد موجه للعالم، ومخطط ذكي لتدبير شؤون الكون، ومقاتل خارق يتقمص دور التدخل والإنقاذ والحماية للبشرية جمعاء.
 يتابع الفيلم - في العديد من مشاهده ولقطاته - الحضور القوي لمنصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، تيك توك...إلخ) ودورها في متابعة الفضائح، والتشهير بالتفاصيل، وتعقب الحياة الشخصية، وتشويه السمعة، وإشهار التفاهة، وتصدير الغباوة، وترويج المادة، وصناعة الرأي العام، وتسليع القيم، وتنميط الأذواق، ومحاربة الأخلاق... والفيلم ينقل لنا هذه العلاقة من خلال توظيف المصور لعدسة الكاميرا واستثمار تقنياتها - عمقها وبؤرها وزواياها - من أجل القبض على بعض الصور والمقاطع والفيديوهات المقتطفة من هذه الشبكة العالمية، في لقطات اكليشيهية متتابعة، تركز على جزئيات الخبر وتفاصيل الصورة.
من الخصائص الفنية التي حضرت بقوة في هذا العمل السينمائي، خلط الجد بالهزل، فبينما المشاهد متسمر في مكانه، ومتشوق لمعرفة مصير هذا التدخل العسكري الذي يحاول كبح خطر كبير يهدد حياة البشرية، إذ بالمخرج يرفق هذا الحدث الجليل بمشاهد من الدعابة والهزل والفكاهة، سواء عن طريق بعض الكلمات والمفردات: المبتذلة/السوقية/التهريجية/الساخرة في بعض اللقطات، أو عن طريق بعض الصور الإباحية والأشكال المضحكة والهيئات الطريفة في لقطات أخرى. إذًا، فشخصيات الفيلم تتعامل باستهتار واستهزاء في العديد من اللحظات الحساسة التي تتطلب نوعًا من الرصانة والحكمة والانضباط، وهذا ما يكشف لنا طابع الفيلم القائم على الكوميديا الساخرة التي تقدم الواقع المتأزم في صور هزلية، وتصور المجتمع الحائر في سلوكاته المضحكة، اللامسؤولة وغير المتوقعة، وبخاصة أنها صادرة من شخصيات مشهورة ومرموقة، لها قيمة عليا في المجتمع. إنها حيلة فنية استهدفت معالجة قضايا مصيرية، هادفة في المجتمع، بأسلوب ساخر منتقص لقيمتها، ومحطم لصنميتها المثلى التي اعتادها المشاهد في واقعه الحقيقي.
 وحجم هذا الاستهتار يتضح بشكل جليّ في الاجتماع الطارئ الذي أقامته الرئيسة لتبرير سبب إلغاء البعثة العسكرية المتجهة إلى الفضاء بهدف تحطيم المذنب، حيث اتضح أن السبب الرئيسي في هذا التراجع هو الجشع الرأسمالي لرئيسة الدولة وشريكها (مدير شركة الهاتف المحمول)، اللذين أغرتهما المعادن النفيسة التي يحملها هذا المذنب، والتي يمكن استثمارها في تطوير صناعة الهواتف النقالة، المدرة لأرباح كبيرة، وأفراح كثيرة. إن المعادن النفيسة، التي تستخرج من هذه الأحجار الفضائية، أعمت بصيرة السياسيين بسبب النهم والشره، ليتركوا كوكب الأرض معرضًا لخطر حقيقي يهدد بفناء الجميع وخراب شنيع .وهذا المشهد من المشاهد الكثيرة التي أماطت اللثام - بأسلوب ساخر - على حجم التقصير واللامبالاة، وسط النظم السياسية الدولية في تعاملها مع مواضيع جوهرية وحساسة، لها علاقة بالبيئة أو المناخ أو السلم الاجتماعي...إلخ.
