عبدالعزيز حسين مربٍّ ودبلوماسيّ ورجل فكر ودولة
وُلد عبدالعزيز حسين في 26 نوفمبر عام 1920، في بيت يتميز بحب العلم والمعرفة، فقد كان والده حسين عبدالله التركيت شغوفًا بالمعرفة، ملتزمًا بأصول الدين، متابعًا للقراءة وباحثًا عن الجديد، منفتحًا على جميع المواقف، ومستنيرًا في تحليلاته ومتطورًا بمتابعته للمستجدات. وقد لعبت هذه النزعة نحو العلم دورًا مهمًا في حياة الابن الذي وجد البيئة داخل البيت منفتحة تضع العقل عاملًا مؤثرًا في اختياراتها، فكان العقل رفيقه في التحصيل والاعتدال ميزان سلوكه وطغى حسن المعشر على مفرداته، وميّزت الجدية أحاديثه.
في عام 1938 توجه عبدالعزيز حسين مبعوثًا من حكومة الكويت مع صديقيه الشاعر أحمد العدواني ويوسف مشاري البدر، حيث نال الشهادة العالمية في اللغة العربية من الأزهر عام 1943، وعاد إلى الكويت حاملًا الشهادة، متخصصًا في فروع التربية والتعليم، لكن طموحاته دفعته نحو المزيد، ليعود إلى القاهرة عام 1945 حيث اختارته حكومة الكويت مديرًا للمركز الثقافي الكويتي في القاهرة ومشرفًا على شؤون الطلبة الكويتيين المبعوثين للدراسة فيها.
في القاهرة ومجلة البعثة
جاء تواجده في القاهرة منسجمًا مع رغباته في الإبحار بملفات العلم والمعرفة، وتنوعاتها، كانت القاهرة المكان المناسب لتأسيس مجلة أطلق عليها «البعثة» التي يصدرها مركز الكويت الثقافي، وتولى رئاسة تحريرها، ووفرت للطلبة الكويتيين وسيلة لنشر أفكارهم وانطباعاتهم، وكانت من أنجح المطبوعات في تاريخ النشر الكويتي.
في عام 1950التحق بجامعة لندن ليحصل على دبلوم التربية، وشهادة خاصة بالزمالة من نفس الجامعة، حيث أمضى سنتين تخصص في مادة التربية المقارنة.
في عام 1952، اختاره مجلس المعارف المشكل من مجموعة من ذوي الاختصاص والمتابعين للتعليم رئيسًا للقسم الفني في الوزارة، حيث كان الجانب الإداري له رئيس آخر.
انطلق في هذه المأمورية متأثرًا بما تربى عليه في بيت العائلة من انفتاح ومتابعة ومن حصيلة التعليم والإقامة في كل من القاهرة ولندن.
ووضع الأولوية لملفين، أولهما التعليم حيث تنفتح الأبواب لكل المواطنين، والثانية احتضان تعليم المرأة التي كان نصيبها أقل من الرجل في تلك الفترة، ونجح في تحقيقهما.
ظل عبدالعزيز حسين مسؤولًا عن التعليم في الكويت لمدة عشر سنوات، سخر فيها ما اقتبسه من بيت العائلة، وما وقف عليه في مصر وما شاهده في لندن، وصاغ استراتيجية تعليمية كويتية تراعي التراث، وتستجيب لمتطلبات المعرفة، ووفر لهذا النهج دعم وتأييد القيادة الكويتية، ومؤازرة أهلية عامة.
كما أصر على أن يتواصل التعليم في الكويت مع التحولات التي يشهدها العالم فاتسعت الملفات في التدريس وتجاوزت الرياضة واللغة والثقافة إلى المستجدات في تبدلات البيئة وعلوم الجيولوجيا وطبقات الأرض والتنقيب عن الآثار ورصدها والتوجه للاكتشافات في بر الكويت وفي جزرها.
