الوطن العربي وتحديات مجتمع المعلومات

ملف خاص

لقد أصبحت المعلومات - بمعناها الشامل - أحد ثوابت المجتمع الإنساني الحديث، بل محوره وقلبه النابض، حيث تتفاعل المعلومات، وبشدة، مع عناصر المجتمع الأخرى: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية، فكل من هذه العناصر "مستهلك" للمعلومات و "منتج" لها في نفس الوقت.

ويقصد باستهلاك المعلومات هذا الكم الهائل من المعطيات والمعارف الذي يحتاج إليه كل نشاط من أنشطة المجتمع لتأدية دوره وتنمية هذا الدور بغرض زيادة إنتاجيته، هذا عن الاستهلاك. أما الشق الإنتاجي فيقصد به هذا الفيض من المعلومات الممثلة في البيانات والإحصائيات والمؤشرات التي يولدها، أي ينتجها ، النشاط المجتمعي علاوة على المعارف الجديدة التي يستحدثها ما يجري في نطاقه من بحوث نظرية. وتطبيقية وجهود تكنولوجية. تناب المعلومات خلال كيان المجتمع عبر شبكة من علاقات التفاعل والتداخل التي تربط بينها وبين العناصر المجتمعية الأخرى، ويمكن اعتبار هذه الشبكة بمثابة "الجهاز العصبي" الذي ينبثق من "مخ المجتمع الإنساني" - إن جاز التعبير - ويصب في " ذاكرته"، إن "ذاكرة المجتمع" هي محصلة الرصيد الهائل من المعلومات والمعارف والخبرات المكتسبة التي يحوز عليها هذا المجتمع، سواء بإنتاجها "محلياً" أو اقتنائها من مصادر خارجية، إن الأداء الكلي لمجتمع ما بات متغيراً تابعا لقدرة هذا المجتمع، على تنمية موارد معلوماته (شق الإنتاج) ، ومدى استغلال أفراده ومؤسساته لهذه الموارد (شق الاستهلاك)، وجدير بالذكر هنا أن مورد المعلومات - خلافا للموارد الطبيعية والمادية والبشرية التي تنضب مع استهلاكها - هو المورد الوحيد الذي لا ينضب، بل على العكس تزداد كميته وقيمته مع زيادة استهلاكه.

بالإضافة إلى ما سبق، تلعب المعلومات في عالم اليوم دوراً متزايداً في تحديد العلاقات بين الأفراد والمؤسسات والدول ، ويكفي دليلا على ذلك ما أسفرت عنه سياسة الانفتاح المعلوماتي في الاتحاد السوفييتي (الجلاسنوست) من نتائج هزت العالم بأسره، لقد تحول عالمنا إلى "قرية إلكترونية صغيرة" نجوب دروبها ومسالكها عبر الأقمار الصناعية وشبكات الاتصال، المرئي وغير المرئي، وبعد أن نجح الإنسان في نقل المعلومات "بالصوت والصورة" من خلال أجهزة الإعلام يسعى حاليا لتبادل المعارف ذاتها، ويقصد بالمعرفة هنا نتاج ثالوث "المعلومة - الخبرة - الحكمة" ، فقد ظهر بوضوح أن المعلومة وحدها لا تكفي، فلكي تصبح المعلومة ذات قيمة نافذة يحتاج الأمر إلى أن تقرن هذه المعلومة بخبرة عن تداولها وحكمة من استحدثها، ولتوضيح مدى الاختلاف بين المعلومات والمعرفة نشير إلى الفرق الكبير بين ما تتضمنه الكتب، وقيام بعضنا باستيعاب هذا المضمون واستغلاله في فهم الظواهر وتفسيرها أو تعريف المشاكل وحلها، فعلى سبيل المثال لا تكفي جميع المعلومات الواردة في كتب الطب أن تجعل من يحصل عليها قادراً على تشخيص الأمراض دون أن تقرن هذه المعلومات بخبرة التشخيص ذاته والتي يمكن صياغتها حاليا بأساليب هندسية فيما يعرف بقواعد المعارف Knowledge - base أو النظم الخبيرة Expert - system .

مؤشرات النقلة النوعية

لتوضيح المقصود بالنقلة النوعية التي أحدثتها ثورة المعلومات، دعنا نأخذ كمؤشر للتغيير المجتمعي توزيع القوى العاملة للمجتمع الأمريكي بين القطاعات الرئيسية: الزراعة والصناعة والمعلومات، وذلك في الفترة ما بين عامي 1860 و 1980 . يشير الرسم البياني الموضح إلى النقلات النوعية التي طرأت على المجتمع الأمريكي والتي يمكن تلخيصها في ثلاث مراحل أساسية وهي:

المرحلة الأولى: (من 1860 إلى 1906)
في هذه المرحلة فاقت عمالة الزراعة عمالة القطاعات الأخرى.

المرحلة الثانية: (من 1906 إلى 1954)
في هذه المرحلة فاقت عمالة الصناعة عمالة الزراعة كما تشير نقطة التقاطع بين المنحنيين عند سنة 1906.

المرحلة الثالثة: (من 1954 وما بعدها)
في هذه المرحلة فاقت عمالة المعلومات عمالة الصناعة كما تشير نقطة التقاطع بين المنحنيين عند سنة 1954.

أطلق على المرحلة الثالثة عدة مصطلحات، منها "مجتمع المعلومات"، "مجتمع ما بعد الصناعة"، "مجتمع ما بعد الحداثة" ، "مجتمع اقتصاد المعرفة"، وما شابه.

وبالرغم من أن مفهوم "مجتمع المعلومات" ما زال يفتقر إلى التحديد الكافي الذي يجعل منه نمطا اجتماعيا واضح القسمات فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن تطبيقات "الإنفورماتيك" تنصهر بمعدلات متزايدة في كيان المجتمع الإنساني، ولقد سعى ويليام مارتين لتحديد أكثر دقة لمجتمع المعلومات من خلال عدة "معايير" رئيسية أوجزها كالتالي:

المعيار التكنولوجي: سيادة تكنولوجيا المعلومات وانتشار تطبيقاتها في المكتب والمصنع والمنزل والمدرسة.

المعيار الاجتماعي: استغلال مورد المعلومات للارتقاء بمستوى معيشة الأفراد وزيادة وعي المعلومات لديهم، وتمكين الأفراد من الحصول على معلومات ذات درجة عالية من الجودة من حيث المضمون ومعدل التجدد وسرعة التحديث.

المعيار الاقتصادي: تصبح المعلومات هي العنصر الاقتصادي الغالب كمورد وسلعة وخدمة، والمصدر الأساسي للقيمة المضافة وخلق فرص العمالة.

المعيار السياسي: حرية تداول المعلومات مما يؤدي إلى مناخ سياسي يتسم بزيادة مشاركة الأفراد في اتخاذ القرار وزيادة وعيهم ببيئتهم وعالمهم.

المعيار الثقافي: إدراك القيمة الثقافية للمعلومة والمعرفة من خلال ترويج قيم المعلومات لمصلحة الأمم والأفراد، (من أمثلة قيم مجتمع المعلومات: احترام القدرات الإبداعية، الأمانة العلمية، العدالة في توزيع الخدمات الثقافية بين الطبقات المختلفة، تفضيل سلطة المعرفة على سلطة المال وسلطة الإدارة).

