جان - أنطوان واتّو «ممثلون إيطاليون»

جان - أنطوان واتّو «ممثلون إيطاليون»
        

          عندما وُلد الرسام واتّو في العام 1684م في فالنسيان، لم يكن قد مرَّ أكثر من ست سنوات على انتقال مسقط رأسه هذا من حكم الهولنديين إلى الفرنسيين، أي أن الرجل ولد في بيئة صيغت شخصيتها الثقافية (حتى آنذاك) على أيدي الهولنديين. وأكثر من ذلك، عندما انتقل الرسام إلى باريس في العام 1702م، كانت المدرسة الكلاسيكية الفرنسية بزعامة نيكولا بوسان في ذروة ازدهارها، ولكن ما أن راح واتو يتابع دراسته عند كلود أودران في قصر لوكسمبورج حتى افتتن بلوحات بيتر بول روبنز التي رسمها للملكة ماري دي مدسيس، خاصة طريقة جمعه لعدد كبير من الشخصيات في اللوحة الواحدة. وما أن أطل العقد الثاني من القرن الثامن عشر، حتى كان واتو أحد كبار الأساتذة في المدرسة الفرنسية، تجتمع في شخصيته الفنية كل المؤثرات السابقة، بعد إعادة صياغتها وفق مزاجه الشخصي الفريد.

          اللوحة التي نتوقف أمامها هنا هي «ممثلون إيطاليون»، رسمها واتو عام 1720م، أي قبل وفاته بسنة واحدة تقريبًا. وهي تمثل مجموعة من ممثلي المسرح الإيطالي «كوميديا ديل آرتي» الذي كان الرسام قد تعرف عليه وعمل لحسابه إلى جانب المصمم المسرحي كلود جيو فور وصوله إلى باريس قبل أكثر من 18 سنة.

          أول ما يلفتنا في هذه اللوحة هو توزع الشخصيات وانحناءاتهم والتواءاتهم (كما هو الحال في لوحات روبنز)، وأيضًا طغيان الألوان الداكنة وقوة تناقض الضوء والظلام، كما هو الحال في المدرسة الهولندية والمدارس الشمالية عمومًا. ولكن عندما نمعن التطلع إلى الشخصية الرئيسية «المهرج بيارو»، نرى في بياض ملابسه وطريقة وقوفه ما يشير إلى نوع من «الطيبة»، أما الابتسامة الطفيفة على وجهه فلا تخلو من مسحة حزن. ورأى نقاد كثيرون خلال التاريخ أن واتّو أسقط نظرته إلى نفسه على شخصية هذا الممثل.

          وعلى الرغم من الغِنى اللوني الكبير في هذه اللوحة، فإنها تبقى في مجملها داكنة، مثل مجموعة اللوحات التي رسمها لاحتفالات البلاط وأعياده، وبعيدة كل البعد عن الألوان الزاهية والتزيينية التي طغت على أعمال الرسامين الشهيرين من معاصريه في باريس آنذاك وهما فراجونار وبوشيه. والسبب في هذا المزاج الكئيب نسبيًا عند واتّو هو معاناة الرجل مع مرض السل لسنين طويلة من حياته، حتى وفاته المبكرة عام 1721م عن عمر لا يتجاوز 37 سنة.

          وعلى الرغم من عمره القصير، بقي واتو أستاذًا فريدًا في التعامل مع اللون الذي كان يضعه مباشرة على اللوحة ليخلطه بألوان أخرى عليها. كما كان إلى جانب فراجونار وشاردان (لاحقًا) من أساتذة الفن البرجوازي، الذي رافق الفكر الاجتماعي البرجوازي عند فولتير وروسيو ومونتسكيو ممهدًا الطريق للثورة الفرنسية.

          وأيضًا كان مصدر وحي للمدرسة الرومنطيقية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، على مستوى فن تركيب عدة شخصيات في اللوحة، وعلى مستوى فن التعامل مع اللون.

 

 

عبود عطية   

  




جان-أنطوان واتّو، «ممثلون إيطاليون»، 1720م، باريس