ماذا نفعل.. عندما يعطش القلب؟

الإنسان والبيئة

أعراض بيئية صينية

للصين شهية مفتوحة للفحم، وتسعفها في ذلك مناجمها التي تنتج ثلث فحم العالم، ومنه يحصل الصينيون على ثلاثة أرباع احتياجاتهم من الطاقة، وذلك يجعل الصين تحتل المرتبة الثانية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، في تحميل مناخ العالم بمستويات عالية من غاز ثاني أكسيد الكربون. ومع خطط التنمية الطموح التي تحقق أهدافها بمعدلات كبيرة، عاما بعد عام، يخشى فريق من المراقبين أن يتضخم دور الصين- أكثر- كمصدر للغازات الدفيئة التي تشيع الاضطراب في أحوال مناخ العالم. فهل تصدق مخاوف أولئك المراقبين، أو تنجح الصين في تدارك الأمر؟

إن الصين لا تقف وحدها في مواجهة المشكلة، فقضايا التلوث قد تكون محلية في منشئها، ولكن تأثيرها يمتد إلى الأقاليم المجاورة، بل إنه قد يصبح كونيا، وقد تأكد للجميع أن الأبخرة الكبريتية التي تنفثها آلاف الوحدات الصناعية، ومحطات توليد الكهرباء التي تدار بالفحم في الصين، تتساقط على المحاصيل الزراعية في المدن الصينية، ويمتد تأثيرها إلى اليابان، وقد تحملها الرياح وتسقطها كأمطار حمضية فوق أمريكا الشمالية! وقد سارع الاتحاد الأوربي بمد يد المساعدة للصين، في صورة مشروع رصد له 50 مليون دولار، يهدف إلى تحديد أفضل السبل لخفض مستويات تلوث الهواء في مدينة "شينيانج " وخمس مدن أخرى مجاورة. وقد اختيرت شينيانج لأنها أكبر مدينة صناعية في شمال شرق الصين ومعظم مصانعها بناها الروس في الخمسينيات، ويقدر معدل تساقط تراب الفخم فيها بعشرة أطنان في الكيلومتر المربع من مساحة المدينة، في الأسبوع الواحد، حتى أن الثلوج المتراكمة في شوارع شينيانج تصطبغ باللون الأسود!

ويبلغ إجمالي الانبعاثات الصينية من الغازات الملوثة للهواء 9 آلاف كيلومتر مكعب في السنة، وهو رقم ضخم، يفسر تزايد حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، كما أثبتت الأبحاث أن سحب الدخان وتساقطات الأمطار الحمضية تفسد 30% من الحاصلات الزراعية في ثلث مساحة الصين.

ولا تنحصر مشكلة تلوث هواء الصين بالإقليم المحيط بمدينة شينيانج، فهو ظاهرة عامة، ففي مدينة لانزهو، التي تقع على النهر الأصفر، تزيد مستويات تلوث الهواء على ثمانية أضعاف الحدود التي رسمتها منظمة الصحة العالمية، كما ورد في تقرير للبنك الدولي أن مدينة بنكس هي أسوأ مدن العالم من حيث تلوث الهواء!

الملاحظ، أن المشروع الأوربي قدم للحكومة الصينية في يونيو 1998، ولكنه لم يخرج إلى حيز التنفيذ إلا منذ أسابيع قليلة، إذ تعرض لجدل شديد، تركز حول التشكيك في أنه مجرد "فتح باب" للتكنولوجيا الأوربية، كما حرص بعض المجادلين على توضيح أن الصورة ليست قائمة تماما، وأن الجهود الصينية لتحديث التكنولوجيا، وللتخفيف من تلوث الهواء، لم تتوقف، ففي عامي 96 و1997، أغلقت الصين 60 ألف وحدة توليد طاقة محمية، فانخفض استهلاك الفحم بنسبة 30%، وفي العام الماضي، أوقفت الحكومة العمل في 31 ألف منجم فحم، وثمة خطط لتعطيل مئات من المصانع التي يزيد عمرها على 25 عاما. وبالإضافة إلى ذلك، فقد انخفضت قيمة الدعم الحكومي لأسعار الفحم بمقدار النصف، كما جرى تحديث 160 مليون فرن منزلي قديم!

