الروبيان كنز من أعماق الخليج أنور الياسين تصوير: سليمان حيدر

الروبيان كنز من أعماق الخليج

الروبيان، أو الإربيان، أو الجمبري، أو القريدس..أسماء عديدة لذلك الحيوان البحري الصغير الشهير، الذي يسكن القيعان لكنه بعد خروجه من الماء يتبوأ القمة بين الأطعمة البحرية في أفخم مطاعم العالم. ثروة أخرى- غير النفط- يكتنزها الخليج العربي، وتزهو بها الكويت، وهي ثروة- مع غيرها من خيرات البحر- غير ناضبة، لأنها حية.. تنمو.. وتتجدد..

عندما تلمس بأصبعك روبيانة حية، فإنها لا تهرب إلى الأمام، بل تهرب إلى الخلف، هذا ما أخبرنا به عاشق الروبيان، وأحد المتخصصين القلائل في دراسته وتدريسه، الدكتور سالم ياسين المهنا رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لشركة بوبيان للأسماك، وعلى الرغم من بساطة هذه الملاحظة، إلا أننا تذكرناها بجلاء ونحن نتابع عملية صيد للروبيان من فوق إحدى السفن المجهزة لذلك ضمن أسطول الصيد الكويتي في عرض مياه الخليج.

تذكرنا الملاحظة، وتذكرنا الوجه الأسمر البشوش الطيب لقائلها، فتأكدنا أن العلم الحقيقي يلازم التواضع الحقيقي، ولقد جعلتنا هذه الملاحظة نفهم آلية صيد الروبيان التي كان يمكن أن تشكل علينا بدونها، لهذا يمكننا الآن أن نستعيد وقائع الرحلة، بينما نتقصى حكاية الروبيان، من مهده في قاع الخليج، وحتى استوائه على عرش المأكولات البحرية.

في صباحات الخريف ترق نسائم الخليج، وتكون أرق ما يمكن عند ميناء الشويخ الذي قصدناه بداية لرحلتنا مع الروبيان. كانت المياه تمتد أمام البصر صفحة هادئة بلون الفيروز، لكنه هدوء خادع وفيروزية تموج بالحياة، ففي مياه هذا الخليج الذي يعتبر أكبر بركة دافئة في العالم تضج بالحياة مئات الأنواع من المخلوقات البحرية، بينما هذه الفيروزية المائلة للاخضرار تشي بثروة هذه المياه من الكائنات الدقيقة التي تكوّن حساء بحريا مثاليا تتغذى عليه الحيوانات البحرية التي تتغذى عليها بدورها حيوانات أخرى، وهكذا حتى تكتمل دورة الحياة البحرية.

عيون تحرس الماء

في هذا الصباح كان لا بد أن نمر على المقدم ساجد ناصر البعيجان مدير إدارة خفر السواحل، لنحصل على تصريح للصعود إلى مركب الصيد، فالساحل الكويتي تحرسه عيون ساهرة ويقظة ولعل لمحة واحدة إلى وجه المقدم ساجد تكفي لإقناعنا بذلك إضافة لما لمسناه بأنفسنا عندما حاولنا صعود مركب الصيد دون إذن فأعادتنا يقظة خفر السواحل بعد خطوات وثوان قليلة.

صعدنا إلى المركب بعد حصولنا على التصريح، ففوجئنا بمصنع كامل على ظهر المركب، وسمعنا إيقاعات ألسنة شتى توحدها لغة البحر وخبرة الصيادين، وبعد أن أوغل المركب خارجا من "جون الكويت" أي قلب الساحل الكويتي، بدأ التأهب للصيد ففي هذا الجون يحظر الصيد لأنه يعتبر وكما أخبرنا الدكتور سليمان المطر مدير إدارة الثروة السمكية والزراعة البحرية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية يعتبر مفقسة تضع فيه الأسماك والثدييات بيضها وتخصبه ليفقس، ثم إنه- أي الجون- يعتبر أيضا حضانة تنمو فيها الحيوانات البحرية الوليدة حتى تبلغ من الشدة ما يسمح لها بالخروج إلى عرض البحر لتصارع في الخضم الزاخر دفاعا عن استمرارها في الحياة.

