للديمقراطية وجوه عديدة .. د. أحمد أبوزيد

للديمقراطية وجوه عديدة .. د. أحمد أبوزيد
        

          لحقوق الإنسان دور بارز في التطورات المعاصرة التي تساند الديمقراطية وتعمل على تقدمها وارتقائها، على الرغم من كل المشكلات الناجمة عن العولمة وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية السلبية في كثير من الأحيان، مثل عدم المساواة والبطالة والفقر وغيرها. وهناك رغبة عامة وقوية وبخاصة في المجتمعات النامية في العالم الثالث في ضرورة التمسك بمبادئ الديمقراطية والارتقاء بها لمصلحة الجماهير والفئات المهمشة بوجه خاص كوسيلة لتطبيق حقوق الإنسان بشكل سليم. ومع ذلك فثمة كثير من المخاطر التي تتعرض لها الديمقراطية في الدول المعروفة باسم الدول الفاشلة من ناحية، ورغبة الدول المتقدمة في الهيمنة والانفراد باتخاذ القرارات التي تؤثر في حياة الشعوب المستضعفة من الناحية الأخرى.

          إلا أن السياسة المعاصرة ترتكز على الرغم من ذلك على مبادئ الديمقراطية كنظام مثالي للحكم، لدرجة أن جميع الدول في كل أرجاء العالم تزعم أنها دول ديمقراطية بالرغم مما بين نظمها من تفاوت واختلاف، مما قد يعني أنها تأخذ الكلمة بمعان مختلفة تتفق مع مصالحها الخاصة ومع النظام الذي ارتضته لنفسها، وكانت النتيجة ظهور نظم «ديمقراطية» جديدة ومصطلحات وتعبيرات تكشف عن طبيعة هذا التعدد وأسسه وأسبابه، وأصبحنا نسمع مثلا - عن «الديمقراطية الجديدة» و«ما بعد الديمقراطية». وكلها تزعم أنها ترتكز وتقوم على مبدأ تنفيذ إرادة الشعب ومراعاة مصالحه والعمل على تحقيقها والخضوع لأحكامه.

          ويشير مصطلح «الديمقراطيات الجديدة» في الأغلب إلى أشكال الحكم في الدول التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، ثم انتهاء الحرب الباردة وسقوط الشمولية الشيوعية وما ترتب على ذلك من تحولات في النظرة إلى العلاقة بين الدولة والشعب بما يتناسب مع الأوضاع المستجدة التي ترفض السياسات القمعية وتؤازر حرية التعبير عن الرأي، وبخاصة فيما يتعلق بأسلوب الحكم وازدياد الشعور بأن الإرادة الشعبية يمكن أن تغير الحكومة والسلطات الحاكمة وأن الاتفاق الشعبي العام هو أساس الحكم.

          وتعتبر المشاركة السياسية لقوى الشعب المختلفة محور النظام الديمقراطي لتحقيق الأهداف الاجتماعية من خلال المناقشات المفتوحة وتبادل الرأي والتمسك بالمواطنة النشطة الفعّالة، كما تعتبر الأحزاب الأداة الرئيسية للمشاركة السياسية وأحد أهم ملامح الديمقراطية الليبرالية، ليس فقط لأنها تتيح الفرصة للتنافس على الحكم وتداول السلطة بشكل يعكس اختيار الشعب لمن يحكمه والسياسة التي يرغب في اتباعها وتطبيقها، ولكن أيضًا لأنها تساعد بشكل غير مباشر في تحول الحركات الغوغائية والنزعات الفوضوية إلى أنشطة إيجابية وبناءة، وذلك إذا تغاضينا عن أعمال العنف و«البلطجة» والتزوير التي تمارَس أثناء الانتخابات البرلمانية في كثير من مجتمعات العالم الثالث. وفي هذه الحدود تعتبر الأحزاب «اختراعًا» رائعًا لتنظيم المجتمع وضمان المشاركة الشعبية في تقرير المصير، وأداة لترويض سلطة الحكومة في الوقت نفسه. وقد تكون هناك ثقافات ترفض هذا النوع من التنظيم لأسباب تاريخية وتقاليد موروثة، وتعتبر قيام الأحزاب خروجًا وتمرّدًا على تلك التقاليد. ففي المجتمعات النامية في العالم الثالث كثيرًا ما تأخذ النظم السياسية في الاعتبار تعدد الانتماءات العرقية أو الدينية أو اللغوية التي تتعارض مع مبدأ المواطنة الذي يقوم عليه النظام الديمقراطي، مما يؤدي إلى كثير من الاضطرابات وعدم الاستقرار الاجتماعي داخل تلك المجتمعات.