مما سبق يتضح أن تكنولوجيا المعلومات ذات شقين: شق تقني أو فني، وشق اجتماعي أو إنساني لا يقل أهمية عن سابقه، إن لم يكن أكثر حسما، وهذا هو أحد الفروق الأساسية التي تميز هذه التقنية الجديدة عما سبقها سواء في مجال الصناعة أو مجال الزراعة.

إن مجتمع المعلومات له مرافقه وسلعه وخدماته وشبكات توزيعه، وله أباطرته وسماسرته وكهنته، ونفاياته ومجاعاته، وقيمه وأخلاقه وصراعاته، إنه هدير هائل لديناميات اجتماعية متسارعة تفرض على المجتمعات والأفراد ، على حد سواء، أقصى درجات الحرص في التخطيط للمستقبل البعيد والقريب، وإعداد العدة له سلفا.

المنظور العربي

بينما ينشغل العالم المتقدم في تهيئة مجتمعاته لتقبل "الصدمة المستقبلية"، تصبح قضيتنا في العالم العربي هو كيف نحمي أنفسنا من أن ننسحق بفعل هذه الصدمة، خاصة وقد أدرجتنا إحصائيات المنظمات الدولية ضمن تلك الدول "الجائعة معلوماتيا" ، إن على المخططين والعلماء والمنفذين العرب واجبا رئيسيا لتحديد موقعنا ما بين عديد من الثنائيات المفزعة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- ثنائية التنمية والتصنيع.
- ثنائية الاستقلالية والتبعية.
- ثنائية الإنتاج والاستهلاك.
- ثنائية الاغتراب أو الاندماج.
- ثنائية التعليم الرسمي والتعلم الذاتي.
- ثنائية الانفتاح والانغلاق المعلوماتي.
- ثنائية حقوق الفرد وسلطة الدولة.
- ثنائية تصنيع العتاد (
Hardware) وتصنيع البرمجيات (Software).

إن التنمية الاجتماعية عملية معقدة للغاية خاصة تحت وطأة المشاكل المتداخلة والأزمات الطاحنة التي يعاني منها وطننا العربي، وعلى ما يبدو فالخيار هنا بين بديلين على طرفي نقيض: البديل الأول هو أن نستغل، ولأقصى حدّ ممكن، الفرص العديدة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات لإحداث التقدم في "سلسلة وثبات" نعوض بها تخلفنا الراهن ونحاول من خلالها اللحاق بالركب الحضاري، ولدى العالم العربي كثير من الإمكانات والموارد التي تمكنه من تحقيق ذلك شريطة أن يحسن استغلالها. وتوجيهها، والبديل الثاني هو أن نركن إلى الحالة السائدة من الاستسلام والتراخي إزاء المتغيرات الملحة نواجهها بردود فعل متسرعة للتكيف مع الأوضاع الراهنة والمستجدة، ويزخر تاريخنا وحاضرنا بأمثلة عديدة لتقاعسنا الحضاري.

أمام هذه الإشكالية، ليس بوسعنا هنا إلا أن نطرح بعض التساؤلات ذات الطبيعة العامة:

1 - هل يمكن لنا تحديد منظور عربي لتكنولوجيا المعلومات؟ حيث تختلف همومنا وأولوياتنا عن هموم وأولويات من سبقونا في هذا المجال، وذلك من منطلق لا يرى المعلومات مجرد تطور تكنولوجي بعيدا عن التيار العم للتنمية الاجتماعية الشاملة. وهل يمكننا أن نتخلص من الجمود الفكري والتخطيطي متجاوزين حدود شعارات الاكتفاء الذاتي والمحافظة على الهوية الثقافية والحضارية لاتخاذ مواقف تتسم بالواقعية حتى لا يضيع الممكن فداء للمستحيل.

2 - هل باستطاعتنا تحديد مطالب المجتمعات العربية من موارد المعلومات وتطبيقاتها وخدماتها؟ وهل يمكن صياغة هذه المطالب والأهداف في سياسة واقعية للمعلومات؟

3 - هل بوسعنا إقامة البنى الأساسية لمجتمع المعلومات من شبكات اتصال وقوى بشرية ومراكز تدريب ونظم توحيد قياسي وخلافه؟

4 - هل يمكننا مواجهة ظاهرة حرمان الفرد العربي من حقه في الحصول على معلومات صحيحة ومتجددة تحت دعوى حماية سيادة الدولة من التضليل الإعلامي الذي يفد إلينا من الخارج؟

5 - وكيف يمكن لنا أن نقيم في عالمنا العربي صناعة للبرمجيات بعد أن أصبحت هي العامل الفيصل في تقبل المجتمع لتكنولوجيا المعلومات، وذلك في ظل مناخ لا يتوافر فيه الحد الأدنى لحماية الملكية الذهنية والتي مازال الكثيرون بيننا ينظرون إليها كضرب من ضروب "الرفاهية التنظيمية"، وهل يمكننا التصدي لما نشهده حالياً من سعي دءوب من قبل الشركات العملاقة نحو احتكار صناعة البرمجيات عالميا؟

6 - هل يمكن لنا صياغة موقف عربي موحد، أو شبه موحد، تجاه المشاكل المتعلقة بتدفق المعلومات عبر الحدود الدولية من خلال شبكات الاتصالات والأقمار الصناعية ونظم الاستشعار عن بعد، وذلك دون أن نقع في محظور الانغلاق المعلوماتي؟

7 - هل يمكن أن نحدد لباحثينا وعلمائنا قائمة الأولويات التي تضمن أقصى استغلال للموارد المتاحة وتركز على الجوانب التي يصعب استيراد حلول لها من الخارج؟

8 - هل يمكن لنظم تعليمنا الرسمية وغير الرسمية التخلص من بطئها المعهود لمواجهة مطالب العصر في استغلال قدرات الكمبيوتر لتحديث العملية التعليمية وتخليصها من آفة التلقين والتلقي السلبي؟

9 - هل باستطاعتنا مواجهة الاتجاه المتزايد في تصميم معدات المعلومات وبرامجها على هيئة حزم مدمجة حتى أصبحت بمثابة مجموعة منغلقة من "الصناديق السوداء" ، وهو الأمر الذي يصعب معه فك هذه الحزم لأغراض التصنيع الجزئي أو الصيانة أو الإحلال؟.

10 - كيف يمكن لنا تأمين مصادر اقتناء تكنولوجيا المعلومات بصورة لا تهدد أمننا المعلوماتي؟ وهل يمكننا مواجهة الدورة السريعة لإهلاك المعدات لإحلال الجديد بدلا منها على أسس تجارية بحتة.