لقد تضاعف حجم الاقتصاد الصيني في السنوات الخمس عشرة الماضية، وكان ذلك الهدف نصب أعين رجال الصناعة، فحققوه، غير ملتفتين للاعتبارات البيئية، فازداد معدل تلوث الهواء بنسبة 50 %.! ولما بدأت إجراءات تنظيف الهواء، أخذت الصورة في التحسن، ففي عام 1998، حقق الصينيون معدل نمو قدره 2 , 7 % وانخفضت الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7, 3%، وهو إنجاز طيب. ويبلغ إجمالي الإنفاق الصيني لحماية البيئة 4 بلايين دولار سنويا، بِنِسْبَة 8 ,0 من إجمالي الدخل القومي، وهي نسبة قريبة من المستويات الأوربية، غير أن البنك الدولي يطلب ثلاثة أضعافها، لرفع كفاءة وسائل الإنتاج، ولخفض عدد حالات الوفاة بسبب تلوث الهواء بمقدار 180 ألف حالة سنويا، ولإنقاذ 75 مليون صيني من الإصابة بالربو، كل عام. ويقول أحد المسئولين الاقتصاديين في مقاطعة ليوودين إنه خلال عام أو عامين، عندما تنضم الصين إلى منظمة التجارة العالمية، سوف تهب رياح الاقتصاد الحر، وتكتسح كل النظم الصناعية العتيقة الملوثة للبيئة!

الحياة الاجتماعية للأشجار!

السيد "هارمر" - لاحظ الإنجليزية - هو مزارع، تقع أرضه على التلال المنحدرة، عند الساحل الجنوبي الشرقي لبريطانيا. قرر ذلك الفلاح، الذي يرتبط اسمه بمعنى الأذى، أن يتخلص من الشجيرات والأشجار التي نمت بكثافة عالية في مساحة من أرضه، وطلب من الإدارة الحكومية المسئولة أن تجيزه في ذلك، فأجازته.. فلم تكن الشجيرات المطلوب التخلص منها ضمن قائمة النباتات الأولى بالرعاية لدى تلك الإدارة. ولكن جيران السيد هارمر كان لهم رأي آخر، فقد أصبحت تلك الأشجار على تلك التلال الساحلية المنحدرة جزءا من حياتهم اليومية، وعلامة أساسية في البيئة المحيطة بهم، فنظموا حملة احتجاج على ما يعتزمه هارمر، وعلى ما وجده من تأييد حكومي، ونجحوا في تأجيل عملية إعدام الأشجار.

فهل هناك ما يجمع بين الناس والأشجار في مثل هذه الصلة الحميمة؟ إجابة هذا السؤال كانت موضوع كتاب عنوانه "الحياة الاجتماعية للأشجار"، أعدته وحررته الكاتبة الإنجليزية لورا ريفال، ليعطينا الدلالات الرمزية للأشجار من منظور أنثروبولوجي. وقد اجتهدت الكاتبة في جمع حكايات ومقالات تدعم هذا المنظور، من الهند وإندونيسيا واليابان وكندا وغينيا الجديدة، عن أشجار التين البنغالي، والأرز ونخيل جوز الهند، أو شجر النارجيل، وغيرها تحاكي "الحالة الإنسانية" في معظم أحوالها وتحولاتها.. في دورة الحياة والموت.. في رسوخ جذورها بأعماق التربة، وسموق جذوعها وتفرعاتها، وتتجسد فيها شبكة متداخلة من علاقات الحياة.

وقد اجتمع الشرق والغرب على اعتبار الشجرة علامة على بيئة صحيحة، وحياة اجتماعية مفعمة بالحيوية. وانظر إلى أشجار "التبلدي "، التي تنمو في المناطق الحارة، وقد فرضت نفسها رمزا للمواطنة في أمريكا، ويصدق نفس الشيء على شجرة البلوط في بريطانيا، وشجرة الأرز في لبنان.