صعوبات الديمقراطيات الجديدة

          وعلى أية حال فإن هذه الديمقراطيات الجديدة التي نشأت بعد استقلال المستعمرات عقب الحرب العالمية الثانية، كما هي الحال في إفريقيا وظهور العالم الثالث ثم انتهاء الحرب الباردة، تواجه عددًا من الصعوبات والمشكلات التي تمنع من تحقيق التنمية والتطوير وإقرار السلام والأمن الداخليين مثل ضعف الإرادة السياسية وندرة الكفاءات وعدم القدرة على الريادة والمبادأة وتغليب المصالح الخاصة وعدم وضوح مفهوم المواطنة بقدر كاف وعدم الاستقرار والميل إلى العنف بدلا من التفاهم نتيجة لسوء العلاقة بين الدولة والمواطن وانعدام الثقة بين الطرفين، وذلك بالإضافة إلى تغيرالسياسات بتغير المسئولين الذين يشغلون  الموقع نفسه في فترات مختلفة، وقلة التواصل وتواضع كفاءة ممثلي الشعب وسوء اختيارهم سواء أكان ذلك عن طريق التعيين أم بالانتخاب، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية، وبالتالي سطحية التخطيط وهكذا. ومن هذه الناحية وفي هذا الإطار والحيز تعتبر الديمقراطيات الجديدة ديمقراطيات شكلية أو حتى زائفة وعاجزة عن الاضطلاع بالمسئولية نحو المجتمع، بل قد تتحول إلى أداة لتحقيق مصالح ورغبات السلطة الحاكمة. بل إنه حتى في الحالات التي يراعى فيها الجانب الإجرائي المتمثل في التصويت وانتخاب الممثلين عن الشعب وتكوين الحكومات تبعًا لذلك، فإنه لايسمح بتداول السلطة وكثيرًا ما يرفض القادة التنازل عن سلطان الحكم إذا جاءت نتيجة الانتخابات في غير مصلحتهم، والأمثلة عدة في المجتمعات النامية التي يدخل العالم العربي في نطاقها.. ولذا فكثيرًا ما يحكم على الديمقراطية الجديدة بأنها مجرد أكذوبة لا وجود لها على أرض الواقع.

مابعد الديمقراطية

          على الجانب الآخر يقف المجتمع الغربي الآن على أعتاب ما يطلق عليه اسم «ما بعد الديمقراطية» وهو مفهوم حديث نسبيًا في العلوم الاجتماعية، ولم يستقر الأمر بعد على تعريف محدد ودقيق له، ولذا يكتفي معظم الكتّاب الذين يعرضون له بالحديث عن جوانبه الإجرائية والتطبيقية. ولكن كلمة «ما بعد» لا تعني أبدًا أن المبادئ والقيم الديمقراطية الليبرالية تطورت وارتقت ووصلت إلى مستويات أعلى وأرقى، سواء في مجال المشاركة الشعبية أو في مراعاة حقوق الإنسان عما هو معهود في الديمقراطية التقليدية، بل ربما يكون العكس هو الصحيح, فالمفهوم يشير ببساطة إلى الدول التي تتمسك ظاهريًا أو حتى مظهريًا - بقواعد الديمقراطية وتطبيق خطواتها الإجرائية، ولكنها لا تراعي في واقع الأمر المبادئ والقواعد التي يرتكز عليها الحكم الديمقراطي السليم، بل كثيرًا ما تخرج عليها بشكل صريح لدرجة أن بعض الكتّاب يصفون هذه الدول بأنها مناوئة للديمقراطية على الأقل لعدم وجود تمثيل حقيقي للشعب بشكل قاطع وحاسم. وقد تزايد وجود هذا التيار في السنوات القليلة الماضية بحيث كاد يصبح علامة مميزة للقرن الحادي والعشرين نتيجة لتراجع بعض المبادئ وبداية سيطرة فئات من الصفوة التي يعتمد عليها النظام الحاكم على حساب القوى الشعبية، ولم تعد نتائج الانتخابات تمثل الحقيقة كما لم تعد حقوق الإنسان تلقى الاحترام المناسب مع منع المعارضة الضعيفة من إبداء الرأي بحرية كافية، بل كثيرًا ما يتم ترويضها لدرجة أنها تتحول إلى مداهنة السلطة الحاكمة، مما يعني أن الديمقرطية أصبحت خالية من المعنى.