11 - هل يمكن تنمية قدرات المدير العربي على استغلال المعلومات لدعم عملية اتخاذ القرار بدلا من استخدام الحدث أو تحليلات سطحية لدراسات الجدوى الاقتصادية؟

12 - كيف نزيد من استغلال المعلومات لخلق الكتلة الحرجة من العلماء والمتخصصين لإرساء قواعد تكنولوجيا المعلومات في أركان الوطن العربي؟

13 - هل يمكننا إزالة العقبات التي تعوق انسياب المعلومات داخل وعبر البلدان العربية من خلال توحيد المفاهيم والمصطلحات وتشجيع سياسة المشاركة في الموارد، وإرساء نظم التوحيد القياسي؟

14 - هل يمكن لمخططينا شحذ قدراتهم للتجسس على المستقبل ووضع منهجيات وأسس علمية وواضحة لتحديد مدى ملاءمة التقنيات الراهنة والمستحدثة لظروف المجتمعات العربية؟

15 - هل يمكننا تسخير إمكانات نظم المعلومات في حفظ تراثنا الفكري المهدر وإعادة تحقيقه وتحليله حتى لا يصبح حكرا على قلة من المفسرين والمدعين؟.

16 - هل يمكننا الوفاء بواجبنا تجاه لغتنا العربية بتهيئة الوسائل اللازمة لها لتصاحبنا - وهي قادرة بلا شك على ذلك - في عصر المعلومات الذي تلعب فيه اللغة دورا أساسياً؟

17 - هل يمكن أن نرتقي بمحاولات التصنيع الجزئي والتجميعي في مجالات الإلكترونيات الاستهلاكية بمصر والجزائر وليبيا لتصبح نواة التصنيع الإستراتيجي لعتاد تكنولوجيا المعلومات بالوطن العربي؟.

ماذا يعني مجتمع المعلومات؟!
ندوة العربي
شارك فيها

د. نبيل علي
د. نادية حجازي

د. هشام الشريف
د. عمر الساوي

المهندس. محمد الحمامصي
أ. سامي خشبة

كان العنف هو مصدر القوة في المجتمعات القديمة. ومع تقدم حركة المجتمع البشري انتقل الآن إلى نقلة نوعية جديدة بحيث أصبحت "المعلومة" هي مصدر القوة. إن السمة الأساسية لهذا العصر هي استخدام العقل البشري. ومجتمع المعلومات الذي يقف العالم العربي متردداً على أبوابه يفرض علينا أن نمتلك الوعي الكافي بأهميته والقدرة الواجبة على اقتحامه. وعلى المواطن العربي أن يغير أسلوب تفكيره بحيث لا يكون مجرد مستهلك للمعلومة المتاحة له، بل يصبح مشاركاً في إنتاجها.

د. نبيل علي:

دعوني أطرح في البداية تصوري عما أراه بخصوص مسار هذه الندوة ومحتواها، وأقترح هنا أن نسعى أولا إلى تعريف المقصود بمجتمع المعلومات، ونحوم قليلاً حول ملامح هذا المجتمع الجديد وخصائصه، وبعدها نناقش المنظور العربي لمجتمع المعلومات، وكيف تختلف رؤيتنا، ولماذا يجب أن تختلف عن رؤية الآخرين بالنسبة لهذه القضية الحيوية؟ نهدف من وراء ذلك تكوين خلفية عامة يمكننا أن نناقش على ضوئها أثر هذه النقلة النوعية الحادة على المجتمعات العربية لنتعرض خلالها لبعض المشاكل والتحديات التي تواجهنا في تهيئة مجتمعاتنا للدخول في عصر المعلومات. وآمل أن نصل من هذا كله في ختام الندوة إلى حد أدنى من الاتفاق حول قائمة المشاكل والأولويات والفرص المتاحة.

د. هشام الشريف:

مجتمع المعلومات هو مجتمع تبرز فيه قيمة الزمن والفكر والمعرفة، ويستطيع الفرد والمجتمع أن يعظم من القيمة المضافة بالاستخدام العملي لتطبيقات المعرفة ولتكنولوجيا المعلومات. نتيجة لذلك ظهرت مجالات جديدة تعددت وتنوعت، وهنا برزت تخصصات شتى لم تكن موجودة قبل ثلاثين عاما. وأدى هذا الأمر بدوره إلى ظهور صورة جديدة للمجتمع، تختلف عما كانت عليه من قبل وتتباين حسب موقعنا الجغرافي من العالم وتختلف حسب موقعنا (الزمن) - أيضا إن تكنولوجيا وإحساس بالزمن، أديا معا إلى تغيير صورة المجتمع.

د. نبيل علي:

هل يمكن القول بأن ما نشهده حاليا، أو ما نتوقعه على المدى القريب، هو مجرد طورٌ آخر من أطوار المجتمع الصناعي القائم بالفعل، أم أنه يمثل نقلة نوعية جديدة تماما؟

أ. سامي خشبة:

أتصور أنها قضية تتعلق بفلسفة المعرفة وبتاريخ العلم، وبالتضافر بين الفلسفة والعلم. أو فلسفة العلم والعلم نفسه في آن واحد. طبعا من الصعب تقصي خطى هذه المسيرة الملحمية وسردها، تلك المسيرة التي أتاحها تطور العلم وتطور التكنولوجيا ومردود تطور كل منهما وضفرهما في ضفيرة واحدة معاً. فمنذ أواخر القرن الماضي بدأ ظهور طفرة نوعية في مجموعة من العلوم على رأسها الرياضيات والميكانيكا والكهرباء والإلكترونيات. التطور في الرياضيات أدى إلى تطور في المنطق، وأدى التطور في المنطق إلى تطور آخر في علم اللغويات، ومن اللغويات إلى الميكانيكا تبدو المسافة واسعة جداً في القرن التاسع عشر - ولكن في بدايات القرن العشرين بدأت العلاقة بين هذا العلم آخر في علم اللغويات، ومن اللغويات إلى الميكانيكا تبدو المسافة واسعة جداً في القرن التاسع عشر - ولكن في بدايات القرن العشرين بدأت العلاقة بين هذا العلم الإنساني المحض (اللغويات) الذي كان مرتبطاً بعلوم البلاغة والأدب، في مجال مختلف نوعياً عن مجال العلم. ولكن بارتباطه بالمنطق ثم الرياضيات، ثم تأثير الرياضيات على الميكانيكا بدأت الفجوة في الضيق والتلاشي. والتقت هذه العلوم المتباعدة في مجال التطبيق التكنولوجي، شارك في هذه المسيرة علماء لا حصر لهم من جنسيات وأوطان مختلفة.

مجتمع المعلومات ومجتمع الخدمات

د. نبيل علي:

لقد حاول الأستاذ سامي خشبة أن يؤكد العلاقة التضافرية بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والهندسية وهي العلاقة التي لعبت دوراً حاسماً في تطور علوم الكمبيوتر وتنوع تطبيقاته ومجالاته، أشعر هنا أننا بحاجة إلى تعريف المقصود بنظم المعلومات، أو "الأنفورماتيك"، وسؤالي هو : ما هي العوامل التي أدت إلى هذه النقلة النوعية في بنية المجتمع الإنساني، هل هو العامل التكنولوجي فقط؟ أم أن هناك عوامل أخرى؟

د. عمر الساوي:

هناك ازدواج بين مجتمع المعلومات ومجتمع الخدمات وكلاهما مساير للآخر، فأي واحد يقدم خدمة للمستهلك يتبادل معه معلومة. فالقيمة مضافة للمعلومات في مجتمع الخدمات عالية جداً. النقلة من المجتمع الصناعي إلى مجتمع الخدمات كانت من بين الدوافع أو ضمن القوى التي أحدثت الانفجار في حجم ونوعية هذه القيمة المضافة للمعلومات.

