صناعة الكتاب العربي مهددة بالفناء

صناعة الكتاب العربي مهددة بالفناء

هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬يوم‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬فيه‭ ‬الكتاب‭ ‬العربي‭ ‬بالمكتبات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الأرصفة؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستحكم‭ ‬أزمة‭ ‬النشر‭ ‬وتتراكم‭ ‬مشاكل‭ ‬الكتاب‭ ‬العربي‭ ‬حتى‭ ‬يموت‭ ‬مختنقًا‭ ‬هل‭ ‬تواصل‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العربية‭ ‬مسلسل‭ ‬الإفلاس‭ ‬حتى‭ ‬تحين‭ ‬لحظة‭ ‬الإغلاق،‭ ‬وهل‭ ‬تأتي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬رعب‭ ‬المثقفين‭ ‬والمفكرين،‭ ‬بل‭ ‬تهدد‭ ‬استنارة‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬بأكمله؟

أسئلة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التشاؤم،‭ ‬لكن‭ ‬الأزمة‭ ‬المستحكمة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬حركة‭ ‬النشر‭ ‬العربية‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬فلولا‭ ‬الجهود‭ ‬الحكومية‭ ‬وأنشطة‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬لتباطأت‭ ‬حركة‭ ‬الكتاب‭ ‬العربي‭ ‬لدرجة‭ ‬الخفوت،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬تعانيه‭ ‬سوق‭ ‬النشر‭ ‬لندرك‭ ‬حجم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهه،‭ ‬وهي‭ ‬تحديات‭ ‬داخلية،‭ ‬وأخرى‭ ‬خارجية‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬دفعها‭. ‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬أولًا‭ ‬بأن‭ ‬مجموع‭ ‬ما‭ ‬تنتجه‭ ‬كل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬تنتجه‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية‭ ‬واحدة،‭ ‬إسبانيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬فيها‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬كتاب‭ ‬ومجلة،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كله‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬كتاب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التقريب،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬لدينا‭ ‬أرقام‭ ‬دقيقة،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬تقرير‭ ‬مؤسسة‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬معلومات‭ ‬مخيفة‭ ‬عند‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬مستوى‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والدول‭ ‬العربية،‭ ‬فالقارئ‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬يخصص‭ ‬200‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬وقته‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬للقراءة،‭ ‬بينما‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬6‭ ‬دقائق‭ ‬سنويًا،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬عندما‭ ‬يرتفع‭ ‬سعر‭ ‬الكتاب‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬إعداده،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬تداعيات‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام،‭ ‬ولا‭ ‬ماذا‭ ‬سينتج‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فالعالم‭ ‬العربي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬كل‭ ‬مستلزمات‭ ‬الطباعة‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬آلات‭ ‬وأوراق‭ ‬وأحبار‭ ‬ومواد‭ ‬كيميائية،‭ ‬وكلها‭ ‬عرضة‭ ‬لاهتزازات‭ ‬السوق‭ ‬العالمي‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعارها‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬العبء‭ ‬والكتاب‭ ‬العربي‭ ‬يتيم،‭ ‬تمويله‭ ‬الوحيد‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬القراء،‭ ‬وهم‭ ‬قلة‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الإحصائيات،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬سلاسل‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬تتكلف‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬وتنتظر‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬مزاج‭ ‬القارئ‭ ‬حتى‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تسديد‭ ‬هذه‭ ‬الكلفة،‭ ‬وحركة‭ ‬الكتاب‭ ‬بطبيعتها‭ ‬بطيئة‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬بمردودها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬طويل،‭ ‬وهذا‭ ‬ينعكس‭ ‬بالسلب‭ ‬على‭ ‬كفاءة‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العناوين،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬يتم‭ ‬احتضان‭ ‬الكتاب‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬مولده‭ ‬من‭ ‬سلاسل‭ ‬المكتبات‭ ‬العامة‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬حتى‭ ‬الجامعات،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬الكتاب‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬القرّاء‭ ‬الأفراد،‭ ‬وهم‭ ‬كثيرون،‭ ‬بل‭ ‬تدعمه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭. ‬

 