          وقد وصل الأمر ببعض الكتّاب إلى حد اتهام «ما بعد الديمقراطية» بأنها خطة خبيثة لإضعاف الدولة القومية الديمقراطية والتهوين من شأن القرارات الديمقراطية داخل الدولة وإخضاعها لتأثير اتجاهات العولمة وظهور المنظمات فوق القومية أو المتعدية للقوميات Trans-national.

          والفكرة السائدة في بعض الكتابات هي أن ما بعد الديمقراطية نظام يقوم على سيادة وتحكم الصفوة السياسية والاقتصادية والانفراد باتخاذ القرار وتهميش الرأي العام ممثلا في نواب الشعب وذلك بحجة مواجهة التحديات الخطيرة التي يتعرض لها المجتمع نتيجة التغيرات العالمية، كما هو الشأن في مواجهة الإرهاب التي تتطلب وجود قوة مهيمنة داخل الدولة تتخذ القرار الحاسم والسريع للمحافظة على الأمن القومي أو الهوية الوطنية. فالنظام «الديمقراطي» هنا يتجاوز مبادئ الديمقراطية دون أن يعني ذلك بالضرورة إلغاء هذه المبادئ، بالرغم من التعدي على الحريات الشخصية مع تطويع ممثلي الشعب للموافقة بأساليب تتقنها القوى الحاكمة بحيث يبدو الأمر في النهاية كما لو كانت تلك الإجراءات تمت بالموافقة العامة، أو على الأقل عن طريق اقتناع الممثلين - أو حتى الميديا - بالمبررات التي تقدمها السلطات الحاكمة. وبذلك تفقد الانتخابات معناها وتكون المشاركة مسألة شكلية ومشاركة صورية لها نتائج سلبية.

          وفي كتابه القصير عن «ما بعد الديمقراطية» Post Democracy يصف الأستاذ كولين كرتش Colin Crouch - أستاذ النظم السياسية المقارنة بجامعة أكسفورد - سلوك السياسيين في دول ما بعد الديمقراطية بأنه أقرب ما يكون إلى سلوك المهربين Traffickers القائم على الخداع والمراوغة والتسلل حتى يتم لهم تمرير بضاعتهم في غفلة من المجتمع، والسيطرة بعد ذلك على الأنشطة الاقتصادية بطرق غير مشروعة. ففي عهد ما بعد الديمقراطية الذي يشهده العالم الآن، لا تقوم نظم التمثيل الديمقراطي بوظائفها الصحيحة في التعبير عن إرادة المواطنين والدفاع عن حقوقهم، كما تتضاءل قدرة السلطات التشريعية على تحديد الحقوق والواجبات وتترك الأمر لسلطات الأمن العام التي تتحكم في كل شيء في المجتمع، بما في ذلك الميديا والثقافة العامة، مما يؤدي إلى الشعور بالإحباط. فقد انفصلت الحكومة عن الشعب الذي قامت لخدمته، وفسدت الأحزاب وأصبحت مصدرًا للفساد والإفساد، لأنها خضعت لسطوة الصفوة الرأسمالية التي تعطى أولوية لمصالحها الخاصة بدلاً من أن تكون أداة للتعبير والدفاع عن المصالح العامة. ويبدو أن ما بعد الديمقراطية بهذا المعنى بدأت تفرض نفسها على كل المجتمعات بغير استثناء وأنها سوف تكون سمة الحكم في المستقبل في كل أنحاء العالم.