د. نبيل علي:

لقد أثار د. عمر الساوي نقطة هامة ألا وهي بزوغ مجتمع الخدمات، نحن هنا لا نتكلم عن تكنولوجيا التصنيع أو الكهرباء أو الذرة والتي لعبت فيها الموارد المادية الدور الأساسي، بل ما نحن بصدده هو مجتمع يسوده الإنتاج الذهني الممثل في البرمجيات "Software" والذي أصبحت من خلاله المعلومة والفكرة هي المصدر الأساسي للقيمة المضافة، لقد احتلت المعارف والمعلومات مكانة رفيعة لا تقل عن مكانة الآلات في المجتمع الصناعي التقليدي.

د. نادية حجازي:

كان هناك سؤال معلق. هل هذا العصر أو المجتمع (مجتمع المعلومات) تطور طبيعي للمجتمع الصناعي أم أنه مجتمع آخر له سمات مختلفة. أنا أرى أنه مجتمع ذو سمات مختلفة ندخله تدريجياً. حتى يكتمل بعد مراحل أخرى. كان المجتمع الصناعي يعتمد على سلعة ما، هي ضمن الموارد الأساسية التي يملكها مجتمع ما، من يمنحك هذه الموارد الأساسية يصنعها ومن هنا يمتلك عناصر الغنى والقوة والتفوق على من يفتقر إلى تلك الموارد أما هذا المجتمع الذي نعيشه فيمكن أن يشترك فيه الجميع، سواء كان يملك (موارد) البترول أو غيره. لأنه يستطيع أن يكتسب موارده عن طريق اكتسابه للمعلومة وتصنيعها. وبذلك يشترك في هذا المجتمع. الطفرة الموجودة حالياً في مجتمع المعلومات نتيجة دفعة من عنصرين مهمين هما: وجود الكمبيوتر وعصر الاتصال، والذي أدى إلى ازدهار الاتصالات هو وجود الكمبيوتر الذي جعل صفة (الاتصالات) طاغية عن ذي قبل. فالكمبيوتر موجود في كل شيء حولنا. إذن هذا المجتمع له سمات مختلفة تماما وجديدة. البحث عن المعلومة كأساس عندنا لأنها ستكون هي السلعة التي سنتداولها. ومن يملكها اليوم يمتلك العملة الصعبة الخاصة به. ويمكن لأية دولة أن تشترك في هذا المجتمع بمقدار ما تملك من هذه المعلومة، حتى بالقليل مما تملك من هذه المعلومة العلمية والتكنولوجية.

الديمقراطية ومجتمع المعلومات

د. نبيل علي:

أود أن أتساءل هنا: هل يوفر انسياب المعلومات توافرها وإتاحتها مناخا أفضل لترسيخ مفهوم الديمقراطية وزيادة مشاركة الفرد في تسيير مصيره؟ أم ربما يؤدي ذلك - كما تصور البعض - إلى تركيز هذه الوسائل الفعالة في قبضة مؤسسات السلطة لتزيد بذلك من سطوتها ويصبح الفرد بالتالي أكثر عرضة للقهر!!

سامي خشبة:

الحقيقة قبل أن ننتقل إلى تأثير صناعة المعلومات وانتشارها على البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع ومسألة الديمقراطية، لابد أن نحسم أولا قضية النقلة النوعية وأصولها وتأثيرها. الواقع أن الانتقال إلى مجتمع المعلومات يقتضي أولاً التحول إلى مجتمع صناعي ودون قيام صناعة متطورة وقوية مرتبطة ببنية اجتماعية متعلمة ومستنيرة تضم في ثناياها صفوة علمية قوية جداً، وفائقة التخصص والكفاءة. بغير هذا من الصعب جداً أن يتحول المجتمع إلى مجتمع معلومات. وإلا سنتحول إلى مجتمع مستهلك للمعلومات وليس منتجاً لها، بالضبط كما كنا مجتمعا مستهلكا للمنتجات الصناعية وليس منتجاً لها، وكما كنا مجتمعا مستهلكاً لعلم الآخرين وليس منتجاً للعلم.

د. هشام الشريف:

أضيف جملة فقط إلى هذا الكلام أنه في كل زمان وأي مكان نجد أن تكوين المجتمع نفسه، كان يحتوي على المكوِّن المعلوماتي. بمتابعة المجتمعات سنرى هذا التكوين الشهير عبر المائة سنة الماضية، وقد يغلب مكوِّن ما على آخر في فترة من الفترات.

المهندس محمد الحمامصي:

لي إضافة بسيطة - أو توضيح - حول (كمية المعلومات) فمثلا لم تصبح المعلومة بالنسبة للمزارع فقط حول الحقل وكمية الإنتاج، بل هناك معلومات عن الحقول الأخرى حوله. معلومات عن الآفات التي يمكن أن تصيب المحصول.معلومات عن كيفية القضاء عليها، معلومات عن التسويق والتجارة والمحصول، لم تكن متوافرة قبلاً.هي مسألة كمية معلومات أكبر بكثير عن ذي قبل.سرعة تداولها أكبر، وهناك اليوم برامج مكتوبة تسمح بالتعامل مع الأحجام الكبيرة من هذه المعلومات بحيث يمكن استخراج النتيجة المقصودة منها، وبسرعة، حتى يمكن الاستفادة بها، وقد سمحت التكنولوجيا المتقدمة بتصغير المساحة التي تسجل فيها هذه المعلومات الكبيرة والمتعددة. وسمحت أيضا التكنولوجيا بالتعامل السريع مع مراكز البحث من حيث الاتصال.

كيف يدخل العرب هذا العصر؟

د. نبيل علي:

إن المنظور العربي - في رأيي - يجب أن يقوم على أساس أقصى استغلال للإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات لتعويض تخلفنا والإسراع في عملية التنمية الاجتماعية، في نفس الوقت الذي نسعى فيه إلى تقليص الآثار الجانبية لهذه التكنولوجيا الفائقة لنحد من زيادة الهوة التي تفصل بيننا وبين العالم المتقدم.

د. نادية حجازي:

أريد كنقطة انطلاق أساسية ضرورة التركيز على مسألة نشر وعي الكومبيوتر داخل المجتمعات العربية ابتداء من الإدارة العليا حتى التلاميذ الصغار.

د. نبيل علي

أوافق د. نادية حجازي في هذا، فالوعي - منهجيا - لابد أن يسبق الممارسة والتطبيق، ودعوني أركز هنا على كيفية تنمية هذا الوعي لدى المدير العربي، والذي لم يؤهله تعليمه وخبراته ليكون مستهلكا للمعلومات؟ ولا يخفى على أحد منا عزوف المدير العربي عن طلب المعلومات وعدم سعيه الدءوب لاستخدامها في عملية اتخاذ القرار ومتابعة تنفيذ الخطط.