لا غرابة، إذن، أن تحتل الأشجار هذه المنزلة السامية من الإعزاز لدى محبي الطبيعة وأنصار صون البيئة، حتى أنها- الأشجار- قد حلت، في بعض المجتمعات، محل " شواهد القبور"، لتحديد مواقع المدافن.. تقول الكاتبة لورا ريفال، إن شواهد القبور تحمل رائحة الموت، وتوحي بشحوب الذكرى، أما معاني الحياة المتجددة والخلود فلن تجدها إلا في الأشجار!

سوس يأكل بصل الزيز

هذه صورة تجسد المشكلة : قارب راس على أحد الشواطئ الكينية لبحيرة فيكتوريا، محاصر بكثافات شديدة من نبات "بصل الزيز"، طافية فوق سطح البحيرة، بعمق أربعة أقدام. لم يكن ذلك النبات المائي معروفا في المنطقة، وعرفته إفريقيا بعد أن جلبه هواة البستنة من أمريكا اللاتينية في مفتتح القرن التاسع عشر. ولبصل الزيز القدرة على الانتشار السريع، فتتضاعف مساحته خلال أيام قليلة، ولا تقتصر سيئاته على إعاقة عمليات الصيد، بل تمتد لتشمل تعطيل منشآت توليد القوى المقامة على المجاري المائية، واستهلاك نسبة مؤثرة من المياه العذبة، وتقدر خسائره في المنطقة بحوالي 150 مليون دولار سنويا.

ولا يحبذ المسئولون مقاومته بالمبيدات الكيماوية، فضررها للبيئة أكثر من نفعها، وهم يجربون حاليا نوعين من سوس النبات، قادمين من أمريكا الجنوبية، لوقف انتشار هذا النبات، آملين أن يقتصر عمل السوس على بصل الزيز، ولا يتعداه، فيضر بالبيئة.

ميراث الحرب الباردة!

هل تتذكرون الحرب الباردة ؟ انتهت طبعا ، بتفكك الاتحاد السوفيتي وتغير خريطة العالم، ولكن آثارها لم تذهب معها. من هذه الآثار، اليود "131"، وهو عنصر مشع من مخلفات التفجيرات النووية التي كانت تجرى فوق صحراء نيفادا الأمريكية، في اَلْخَمْسِينِيَّات والستينيات، لإرهاب الطرف الآخر، أو ردعه، وأيضا كضرورة لتطوير وتنمية قدرات التسليح النووي، في سباق لاهث. إن اليود "131" عنصر مشع، لايزال "حيا" في البيئة الأمريكية.

وقد أصدر المعهد القومي الأمريكي للسرطان، أخيرا، تقريرا يفيد بأن ذلك اليود المشع يتسبب في حالات من سرطان الغدة الدرقية بين الأمريكيين، يتراوح عددها بين 11300 و 212 ألف حالة، لا يعرف أصحابها أنهم مرضى! وكان لهذا التقرير أصداؤه في مختلف الأوساط، فأعلن فريق من السياسيين ضرورة الإسراع بعمليات مسح، لاكتشاف هذه الحالات وإجراء الجراحات اللازمة لها، أو علاجها دوائيا، وشكلت الحكومة الأمريكية لجنة طبية لدراسة الموقف، وانتهى رأيها بمعارضة عمليات المسح، وقالت: إن سرطان الغدة الدرقية ليس في درجة خطورة غيره من السرطانات، وأنه يمكن التعايش معه، وأن 90% من هذه الحالات يمكن أن تكون مريضة منذ 30 سنة، ولم تظهر عليها أعراض متقدمة. من ناحية أخرى- تقول اللجنة- فإن عمليات المسح الطبي بحثا عن هذه الحالات تقتضي إجراء جراحات صغيرة للحصول على شرائح من الغدد الدرقية للأفراد محل الفحص، وهذه الجراحات مجهدة مكلفة. ويفضل أعضاء اللجنة أن يعي الناس جيدا أعراض سرطان الغدة الدرقية، فإن ظهرت على بعضهم، تعهدته الجهات الصحية بالعلاج المناسب.