حوار‭ ‬المؤلف‭ ‬والبائع

فوق‭ ‬أرصفة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬العربية‭ ‬تتراص‭ ‬عشرات‭ ‬الكتب،‭ ‬مؤلفات‭ ‬عربية‭ ‬وأخرى‭ ‬مترجمة،‭ ‬أغلفة‭ ‬براقة‭ ‬ولامعة،‭ ‬تثير‭ ‬الدهشة‭ ‬أنها‭ ‬تركت‭ ‬مكانها‭ ‬فوق‭ ‬أرفف‭ ‬المكتبات‭ ‬لتستوطن‭ ‬الأرصفة‭ ‬دون‭ ‬سعر‭ ‬محدد،‭ ‬بل‭ ‬يترك‭ ‬الأمر‭ ‬لمهارة‭ ‬المساومة‭ ‬بين‭ ‬البائع‭ ‬والزبون‭. ‬يحكي‭ ‬لي‭ ‬صديق،‭ ‬وهو‭ ‬مؤلف‭ ‬وروائي،‭ ‬أنه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬يتوزع‭ ‬عليه‭ ‬باعة‭ ‬الكتب،‭ ‬رأى‭ ‬كتابًا‭ ‬له‭ ‬صدر‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬موجودًا‭ ‬لدى‭ ‬أحد‭ ‬الباعة،‭ ‬وعندما‭ ‬سأله‭: ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬تزييف‭ ‬الكتاب‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة؟‭ ‬أقسم‭ ‬البائع‭ ‬بأن‭ ‬الكتاب‭ ‬أصلي‭!  ‬ومصداقًا‭ ‬لكلامه‭ ‬فض‭ ‬الغلاف‭ ‬البلاستيكي‭ ‬من‭ ‬عليه‭ ‬ليفحصه‭ ‬بنفسه،‭ ‬ويعترف‭ ‬صديقي‭ ‬بأن‭ ‬التزوير‭ ‬كان‭ ‬متقنًا‭ ‬لدرجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لأن‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الطباعة‭ ‬الحديثة‭ ‬قد‭ ‬ساعدت‭ ‬هؤلاء‭ ‬المزورين‭ ‬على‭ ‬إتقان‭ ‬عملهم‭.‬

جادل‭ ‬صديقي‭ ‬البائع‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬أصليًا‭ ‬كما‭ ‬تقول،‭ ‬فلماذا‭ ‬تبيعه‭ ‬بهذا‭ ‬السعر‭ ‬المنخفض؟‭ ‬رد‭ ‬البائع‭ ‬بصوت‭ ‬مقنع‭ ‬بأنه‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬خدمة‭ ‬للثقافة‭!  ‬لكن‭ ‬صديقي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيهدم‭ ‬الثقافة‭ ‬وسيدمّر‭ ‬أهم‭ ‬إنجازاتها‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب،‭ ‬فتزوير‭ ‬الكتب‭ ‬هو‭ ‬السرطان‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬حلًا،‭ ‬يسطو‭ ‬المزور‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬المطبوع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬سوى‭ ‬تكلفة‭ ‬الورق،‭ ‬لا‭ ‬يدفع‭ ‬ثمن‭ ‬الإعداد‭ ‬والتدقيق‭ ‬اللغوي،‭ ‬ولا‭ ‬تكلفة‭ ‬رسم‭ ‬الغلاف‭ ‬أو‭ ‬الرسوم‭ ‬الداخلية،‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬المؤلف‭ ‬أو‭ ‬دار‭ ‬النشر،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الضرائب‭ ‬المفروضة‭ ‬للدولة،‭ ‬ويصيب‭ ‬الكتاب‭ ‬الأصلي‭ ‬بالكساد‭.‬

 

تبييض‭ ‬الأموال

لقد‭ ‬دخلت‭ ‬صناعة‭ ‬الكتاب‭ ‬المنسوخة‭ ‬والمزورة‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬الاحتيال‭ ‬وأصبحت‭ ‬وسيلة‭ ‬لغسل‭ ‬الأموال‭ ‬القذرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دهاليز‭ ‬ملتوية‭ ‬تتضمن‭ ‬مثلًا‭ ‬وضع‭ ‬أسعار‭ ‬بأرقام‭ ‬مضخمة‭ ‬لكتب‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬حقيقية‭ ‬لها،‭ ‬ويتم‭ ‬تحريك‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬المسارات‭ ‬الرقمية‭ ‬لباعة‭ ‬كتب‭ ‬غير‭ ‬حقيقيين‭ ‬لهم‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬تهريب‭ ‬الأموال‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬النشر‭ ‬الذاتي‭ ‬والتي‭ ‬يصعب‭ ‬رصدها‭ ‬جميعًا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬مدخلًا‭ ‬جديدًا‭ ‬لعالم‭ ‬غسيل‭ ‬الأموال‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المعرفة‭ ‬والثقافة‭ ‬منطقة‭ ‬آمنة‭ ‬يوسع‭ ‬فيها‭ ‬نطاق‭ ‬أعماله‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭.‬