خطوات مضادة

          وكان لابد إزاء هذه الأوضاع من أن تتخذ الشعوب أو الجماعات والفئات المهمّشة مواقف وخطوات مضادة تعبّر عن عدم الرضا وعن الرغبة في المشاركة السياسية واتخاذ القرارات التي تحقق مصالحها وتطلعاتها وتحد من سطوة رجال المال والأعمال وانفرادهم بإدارة شئون المجتمع والدولة. وتتخذ تلك المواقف في العادة شكل الحركات الاحتجاجية بمختلف صورها، اعتبارًا من الاعتصام الهادئ الصامت إلى المسيرات السلمية المنظمة التي تراعي مبادئ القانون وتلتزم بتعليمات وتوجيهات قوى الأمن العام إلى الإضرابات والتظاهرات الصاخبة الغاضبة وغير المنظمة التي تلجأ إلى العنف والتخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وقد تصل إلى حد الصدام مع الحكومة.

          ويعتبر بعض الكتّاب هذه الحركات الاحتجاجية أحد المظاهر غير التقليدية، للمشاركة السياسية في مجتمعات ما بعد الديمقراطية وأنها أصبحت سلوكًا معترفًا به وجزءًا من العملية السياسية والممارسة الديمقراطية. وقد اتسع نطاق هذه الحركات في السنوات الأخيرة نظرًا لانتشار اتجاهات ما بعد الديمقراطية خارج الديمقراطيات الغربية الرأسمالية وانتقالها بشكل ما من الجماعات المعدمة والمحرومة إلى الطبقات المتعلمة والطبقة الوسطى، ولم تعد تعتبر سلوكًا متطرفًا أو مرفوضًا من المجتمع ككل. فتاريخ الديمقراطيات هو إلى حد كبير سجل حافل بأحداث الاحتجاجات السياسية والتمرد أو الرفض السياسي من جانب الشعوب والفئات التي تشعر بالحرمان من ممارسة حقوقها السياسية من خلال القنوات المشروعة للمشاركة، مما يجعل الحركات الاحتجاجية أحد الخيارات المتاحة أمامها. وبذلك لم يعد الكثيرون يرون فيها مواقف سلبية أو امتناعًا عن المشاركة، وإنما هي سلاح مشروع وأداة لمقاومة اتجاهات ما بعد الديمقراطية وطريق العودة إلى قواعد الديمقراطية الصحيحة في مختلف دول العالم.

          فواضح - إذن - أن الديمقراطية تواجه كثيرًا من التحديات الاجتماعية والسياسية التي تتمثل في الابتعاد المتزايد وأحيانًا الإبعاد المتعمَّد - عن المشاركة السياسية بالأسلوب المقرر في الديمقراطية التقليدية وهو الانتخاب النزيه لممثلي الشعب الذين يتولّون الدفاع عن مصالحه الحقيقية وحقوقه المشروعة، وذلك فضلاً عن تراجع الثقة في الصفوة الحاكمة وفى المؤسسات «الديمقراطية» وأجهزة الحكم وفي النواب أنفسهم الذين يداهنون الحكومة لتحقيق مكاسب شخصية، كما هي الحال في العالم الثالث على الخصوص. ولذا يكثر الحديث في الخارج عن «أمراض الديمقراطية» Democracy Diseases المرتبطة بظهور الديمقراطيات الجديدة وما بعد الديمقراطية والعيوب التي تشوب الممارسات الديمقراطية في الوقت الحالي والالتجاء إلى مواجهتها بطرق لا تتفق أحيانًا مع أحكام القانون. وعلى الرغم من استمرار الاعتقاد في أن الديمقراطية هي أفضل نظام للحكم لأنه ينبع من الشعب ويستند إلى إرادته، فإن ثمة شكوكًا قوية حول مصيرها حتى في الديمقراطيات الراسخة.