 واجهت البطلة هذا المخطط بالرفض والنضال والفضح والبوح: النضال ضد هذه القوى الرأسمالية الجشعة، وفضح المخططات المستورة التي تخفيها، والبوح بالسر الخطير لجميع أفراد الشعب (نموذج للمثقفة المناضلة). بينما اختار البطل (راندل) الانسياق مع الخدع والأكاذيب التي روجتها هذه القوى الرأسمالية مقابل الترقية الطبقية، والترف المادي، والغنى المالي. إنه نموذج للمثقف الوصولي والانتهازي الذي توظفه الدولة في خدمة أجنداتها، مقابل إغرائه بالهدايا والعطاء والنعم التي تكبح حس المعارضة فيه، وتعطل مبدأ النضال في وعيه وفكره وسلوكه. غير أن انفجار «راندل» في إحدى حلقات البرنامج التلفزيوني، وتحذيره للناس على الملأ من خطورة هذا المذنب الذي يهدد حياة كل البشر في العالم، مثل تحولًا جذريًا في مواقفه، وصحوة عاجلة للضمير الذي غيب من طرف الأنظمة السياسية، وحجب بتوجيه من القوى الرأسمالية، وشوّه عن طريق الوسائط الإعلامية. إنها صحوة - وإن كانت متأخرة - ساهمت في تغيير آراء الناس، وتعديل اعتقاداتهم، وتقويم سلوكهم، وتصحيح أفكارهم حول الواقعة المستقبلية الصادمة.
 وكان لهذا التجاذب العميق والصراع المعيق آثاره في تصادم المواقف واختلاف التوجهات والأيديولوجيات. حيث قام جدال سياسي وثيق، ونقاش فكري دقيق، بين أنصار البطلين - من جهة - الذين يؤمنون بالحقائق العلمية، وبوجود هذا المذنّب الخطير وتهديده للكرة الأرضية، وبين أنصار الرئيسة (النظام السياسي) - من جهة ثانية - التي تتهم البطلين بتصدير الأكاذيب والأوهام والترهات للناس البسطاء. إنه جدال شبيه بحملة سياسية بين قوتين متعارضتين متنافستين.
 وقد أشعل الإعلام لهيب هذا الصراع، وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج هذا الخلاف، عبر استعراض تعليقات الناس وآرائهم وردود أفعالهم حول هذا الموضوع، وذلك في مختلف المنصات الرقمية، وشبكات التواصل السبرنيطيقية. إن تعليقات الجماهير في صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية، هي تعليقات تافهة وساخرة وغير مبالية بطبيعة الخطر الذي يهدد البشرية. وعلى الرغم من حساسية الموضوع، إلا أن العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، قابلوه بنوع من البرودة واللامسؤولية وعدم الاكتراث، والأكثر من ذلك استهزؤوا بطبيعة هذه الأخبار العلمية، وقلّلوا من شأنها.
 إذًا، فالفيلم يعلمنا بأسلوبه الفني الساخرـ بالانحطاط الذي وصل إليه الإعلام الدولي، وبالمستوى الهابط الذي انحدرت إليه الصحافة العالمية، وبمستنقع الرداءة الذي آل إليه عالمنا الافتراضي، فلا هم لهذه المنابر سوى النهش في أعراض الناس، وتتبع الفضائح، وتعقب الأخبار التافهة، والتشهير بالمواضيع المثيرة التي تجلب أكبر قدر من المشاهدات، بغض النظر عن قيمتها الرديئة والساقطة، وتسويقها لقيم سلبية، وأخلاق شاذة في الحياة: الكذب، الغش، التدليس، المغالطة، الإشاعة، الجهل، الغباوة...إلخ.