 

صناعة‭ ‬مهددة‭ ‬بالفناء

تتفق‭ ‬آراء‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بشأن‭ ‬خطورة‭ ‬ظاهرة‭ ‬الكتب‭ ‬المزورة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدمّر‭ ‬صناعة‭ ‬النشر،‭ ‬فيرى‭ ‬الناشر‭ ‬المهندس‭ ‬إبراهيم‭ ‬المعلم‭ ‬لصحيفة‭ ‬الشروق،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تزوير‭ ‬الكتب‭ ‬يهدد‭ ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بالفناء‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬كلمات‭ ‬أشبه‭ ‬بإنذار‭ ‬قوي،‭ ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬مهددة،‭ ‬وتنذر‭ ‬بإفلاس‭ ‬وإغلاق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭. 

يؤكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الناشرين‭ ‬أن‭ ‬نشر‭ ‬الكتب‭ ‬وتوزيعها‭ ‬ليسا‭ ‬بالكيفية‭ ‬المأمولة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬تعداده‭ ‬على‭ ‬650‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬ورغم‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الهائل،‭ ‬فإن‭ ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬عامًا‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬ومخازن‭ ‬الكتب‭ ‬محشوة‭ ‬بصفوف‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬كعنوان‭ ‬للكساد‭ ‬الشديد،‭ ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والبلدات‭ ‬تغلق‭ ‬المكتبات‭ ‬أبوابها‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬خدمات‭ ‬للهواتف‭ ‬المحمولة،‭ ‬وربما‭ ‬يؤكد‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬سلم‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬لا‭ ‬يتضمن‭ ‬المعرفة،‭ ‬وربما‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬كأمة‭ ‬نحب‭ ‬الكلام‭.‬

يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الناشرين‭ ‬لم‭ ‬يتلقوا‭ ‬هذه‭ ‬الضربات‭ ‬الموجعة‭ ‬دون‭ ‬مقاومة،‭ ‬أحد‭ ‬الناشرين‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هبط‭ ‬متنكرًا‭ ‬للشارع‭ ‬وبدأ‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬المزورة‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مخزن‭ ‬ضخم‭ ‬يضم‭ ‬مئات‭ ‬العناوين‭ ‬المسروقة‭ ‬من‭ ‬داره‭ ‬ومن‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬أخرى،‭ ‬وتطورت‭ ‬الأمور‭ ‬حين‭ ‬اشتبك‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬بالأيدي‭ ‬مع‭ ‬صاحب‭ ‬المخزن‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬اقتياده‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬الشرطة‭. ‬المفاجأة‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يتعدّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬غرامة‭ ‬لا‭ ‬تذكر‭ ‬على‭ ‬المزوّر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬بوجود‭ ‬فراغ‭ ‬قانوني‭ ‬يعالج‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التزوير،‭ ‬أما‭ ‬الناشر‭ ‬المكلوم‭ ‬على‭ ‬تجارته‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬للخسارة‭ ‬فقد‭ ‬وجّه‭ ‬له‭ ‬إنذارًا‭ ‬شديدًا‭ ‬لمحاولته‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬المزوّر‭!‬

 

