لماذا ينصب غضب الطبيعة على رءوس الفقراء وحدهم؟

لماذا ينصب غضب الطبيعة على رءوس الفقراء وحدهم؟
        

          تحذر دراسة أممية من أنه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، ستتضاعف الخسائر الناجمة عن الأخطار الطبيعية المرتبطة بالطقس ثلاث مرات لتصل إلى 185 بليون دولار سنويا، حتى دون حدوث أي تغير في المناخ. أما إذا أخذنا التغيرات المناخية كعامل في هذه التقديرات، فإننا سنضيف إلى هذا الرقم 28-68 بليون دولار نتيجة للخسائر الناجمة عن الأعاصير الاستوائية وحدها. وتذهب الدراسة إلى أن عدد البشر الذين سيصبحون معرضين للعواصف والزلازل في المدن الكبرى سيتضاعف من 680 مليونا في العام 2000 ليصل إلى 5ر1 بليون إنسان بحلول العام 2050.

          وتخاطب الدراسة، التي جاءت في 250 صفحة وحملت عنوان «الأخطار الطبيعية والكوارث غير الطبيعية: اقتصادات الوقاية الفعالة»، مباشرة وزراء مالية دول العالم أجمع، وهي تؤكد على أن الوقاية دائما تثمر، لكننا يجب بالضرورة دائما ألا ندفع أكثر من أجل الوقاية، وترى أنه يمكن عمل الكثير للحد من خسائر هذه الأخطار، حتى على الرغم من زيادة الخطر الناجم عن تغير المناخ.

          وبينت الدراسة أن الضعفاء، ولَيسَ الأغنياء، هم الذين يُواجهونَ وطأةَ الأخطارِ الطبيعيةِ نتيجة للسياساتِ المشوّهةِ في أغلب الأحيان. فقد حدثت 3.3 مليون وفاة مِنْ الأخطارِ الطبيعيةِ في السَنَواتِ الأربعين الماضية حتى 2010. وقد مات مليون شخص تقريباً بسبب الجفافِ في إفريقيا وحدها.

          وتقول الدراسة أيضا إن الأخطار الطبيعية تسببت كذلك في أضرار مادية تقدر قيمتها بنحو 2300 بليون دولار (بأسعار العام 2008) بين العامين 1970 و2008، حيث تسببت الزلازل وموجات الجفاف في معظم هذه الخسائر. وكانت الخسائر فادحة على نحو خاص في البلدان المتوسطة الدخل، لأن البلدان الفقيرة لا تمتلك هي ومواطنوها الكثير الذي يمكن أن يتعرض للدمار، بينما البلدان الغنية لديها إجراءات واحتياطات وقاية فعالة وقوية. وتتحمل البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل معظم هذه الخسائر، لكن التقريرَ يُؤكّدُ أنّ الجغرافية لَيستْ قدراً.

          وتقول مارجريتا والستروم الممثل الخاصّ للأمين العام للأمم المتحدةِ لتخفيضِ خطرِ الكوارث: «صدر هذا التقرير الذي جاء في موعده في نهاية عام شهد العديد من الكوارثِ التي عانى منها الملايينِ مِنْ الناسِ في هايتي، وباكستان، والصين، وفيتنام، وإندونيسيا وأماكن أخرى. ونَتمنّى أن يساعد التقرير الحكوماتِ على فهم أفضل للقيمة المضافة لسياساتِ تخفيضِ خطرِ الكوارث وبالتالي يمكن لها أن تستثمر المزيد في الوقاية لتحمي المزيد من الناسِ وممتلكاتهم في المستقبلِ».

          وتقول الدراسة، التي أعدها فريق مشترك من خبراء البنك الدولي والأمم المتحدة وصدرت في منتصف نوفمبر الماضي، إن المخاطر الطبيعية غالبا ما تتحول إلى كوارث من جراء السياسات والممارسات السيئة، مثل نقص المعلومات المتاحة للجمهور عن العواصف العاتية المتوقعة، أو قوانين السيطرة على الإيجارات التي تضعف حوافز أصحاب الأراضي للمحافظة على مبان تنهار فيما بعد في عواصف موسمية.

