وجها لوجه: منى واصف وبندر عبدالحميد
وجها لوجه: منى واصف وبندر عبدالحميد
لا يمكن للفنان أن يتطور في مناخ العزلة تقف الفنانة منى واصف على رأس هرم النجومية مع كبار الممثلين في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية السورية والعربية، وهي من طلائع الجيل المؤسس للتأصيل والتحديث في فن التمثيل في الساحة العربية، ولها حضور مميز ومتواصل في هذه الساحة المضطربة، منذ منتصف الستينيات وحتى اليوم, وقد التقاها في هذا الحوار الكاتب والناقد الفني بندر عبد الحميد في دمشق. تلقي منى واصف بظلالها على العمل الفني، حينما تتلبس الشخصيات التي تؤدي أدوارها، في الحالات المختلفة، وفي تدرجات التحول في الشخصيات نفسها، بين الغضب الجامح والسكينة الهامسة، وبين الحركة المتصاعدة والصمت الحالم، في الصوت والصورة والإيقاع، وهي مشدودة إلى طفولتها وأحلامها بخيوط حريرية ناعمة ومتينة معًا، ولاتفارقها ابتسامتها المشرقة، في حياتها اليومية، خارج زمن التمثيل، ومن هواياتها المفضلة الرقص، ثم السباحة التي تعني الرقص في فضاء الماء الأكثر اتساعًا من فضاء الأرض اليابسة. دخلت منى واصف عامها التاسع والستين، وهذا ليس سرًا، وهي مشبعة بالأحلام والمنى والفن والحرية والأمل، وهي عصية على الانكسار، ومثقلة بالجوائز والتكريم، وموعودة بأدوار البطولة التي تتفوق على أدوارها السابقة، في خمسة وأربعين عامًا، في عشرات المسرحيات، ونحو ثلاثين فيلمًا سوريًا، في القطاعين العام والخاص ومائتي عمل تلفزيوني بين الطويل والقصير، وفي فيلمين من إنتاج غير سوري، هما فيلم «الرسالة» للراحل مصطفى العقاد، والفيلم الروائي السعودي الطويل الأول «ظلال الصمت» للمخرج عبدالله المحيسن. في بيت منى واصف نسيت المصوّرة الفنانة كارول الفرح أن تشرب فنجان القهوة، لأنها كانت مشغولة بزوايا تصوير التحف الفنية التي تحيط بنا، وأولها منى واصف، بينما شربت أنا كل القهوة، في الحوار مع أيقونة الفن الجميل، منى واصف:
- أنا أحلم، ولا أريد أن يتدخل أحد في أحلامي، بما فيها من نجاح وانكسار، لأن انكساري يعطيني القوة، ونجاحي لا يغريني بالاستكانة إليه، وحينما أكبو أنهض بسرعة.
- كنت أنظر إلى نفسي في المرآة دائمًا، ورصدت أول تجعيدة في وجهي، وأول شعرة بيضاء في رأسي، وحينما كنت أستعد للسفر ولا أجد من يودّعني أودّع نفسي أمام المرآة، وإذا طال غيابي بعيدًا عن البيت أغمض عيني فأرى كل الأشياء التي أحبها في مكانها، كما تركتها.
- الحياة كانت عادلة معي، لأنني كنت أتحمل المتاعب ولا أشكو، ولم تبعدني الشهرة عن الناس من حولي، فأنا ألبي دعوة الجيران لي للمشاركة في تنظيف دَرَج البناء، مثلًا، وأعطاني عملي وعلاقاتي الطيبة مع الناس شعورًا خاصًا بأنني لا يمكن أن أفسد. وفي كل الحالات أقول لنفسي: إنني أمثل كي أحيا، لا كي أعيش.
- أنا أنتمي إلى الشخصيات التي عشت أدوارها، وأعطتني قوة ومناعة، وحمتني من السقوط، فأنا اقترب من المثقفين البسطاء، وأهرب من أجواء المظاهر الخادعة لدى نماذج من المترفين، الذين يتوهمون أن ساعتي اليدوية المزخرفة والمزيفة مصنوعة من الألماس، وحينما يرون في يدي ساعة من الألماس الحقيقي يظنونها مزيفة.
- أنا امرأة متفائلة دائمًا، وعندما لا ابتسم أبدو متكبرة، ولهذا السبب أحرص على الابتسامة الدائمة، لأن كآبتي مخيفة جدًا، مع أنني لا أملك وقتًا للكآبة، فأنا مشغولة دائمًا بالعمل الراهن والعمل القادم، وحينما سئل زوجي محمد شاهين عني، قال: إنه لم يرني صافنة أبدًا.
- من هواياتي المحببة الرقص والسباحة، ولهما علاقة متينة بالتمثيل، من حيث الرشاقة واللياقة، ثم الحركة في انسيابها وإيقاعها.