ورغم حداثة هذه الملفات للمجتمع الكويتي فإنه تمكن من إدخال التنوع في مادة التعليم مع الاستجابة لغريزة المعرفة.
كان مديرًا ناجحًا، تمتع بدعم أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم، الذي كان متابعًا لمسيرة التعليم وكسب التأييد الشعبي، والأهم أنه كان دائم الاتصال بسمو الأمير الشيخ عبدالله السالم الذي وجد فيه رجلًا جديرًا بالمهمات التعليمية والثقافية والسياسية، فقد كان أدب الكلام موجودًا، ورجاحة العقل حاضرة دائمًا، وحسن التصرف مع أهل السلطة بارزًا، ملتزمًا بقواعد الاحترام، وظهرت فيه المناقب التي يحتاجها رجال الدولة، لذلك لم يكن محصورًا في أحاديثه مع المسؤولين بملف التعليم فقط وإنما كان طرفًا في كل ما يهم الدولة التي أعلنت استقلالها في يوليو 1961، وسط أفراح طاغية في الداخل، وادعاءات فجّرها رئيس وزراء العراق اللواء عبدالكريم قاسم، مدعيًا تبعية الدولة الفتية للعراق، وتسبب في أزمة غير مسبوقة عربيًا وإقليميًا خلقت جذور التباعد والحذر كما أدت إلى حساسيات بين أعضاء الجامعة العربية، وكان أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم رجلًا حكيمًا مسالمًا ملتزمًا بأمن الوطن واستقلاله مدركًا لمسؤوليته في الحفاظ على قدسية السيادة، وواثقًا من قدرته على تأمين الوطن وصون أمنه وسلامة شعبه، فاختار إغلاق المنافذ لصد العدوان، مستعينًا بدعم بريطانيا لتطويق المخاطر، وانتقى ممر الجامعة العربية طارقًا الباب في طلب العضوية للانضمام إلى التجمع المعبر عن التعاضد والتفاهم العربي، وفي الوقت نفسه اختار الوصول إلى مجلس الأمن الدولي كرادع يوقف التهديدات عبر طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة، التي تضم أعضاء الأسرة العالمية.
دبلوماسيًا وسياسيًا
جاءت ادعاءات العراق صدمة غير متوقعة لأن جميع المؤشرات في العلاقات بين البلدين تؤكد جوانبها الإيجابية، وكانت وفود الكويت في المنظمات العالمية المتخصصة تنسق دائمًا مع الدول العربية لتوحيد المواقف لاسيما مع الوفود العراقية، والأهم أن حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم خلال زيارته إلى بغداد في مايو1958، أثناء العهد الملكي، قاوم بشدة مساعي بريطانيا لإقناعه بالانضمام إلى الاتحاد الهاشمي كدولة مستقلة.
كانت تصورات حكومة العراق آنذاك اعتبار الكويت مصدرًا أساسيًا لتوفير الدعم المالي للاتحاد، كان الشيخ عبدالله السالم حازمًا في إنهاء الحماية البريطانية وإعلان الاستقلال، لذلك حشد كل المؤهلات الكويتية للتصدي لأطماع حكومة عبدالكريم قاسم، وكان الأستاذ عبدالعزيز حسين من أبرز الرجال الذين جندهم لمعركة الاستقلال، وكانت أولى المسؤوليات تكليفه الذهاب إلى الأمم المتحدة في نيويورك لتقديم الطلب للانضمام إلى عضوية المنظمة العالمية، بعد أن أرسل سكرتير حكومة الكويت المرحوم بدر عبدالله الملا طلب الانضمام إلى الهيئة في برقية عاجلة إلى رئيس مجلس الأمن - سفير الإكوادور- كان ذلك في يوم 26 يونيو 1961، مع طلب عقد جلسة عاجلة للنظر في تهديدات العراق وتأثيرها على أمن واستقرار المنطقة، وأبعادها على السلم العالمي، كما قدم العراق شكوى ضد الحشود البريطانية التي استجابت لطلب أمير الكويت في المساعدة للحفاظ على سيادتها.