 حاولت الرئيسة الأمريكية ترويج هذه الشائعات وتهييج هذه الصفحات، وتتويج هذه المنصات، محرضة إياهم على تحقير خطاب الدكتور وطالبته، وضرب اقتراحاتهما، وتشويه أفكارهما، ومحاربة وجهة نظرهما. فجملة «لا تنظروا إلى السماء» اتخذتها الرئيسة - والسياسيين الموالين لها - شعارًا أساسيًا في حملتها الانتخابية، إيحاء برفضها لمخطط الدكتور وصديقته، وتسفيهها لمعارفهما العلمية، وتكذيبها لتهديداتهما المفتراة (حسب وجهة نظرها). وعبارة «لا تنظروا» فيها نهي للجماهير، بعدم تصديق أطروحة البطلين التي تنذرهم باقتراب مذنب فضائي من كوكب الأرض، مهددًا إياهم بالفناء، ومتوعدًا بالعناء، ومزعزعًا للهناء.
 في النهاية، وبعد محاولات حثيثة من الزعماء الأمريكيين للقضاء على هذا المذنب الخطير، تعرضت بعثة الرئيسة الأمريكية إلى الفضاء للفشل والانهيار. وسبب هذا الفشل هو الاستخفاف الكبير الذي لاقته هذه العملية، وانعدام الخبرة والذكاء والحنكة في التعامل مع أخطار كهذه. أما عن أهم العوامل الرئيسية التي تسببت في خيبة أملهم من هذه الرحلة فمنها الاستهانة بالأمر، والتهاون في أداء الواجب، وعدم أخذهم الموضوع على محمل الجد، وتكذيبهم الدكتور راندل وطالبته في تحذيراتهما السابقة، المتكررة والمتوعدة.
 وقد اختار المخرج آدم مكاي نهاية فانتازية - درامية للفيلم، رصدت الاختلال الذي أصاب الكون عقب الاصطدام القوي للمذنب مع الكرة الأرضية، حيث العدسة المتنقلة من مشهد إلى مشهد ومن لقطة إلى لقطة ومن مكان إلى مكان ومن موضوع إلى موضوع ومن شخصية إلى أخرى...إلخ، بطريقة فنية غنية بالمجاز والتخييل والإيحاء السينمائي، وبأسلوب تصويري مبهر في ألوانه وصوره وتشكيله وأشكاله وديكوراته. وكل ذلك لنقل هذا الواقع الشمولي الذي تأثر بالصدمة الفضائية، أو لنقل الانهيار الكوني الذي عرفته كل بقاع الأرض بعد هذا الحدث المأساوي، والذي ستتضرر منه كل المخلوقات الموجودة على سطح البسيطة. لذا، كانت الكاميرا تنقل لنا وجوه العديد من الشخصيات الإنسانية التي تنتمي إلى أجناس مختلفة، وثقافات متعددة، وتركز أيضًا على الحيوانات المتميزة والكثيرة، والنباتات المتنوعة والكثيفة، إضافة إلى كل عناصر الطبيعة الأخرى (جبال - غابات - أشجار - عشب - بحار - أنهار...إلخ) التي ستتضرر بشكل كبير جراء هذا التصادم الخطير .
إذا انتقلنا إلى المستوى التشخيصي لهذا العمل، فإننا نصادف تجربة جديدة للممثل العالمي ليوناردو دي كابريو الذي لطالما تعودنا على أدواره الدرامية والرومانسية، ليشكل فيلمه هذا نقلة نوعية في مسيرته الفنية، مرتديًا فيه ثوب التشخيص الفكاهي، والأداء الهزلي، والتجسيد القائم على الكوميديا السوداء التي تفضح المجتمع وتعري فساد أنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية...إلخ، كما أن الفيلم انعكاس مباشر لعلاقة النجم ليوناردو بالطبيعة، وارتباطه بالمجال الحيوي الذي تزخر به الأرض، فدي كابريو مشهور كثيرًا باهتمامه بالبيئة والمناخ، وسعيه الدائم - في العديد من المؤتمرات العالمية - لحماية الطبيعة الإنسانية، ومختلف عناصرها ومكوناتها: النباتات، الحيوانات، البحار، الأنهار، الغابات، الثروات الطبيعية، الأسماك، الطيور...إلخ. إضافة إلى عمله الدائم بجد واستمرار، وسعي وجيه من أجل الحفاظ على هذه الكنوز الثمينة التي يزخر بها كوكبنا، والتي تسهم في خلق التوازن البيئي، والتناسب الطبيعي والاعتدال المناخي، ومعلوم أن هذا النجم العالمي ذي الأصول الإيطالية يدعم العديد من الجمعيات البيئية، ويؤثر بشكل فعال في أنشطتها، ويتبرع بالعديد من المساهمات من أجل الحفاظ على هذا التميز الطبيعي:
سنة 1998: قدّم ليوناردو دي كابريو ووالدته مبلغ 35000 دولار من أجل تأسيس جمعية تدافع عن البيئة وتعيد بناء مكتبة دُمّرت بفعل حادثة مناخية.