          وتشير الدراسة - وهي جهد منسق قامت به نخبة من علماء المناخ والاقتصاد والجغرافيا والعلوم السياسية وعلم النفس - إلى: «إن التعمق في دراسة ما حدث ولماذا حدث قد يحول دون تكرار الكوارث».

          وتضيف الدراسة، التي استغرق العمل فيها عامين، أن الأضرار الناجمة عن الكوارث من المتوقع أن تزداد، الأمر الذي يجعل الوقاية ضرورية للغاية.

          ويقول أبورفا سانغي، رئيس الفريق وكبير الاقتصاديين في «الصندوق العالمي للحد من الكوارث والانتعاش من آثارها»: «مع أننا ندرك تحديات المستقبل، فإننا لا نريد المبالغة أو التحذير بلا داع. وإذا قمنا بتحسين العمل في منع الكوارث اليوم، فإن ذلك سيمنع الكوارث بشكل كبير غدا. ونحن لا نفعل ما فيه الكفاية اليوم».

          ويضيف سانغي، وهو المؤلف الرئيسي للتقرير الخاص القادم للجنة الدولية لتغير المناخ عن الأحداث المناخية العنيفة، إن: تقرير الأخطار الطبيعية والكوارث غير الطبيعية: اقتصادات الوقاية الفعالة» يتضمن رسالة محورية مفادها أن «الوقاية تفيد، لكن لا يلزم دائما دفع تكلفة أكبر من أجل الوقاية. وتستطيع البلدان، والحكومات، ووزراء المالية، وحتى المانحون عمل الكثير في هذا الشأن».

          وعلى سبيل المثال، فإن بنجلادش، وهي بلد فقير عرضة للأعاصير، نجح في تطبيق نظم للإنذار المبكر واستفاد من التقدم الذي تحقق في تقنيات التنبؤ بالأحوال المناخية. ونتيجة لذلك، فإنه خفَّض بدرجة كبيرة من عدد الوفيات التي تنجم عن الأعاصير عاما بعد عام. ويقول سانغي إن بنجلادش خير مثال على أن الوقاية يمكن أن تكون فعالة حتى في البلدان الفقيرة.

          وتبرز الدراسة عددا مِنْ الإجراءاتِ للوقاية من الموتِ والدمارِ الناجمين عن الأخطارِ الطبيعيةِ، مثل الزلازلِ، والأعاصير والفيضانات. وتبدو هذه الإجراءاتِ مذهلة في بساطتِها وبديهية منطقها. على سبيل المثال، بوسع الحكومات أَنْ تَجْعلَ المعلوماتَ المتعلقة بالأخطارِ والتهديدات متوافرة للجميع ويسهل الوصول إليها. وتشتمل التدابير الوقائية التي تتسم بالكفاءة من حيث المردود على إجراء تغييرات تنظيمية لإزالة التشوهات، فتوفير عقود تمليك للأراضي يقلل من احتمالات الطردِ أَو الإزالةِ، ويُشجّعُ الأفرادَ على الاسْتِثْمار في المباني الأكثر أماناً. وتُعيدُ إزالة الرقابة على الإيجارات الحوافزَ لملاك العقارات لصيانة البناياتِ. وإعادة توجيه الإنفاق الوطني الحالي لمنح الأولوية للعمليات والصيانةِ اليوميةِ - صيانة شبكات الصرف، وصبغ الجسورِ الفولاذيةَ، والحفاظ على المصارف نظيفة - من شأنها أن تزيد من الوقاية. ويقترح التقرير أيضا مرافق للبنية التحتية تتسم بالكفاءة من حيث المردود وتكون مصممة أيضا لمواجهة المخاطر: فالمدارس مثلا يمكن أن تصلح أيضا ملاجئ من الأعاصير، أو الطرق البرية تصلح أيضا أن تكون مصارف للمياه.