في 27 يونيو 1961 أعلنت الجمهورية العربية المتحدة موقفها في بيان أصدره الوزير عبدالقادر حاتم - الناطق الرسمي للجمهورية، تطالب القاهرة فيه بسحب القوات البريطانية التي رأت وجودها في الكويت يهدد الأمة العربية، وأن القاهرة تعارض انضمام الكويت للجامعة العربية ولن تؤيد طلبها لعضوية الأمم المتحدة ما بقيت هذه القوات في الكويت.
كان الرئيس جمال عبدالناصر قد بارك استقلال الكويت في برقية وجهها إلى أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم، وذلك قبل نزول القوات البريطانية في الكويت، كما قدم مبعوث الكويت إلى القاهرة الأستاذ عبدالعزيز حسين طلب انضمام الكويت إلى الجامعة في 22 يونيو 1961، قبل إعلان الادعاءات العراقية، وفي الوقت نفسه أرسلت الكويت طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة.
لكن بيان القاهرة الصادر في 27 يونيو المعترض على انضمام الكويت إلى الجامعة العربية ما لم تنسحب القوات البريطانية وضع الكويت في موقف معقد حيث إن أمير الكويت الواعي لضرورات تواجد الدعم العربي المؤثر لصدّ أطماع حكومة العراق وجد في دعم الملك سعود بن عبدالعزيز وإرساله قوات سعودية تبلغ ألف شخص من الجنود والضباط البداية التي تمنحه الاطمئنان، كما تابع الأمير مواقف القاهرة في معارضتها انضمام الكويت إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة لتأمين انسحاب القوات البريطانية.
اختار الأمير الشيخ عبدالله السالم الأستاذ عبدالعزيز حسين ممثلًا للكويت في نيويورك لتأمين نجاح طلب الكويت، لكن الوفد البريطاني لم ينتظر وصول المبعوث الكويتي فتبنى طلب الكويت للانضمام، وساهم في توفير الأجواء لعقد اجتماع لمجلس الأمن لبحث شكوى الكويت، فتم عقد أول اجتماع في الثاني من يوليو 1961، رغم أنه يوم عطلة، إلا أن خطورة الوضع لا تسمح بالتأجيل.
تولى مندوب بريطانيا السير باتريك دين طرح شكوى الكويت مؤكدًا لمجلس الأمن أن بريطانيا تسحب قواتها من الكويت متى أراد الأمير ذلك سعيًا إلى طمأنة القاهرة.
تأجل اجتماع مجلس الأمن إلى يوم الخامس من يوليو 1961، انتظارًا لمشاركة وفد الكويت.
حضر الوفد الكويتي برئاسة الأستاذ عبدالعزيز حسين ومعه مجموعة من المستشارين.
طلب مندوب الكويت الكلمة فاعترض مندوب الاتحاد السوفييتي، على أساس أن الكويت دولة غير معترف بها، لكن المجلس رفض.
أما مندوب العراق «عدنان الباجه جي» فاعترض على طلب الكويت المشاركة وفق المادة 35 من الميثاق، طالبًا الاستماع إليه وفق المادة 39 بصفته الشخصية وليس ممثلًا لدولة، وأنهى رئيس المجلس الجدل بمشاركة عبدالعزيز حسين ممثلًا لدولة وليس بصفة شخصية، كما رفض المجلس طلب مندوب العراق أن يكون أول المتحدثين، وأعطى الكلمة لمندوب الاتحاد السوفييتي الذي هاجم بريطانيا وسلوكها الاستعماري وشهية الغرب إلى النفوذ والتسلط، ولم يتطرق إلى الكويت.