ظهر سفينة الصيد الذي تبرز وسطه عنابر التبريد مكلل بالروافع والحبال المجدولة من الصلب والبكرات الضخمة، وأعلى برج السفينة تبرز المداخن والصافرات، وفي المقدمات العالية ترتفع هوائيات اللاسلكي الذي يؤمن الاتصال بسفينة كبيرة لا تظهر في مرمى البصر تسمى "السفينة الأم " بها إمكانات سبر قاع الخليج والإعلام عن وجود قطعان الروبيان التي تحكم وجودها عوامل كثيرة يخـبرنـا عنها الدكتور سالم المهنا بأنها تتعلق بالطقس والتيارات البحرية "التي تدور في اتجاه عقرب الساعة داخل الخليج " وأيضا درجة ملوحة المياه ونوع تربة قاع البحر، وهذه الظروف مواتية لتكاثر الروبيان ونموه في مكانين هما خليج المكسيك والخليج العربي اللذان تكثر فيهما أفضل أنواع الروبيان في العالم، ويتميز روبيان الخليج بكبر حجمه حيث يمكن أن تصل الواحدة منه من نوع "أم نعيرة" إلى عشرين سنتيمترا، ومن نوع الشحمية إلى 415 سنتيمترا.

في برج القيادة "البريدج لما كانت التقنية الحديثة تتضافر مع خبرات الصيادين القدامى من أهل الخليج، فمناطق الصيد تشير إليها الخبرات القديمة وتحددها بدقة أجهزة سبر الأعماق على السفينة الأم وهي أجهزة تستطيع رؤية أعماق الخليج بكل ما فيها من صخور وأسماك وكائنات بحرية، ويخبرنا قبطان السفينة الذي لا يكف عن الاتصال بالسفينة الأم وبسفن صيد أخرى تابعة لأسطول الصيد الكويتي بهدف تنسيق عملية الصيد وإنجاحها، يخبرنا أن الروبيان عادة ما يكون موجودا على عمق يتراوح في حدود ثمانين قدما ونصف قدم من سطح البحر، حيث توجد أصنافه الممتازة على القاع وسط الرمال والأعشاب البحرية الدقيقة، وحتى يحمي الروبيان نفسه فإنه يلجأ إلى حيلة الاختباء في رمال القاع الناعمة نهارا ويخرج ليلا، لكن محاولة اصطياده أثناء الليل تبدو غير مجدية لأنه سيكون مبعثرا في المياه بين القاع والسطح، كما أن اصطياده بالنهار عسير نظرا لاختبائه. فما الحل؟

الروبيان يخرج من مكامنه

الحل في الحيلة، وفي الفهم العلمي لسلوك الروبيان الذي أدركه الصيادون القدامى في الخليج فابتدعوا نظام "التكريف" أو التجريف لاصطياد هذا الكنز المختبىء في الرمال نهارا والمبعثر في ظلمة الماء أثناء الليل.

ونعود إلى الملحوظة التي توقفنا أمامها في البداية عن أن الروبيان عندما يفزع يهرب إلى الخلف، فإذا كان هو يهرب إلى الخلف، بينما شباك الصيد تتحرك إلى الأمام مع حركة السحب وتقدم السفينة، إذن نتوقع أن يقع الروبيان في مصيدة الشباك، لكن السؤال يبقى: وكيف يفزع الروبيان أصلا ليخرج من مكامنه ويبدأ حركة التراجع التي توقعه في الشباك؟

الحيلة بالغة البساطة وبالغة القدم.

وتتجسد في إيجاد شيء يُحدث ضوضاء "تتحول إلى ذبذبات" داخل الماء- عند القاع، فيفزع الروبيان ويخرج من مكامنه ويتراجع مذعورا ليقع في الشباك.

وإذا تأملنا واحدة من الشباك التي تستخدم لصيد الروبيان كما رأيناها في رحلتنا نجد أنها تحقق كل تلك الشروط، فالجزء الأول من الشبكة عبارة عن لوح ثقيل لتزحيف القاع ولإبقاء فوهة الشباك مفتوحة، وفي جانب من هذا اللوح توجد سلسة من الفولاذ تصلصل عند جرها على الأرض، فعند إلقاء الشباك وملامستها للقاع يستقر اللوح على الرمال والأعشاب وتظل الشباك مفتوحة الفوهة، وكأنها سلة فوهتها إلى الأمام، ومع السحب والجر يزحّف اللوح الأرض وتتحرك السلسلة فتصلصل وتنتج عن صلصلتها اهتزازات تنتقل عبر الماء فيحس بها الروبيان المختبىء، ويفزع فيخرج من مكامنه ويفر إلى الخلف فيكشطه اللوح وينزلق داخلا الشباك.