ـ سنة 2007: حضر حفل The American Leg of Life Earth الهادف إلى تعزيز الدفاع عن البيئة، وفي العام نفسه عُرض على الشاشات الوثائقي الذي كتبه وأخرجهThe 11th Hour، والذي يدور حول مشكلة الاحترار العالمي.
ـ سنة 2008: منح 400 ألف دولار لحملة باراك أوباما الرئاسية، لأنّ برنامجه الانتخابي وعد «بجعل الولايات المتحدة الأميركية رائدة في محاربة التبدّل المناخي». كذلك، اشترى الممثل، بقيمة 1.3 مليون يورو، جزيرة Blackadore Caye في «بيليز» حيث يأمل إنشاء مساكن بيئية مترفة لاستقبال السيّاح مع مدرج لهبوط الطائرات الخاصة وغيرها من المشاريع بمبلغ قيمته 25 مليون يورو. وقد أثار هذا المشروع اهتمام منظمات بيئية محلية.
 سنة 2012 : قدّم الممثل مبلغ مليون دولار لجمعية كلينتون - بوش من أجل هاييتي وضحايا الهزة الأرضية. يقود سيارة بيئية وقد جهّز منزله بالألواح الشمسية الضوئية.
على مستوى الموسيقى التصويرية للفيلم، نستمع إلى الكلمات الآتية في الأغنية التي أدتها الفنانة الأمريكية ذات الأصول الإيطالية أريانا غراندي رفقة المغني والممثل الأمريكي كيد كودي: «عليكم التوقف عن تجاهل المشكلات... استمعوا إلى العلماء المؤهلين... احتفلوا أو ابكوا أو صلوا... لأن الغد قد لا يأتي... انظروا إلى السماء... توقفوا عن الاستماع إلى هراء الأخبار... لأنكم على وشك أن تموتوا قريبًا، جميعًا...». ويلاحظ أن كلمات الأغنية لها صلة وثيقة بسياق القصة الفيلمية، وترتبط كثيرًا بتفاصيله وتشعباته وتقلباته، فالأغنية كتبت في إطار ترويج الخطاب العلمي الذي قاده البطلان ضد الحملة التسفيهية التي وجهتها الرئيسة الأمريكية، والتي استهدفت من خلالها ضرب عصفورين بحجر واحد: التشهير بصورتها الانتخابية من جهة، وتوسيع مساحة الأطماع المادية التي كانت تخطط لها رفقة معاونيها، من أجل استثمار أحجار المذنب في زيادة الرأسمال الثمين.

خطاب علمي إيجابي
 وقد كان لهذا الخطاب العلمي أثر إيجابي على ردود أفعال الجماهير التي آثرت الإيمان بالقول العلمي، بدلًا من تصديق القيل السياسي والشعبي، فتضاعفت بذلك أعداد الجماهير التي دعمت حملة الدكتور راندل وطالبته ديبيسكي ضد سفاهة السياسيين الأمريكيين، وذلك لإعلاء صوت العلم والعقل في مواجهة الجهل واللامبالاة.