الإدارة والكمبيوتر

د. عمر الساوي:

التكنولوجيا تساعد على التعجيل أو زيادة السرعة وبالتالي اختصار الزمن اللازم لإنجاز العمل لكن مادام الوعي بالزمن مفقودا أو ليس متوافراً بصفة كافية لن تكون هذه القوة مؤثرة. الوعي بأهمية الزمن والوعي بأهمية سرعة إنجاز الخدمة ودقتها عاملان مهمان جداً، والمدير لن يستهلك المعلومة إلا إذا كانت ستفيده، ولو كان الوعي والزمن مفقودين فسيكون ذلك صعباً. الوعي الكافي بأهمية مستوى الخدمة عامل ضروري، كذا أهمية الزمن.. أكرر ذلك.

د. نبيل علي:

لا شك أن المدير العربي يدرك أهمية المعلومات لكن مازالت قدرته على طلبها واستغلالها محدودة للغاية، سؤالي هو: هل هذا نتيجة لعدم توافر المعلومات بالقدر الكافي ومستوى الجودة المطلوب، أم أن المدير نفسه غير قادر وغير مدرب على استخدام المعلومة وتوظيفها.

د. نادية حجازي:

هو غير مدرب على استخدام المعلومة في اتخاذ القرار، علاوة على أن المعلومات المتاحة له غالبا ما تكون غير دقيقة وغير مكتملة لذا فعندما يلجأ إليها في حدود قدراته يأتي القرار خاطئاً في كثير من الأحيان.

د. نبيل علي:

هل يمكن تدريب المدير العربي وتنمية هذه القدرة لديه في مراحل العمر المتقدمة؟ أم من الأفضل أن نركز على الأجيال القادمة.

د. نادية حجازي:

"مالا يؤخذ كله لا يترك كله" ، إذا كان المدير الآن غير قادر على استيعاب ذلك نحاول معه، ونضع أعيننا على الجيل التالي.

المهندس محمد الحمامصي:

السؤال الذي يلح علينا في هذا الاتجاه: هل نحن نتصور أنه سيكون هناك اقتصاد موجه، بمعنى أن تكون هناك سلطة أو جهة تقول سأقوم بتعليم كل المديرين؟ أم سنترك هؤلاء المديرين لقوى السوق وقوى العرض والطلب والمنافسة لتخليق - بما تفرضه - نمطاً جديداً من المديرين ومن العلاقات وفي استخدام المعلومات. في تقديري أن نترك الأمر لقوى السوق فهي القادرة على تطوير ذلك وخلقه.

سامي خشبة:

أنا أختلف مع المهندس محمد، تكلمنا من قبل حول ضرورة اكتشاف أسلوب خاص بنا للانتقال إلى مجتمع المعلومات. كما كان من الضروري أن نكتشف أسلوبنا الخاص بالتطور الصناعي .. وكذا.. وكذا .. في تصوري أن دور الدولة في مجتمعاتنا دور أساسي جداً ، ليس على المستوى السياسي وإنما على مستوى خلق تقاليد جديدة تتماشى مع نظم العمل وتكنولوجيا الإنتاج الجديدة. أنا أفترض أن الدولة مازالت هي أكبر صاحب عمل في مجتمعنا. أكبر رب عمل في المجتمعات العربية هو الدولة حتى في الدول التي تتبع نظاما اقتصاديا حرا ومطلقا.

في تصوري: أن تتولى الدولة تدريب المديرين العاملين في الدولة على مناهج استخدام نظم المعلومات أو توعيتهم بأهمية نظم المعلومات كعنصر لاختزال الزمن ولتحقيق الدقة، بحيث يزيد وعيهم وطلبهم على هذه المعلومة لاتخاذ القرار.

المهندس محمد الحمامصي:

هل هذا كاف؟!

سامي خشبة:

.. أنا كنت أود أن أكمل: إن هذا مرتبط بنظام كامل من العمل من أجل نشر هذا الوعي ووضع نظام للتدريب مع زيادة الإمكانات المتاحة لتوفير المعلومة واستخدامها الاستخدام الأمثل والصحيح. لابد من وجود تخطيط اجتماعي شامل يشارك فيه القطاع الخاص مع القطاعات العامة.

المهندس محمد الحمامصي:

التخطيط الاجتماعي عبارة (توازن) - مع احترامي لرأي سيادتكم - الفشل تماماً . التدريب بلا شك ضروري ومهم ولكنه غير كاف. لماذا؟ ليس هناك (داتا) أو غيرها.. ولكن رجل القطاع العام، رغم كفاءته - وأنا لا أقلل من قدرات الناس - ليس عنده خلفية، فليس عنده "دافعية" أن يعرف أو يستطيع عمل (كومبتيشن) أو منافسة، ليس هناك غير المنافسة والسوق المفتوح والعرض والطلب. هذه كلها هي التي تخلق من الإنسان العادي إنساناً مؤهلاً لهذا الاجتماع. التدريب وحده لا يكفي - وإن كان لازما - لابد من المنافسة والسوق المفتوح.

استهلاك المعلومة

د. نبيل علي:

اسمحوا لي هنا بأن أنقل الحديث إلى عملية إنتاج المعلومات والمعرفة داخل الأوطان العربية، وسؤالي هنا: هل يمكن للمؤسسات العلمية والبحثية أن تقوم بدور أكثر فاعلية في عصر يسوده العلم والمعرفة؟، أقول ذلك في ظل صورة غير مشرقة لعدم فاعلية الجهود البحثية على مستوى الوطن العربي وانفصال هذه البحوث عن مشاكلنا الفعلية وعزوف مؤسساتنا الإنتاجية عن استخدام ناتج البحوث.

د.نادية حجازي:

المشكلة أن مراكز البحوث كانت دائما في خدمة قطاع الصناعة. وفي هذا فصل بين القوتين بشكل حاد حيث كانت مراكز البحوث تحيا في وادٍ والصناعة في وادٍ آخر. أنا أتكلم عن صناعة المعلومات عموماً. وفي رأيي أن هذين العنصرين إذا اقترب كل منهما عن الآخر - في المجتمعات المتأخرة - يحدث تنافر شديد. والعكس في الدول المتقدمة، تلجأ الصناعة إلى مراكز البحوث . ربما كان السلوك والثقة غير المتوافرة سبب ذلك التنافر في الدول المتأخرة.

المهندس الحمامصي:

الثقة .. حيث يصعب تصديق أي شيء .. ربما كانت الصناعة لا تثق في المعلومات التي تفد إليها من مراكز البحوث.