وقبل أن نرى على الطبيعة رمية من رميات شباك الروبيان وسحبة من سحباتها كانت هناك شبكة تجريبية صغيرة ألقيت كنوع من الاختبار عندما تحدد المكان المتوقع وجود محصول وفير من الروبيان فيه، ومع إلقاء الشبكة التجريبية بدأت حركة نشطة تدب على ظهر المركب، فهناك من يفحص الشباك، وهناك من يعد أجهزة الفرز وهناك من يتأكد من عمل أجهزة التبريد.

وتصاعد تهليل الصيادين "الله أكبر. الله أكبر" فقد جاءت الشبكة التجريبية بأخبار سارة وواعدة جدا، 26 من الروبيان نتيجة هذه السحبة التجريبية وهذا يعني أن المكان غني جدا بالروبيان، فخروج عدد يتراوح بين 10 أو 12 يعني أن المكان صالح لصيد الروبيان، أما الوصول إلى 25 فأكثر فهذا يعني أن المكان شديد الثراء بالروبيان ويعد بحصاد وفير، ولقد كان..

بدأ إلقاء الشباك الضخمة وسحبها، وفي كل مرة يبدو كأنها تمسح قاع الخليج وتخرج منتفخة كبالون هائل ممتلئ بالروبيان المختلط بأسماك مختلفة من أسماك القاع، وعلى الفور تقوم أجهزة الفرز بتخليص الروبيان من شوائب الرمل والأسماك الدخيلة ثم يوضع في الثلاجات الضخمة لحفظه، فهذا الطعام البحري الثمين معرض للتلف إذا لم يتم تثليجه بعد أربع ساعات من لحظة خروجه من الماء.

بدأ التهليل يتلاشى بينما الشباك تعمل وتعمل وفيض الروبيان يتدفق على ظهر المركب، ويحل إيقاع العمل السريع محل التهليل، فلا نعود نسمع كلمة ولكننا نسمع أصوات رمي الشباك، ثم سحبها، وأصوات عملية فرز الروبيان ثم إجراءات تثليجه.

وعندما كفت عملية إلقاء الشباك وسحبها عن الحركة أدركنا أن رحلة الصيد - التي استغرقت قرابة ثلاث ساعات - قد شارفت على الانتهاء وإننا عائدون إلمط البر.

آكل ومأكول

تركنا الروبيان الطازج المثلج تحمله السيارات- المجهزة خصيصا لنقله - إلى مصانع الشركات ومن ثم إلى السوق المحلي والأسواق العالمية، لكن الروبيان لم يتركنا فقد تشبث بتفكيرنا في صورة أسئلة تبحث عن إجابات، ولأجل تلك الإجابات لا بد من عود على بدء، نعود إلى حديث كنا بدأناه مع الدكتور سالم المهنا، ونقتطف من فيض حديثه عن الروبيان ما يهدينا إلى خصائص ذلك الحيوان البحري الصغير، خاصة ما يخفى عنا- كغير متخصصين- وتحجبه مياه القاع.

الروبيان يصنّف ضمن القشريات القاعية- crus tiance، وفي مياه الكويت يوجد منه نوعان من الشحامية وأم نعير، وهو ثنائي الجنس منه الذكر والأنثى، يعيش في قطعان يتكاثر ويتناسل ويقتات على مخلفات موائد البحر وصراعاته من فتات لحوم الكائنات البحرية الأخـرى فهوcarnivorous أي آكل لحوم، ولهذا فإن الصغير منه معرض لأن يفترسه الكبير، خاصة عندما يغير قشوره التي تضيق عليه مع النمو فيصير طريا وقابلا للافتراس من بني جنسه ومن الآخرين، وهذه سنة الحياة في البحر، آكل ومأكول!