تحدث بعده مندوب الكويت الأستاذ عبدالعزيز حسين. كان الخطاب أنيقًا في صياغته مترفعًا عن الاتهامات، متجاهلًا مندوب العراق، حيث قدم نبذة واضحة عن تاريخ الكويت ونفى وجودها كجزء من الإمبراطورية العثمانية، مشيرًا إلى المراسلات بين حكومة العراق وحكومة الكويت في العهدين الملكي والجمهوري، ودعم الوفود العراقية لانضمام الكويت إلى عدد من الهيئات العالمية مع شرح لدبلوماسية الكويت المستقلة في تأكيد انسحاب بريطانيا مع انتهاء التهديد.
كان الأستاذ عبدالعزيز حسين حريصًا على أدب الخطابة محترمًا مقام المجلس، ولم يرد على استفزازات مندوب العراق، كما لم يتطرق إلى خطاب مندوب الاتحاد السوفييتي.
تحدث مندوب الجمهورية العربية المتحدة عمر لطفي مؤكدًا دعم بلاده لشعب الكويت في تقرير مصيره، وطالب بحل المشكلة وفق مبادئ الأخوة العربية مع معارضة انضمام الكويت دون سحب القوات البريطانية. وتم تأجيل الاجتماع إلى اليوم التالي.
بدأت الجلسة الثالثة بعد ظهر السادس من يوليو 1961 قدم فيها مندوب بريطانيا مشروع قرار يتعهد فيه العراق باستخدام الوسائل السلمية تجاه الكويت، وتعهد بريطانيا بسحب القوات متى قرر حاكم الكويت ذلك، ويدعو جميع الدول إلى احترام استقلال الكويت، مع متابعة مجلس الأمن تطورات الموضوع، لم يشر إلى طلب الكويت للعضوية.
تكلم ممثل الكويت الأستاذ عبدالعزيز حسين، مشيرًا إلى أنه رغم ادعاءات مندوب العراق حول النوايا السلمية للعراق فإن حكومة الكويت أخبرته بتزايد الحشود العراقية وأن الإعلام العراقي مستمر في نقل التهديدات، مؤكدًا أن الكويت لا تثق في نوايا العراق.
انتهت الجلسة الثالثة، وعقد المجلس جلسته الرابعة والأخيرة حول الموضوع يوم الجمعة السابع من يوليو 1961، كانت المفاجأة مشروع قرار من الجمهورية العربية المتحدة يؤكد استقلال الكويت، وسحب القوات البريطانية، وحل سلمي للأزمة عبر الجامعة العربية، والمشروع يركز على سحب القوات البريطانية لأن وجودها لن يحل الأزمة.
كان تعليق مندوب الكويت على مقترح القاهرة بأن الكويت توافق على انسحاب بريطانيا لكن مع التهديدات المستمرة لا يوجد ضمان لاستقلال الكويت، وهذا سبب ضعف المشروع المطروح.
أصبح المجلس أمام مشروعين، البريطاني، ومشروع الجمهورية العربية المتحدة، فطرح رئيس مجلس الأمن الإكوادوري المشروعين على التصويت، مبتدئًا بالمشروع البريطاني، فعارضه مندوب الاتحاد السوفييتي الذي يؤيد المشروع العربي لدعوته إلى انسحاب القوات البريطانية.
ويعلق المندوب البريطاني، بأن المشروع العربي يتجاهل السيادة الكويتية التي تقرر مدى الحاجة للوجود البريطاني.
نال المشروع البريطاني سبعة أصوات، وأسقطه الفيتو الروسي، بينما امتنع عن التصويت وفدا الجمهورية العربية المتحدة وسيلان، وحول التصويت على المشروع العربي، صوت مع المشروع الاتحاد السوفييتي، سيلان والجمهورية العربية المتحدة، وسقط المشروع لأنه لم ينل العدد المطلوب (سبعة أصوات).
انتهى الفصل الأول من مساعي الكويت للانضمام إلى الأمم المتحدة، بقوة الفيتو السوفييتي، لكن السفير البريطاني لخّص مزاج المجلس قائلًا بأن «تهديدات العراق أمر لا يقبله المجلس والمطلوب المتابعة والاجتماع مرة أخرى».