سامي خشبة:

الحقيقة أنني غير موافق على هذه التعميمات الكاسحة. عندنا نماذج في الوطن العربي. وسأضرب لكم أمثلة وهي متداولة في الصحافة المصرية والعربية، نموذج هيئة قناة السويس في مصر، أو وزارة البترول في السعودية أو وزارة البترول في الكويت قبل الغزو - فيما أعلم - أو هيئة الغاز الطبيعي في الجزائر، أو مشروع الفوسفات في المغرب ، وكلها هيئات عامة، الأمثلة الأربعة أو الخمسة . وهي أمثلة ناجحة، كلها قامت بها مراكز بحوث وطنية، الفوسفات المغربي نفذه السوفييت إنما كل البحوث المتعلقة بهذا المشروع قامت بها هيئة وطنية أظنها جامعة محمد الخامس. وزارتا البترول في الكويت والسعودية لديهما مراكز معلومات، في اعتقادي أنها أحسن وأدق مراكز المعلومات في العالم عن بترول الجزيرة العربية، تشمل قطاعات عديدة في صناعة البترول كلها. من المخزون إلى المحفور إلى المواقع الاستراتيجية، إلى العائد والأسعار وما إلى ذلك. ومشروع قناة السويس معروف عنه نجاحه وكفاءته. وله إدارة البحوث الخاصة به. هذه النماذج الخمسة تحضرني من وحي الذاكرة. وأقول: لماذا لا نأخذ النماذج المتاحة في الوطن العربي باعتبارها نماذج ناجحة تبشر بالخير، ويمكن تكرارها في قطاعات مختلفة. وهناك عشرات أخرى.

الكمبيوتر ودوره في التعليم

د.نبيل علي:

يدرك الجميع الأزمة الحادة التي يعيشها التعليم العربي، وأنا أتساءل هنا: هل يمكن لنظم المعلومات الحديثة تعويض تخلفنا في مجال التعليم؟ وهل يمكن لهذه النظم أن تتصدى لأوجه القصور العديدة لنظم التعليم العربية كآفة التلقي السلبي وتخلف مناهج التعليم؟ وما هو صدى التجارب التي تمت بالفعل في بعض الدول العربية كالسعودية والكويت والجزائر ومصر والأردن وليبيا والتي شهدت بعض المحاولات الرائدة في إدخال الكمبيوتر في المدارس الإعدادية والثانوية ودور الشباب والجامعات ومراكز التدريب المهني؟

سامي خشبة:

هذه مشكلة تتعلق أساساً بالبنية العامة للثقافة العربية من ناحية. والأسس التي يقوم عليها تكوين العقل العربي ومن ثم المجتمع العربي من ناحية أخرى إن دراسات كثيرة أشهرها دراسات الأمريكي ألفين توفلر تؤكد أن انتشار تكنولوجيا المعلومات ليست مسألة "تكنيكية" أو هندسية وإنما هي ترتبط بالمفاهيم الديمقراطية من أول حرية المبادرة الفردية في التفكير والاختراع إلى حرية العمل وحرية تبادل ونقل ونشر المعلومات نفسها، إلى حرية الإنتاج في إطار مؤسسات ضخمة سواء كانت مؤسسات الدولة أو مؤسسات اجتماعية حرة أو مؤسسات القطاع الخاص. ومن المؤكد أن تطوير نظم التعليم العربية بحيث تستطيع الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات - أو الكمبيوتر - بشكل سليم يستلزم تطوير المناهج نفسها تطويراً يتعلق بالمفاهيم وبالمنظورات لكي يمكن أن تتجاوب المناهج مع أسلوب التعليم بالكمبيوتر.

وهناك سؤال مطروح حول التزاوج بين التلفزيون والكمبيوتر. هناك تجربة تمت في الولايات الجنوبية من أمريكا ثم بعد ذلك في الولايات الشمالية. في ولاية فلوريدا لخدمة شمال المكسيك. وفي انديانا لخدمة منطقة كيوبيك في كندا. التجربة كانت عبارة عن إرسال تليفزيوني تعليمي من أجل توصيل خدمة تعليمية في أماكن نائية في الدولتين المجاورتين للولايات المتحدة. وفي بعض المناطق النائية في أمريكا نفسها. والمدهش أن أول دولة من دول العالم الثالث أفادت من هذه التجربة كانت الهند. في منتصف السبعينيات استخدمت الهند، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، قمراً صناعياً لتغطية مناطق الهند كلها تقريبا ببرنامج تعليمي يومي. يمتد من محو الأمية إلى الإلكترونيات. وأعتقد أنه خدم الهند كثيراً. وربما كانت تجربة الهند في مجالات أخرى كثيرة أجدى وأنفع لنا من تجارب أوربية أو تجارب دول جنوب شرق آسيا عند المقارنة.

د.هشام الشريف

أنا أعتقد أن كل الجهود التي نبذلها تفشل من الإدارة أكثر مما تفشل بفعل عوامل أخرى. فلو أننا وضعنا الإطار المضبوط في ضوء فهم واضح لمشاكل ستواجهنا عند إدخال الكمبيوتر في التعليم العربي مثل: مشكلة تعليم المدرسين واستقرارهم في مجالاتهم وخلق الحافز لهم بعد تقلص دورهم في الدروس الخصوصية وانقطاع العائد المادي منها إليهم، ثم مشكلة البرمجيات نفسها، ومشكلة اللغة والتعريب، ومشكلة صيانة الأجهزة وتوفير الدعم اللازم لها، وهي ذات أثمان باهظة ومرتفعة. هذه المشاكل كلها تجعلنا نحتاج إلى ثورة أو برنامج متكامل لإصلاح وتنمية التعليم. ويكون برنامجاً حقيقياً وليس شعارات، آنذاك ستبدأ الوسائل لتنمية التعليم والرقي به.

صناعة البرامج العربية

د.نبيل علي:

من واقع تجربتي الشخصية أجد أن صناعة البرامج (soft ware) تواجهها مشكلة أساسية تمنع من ظهور هذه الصناعة الحيوية أصلا، ألا وهي مشكلة "قرصنة البرامج" أي الحصول على نسخ منها بطرق غير مشروعة وتنتشر في المجتمعات العربية هذه الظاهرة بصورة كبيرة لعدم وجود الحد الأدنى من القوانين التي يمكن على أساسها تجريم هذا الفعل. وأصارحكم القول بأن المناخ السائد لا يحترم الملكية الذهنية ولا يكفل حماية للمبدعين، فكيف لنا في ظل هذا دعوة الفرد العربي لأن يستثمر جهده أو ماله ليصبح عرضة للتبديد الفوري..؟!

المهندس محمد الحمامصي:

لابد من وجود سوق قبل صناعة البرامج. ولابد أن يكون السوق واسعاً وكبيراً بحيث يكون جذاباً للاستثمار ولأننا كعرب توجد بيننا حساسيات جرت العادة على اعتبار أي منتج مصنوع في بلد عربي ما شيئا متوجساً منه في البلد العربي الآخر، بل يعتبر أقل جودة من نظيره المصنوع خارج الوطن العربي. ولهذا السبب فإن وجود سوق بحجم كافٍ يجعل الاستثمارات بصورة جيدة فتلك مشكلة. وليس معنى ذلك أن نقلع عن صناعة البرمجيات. بلد مثل الهند نجحت نجاحا باهراً في صناعة البرمجيات. واستطاعت تصدير نشاطها في صورة برامج إلى الشركات الأمريكية الكبرى. بدأت بعلاقات بين أفراد في هذه المؤسسات والشركات الكبرى طلبت من الهند عمل شغل حيث العمالة أرخص ومناخ العمل آنذاك - منذ ثماني سنوات تقريباً - كان إليجابياً ومشجعا للاستثمارات الأجنبية في هذا المجال، أو بالنسبة للتبادل التجاري في هذا المجال فنجحت. واليوم عندهم تصدير للبرمجيات يقدر العائد منه ببليوني دولار سنوياً. تجربة ناجحة تماماً. صناعة البرامج تحتاج إلى فن وعلم في الوقت نفسه. وحتى تدخل في منافسة السوق لابد من توافر الطرق العلمية مع المحافظة على المستوى الفني.