وللروبيان دورتا تفقيس تضع الإناث فيهما البيض، وكل أنثى تضع حوالي 200 بيضة، الدورة الأولى مع بداية شهر سبتمبر والثانية في غضون شهري فبراير ومارس، وتتوافق تلك الشهور مع وفرة العوالق العضوية في الماء مما يمكن الصغار من التغذي بوفرة والنمو بسرعة لتكبر وتواجه قدرها في الأعماق فكأن البحر يرضع هؤلاء الصغار مما تمتلئ به أضراعه من غذاء في هذين الموسمين.

ويتراوح عمر الروبيان بين سنة ونصف وسنتين حيث يمكن أن تبلغ الواحدة منها من نوع "الجامبو" حوالي 200 جرام، وهي تحس عبر شعيرتين "إحداهما طويلة والأخرى قصيرة"، غنيتين بالخلايا الحسية التي يوجد قدر كاف منها في الفم.

وعيون الروبيان الصغيرة البارزة تشبه الموزاييك في تركيبها مما يجعل الرؤية لديه مركبة، وحتى يحمي نفسه من الضوء في النهار فإنه يغرز نفسه في رمال القاع وبن أعشابه ويفعل الشيء نفسه في أوقات الانسلاخ، ويخرج من. مخابئه في الليل، لكن الإنسان يتعقبه بالسلاسل التي تصلصل فتهز أركان مخابئه فيخرج ويتراجع بظهره لينجرف ويقع صيدا سهلا في شباك الجر، ولعل هذه السهولة هي مما يستوجب الحذر، فمهما كانت ضخامة كنز الروبيان في قاع الخليج إلا أن استنزاف هذا الكنز بلا حكمة قد يعرضه للضياع.

عن الصيد.. والصيد الجائر

خذ من التل، يختل! حكمة سائرة قد لا تنطبق على شيء مثلما تنطبق على الكائنات الحية ومن بينها الثروة السمكية ومثالها الروبيان.

وحتى لا يختل تل الروبيان في قاع الخليج داخل مساحة الكويت البحرية توجهنا إلى عدنان الرشود مدير الثروة السمكية بالهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية نسأله عن دور الهيئة في الحفاظ على المخزون، فأخبرنا أن الهيئة تقوم بدور إشرافي ورقابي يتجسد في سن التشريعات لتنظيم عملية الصيد، ومنح التراخيص للصيادين إضافة لوجود هيئة عمليات في البحر، فقبل عام 1980 حينما لم يكن هناك مرسوم لعمل الهيئة كان كل من يملك سفينة سواء مصنوعة من الحديد أو الخشب أو طرادا صغيرا يستطيع أن يحصل على ترخيص ويباشر الصيد، لهذا كانت التراخيص كثيرة على حساب المساحة البحرية للكويت، الآن اختلف الوضع، فلا بد أن يكون هناك ترخيص للسفينة وترخيص لكل من يعمل عليها، والهدف هو الحفاظ على بقاء هذه الثروة في حالة تجدد بتحديد مناطق الصيد والحفاظ على مناطق الحضانة من اليرقة وحتى حجم معين، وهذه المناطق تم تحديدها بشكل علمي عبر عملية مسح شامل لمنطقة الخليج تحت إشراف الأمم المتحدة، ومسح إقليمي استقدمنا له خبراء عالميين في هذا التخصص، وبعد ذلك وصلنا إلى مسودة قرارات مشتركة بين دول الخليج كلها لتنظيم عملية الصيد، حتى لا يتحول إلى صيد جائر يضر باستمرارية وتجدد هذه الثروة البحرية التي تعتبر السلعة الثانية للتصدير- بعد النفط- في الكويت.

وفي هذه النقطة الخاصة بالصيد الجائر ومحاصرته كان لا بد أن نستطلع رأي أهل العلم، فتوجهنا إلى مدير دائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية الدكتور سليمان المطر ليضيف المزيد، فأخبرنا بأن كمية الروبيان المصيدة بعد تحديد مواسم الصيد بناء على دراسة النوعية وطرق المعيشة والتحركات تبلغ حوالي 3500 طن، ونبهنا الدكتور سليمان المطر إلى أن هذه الكمية تشير إلى وزن الروبيان الخالص بعد الفرز إذ إن كل سلة روبيان تخرج معها سلتان من الصيد الجانبي تكاد لا تستهلك مثل أسماك لسان الثور والزمرور وغيرها، ولأجل منع الصيد الجائر وبناء على الدراسات العلمية رفع المعهد توصياته إلى الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية لتحول التوصيات إلى إجراءات، وبهذا الصدد تم تقليص عدد السفن ومنع الصيد ابتداء من إبريل حتى نهاية أغسطس "فترة التفريخ والحضانة"، ومنع الصيد في جون الكويت وحتى 3 أميال من الشاطئ ومنع استخدام الشباك ذات الطبقتين في صيد الروبيان.