تحدث مندوب الكويت في نهاية الاجتماع معبرًا عن الأسف لأن المجلس لم يتخذ الإجراءات لمعالجة الوضع الذي تسبب في شكوى الكويت، لكن الكويت راضية عن مشاعر الدعم والتأييد التي لمسها الوفد وتأمل أن يواصل المجلس اهتمامه بالوضع.
أعد عبدالعزيز حسين تقريرًا وافيًا عن مداولات المجلس يوم الأحد التاسع من يوليو1961، وأرسله إلى سكرتير الحكومة بدر الملا، تناول فيه مداولات المجلس، واصفًا إياها بالإيجابية لصالح الكويت، متطرقًا إلى المشاورات التي تمت بين وفد الكويت ووفد بريطانيا، أما المشروع العربي فقد اعترض عليه مندوب الكويت لعدم ضمانه استقلال الكويت وسلامة حدودها، فكان رد السفير المصري «عمر لطفي» أن المشروع أملِي عليه من القاهرة، كما ذكر مندوب الكويت أن مندوب الاتحاد السوفييتي رفض اللقاء معه رغم تعدد المحاولات.
ويتطرق مندوب الكويت إلى إيجابية التشاور مع وفد بريطانيا التي
تقبل أي خطوة تصون استقلال الكويت، وهنا يثير المندوب لأول مرة، حيث يسجل بأنه بحث مع السفير البريطاني موضوع تقبل قوة دولية عربية تحل مكان قوات بريطانيا، فوافق على الفكرة على أن يوافق عليها حاكم الكويت والمسؤولون في لندن، كما أفاد بأنه اقترح إشراك الجامعة العربية في حل المشكلة فوافق السفير البريطاني على ذلك، وتحدث مع مندوب الجمهورية العربية المتحدة عمر لطفي، واتضح أنه لا يملك حرية التصرف، كما أن القاهرة مهتمة بوجود القوات البريطانية أكثر من اهتمامها بالتهديدات العراقية، وأنها لا تعتبرها جدية، مع التأكيد على استقلال الكويت في نطاق الأسرة العربية، مشيرًا إلى تأييدها الوحدة ورفضها مبدأ الضم، وهنا يقترح أن يتواجد مندوب للكويت في القاهرة يتمتع بالكفاءة، ويتابع مع الجامعة العربية ومع القاهرة.
كما يتحدث في التقرير عن التعاون الذي تم بينه وبين مكتب الجامعة العربية في نيويورك الذي دعا الوفود العربية إلى اجتماع بما فيها الوفد العراقي لتدارس موضوع إحلال قوة عربية محل القوات البريطانية.
وفي حديثه مع داغ همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة، يرى الأمين العام أنه بالإمكان إرسال قوات دولية تحل مكان بريطانيا، والخطوة الأولى أن تقدم الكويت أو أية دولة مؤيدة الطلب إلى مجلس الأمن، كما يرى أن وجود ممثلين من هيئة الأمم يسهل المشكلة ويمنع العدوان، وينصح الأستاذ عبدالعزيز حسين بأن تتم دراسة طلب تواجد الأمم المتحدة في الكويت مع مختلف الدول العربية، وهنا يواصل عبدالعزيز حسين التعبير عن رأيه بأن تواجد القوات البريطانية هو السبب في عدم وصول مجلس الأمن إلى قرار، وينصح بقوة بالبحث عن بديل للوجود البريطاني، ويرى أن مشاركة الجامعة العربية أضمن سبيل لنيل دعم القاهرة والكتلة الاشتراكية.
ومن هذا التقرير تبرز الملامح التي تتشكل منها الحلول الممكنة، حيث وقف المبعوث الكويتي على الحقائق التي توجد في صياغة أي مشروع ممكن لأزمة الكويت.