وهناك ملاحظة مهمة هي أنه من الواجب توافر مناخ الإبداع، في صناعة البرمجيات لابد من وجود جو مناسب، ودخل يساعد المبدع على الاستقرار. كذلك توافر الحرية في اختيار الموضوع. وأظن المركز الإقليمي الذي يشرف عليه د. هشام يمكن أن يوفر هذه الشروط التي على أساسها يمكن صناعة (السوفت وير). وهناك تجربة أخرى يمكن أن يحدثنا عنها د. نبيل.

نظم عربية موحدة

د. نبيل علي:

إن عملية تنمية الطلب أو السوق العربية في مجال صناعة البرمجيات هي أحد الشروط الأساسية لنمو هذه الصناعة. وهناك مشاكل عديدة وراء نقص الطلب، منها - على سبيل المثال لا الحصر - غياب عنصر التوحيد. القياسي على مدى الوطن العربي واختلاف النظم الإدارية والمالية بين بلدانه وهو الأمر الذي يصعب معه قيام المطورين العرب بإنتاج برامج ذات صفة العمومية، أي يمكن استخدامها خارج حدود البلد الواحد، يضاف إلى ذلك عدم حماية الاستثمارات في هذا المجال. وفي حدود علمي، قام د. هشام الشريف ببعض الجهود لإصدار القوانين اللازمة لحماية حقوق مطوري البرامج وحماية براءات الاختراع والملكية الذهنية.

د.هشام الشريف:

أريد أن أقول: إنه لابد من توافر المناخ، والسوق، وحفز قدرات المجتمع، ومؤسساته مثل: المراكز والشركات الصغيرة التي تستند إلى الشباب، فالشركات والمؤسسات الناجحة بدأت باثنين أو ثلاثة وأصبحت شركات عملاقة. لو جمعنا الشباب وشجعناهم وحفزناهم وكنا لهم بمثابة (حضانات) حتى يشتد عودهم، لو أسهمت المؤسسات التنموية باستنفار كل القدرات والخبرات والطاقات بحيث يتم تشجيع الجديد بدلاً من العمل على إحباطه، والأخذ بيد الصغير - في هذا المجال - حتى يكبر، هذا محصلته عاملان: تكثير العدد والكثافة، وتكبير الموجود. هذا دور المؤسسات التنموية والدولة. إنها ترصد وتعي أن لا مستقبل لها بدون ذلك. فتقوم بتشجيع الصناعة مع تغيير مكوناتها. لابد من التحفيز الكامل والمتكامل. هناك طاقات في المنطقة العربية قادرة على الوعي والفعل.

د. نادية حجازي:

كنت أريد أن أشير إلى نقطة مهمة جداً. كثيراً ما ووجهت في أثناء تجاربي الخاصة في هذا المجال بمن يسخر وينال من الجهد المبذول فيما يختص بالتعريب. تعريب الكمبيوتر؟ مع الأسف مسئولون مثقفون، أو مفترض فيهم ذلك، يقولون: هل تريدون تعريب الكمبيوتر كما كنتم تريدون تعريب العلوم؟ إنها تجربة فاشلة - هكذا يقولون .. العملية ليست تعريب الكمبيوتر.. إنها ...

تجربة رائدة في التعليم

د. نبيل علي:

أوافق د. نادية حجازي تماما فيما قالته بشأن عدم إدراك الكثيرين من أهل التعليم لأهمية تدريس الكمبيوتر باللغة العربية ومازلنا نتناول مشكلة تعريب التعليم الجامعي بصورة سطحية غير مستندة إلى تجارب فعلية ودعوني هنا أشير إلى بعض الإحصائيات التي نمت لعلمي عن تفوق الأطباء السوريين والذين درسوا. الطب بالعربية على كثير من زملائهم العرب في الاختبارات المؤهلة للدراسات العليا بأوربا وأمريكا.

د.نادية حجازي:

مفهوم التعريب نفسه خاطئ عند بعض الأفراد والجماعات وبحاجة إلى توضيح حتى ينتشر الوعي بأهميته. أنا لن أقوم بتفهيم اللغة العربية للكمبيوتر بل سأقوم بترجمة البرمجيات حرفيا، لابد من فهم ذلك.

د.نبيل علي:

أنا أؤمن، وبشكل قاطع، بضرورة أن نخضع التكنولوجيا لمطالب اللغة وليس العكس، وتتيح نظم المعلومات الحديثة وسائل عديدة يمكن استغلالها في التصدي للأزمات العديدة التي تحيط بلغتنا الأم تنظيراً وتعليما واستخداما، وهناك أزمات كثيرة تحيط بلغتنا الأم فهناك أزمة في معجمها وأزمة في تدريسها وأزمة في مصطلحها وأزمة في التنظير لها، إلا أنني أعتقد أن إحدى المشاكل التي تواجهنا في إقامة صناعة برمجيات عربية هي أن بعض مؤسسات التعليم العربية، ترفض فكرة تعليم الكمبيوتر باللغة العربية، وهنا يجب أن نوضح الفرق بين هدفين: تعليم الكمبيوتر نفسه واستخدام الكمبيوتر كوسيلة لتعليم المواد الأخرى، ويواجه تحقيق الهدف الثاني غياب المناهج المبرمجة المطورة للكمبيوتر (Courseware).

د.هشام الشريف:

هناك ملاحظة لي قد لا تكون مرتبطة بالتعريب. ولكن تخص الكلمة المكملة لها وهي التراث. من الفرص المتاحة للغة العربية في تكنولوجيا المعلومات والعصر بما فيها من فيديو وكمبيوتر وصوت. يمكن أن تساعدنا هذه التكنولوجيا بطريقة غير عادية في إعادة الحفاظ على حصر وتوثيق تراثنا. هذه فرصة لا تعوض فعلاً ويجب أن ننتهزها فوراً.

سامي خشبة:

على فكرة ستلقى.. رواجا.. مثل القرآن

حفظ التراث

د.هشام الشريف

نعم .. أنا بدأت ذلك في مركز التكنولوجيا والمعلومات وحزم البرامج، وهو مركز جديد؛ وبمساعدة أستاذ زميل من العاشقين المتفانين في هذا المجال، (ا.د. فتحي صالح) وهو عاشق ل (الآركيولوجي) علم الآثار إضافة إلى أنه كان رئيس قسم (الكمبيوتيد) .. استغل خبرته في المجالين لخدمة فكرة توثيق تراث كل المتاحف الموجودة في المنطقة. المتحف الإسلامي، المتحف القبطي، المتحف الفرعوني، كلها توثق .. وهذا يدفعنا إلى التفكير في مرحلة أبعد، هي طريقة عرض هذه الآثار وإعادة النظر فيما هو سائد من معرفة تخصها.