وما دمنا في موقف العلم فقد ألح علينا التساؤل حول حقيقة التلوث الذي يمكن أن يكون قد أصاب الروبيان (مع غيره من الثروة السمكية في الخليج) بعد حرب تحرير الكويت وما سبقها من سكب النفط أو تسربه في مياه الخليج وكانت إجابة الدكتور مطر أنه لم يعثر على مؤشرات تشير إلى تلوث الروبيان في المياه الكويتية، وفصّل لنا إجابته في التالي:
1 - لم يلاحظ انخفاض في كميات الصيد وهذا مؤشر مهم لأن طريقة الصيد واحدة وعدد السفن معروف.
2- لم تثبت الدراسة على البلانكتون " الحيوانات الدقيقة في مياه البحر" وجود آثار للتلوث.
3- بعض الشعب المرجانية تم تحديد سبب انتفاخها الطفيف بأنه راجع لتعرضها لدرجة حرارة أعلى بسبب الجزر وانحسار الماء عنها وليس بسبب التلوث.

وفسر الدكتور المطر نجاة الروبيان مع غيره من أسماك الكويت من كارثة التلوث بأنه راجع إلى حركة المياه في الخليج، وهي تسير ضد عقرب الساعة فكانت تدفع بالبقع النفطية بعيدا عن الشاطئ الكويتي.

في الطريق إلى المستهلك

وقد طمأننا الدكتور سليمان المطر بلغة العلم الدقيقة الرصينة، على سلامة الروبيان، فبقي أن نتتبعه- أي الروبيان- وهو يمضي في الطريق إلى المستهلك المحلي والعالمي، لهذا توجهنا إلى شركة الأسماك الكويتية المتحدة، ومع مديرها العام السيد فيصل محمد بن سبت كان لقاؤنا، وكانت التساؤلات وجاءت الأجوبة تنبئنا أن الروبيان الكويتي ما زال يتمتع بشهرة عالمية كبيرة خاصة في اليابان والولايات المتحدة وأوربا، وأن ما يطرح للاستهلاك المحلي هـو من النوعية نفسها التي يتم طرحها في السوق الخارجي، بل يمتاز السوق المحلي بطرح الطازج والمجمد من الروبيان، لأنه لا يمكن تصدير روبيان طازج إلى الخارج إذ لا بد من تجميده، وإن كانت هناك بعض السفن مجهزة بإمكانات التعليب إلا أن الرغبة العالية في الحفاظ على نوعية المنتج جعلت عمليات التصنيف والتجميد والتعليب تتم داخل مصانع- الشركة التي تحظى بسمعة عالمية طيبة على مدار عشرين عاما منذ تأسيسها.

وفي معرض الشركة تعرفنا على أنواع عديدة من الأشكال المعلبة، فبعض الروبيان يجمد ويعلب بالكامل أي برأسه، بينما توجد أنواع أخرى مجمدة ومعلبة بدون رأس، وهناك أصناف مقشورة وأخرى بدون قشر، وقد علمنا أن سوق الروبيان العالمي لم يعد يفرط في شيء من هذه القشريات الثمينة، فالرءوس تجفف وتسحق وتباع كأعلاف غنية بالبروتين والفيتامينات، والقشور تعالج بالتقنيات الحديثة فتصنع منها أكياس عضوية لنقل شتلات الأشجار وغرسها في التربة دون حاجة لخلع هذه الأكياس التي تتحلل وتتحول إلى سماد مغذ للجذور، وهذا الاكتشاف الحديث له جذور قديمة جدا يعرفها الكويتيون والخليجيون المخضرمون، إذ كان الأجداد يلقون بقشور الروبيان حول جذوع النخيل لتتحلل وتتحول إلى سماد عضوي ممتاز، أدركوه بخبرة السنين وسلامة الفطرة.