          وتضيف الدراسة: «وحتى الزيادات الطفيفة في الإنفاق وتحسين تبادل البيانات على المستوى الدولي يمكن أن تعود بمنافع هائلة ولاسيما في تحذير الناس من الأخطار الوشيكة».

          وتؤكد الدراسة أن القيام بهذه الإجراءات لا يتطلب من الحكومات بالضرورة أن تنفق المزيد، لكن أن تنفق بشكل أفضل.

          ويقول روبرت زوليك رئيس البنك الدولي: «يقدم هذا التقرير دليلا واضحا وحالة صارخة يناشدان مختلف البلدانِ تحويل ضعفها إزاء الأخطارِ الطبيعيةِ حتى يتسنى لها تحقيق التنمية على نحو مستدام وبتكلفة فعالة».

          ويشجع الصندوق العالمي للحد من الكوارث والانتعاش من آثارها على تبادل المعلومات من خلال إجراءات تدخلية محلية تعزز جمع البيانات ونظم الإنذار المبكر. فعلى سبيل المثال، كان من بين جهود الصندوق في هايتي إعداد خريطة للأخطار والتهديدات لتوجيه عملية إنشاء مخيمات اللاجئين وإعادة بناء المناطق التي دمرها زلزال يناير - كانون الثاني الماضي.

          وتشير الدراسة إلى أنه حينما تنهار مبان ومرافق للبنية التحتية بعد وقوع مخاطر، فإن مشاعر الغضب الجماهيري والنداءات التي تطالب الحكومة «أن تفعل شيئا»، غالبا ما تؤدي إلى إجراءات «تتخذ بجرة قلم» مثل تدعيم قوانين البناء. غير أن مثل هذه الإجراءات أقل فاعلية مما تبدو، حسبما يقول التقرير، والممارسات الجيدة في البناء يمكن تعزيزها حتى إذا لم يوجد قانون، مثلما ظهر في عملية إعادة البناء بعد زلزال العام 2005 في المنطقة الجبلية النائية من باكستان.

          فبعد مرور خمس سنوات على الزلزال، فإن أكثر من 90 في المائة من المنازل التي أعيد بناؤها، وعددها 400 ألف منزل، تمتثل لإرشادات البناء الآمن وهي ليست قواعد يفرضها القانون.

          وتثير الدراسة قضية أخرى هي أن الناس، وغالبا الأكثر عرضة للمعاناة منهم، يعيشون في مناطق محفوفة بالخطر، لا لأنهم يؤمنون بالقضاء والقدر أو لقصر نظرهم، وإنما ليكونوا أقرب من أماكن عملهم. ولذلك فإن تقسيم المناطق لأخذ عوامل السلامة في الاعتبار غالبا ما يلقى مقاومة.

          وبعد طوفان موجات تسونامي العام 2004 في سريلانكا، رفض كثير من الناس الانتقال من المنطقة الساحلية إلى مشروعات إسكان بعيدة عن الساحل لأن هذا الانتقال سيفسد مصادر رزقهم. وأصبح القانون الذي يفرض التهجير من المناطق الساحلية في نهاية الأمر بغيضا إلى درجة أنه كان لا بد من إلغائه.

          ومما يؤكد النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الدراسة الدور الحاسم للمؤسسات في التدابير الوقائية: فالمؤسسات التي تزيد من مشاركة الجمهور وإشرافه لها أهمية حيوية.

          وتقول الدراسة إن إزالة الغابات، وهي عامل رئيسي في الوفيات الناجمة عن الفيضانات والانهيارات الطينية بعد أن ضرب الإعصاران إيفان وجين جزيرة هسبانيولا في العام 2004، هو من نقائص المؤسسات التي لا تؤدي دورها بشكل جيد بما يكفي للحيلولة دون تعرية سفوح الجبال. وقد تضررت هايتي من الكوارث أكثر من جيرانها، ومن أسباب ذلك أن مؤسساتها كانت معطلة منذ عقود كثيرة، حتى على المستوى الشعبي.