قدم السفير عبدالعزيز حسين طلب انضمام الكويت للجامعة العربية في لقائه مع الأمين العام المساعد الدكتور سيد نوفل في 22 يونيو 1961، كان ذلك قبل ادعاءات العراق. وقد شعر من خلال اتصالاته في القاهرة قبل ترؤسه وفد الكويت إلى الأمم المتحدة، بأن المخرج المأمول قد توفره الجامعة العربية.
كانت بداية انشغال الجامعة بالأزمة مع سفر الأمين العام للجامعة العربية السيد عبدالخالق حسونة إلى الكويت ولقائه مع أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم، الذي كان حريصًا على وجود ترتيبات تشكل عائقًا لطموحات حاكم العراق، ولن يتقبل إجراءات لا تسهم في طمأنة الكويت.
بعد عودة عبدالعزيز حسين إلى الكويت اختاره الشيخ عبدالله السالم مبعوثًا إلى الجامعة العربية، لمتابعة ما كان يتصوره الحل المناسب للأزمة، بعد أن ظهرت استحالة عضوية الكويت في الجامعة وفي الأمم المتحدة دون سحب القوات البريطانية.
معركته الوطنية في الجامعة العربية
كان اختيار الأستاذ عبدالعزيز حسين ممثلًا للكويت لدى الجامعة العربية مبعث اطمئنان لما يملكه من مؤهلات واتصالات وفهم للدبلوماسية المصرية، وما لديه من قدرة على التفاهم معها، كل هذه العناصر توفر الأمل الذي يتوقعه الشعب الكويتي من دعم عربي في أزمته غير المسبوقة.
عاش الأستاذ عبدالعزيز في القاهرة لمدة عشر سنوات طالبًا ومسؤولًا، بنى فيها شبكة قوية من الاتصالات، متعددة الاهتمامات في السياسة والثقافة والإعلام والفنون والتعليم، وتابع تطورات الحكم في القاهرة، ولكونه صاحب ميول عروبية فإنه وجد في أولويات الثورة المصرية بتجنيد الطاقات العربية لصالح الأمة العربية انسجامًا وتناغمًا مع قناعاته، الأمر الذي سهل له ثقة القيادة المصرية في توجهاته.
كانت المملكة العربية السعودية حريصة على تسهيل انضمام الكويت إلى الجامعة العربية، وعلى تسهيل العقبات، وقد تمثل هذا الحرص في تواصل الملك سعود بن عبدالعزيز مع الرئيس جمال عبدالناصر لتجاوز الأزمة بقبول عضوية الكويت دون تأخير لأن تلك الخطوة تدعمها القوى العربية والعالمية وتضعف موقف العراق.
في الحادي عشر من يوليو1961استقبل الرئيس جمال عبدالناصر الشيخ جابر الأحمد الصباح وسلمه رسالة خطية من أمير الكويت تتعلق بالأزمة، كان موقف الرئيس عبدالناصر متفهمًا لموقف الكويت في الحصول على ضمان لاستقلالها وكان يميل إلى التواجد العربي بديلًا عن بريطانيا مع استعداده لتحقيق ذلك الهدف.
اجتماع الجامعة العربية 12 يوليو1961 وبحث شكوى الكويت ضد العراق
نشرت وكالة أنباء الشرق الأوسط تقريرًا سياسيًا عن موقف القاهرة من اجتماع الجامعة العربية، والذي حدد أربعة خطوط أساسية لحل الأزمة ستعرض أمام اجتماع الجامعة العربية، وهي:
- تدعيم استقلال الكويت.
- انسحاب القوات البريطانية فورًا.
- قبول الكويت عضوًا في الجامعة العربية.
- إيجاد ضمانات عربية كافية لصد أي تهديد قد تتعرض له الكويت من أي جهة كانت، وتنفيذ هذه الخطة لا يتجزأ، وذلك حماية للأمة العربية وللحفاظ على مصالحها.