وفي متابعتنا للروبيان، التي بدأت منذ خروجه من مكامنه في القيعان بمواقع الصيد، كان لا بد أن نصل إليه في الأسواق- وقبل أن يتحول إلى أطباق شهية على موائد الآكلين، ولم نجد سوقا أولى بالمتابعة من سوق السمك التقليدي الذي يسمى "شبرة السمك"، وهناك في المساء وتحت السقف العالي للمكان الفسيح المغمور بأضواء مصابيح الزئبق الساطعة وجدنا المكان يضج بالزحام ويموج بالحركة، وكان الروبيان هو المعلم الواضح في قلب هذا التزاحم، فهو كومات فوق المناضد البيضاء اللامعة المكسوة بالقيشاني، وهو كومات تملأ السلال النظيفة، ولا يكف الباعة عن رشه بالماء وغمره بالثلج، ولا تكف الأيادي عن تخاطفه بكميات ضخمة لتجميده وتخزينه للاستهلاك على مدار العام، فهذا هو موسم الروبيان وهو في أدنى أسعاره، يتراوح سعر الكيلو الممتاز في حدود دينارين بينما سعر تصديره يبلغ ضعف ذلك السعر تقريبا، إذ إن الطن الواحد يصدر بحوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة دينار كويتي، ولا بد أنه يصل إلى المستهلك الأجنبي بضعف ذلك السعر في أسواق البيع باليابان والولايات المتحدة، ومع ذلك يشكو الناس في الكويت من ارتفاع سعر الروبيان. ولقد استمعت الحكومة إلى شكوى الناس وتقصت أسبابها، وسرعان ما أنصفتهم بإصدار وزارة التجارة والصناعة للقرار رقم "ا17" لسنة 1993 الذي أومأ إلى لجوء البعض إلى شراء الروبيان من السوق المحلي بغرض تجميده وتصديره مما قلل من المعروض فرفع الأسعار، وحرصا على توفير متطلبات السوق المحلي فقد اشترط القرار أن يحصل المصدرون المرخص لهم بالتصدير على موافقة مسبقة من الوزارة، مع مراعاة الشروط والتقيد بالنسب وموافاة إدارة التموين ببيانات مفصلة عما يتم تصديره.

وحتى يفعل هذا القرار الوزاري فعله وتنخفض أسعار الروبيان أكثر، يظل ما تعرضه أسواق الكويت الآن من أفضل وأرخص الروبيان في العالم، لهذا تتخاطفه الأيادي، وسرعان ما تأخذه أياد أخرى- لبعض الهنود والباكستانيين- مدربة، تعمل بسرعة ودقة إلى جوار السوق وقرب الشاطئ، فكأنها آلات كهربائية بشرية تقشر الروبيان وتفصل رءوسه وتنظفه فيحمله أصحابه مباشرة إلى ثلاجاتهم للتخزين الطويل، أو إلى مطابخهم للإعداد السريع لطبق من الأطعمة البحرية لا ألذ منه ولا أشهى.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الروبيان كنز من أعماق الخليج





مراكب الخشب والبحث عن الكنز





مجموعة من الصيادين أثناء عملية جني الصيد بالشباك





حراج الروبيان في سوق السمك بالكويت عملية تتكرر كل يوم بعد صلاة العصر





المقدم ساجد البعيجان مدير إدارة خفر السواحل





د. سالم المهنا رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لشركة بوبيان للأسماك





فيصل بن سبت المدير العام بشركة الأسماك الكويتية المتحدة





أحد المواطنين يهم بشراء حاجته من الروبيان الطازج





سلال الروبيان الطازج تنتظر البيع في المزاد العلني (الحراج)





الدكتور سليمان المطر مدير إدارة الثروة السميكة والزراعة البحرية بمعهد الكويت للأبحاث العلمية





عدنان الرشود مدير السمكية بالهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية





أم الروبيان





روبيان أم نعيرة وتسمى بالعامية في الكويت "الجامبو" ومناطق صيده في الشمال





الروبيان الشحامي ومناطق صيده في الجنوب





إحدى مراكب كرف الروبيان "صيده" وهي تابعة لأسطول شركة الأسماك المتحدة