الإنترنت وسيلة آمنة

          ولقد وفّر استخدام الكمبيوتر والإنترنت مجالاً واسعًا للتعبير عن الرأي ونقد أساليب الحكم التي تتوارى خلف الشعارات الديمقراطية لإخفاء نواياها الحقيقية والسيطرة على السلطة. ويعتبر الإنترنت وسيلة آمنة ومأمونة لإبداء الرأي صراحة دون التعرض للأذى أو القمع وقد يصل الأمر ببعض الآراء إلى التشكيك في شرعية الحكم والدعوة إلى التمرّد والانقلاب عليه، وهو ما يسبب كثيرًا من القلق للحكومات التي تعجز عن السيطرة على المدونات التي تنشرها الشبكة الدولية، كما تعجز عن تقدير مدى تأثير تلك المدونات على الرأي العام وعواقب ذلك التأثير. ولكن المهم هنا هو أن كل هذه الحركات الاحتجاجية تعتبر دافعًا لتغيير السياسة المتبعة أو على الأقل إعادة النظر في تلك السياسة ومراجعة الحكومات لمواقفها العامة أو إزاء مشكلات معينة بالذات كما أنها تؤلف عاملاً في التغيير.

          وهذا كله يثير التساؤل: ما العمل؟ هل يمكن إنقاذ الديمقراطية والعودة إلى القيم والمبادئ التقليدية والقضاء على هيمنة الصفوة السياسية التي تساندها قوة المال؟ 

          يرى كثير من المفكرين الليبراليين أن تقوية ومساندة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية هي أفضل وسيلة لمواجهة فساد الدولة وقوى الاستغلال ومعالجة ضعف وانحراف الحكم النيابي والتغلب على اتجاهات ونتائج العولمة. ولكن هذه المنظمات التي يتحمس لها الكثيرون لم تسلم من التشكيك، ليس فقط في فاعليتها بل أيضًا في شرعية وجودها ونشاطها ومدى تماشيها مع مبادئ الديمقراطية الأساسية، بل إن بعض الكتّاب يرون أن المنظمات غير الحكومية تؤدي إلى إضعاف المبادئ والقيم الديمقراطية، لأن عضويتها لا تتم عن طريق الانتخاب ولا تمثل أجهزة منتخبة من الشعب, ومع ذلك فإنها تتصرف كما لو كانت هيئات موازية للحكومة الرسمية وتنازعها السيادة، لذا فمن الخطأ تشجيعها ومؤازرتها على المستوى الدولي.

          الأمر يحتاج الآن إلى خلق وعي جديد في مختلف المجتمعات النامية والمتقدمة على السواء وتدريب النشء على الممارسات الديمقراطية وتنمية قدرات الريادة لدى الأفراد الواعدين, فالديمقراطية ليست فقط نظامًا للحكم، وإنما هي أيضًا نوع من التربية تحتاج إلى فكر متوهّج وبرامج مدروسة وإعداد طويل حتى يمكن تطبيق مبادئها بطريقة سليمة وإنقاذها من قوى وعوامل التفكك والانهيار نتيجة الانحراف عن تلك المبادئ أو الاستهانة بها. وليس من شك في أن الديمقراطية ثورة متواصلة، ويجب أن تظل كذلك حتى لا يصيبها الركود والجمود. إنها تحتاج الآن إلى مَن يحرّكها، فهل يمكن أن تقوم ثورة ديمقراطية جديدة؟ ربما تكون الوسيلة المتاحة والفعّالة لمنع استفحال عيوب ونقائص الديمقرطيات الجديدة وما بعد الديمقراطية هي الالتجاء إلى الشفافية التي كثر الحديث عنها دون تطبيق وعرض الأمور بصراحة على الرأي العام لتحقيق مبدأ المشاركة السياسية. ولكن هل تستجيب الحكومات لذلك؟.

 

 

أحمد أبوزيد