 كذلك نستمع إلى نغمات وألحان ألفها الموسيقي نيكولاس بريتيل تتماهى مع التطور الرقمي، والثورة التكنولوجية والعلمية التي شهدها العالم، حيث نستمع إلى نقر بآلات رقمية، ودوي، متصاعد أحيانًا ومنخفض أحيانا أخرى، بواسطة آلة البيانو، وهي رنات تحاكي العالم الرقمي المتطور، وما عرفه من ثورة أطلت على العالم الافتراضي الذكي من جهة، والعالم الواقعي الفضائي من جهة أخرى، فحدود العلم لم تعد محصورة في عالمنا الذي نعيشه، بل امتدت إلى البحث عن عوالم أخرى للحياة في الفضاء الخارجي، كما استعانت بمختلف الوسائط الذكية التي ستسهم في نقل المجتمع من العالم الواقعي المادي الملموس إلى عالم افتراضي رقمي ميتافيزيقي Metaverse.
أما فيما يخص التصوير، فقد جاءت الكاميرا مهتزة ومتحركة حينما التقطت العدسة الفضاء واندماج الآليات الفضائية مع المذنب من أجل تدميره. وهذا الاهتزاز له ارتباط بالعلاقة المتوترة والمضطربة - في الفيلم - بين البطلين المدافعين عن الحقائق العلمية اليقينية من جهة، وبين السياسيين الذين استخفوا بهما واحتقروا أفكارهما وقللوا من نظرياتهما من جهة ثانية. أما عن اللقطات، فقد هيمنت اللقطات المقربة والمتوسطة، نظرًا للدور التشخيصي الذي تؤديه ثلة من النجوم، ونظرًا لدور الحوار في الفيلم، كونه يميط اللثام عن حقائق علمية مثيرة، ويكشف عن السلوك المستهتر للطبقة الحاكمة تجاه هذا الخطاب العلمي، لذا كان لزامًا على المخرج تقريب عدسة الكاميرا إلى الشخصيات والتركيز على ملامحهم ومزاجهم وردود أفعالهم ومواقفهم:
 - أهل العلم (الدكتور وطالبته): الخوف، الصدمة، البحث، التصديق والإيمان بالعلم. 
- أهل السياسة (الرئيسة وأنصارها): السخرية، الاستهزاء، الاحتقار، التسفيه والتتفيه.
 هذا، ويبقى أن نشير في الختام، إلى أن فيلم «لا تنظر إلى الأعلى» من أبرز الأعمال السينمائية العالمية لهذه السنة، نظرًا لحجم الجدل والنقاش الذي أثاره في الأوساط النقدية السينمائية أو غير السينمائية، ونظرًا لمستواه الفني المميز وأسلوبه النقدي الساخر في معالجة العديد من القضايا المهمة في عصرنا الراهن، المرتبطة بمجالات متعددة: البيئة، العلم، السياسة، المجتمع، الثقافة، الاقتصاد... إلخ، ونظرًا لقيمة النجوم السينمائيين الحاضرين فيه والذين أضافوا الكثير بمواقفهم التشخيصية البارعة وأدوارهم الجديدة والمركبة. 
ولا عجب أن يرشح هذا العمل السينمائي للعديد من الجوائز العالمية:
 - لجوائز الأوسكار في فئة: أفضل فيلم، أفضل موسيقى تصويرية، أفضل صوت، أفضل سيناريو أصلي.
 - لجوائز البافتا: أفضل فيلم، أفضل ممثل رئيسي، أفضل ممثلة رئيسية، أفضل ممثل ثانوي، أفضل ممثلة ثانوية.
-  لجوائز الجولدن كلوب: أفضل فيلم موسيقي أو كوميدي - أفضل ممثل في فيلم موسيقي أو كوميدي.
 - الترشيح لجوائز النقاد الأمريكيين ■