جاءت تلك الأفكار معبّرة عن موقف القاهرة وفي اليوم نفسه الذي التقى سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد والوفد المرافق له مع الرئيس جمال عبدالناصر وحديثه عن التواجد العربي في الأزمة.
ومع انعقاد جلسة الجامعة العربية لبحث شكوى الكويت طرحت الكويت مذكرة تؤكد فيها الاستعداد لسحب القوات البريطانية فورًا إذا توفر الشرطان:
- أن يسحب رئيس وزراء العراق تصريحاته التي أعلن فيها ضم الكويت إلى العراق .
- أو أن تقوم الدول العربية بإرسال قوات لها إلى الكويت لتحل مكان القوات البريطانية.
نالت المقترحات دعم المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة. وقد تأجل الاجتماع إلى اليوم التالي للاستماع إلى بيان مندوب العراق، ولم يتم البتّ في انضمام الكويت لأن القاهرة لا تريد الفصل بين الانضمام إلى الجامعة وسحب القوات البريطانية وإحلال قوات عربية مكانها.
حملت مذكرة الكويت مخرجًا غير متوقع للوضع المتأزم داخل أجواء الجامعة العربية، وكانت الفكرة قد نبتت من اقتناع مبعوث الكويت إلى الأمم المتحدة الأستاذ عبدالعزيز حسين بأن قبول الكويت في الأمم المتحدة لن يتحقق إلا عبر الجامعة العربية، وأن الموقف السوفييتي جعل من تصلب الجمهورية العربية المتحدة في سحب القوات البريطانية المخرج الوحيد، ومن الواضح أن هذا الوضع غير المتوقع جعل خيار الكويت صعبًا، فلا وصول إلى عضوية الأمم المتحدة دون مباركة الجامعة العربية.
وقد تولد محتوى مذكرة الكويت من هذه الاعتبارات، التي شكلت جدول أعمال اجتماع الجامعة العربية في العشرين من يوليو 1961.
سبق هذا الاجتماع سلسلة من المشاورات المتشابكة، فيها المريح وفيها الغليظ، كما كان المناخ السائد في ممرات الجامعة العربية يضغط بضرورة الحفاظ على العمل العربي المشترك، كل ذلك وسط ظروف سياسية وإعلامية مصرية تدفع نحو البت الإيجابي وفق المقترحات الكويتية.
حاول مندوب العراق تأجيل التصويت فلم يفلح، وطالب بأن تقوم الجامعة العربية بتقديم مقترح إلى أمير الكويت ليلغي الاتفاقية التي عقدها مع بريطانيا في 19 يونيو 1961 فلم يتحقق ذلك.
ولم يجد مندوب العراق تجاوبًا فطلب إلقاء خطاب استغرق ساعة ونصف الساعة في استعراض تاريخ العلاقات بين البلدين، معبرًا عن موقف بغداد، بعدها مباشرة قدمت المملكة العربية السعودية مشروع قرار يدعو إلى انضمام الكويت إلى الجامعة، مع التزام بسحب القوات البريطانية.
طرح المشروع السعودي للتصويت فخرج المندوب العراقي محتجًا، فدعا الرئيس (مندوب المغرب) ممثل الكويت لأخذ مقعده فجاء الأستاذ عبدالعزيز حسين وجلس خلف لوحة كتبت عليها «الكويت» وإلى جانبها العلم الكويتي، فكان الأمين العام (عبدالخالق حسونة) أول المرحبين.
فوض المجلس الأمين العام بالتنسيق مع الكويت لترتيب تشكيل القوات العربية، كما قام الشيخ جابر الأحمد الصباح، وزير المالية، بجولة في الدول العربية لتشكيل القوة التي دخلت الكويت في نهاية عام1961، وهي تعبير عن دعم سياسي ومؤازرة معنوية، عن حرص الدول العربية على سلامة الكويت واستقلالها وسيادتها، وظلت القوات في الكويت حوالي ثلاثين شهرًا.