لجنة‭ ‬حماية‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المحاولات‭ ‬الفردية،‭ ‬فقد‭ ‬بذلت‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجماعي‭ ‬عدة‭ ‬محاولات‭ ‬لمواجهة‭ ‬ظاهرة‭ ‬القرصنة‭ ‬والتزوير،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬شكلت‭ ‬باتحاد‭ ‬الناشرين‭ ‬العرب‭ ‬لجنة‭ ‬لحماية‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية،‭ ‬يقول‭ ‬رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬الناشرين‭ ‬العرب‭ ‬محمد‭ ‬رشاد‭: ‬تتولى‭ ‬اللجنة‭ ‬مهام‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬القرصنة‭ ‬والتزوير‭ ‬وإصدارعُقوبات‭ ‬منها‭ ‬حرمانُ‭ ‬المزوِّر‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬المعارض‭ ‬العربية،‭ ‬وتوقيع‭ ‬غرامة‭ ‬مالية‭ ‬تتضاعف‭ ‬حال‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬التزوير،‭ ‬الحبس‭ ‬عامين‭ ‬وغرامة‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬جنيه،‭ ‬ووضع‭ ‬الشخص‭ ‬المزوِّر‭ ‬والكتاب‭ ‬المزوَّر‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬سوداء‭ ‬لمنع‭ ‬التعامل‭ ‬معهما‭.‬

وأضاف‭ ‬رشاد‭: ‬وحفاظًا‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬المؤلف‭ ‬والناشر،‭ ‬قامت‭ ‬لجنة‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬باتحاد‭ ‬الناشرين‭ ‬التابعة‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بتغريم‭ ‬63‭ ‬موقعًا‭ ‬على‭ ‬النت،‭ ‬منها‭ (‬جوجل،‭ ‬ويوتيوب،‭ ‬وفيس‭ ‬بوك،‭ ‬وغيرها‭) ‬مبلغ‭ ‬63‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي؛‭ ‬لقيامها‭ ‬بتحميل‭ ‬كتب‭ ‬pdf‭ ‬دون‭ ‬إذن‭ ‬أصحابها‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬قد‭ ‬ردعت‭ ‬المزوّرين،‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬الكتب‭ ‬المقرصنة‭ ‬والمزورة‭ ‬تتسلل‭ ‬لمعارض‭ ‬الكتب،‭ ‬وبعض‭ ‬البلدان‭ ‬الضعيفة‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬تقيم‭ ‬معارضها‭ ‬معتمدة‭ ‬بالكامل‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬المزورة‭!‬

 

وداعًا‭ ‬للملكية‭ ‬الفكرية

المشكلة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التزوير‭ ‬أنها‭ ‬تضرب‭ ‬بقوانين‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬فهناك‭ ‬تكلفة‭ ‬لصناعة‭ ‬المُنتج‭ ‬الثقافي،‭ ‬كالكتب‭ ‬والأفلام‭ ‬والأغاني‭ ‬وغيرها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬بفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬تجده‭ ‬منشورًا‭ ‬بالمجان‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ويهدد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬بالإفلاس،‭ ‬ويدّعي‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬نشره‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬المعرفة،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يجوز‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها‭ ‬والإذن‭ ‬منهم؟‭ ‬سؤال‭ ‬مختَلَف‭ ‬حوله،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬أنفقت‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬العمل‭ ‬لن‭ ‬تُوافق‭ ‬أبدًا‭ ‬على‭ ‬إهداره‭ ‬مجانًا،‭ ‬وبذلك‭ ‬يصبح‭ ‬نشره‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬القرصنة،‭ ‬وسيظل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬لإنتاج‭ ‬الأعمال‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬التكلفة‭ ‬عالية،‭ ‬ولا‭ ‬ينفي‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬اختراق‭ ‬قانون‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬وقرصنة‭ ‬المُنتجات‭ ‬الثقافية‭ ‬ونشرها‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬وسائل‭ ‬نشر‭ ‬المنتج‭ ‬الثقافي‭. ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬تظل‭ ‬الأزمة‭ ‬قائمة‭ ‬وبحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬المهدّدة‭ ‬بالإفلاس‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬الأقدمون‭ ‬يؤمنون‭ ‬بحق‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬الحياة،‭ ‬السهول‭ ‬الصالحة‭ ‬للإقامة،‭ ‬العشب‭ ‬المتاح‭ ‬للرعي،‭ ‬الآبار‭ ‬التي‭ ‬تسقي‭ ‬العطشى،‭ ‬إلا‭ ‬الشِّعر‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ينسب‭ ‬دائمًا‭ ‬لقائله‭ ‬ويحاسب‭ ‬مَن‭ ‬يسرق‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬يقتبسه،‭ ‬أي‭ ‬إنهم‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬كانوا‭ ‬يحترمون‭ ‬قانون‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬زمنهم‭ ‬المبكر،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نحترمه‭ ‬نحن؟‭! ‬■