          ويوضح سانغي: «إننا لا نقصد بالمؤسسات مجرد المؤسسات الرسمية العامة وحسب، وإنما أيضا المؤسسات غير الرسمية على المستوى الشعبي، والآليات التي تُمكِّن المجتمعات المحلية من أن تتضافر جهودها وتبتكر تدابير وقائية مستدامة. فالأمر يتعلق بحرية المجتمعات المحلية في تنظيم أنفسها للمشاركة في جهود ترمي إلى إيجاد حلول خاصة بها. وفي بعض الحالات، قد يكون الحل أحزمة من أشجار المنغروف، وفي البعض الآخر قد يكون مصدات بحرية».

          كما يرى سانغي أنه في حين يمكن اتخاذ تدابير وقائية على مستوى الأفراد، والمجتمعات المحلية، والمدن، والمستويات الأخرى للحكومة، فإن أكبر المخاطر العالمية تتطلب استجابة عالمية.

          وفي فصل ختامي أثراه كبار علماء المناخ والاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعتي هارفارد وييل ومؤسسة موارد المستقبل ومؤسسات أخرى، تقر الدراسة بخطر الكوارث العالمية التي يسببها المناخ وتحدث من جراء ذوبان الألواح الجليدية في غرب القارة المتجمدة الجنوبية أو جرينلاند أو اضطراب التيارات البحرية في المحيطات.

          وتقول الدراسة إنه على الرغم من أن العوامل التي تسبب وقوع مثل هذه الأحداث غير مؤكدة «فإن التقييمات العلمية في الآونة الأخيرة تشير إلى أن المخاطر الناجمة عن تغير المناخ تبدو بوجه عام أسوأ اليوم مما كانت عليه قبل بضعة أعوام».وللتصدي لمثل هذه الأخطار والكوارث، يقترح التقرير حافظة مرنة من التدابير، منها خفض سريع للانبعاثات الغازية الضارة لتثبيت تركيز غازات الاحتباس الحراري، وتدابير تكيف واسعة النطاق على الأجل المتوسط.

          وقد شارك في تقديم هذه الدراسة العشرات من كبار العلماء في مجالات معرفية متعددة، من بينهم ستة علماء حصلوا على جائزة نوبل في الاقتصاد. ويقول الاقتصادي الهندي الكبير آمارتيا سين، الحائز على جائزة نوبل في العام 1998: «هذا عمل ممتاز يقدم لنا دروسا عملية ستؤثر على الطريقة التي نتعامل بها مع الكوارث - والوقاية منها. وسيزود التقرير تحليلات السياسة بمعلومات وإضاءات على نحو سيحدث اختلافا هائلا في حياة الفقراء والضعفاء».

          بينما وصف الاقتصادي توماس شلنج، الحائز على الجائزة في العام 2005، التقرير بأنه: «جوهرة. لغته واضحة وسهلة. وتنظيمه منطقي. رسومه التوضيحية رائعة. والخرائط والأشكال البيانية شاملة؛ ونقاشاته النظرية سهلة الفهم؛ وموضوعه شديد الإلحاح: كيف نفهم الكوارث، وكيف نواجه، سابقا ولاحقا، الزلازل، والعواصف، والفيضانات، والجفاف. إنه نموذج عمل جدير بالدراسة. ولا أتذكر في حياتي أنني قرأت 240 صفحة حول موضوع شديد الخطورة بمثل هذه الدرجة من الإلمام بالمعلومات وسهولة الهضم».

 

 

أحمد خضر الشربيني   

 




 





بحلول نهاية القرن الحالي، ستتضاعف الخسائر الناجمة عن الأخطار الطبيعية المرتبطة بالطقس ثلاث مرات لتصل إلى 185 بليون دولار سنويا





هذا ما آلت إليه المناطق المتضررة من تسونامي في إندونيسيا





الفقراء يتحملون دائما غضب الطبيعة





من آثار الفيضانات في أوغندا





غلاف الدراسة