موقف بريطانيا
كان الموقف البريطاني مساندًا للتوجه نحو الجامعة العربية لتشكيل قوة تتمركز على الحدود بين العراق والكويت، قوتها في معانيها وأبعادها السياسية، وكان التنسيق بين الكويت وبريطانيا خلال تلك الفترة الحرجة متواصلًا.
سفيرًا في القاهرة
تتويجًا لثقة أمير الكويت بدور الأستاذ عبدالعزيز حسين وما أبرزه من فكر راجح وما يملكه من حس واقعي وتقديرًا لمعرفته للأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر فقد عينه الأمير سفيرًا للكويت في القاهرة، مع ترحيب القاهرة بهذا الترشيح لشخص يقدر له انسجامه مع الدعوة للتضامن العربي ومواقفه السياسية.
ظل سفيرًا نشطًا مقربًا من الطرفين، ناصحًا حكومة الكويت بما يراه في الابتعاد عن الخلافات العربية، ومساهمًا مؤثرًا في تطور العلاقات بالجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية.
اختياره وزيرًا
اختاره سمو الشيخ صباح السالم، ولي العهد ورئيس الوزراء، وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء عام1961، وظل وزيرًا حتى عام 1985، بخمس وزارات في عهد الشيخ صباح السالم وفي عهد الشيخ جابر الأحمد الصباح، كان دوره مؤثرًا في التنسيق بين الوزراء ومجلس الأمة، بالإشراف على مسار قرارات مجلس الوزراء، وصار وزيرًا مؤثرًا في حياة الدولة داخليًا وخارجيًا، ومستشارًا يسعى لإبعاد الخلافات بين الوزراء والمجلس، مع الحرص على سلامة العلاقات الكويتية - العربية.
حصل على ثقة الجميع لاسيما القيادة المصرية الثورية، واعيًا للضرورات وأن تنفتح الكويت على الجميع، ومهتمًا كثيرًا بالجانب الثقافي، وحريصًا على انفتاح الكويت الفكري، بانيًا الجسور مع مراكز الفكر والتطوير عربيًا وعالميًا، كما أنه نال الارتياح الشعبي لتواجده في موقع القرار الكويتي، حيث تمتع بثقة مختلف أبناء الشعب الذين يرون فيه حارسًا ومؤتمنًا على سلامة مجرى الدولة في علاقتها مع البرلمان ومع الدول العربية والعالم أجمع، كما واصل حرصه على تأمين اللمعة العروبية في الدبلوماسية الكويتية وفتح الأبواب لمختلف الثقافات تأكيدًا للقيم الإنسانية العالمية مستفيدًا مما استوعبه خلال حياته في القاهرة ولندن.
خرج من الوزارة عام 1985 مع بداية وضوح مظاهر الإرهاق الصحي عليه، ثم صارت ديوانيته موقع حوارات حضارية مستنيرة وانفتاح سياسي واحترام حق الاختلاف في الاجتهادات. كان زوار الكويت يحرصون على زيارته في مسكنه للاستماع إلى ما يجري في الكويت، لكنه ظل قريبًا من السلطة حتى وفاته عام 1996، عن عمر يناهز الخامسة والسبعين. وقد خصصت الدولة صرحًا ثقافيًا يحمل اسم مكتبة عبدالعزيز حسين في منطقة مشرف تتواجد فيها مؤلفاته وكتبه التي كانت تزين رفوف منزله بمنطقة الشويخ.
ليظل اسم عبدالعزيز حسين يحتل موقعًا بارزًا في تاريخ الكويت ومواقفها السياسية والدبلوماسية والثقافية، ويبقى علامة بارزة بين رواد الكويت ورجالاتها الذين أسهموا في بناء هذا الوطن الغالي، ويبقى الأستاذ عبدالعزيز حسين رجل فكر ودولة ■