المهندس محمد الحمامصي:

لتوسيع القاعدة والإفادة يجب أن يشمل هذا الاتجاه العناية بالوثائق الموجودة في دار الكتب والأوقاف ودار المحفوظات، وثائق ذات قيمة تاريخية لا تقدر بقيمة أو ثمن . ومع الأسف فإنها تندثر لسوء المعاملة من تخزين وعدم متابعة أو صيانة أو رعاية واهتمام .. لابد أن تحترم وتخزن في الكمبيوتر.

يجب أن يتم ذلك لحفظ التراث للأجيال من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة والتعلم منه. وقد قامت شركة (عالمية) بجهد كبير في فهرسة (القرآن الكريم) وهو جهد طيب شمل أيضا الأحاديث. وقد ساعد ذلك على البحث، حيث أصبح يمكن البحث، عن معنى أو كلمة وردت في سياق ما.

د. هشام الشريف:

مما يدعو إلى التفاؤل أنه حالياً يتم التمهيد لعمل تجربة رائدة في مصر لو تمت فستكون السد العالي الجديد. وهي تخص حصر التراث والآثار في مجالات مختلفة. وتتم الآن صياغة المشروع، لتجميع مجموعة من المتاحف في متحف كبير. وهنا الآن خبير مكسيكي في هذا المجال سيقوم بإدخال هذه المعلومات في الكمبيوتر مستخدما تكنولوجيا المعلومات. وهو حالياً في مرحلة الدراسة والمناقشة.

المهندس محمد الحمامصي:

آخر نقطة أثيرها. لقد تحدثنا وتناولنا الموضوع من جوانب عديدة وفي النهاية نجد أن التعليم وتطويره والحفاظ على التراث وتوثيقه و.. و.. كل ذلك يحتاج إلى المال، الفلوس في مصر غير متاحة.

سامي خشبة:

نحن نتكلم على مستوى العالم العربي.. وأظن بذلك أن تكون الأموال متاحة.

المهندس محمد الحمامصي:

لأجل ذلك أريد أن أصل إلى ما قلت .. يجب أن نقوم كعرب بإنشاء شيء مثل (صندوق التنمية التكنولوجية) يكون الغرض منه الاهتمام بالتعليم وعصر المعلومات، يسهم فيه كل من يملك القدرة المالية. بحيث تتوافر المادة المطلوبة للصيانة والتشغيل، لا بد من ذلك ولابد من صندوق التنمية هذا، هذا الصندوق الذي سيكسر الحواجز بيننا كعرب عن طريق إقامة link حلقة اتصال بين المعنيين والدارسين والمهتمين للتباحث في شئون هذه المجالات. ويساعد على تبادل البحوث كما هو معمول به في أوربا وأمريكا.

د.نبيل علي:

على المستوى العربي، إن لم يتزايد الاتجاه الصادق نحو المشاركة في الموارد وتكاملها فالموقف في رأيي يبدو معتما للغاية؛ إن لم نقبل مبدأ المشاركة في الموارد البشرية والمادية، وهي محددة بالقطع، فإننا سنقع بالحتم في أزمة تفتيت هذه الموارد وتكرار الجهود وتناقض الحلول، كل هذا ونحن بصدد قضية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية غاية في الخطورة، وتلعب فيها اللغة - التي تربط كيان مجتمعنا العربي - دورا أساسيا.

كنز من المعلومات

د. هشام الشريف:

أنا أريد أن أشبه حالة مصر بحالة الوطن العربي منذ 40 أو 50 سنة، كان هذا الوطن يجلس فوق بحيرة بترول ما إن اكتشفت حتى شد الرحال إليها كل الناس لاستثمارها. مصر الآن تنام فوق بحيرة أو كنز بترولي من نوع آخر.

سامي خشبة:

كنز معلوماتي ..

د. هشام الشريف:

نعم كنز معلوماتي بالضبط .. عماده هو الطاقات البشرية، وهو الذي كنا نعده في فترات كبيرة عيباً وثقلاً شديد الوطأة. ممكن لو أننا نظرنا إلى هذا العدد الهائل بمنظور آخر سنراه ثروة إذا ما توافرت لها الإمكانات والتنظيمات لإنشاء أدوية للتكنولوجيا في هذه المناخ الخصب.

سامي خشبة:

ألتقط الخيط من د. هشام وأقول: ليس مصر وحدها هي التي تعتبر كنزاً معلوماتياً، العالم العربي يملك كنوزا معلوماتية منها - كما أشار المهندس الحمامصي - كنز التراث. ولكي يحدث التكامل المنشود لابد من وجود مشروعات تستطيع توحيد السوق حول مشروعات توثيق التراث كما حدث في مشروع القرآن أو الحديث. وأنا أتصور حقيقة أن التراث العربي والإسلامي كله، وخاصة الأشياء المادية، من أبنية ومساجد وصوامع وتكايا، أو المتاحف، والتراث المكتوب أيضاً، أعتقد أنه بإدخالها كومبيوترياً، وصنع برامج (سوفت وير) عنها ومنها، مدروسة ومحللة، يمكن تسويقها لا في الوطن العربي والعالم الإسلامي فقط، بل في كل أنحاء العالم.

د. هشام الشريف:

هذا المشروع، أو مثل هذه المشروعات لا يستطيع أن يقوم بها مركز وحيد مهما أوتي من قوة الدافع والطموح لكن يلزمه دعم من صندوق عربي نود أن نؤكد ضرورة وجوده، كذا مراكز أبحاث متضافرة واعية ومتحمسة في كل دولة وكل مدينة حتى يتحول إلى مناخ للعمل. والمراكز التنموية هذه تفرخ قطاعات خاصة، شركات ومؤسسات تربح، لأنه لو اتجهت تنوياً فقط بدون تفريخ، فهي بلا مستقبل.

د. نبيل علي:

في نهاية هذه الندوة دعوني أكرر هنا السؤال المحوري الذي تعرضنا له خلالها: هل ستتيح لنا تكنولوجيا المعلومات والنقلة النوعية التي أحدثتها فرصا حقيقية لتعويض تخلفنا؟ أم أنها تهددنا بمزيد من التخلف وضياع هويتنا الحضارية والثقافية وما أبهظ كلفة التخلف.!! إن علينا أن نتخلص وعلى الفور من حالة الاسترخاء الفكري والعملي في مواجهة هذه التكنولوجيا الوافدة، وأن نتحرك من مرحلة ردود الفعل إلى الفعل ذاته، وليكن منطلقنا هو بلورة سياسة واعية للمعلومات على مستوى الأقطار العربية.

د. هشام الشريف:

لا خيار.. أو إنه الخيار الحتمي.

سامي خشبة:

أخطر من هذا: أن اللحاق بهذه النقلة لا بديل عنه سوى مواجهة أخطار رهيبة جداً. مشروع الثورة الصناعية في منتصف القرن التاسع عشر كان من المحتمل، ومن الممكن، تعويضه في نهاية القرن العشرين. الفشل في تحقيق هذه النقلة سيكون كارثة، إذ إننا سنصبح خارج التاريخ لأنه سيكون من المستحيل تعويضها.