النحل الأفريقي يزحف شمالاً ..

هذه قضية بيئية لها ملامحها الخاصة .. ففي أواخر التسعينات اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية رعب شديد من نوع من النحل، أفريقي النشأة، كان بعض النحالين البرازيليين قد استوردوه، وتسربت بعض أسرابه من مناحلهم، وأخذت في التكاثر، حتى أصبح تعداد حشودها بالملايين، وهي تتحرك في هجرات هائلة، إلى الشمال.

أعلنت حالة التأهب بين علماء البيئة، الـذين رأوا ألا ينتظروا حتى يصل ذلك النحل إليهم، وأن ينقلوا موقع معركة المقاومة إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فأقاموا استحكاماتهم الدفاعية، ضد زحف النحل، في جنوب المكسيك. المزعج من أمر تلك النحلة الإفريقية المتسللة من مناحل البرازيل، أنها أكثر شراسة من سلالات النحل الأوربية المألوفة لدى الأمريكيين، فهي تهاجم الحيوانات والإنسان بضراوة، ويقدر عدد ضحاياها في أمريكا اللاتينية بالمئات. أما المزارعون أصحاب حدائق الفواكه، فهم يتخوفون من الخسائر التي قد يتكبدونها إذا انتشرت حشود من تلك النحلة التي لا تجيد نقل حبوب اللقاح بين الأزهار، كما تفعل النحلة الأوربية "الطيبة". وأما النحالون الأمريكيون، فإنهم يخافون من أن يؤدي اختلاط سلالاتهم بذلك النوع من النحل إلى فساد سلوكياتها وكسلها عن إنتاج العسل بالمعدل المطلوب.

وقد أعد الخبراء العديد من الكمائن، في المناطق التي ينتظر أن تمر بها أسراب النحل الأفريقي، وهي على هيئة خلايا خداعية، صممت اعتمادا على عدم قدرة النحلة الإفريقية على الطيران أعلى من ثلاثة آلاف قدم فـوق سطح الأرض وقـد تكلفت تلك الدفاعات 3, 6 مليون دولار، تقاسمتها الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك.

الفلامنجو في دورة المياه!

هاجم إعصار مدمر ولاية ميامي الأمريكية، وكان الهم الأكبر لدى مدير حديقة حيوان الولاية هو حماية 53 طائرا من نوع "الفلامنجو" ، تحتضنهم الحديقة، وتنفذ من أجلهم برنامجا طموحا لإكثارهم . ولم يجد المدير مكانا أكثر أمانا من دورة مياه الحديقة، فنقل إليها الطيور حتى انتهى الإعصار، وكانت هذه الصورة الفريدة والطريفة!

إجراءات لحماية "جيلا"

في الولايات المتحدة الأمريكية نوع وحيد من السحالي السامة، يحمل اسم "جيلا"، ويستوطن صحراء "صونوران" و "موجافا" في ولايتي نيفادا وأريزونا. وهذه السحلية النادرة توشك أن تفقد موئلها، مع خطط التطوير والتنمية التي تزحف على تلك الصحراء. ولحسن حظ "جيلا"، فإن قوانين البيئة في الولايتين تلزم مشروعات التعمير بترتيبات لحماية أنواع الكائنات الحية، لذلك، فإن الشركات العاملة فِي تلك الخطط تقوم بنقل كل ما تعثر عليه من سحال إلى مراكز أبحاث البيئة في الجامعات وحدائق الحيوان، لتحظى، ببرامج الإكثار والحماية.

 

رجب سعد السيد

 
  




انبعاثات غازية تعني اضطرابات مناخية





آلات قديمة وظروف عمل سيئة تساوي هواء ملوثا





محاولة الكشف عن سر العلاقة بين الشجر والبشر





أين الماء؟؟





تخلف اليود 131 عن سباق التفجيرات النووية





صورة أرشيفية لتفجير نووي في صحراء





الخوف، كل الخوف، أن تفسد سلوكيات النحل الطيب





الفلامنجو في دورة المياه!!





إجراءات لحماية جيلا