سلامة البشرية في سلامة البيئة

مستجدّات الهندسة البيولوجية وعجائبها

لعل جبهة الهندسة البيولوجية هي أكثر جبهات العلم خطرا وخطورة. فالهدف هنا لا يقف عند مزيد من التقدم تحرزه البشرية في هذا المجال أو ذاك، وإنما التغيير والتبديل في صميم بنية المخلوقات: نباتات كانت أم حيوانات. وقد يكون هذا التغيير في صالح تلك المخلوقات. وذلك ما يهدف إليه العلماء ويسعون. وقد يؤدي إلى تشويهها والعبث بمصيرها. والهندسة البيولوجية مازالت في مراحل نموها الأولى، فقد بدأت قصتها قبل نحو 8 سنوات، سنة 1983 بالتحديد، وحين نجح العلماء في حقن التبغ والبتونيا بموّرثات، أو جينات، غريبة عنها وراثيا، والنباتان المذكوران، كما هو معروف، هما النباتان اللذان يُفضِّلهما العلماء لإجراء تجاربهم في عالم النبات. شأنهما في ذلك كشأن فئران الاختبار البيضاء في عالم الحيوان.

وعن أهداف هذه التجارب... نذكر المناعة، فقد سعت الهندسة البيولوجية إلى تخليق نباتات تكون أكثر مقاومة للحشرات والآفات والأعشاب الضارّة، ونذكر أيضا التغذية، وقد حرص العلماء على مضاعفة عناصر الغذاء، لا سيما البروتين، في عدد من النباتات، وبخاصة تلك التي يعتمد عليها الملايين، والتي قد تسهم في تفادي كارثة الانفجار السكاني.

وفي عالم الحيوان، استهدفت التجارب تخليق فصائل من الحيوان تكون أسرع نموا، وأطرى لحما أو تكون أكثر إدْرارا للبن، أو تدرّ لبنًا يحتوي على خصائص علاجية، وكأن فيه دواء، وهو لا يعدو كونه لبنا أو حليبا، ويصدق هذا على الماشية بعامّة، وعلى الأبقار بخاصّة.

أما المنجزات في عالم النبات، فلعل أحدث ما يذكر منها الطماطم الأكثر تعميرا ، فقد نجحت شركة كالجين بكاليفورنيا في تخليق فصيلة من الطماطم لا تتلف بسرعة، كالطماطم العادية. وتؤكد التوقعات أن هذه الطماطم الجديدة المعمرة ستصبح في متناول المستهلكين بعد نحو سنتين، أي في غضون سنة 1993.

ونذكر أيضا الذرة - محصول الولايات المتحدة الأول - فقد أعلنت شركة نيوتِكْنيكس في كمبردج (بأمريكا)، أعلنت في مطلع هذه السنة نجاحها في تخليق فصيلة من الذرة جديدة تفوق الفصائل القديمة من حيث المناعة ضد الأمراض ومن حيث القدرة على مقاومة الحشرات، وتكون أغزر محصولا وأكثر نفعا وغذاء.

ونذكر كذلك البطاطس والأرز، وقد نجحت التجارب التي تجريها شركات أمريكية وبريطانية - وغير ذلك، والتي تهدف إلى مضاعفة نسبة البروتينات فيهما، وذلك بقصد إعداد العدّة لكارثة الانفجار السكاني التي باتت وشيكة، والتي ستحلّ بالبشرية في منتصف القرن الآتي، كما يرجح العلماء، حين يتضاعف مجموع سكان العالم ليصبح نحو عشرة بلايين نسمة.

وشهد عالم الحيوان من المنجزات مثلما شهده عالم النبات. فبالإضافة إلى دمج خصائص الحمير بخصائص الخيول وحمير الوحش، وبالإضافة أيضا إلى دمج الخروف بالعنز، نجح العلماء في تخليق هرمون طبيعي سموه (BST)، من شأنه أن يضاعف قدرة الأبقار على الإدرار، لدرجة أنه أصبح منذ الآن مصدر قلق لأصحاب الأبقار جميعا نظرا لما سيحدثه الهرمون من هبوط كبير في أسعار الحليب. لقد أصبح في مقدور العلماء إنتاج هذا الهرمون على نطاق واسع - على ضآلة إفرازاته في الطبيعة - وذلك بفضل البكتريا التي نجحوا في برمجتها بغية إنتاجه الوفير، ولعل الهرمون الجديد قد حصل على ترخيص وكالة الغذاء والدواء في نهاية السنة الماضية (1990)، كما كان مقررا.

بقي أن نشير إلى منجزات الهندسية البيولوجية المتوقعة في مستقبل بعيد. فهي تشمل فيما تشمل، تخليق بنٍّ ينمو على الطبيعة خاليا من الكافيين، وفول صويا يكون غنيا بزيت الحوت من نوع Sperm بالإضافة إلى زيوته النباتية، هذا فضلا عن تخليق أبقار تعطينا لبنا خاليا من القشدة.

هل الدولفين مهدد بالانقراض!

لعل الدولفين هو أقرب حيوانات البحر إلى قلب الإنسان... وحسبك أنه الوحيد بين تلك الحيوانات جميعا الذي يبادر إلى نجدة وإرشاد الملاحين وهم في عرض البحر... من هنا كان الضرر الذي قد يتعرض له الدولفين باعثا على استياء الإنسان، لا سيما إذا كان ذلك الضرر من صنع الإنسان نفسه.

أما المكان فليس سوى حوض البحر الأبيض المتوسط، فقد عثروا على جثث الدلافين ملقاة على شواطئ فلنسيا في إسبانيا. وقل مثل ذلك في شواطئ فرنسا وكانت كمية الجثث هنا وهناك أكثر بكثير مما يسمح باعتبار الظاهرة، ظاهرة بيئية عادية، فقد أحصوا على الشواطئ الفرنسية (50) جثة في غضون أسبوعين فقط، ولو كانت ظاهرة عادية لما جاوز المجموع 50 جثة في السنة كلها، كذلك بلغ عدد الجثث التي أحصوها على الشواطئ الإسبانية (250) جثة خلال ثلاثة شهور، أي (20) ضعف الكمية السوية في الحالات العادية.

ولكن ما هي العوامل التي تسببت في هذه الكارثة؟ ما هي الأسباب التي أدّت إلى موت الدلافين على هذا النطاق الواسع؟!

وما أسرع ما أثبتت التحاليل المخبرية أن فيروس موربيللي Morbilli هو السبب، والفيروس المذكور شبيه بالفيروس الذي تفشى في حيوان الفقمة في بحر الشمال سنة 1988 والذي قضى على 20.000 رأس من ذلك الحيوان.

وتساءل العلماء بعد ذلك: كيف تفشى ذلك الفيروس ولماذا؟ ولم يمض وقت طويل حتى أثبت لهم تشريح بعض الجثث أن سبب الموت هو المعادن والمواد الكيماوية السامّة التي وجدوها متغلغلة في أنسجة تلك الجثث، فمن شأن هذه المواد وتلك أن تضعف جهاز المناعة في الدولفين بحيث يصبح هدفا سهلا لفيروس الموربيللي، ومعنى هذا أن الإنسان هو المسئول عن كارثة الدولفين بقدر ما يعتبر مسئولا عن التلوث البالغ الذي حلّ بالبحر المتوسط منذ حين.