- كانت المنافسة الفعلية تجري بيني وبين الرجال، وهي منافسة شرسة، فهم الذين يتساءلون عن مستوى أدائي، وسر نجاحي في الأدوار الصعبة، أو يغارون من أجوري المرتفعة، بينما كانت المنافسة مع زميلاتي مشروعة وطبيعية، لأنهن كن واعيات وعاقلات.
- ليس لدي شروط مسبقة، الشرط الأول هو حبي للعمل، كما أنني أسأل عن المخرج والممثلين، فأنا حريصة على جودة العمل ومستوى العاملين معي منذ البداية، وعمومًا أنا لا أخرج عن النص المكتوب، لأنني أحترم الكلمة، وإنما أعطي وجهات نظري، التي تساعد على أنسنة العمل، وتقريبه من المشاهدين، لكي يشعروا أننا نشبههم، وأنا حريصة على توظيف المخزون الفكري والعملي، للوصول إلى قمة الأداء التي تفيض بالحزن أو الفرح، والحالات الأخرى التي لا يمكن تعدادها الآن.
- كنت خائفة من هذا الدور، مثل التلميذة أمام الامتحان، كنت أمام فرصة لن تتكرر، ولكنها مشحونة بالتحدي والرهان، ونجحت، ثم صارت ايرين باباس صديقتي، وكان بيننا تشابه في العنفوان وروح الصداقة، وسافرنا معًا، وقالت لي: «أنت رائعة»، ولكن هذا النجاح لم يدفعني إلى الغرور.
- هي حالات متكررة بدرجات متفاوتة، أذكر منها دور «الأم شجاعة» في مسرحية بريخت الشهيرة، التي جرى عرضها وتصويرها في مسرح التلفزيون السوري، حيث كان لدي شعور بأن شخصيات بريخت صعبة، لأن له نظرية خاصة ومدرسة خاصة، في المسرح، ولكنني اقتحمت الحاجز، ونجحت، وأنا أتذكر هذا الدور دائمًا، وأتمنى من الذين يكتبون عني أن يروا أدواري في المسرح، فأنا أتحدى نفسي دائمًا.
- تأطرت حياتي في طفولتي في هذا الحي، كنت أرى فيه الفنانين المعروفين من الجيل الذي سبقنا، ومنهم نجم الكوميديا عبداللطيف فتحي، عشت طفولتي وشبابي وعمري ومجدي وأحلامي في الأماكن نفسها، لذلك لم أنسَ من أنا، زرت البيت الذي كنت أسكن فيه، ثم تحول إلى سوبر ماركت، تذكرت حزني وفرحي، وزرت المحل الذي عملت فيه بائعة أزياء، والتقت ذاكرة المكان بذاكرتي الشخصية، حيث كبرت أحلامي ومجدي، وفي مرة أخرى سكنت في حي الشعلان لذي لا يبعد عن مرابع طفولتي، كنت في الثامنة عشرة من عمري، حينما انتسبت إلى فرقة الرقص الشعبي، وكنت خجولة، ولكنني تدربت جيدًا على أدوات التعبير، والجرأة في اقتحام التجربة، وهي تشبه جرأتي في تجاوز مشكلاتي العائلية في طفولتي البعيدة.
- كان مهرجان دمشق المسرحي نافذة واسعة للتواصل مع الفنون العربية والعالمية، فالفنان لايمكن أن يطور تجربته في مناخ العزلة، وفي دورات ذلك المهرجان تعرفنا على التجارب المسرحية المختلفة في الأقطار العربية والآسيوية والإفريقية، من مصر والأقطار المغاربية، ومن الخليج ولبنان والعراق، ونذكر منها تجربة صقر الرشود من الكويت, الذي فقده المسرح العربي باكرًا، ويوسف إدريس ونعمان عاشور ومحمود دياب وغيرهم من مصر، والطيب الصديقي من المغرب، وعصام محفوظ من لبنان، وأسماء لامعة أخرى.. و قبل ذلك في عام 1966قدمنا من المسرح القومي، في دمشق ثلاثة عروض لمسرحيات عالمية، هي: «طرطوف» لموليير، «موتى بلا قبور» لسارتر، «لكل حقيقته» لبرانديللو، ونقلنا هذه العروض إلى بيروت، وكنت حاملًا بابني عمار، ولكن هذا لم يؤثر على أدائي، فقالوا عني في بيروت إنني سيدة المسرح السوري. يومذاك لم يكن يهمنا الربح أو الخسارة، وإنما صقل التجربة وتطويرها، وصقل لغتنا العربية وتعميق معارفنا وأدائنا.
- تراجعت صورة المرأة العربية لأن الذين يحددون ملامح هذه الصورة ينتمون إلى مجتمع ذكوري، وهذا ليس تشويهًا، ولكنه تقصير وتراجع، أصابا كل وجوه الحياة العربية، لكنني على طريقتي أرى الشمس خلف الضباب الكثيف. ---------------------------------- داوي هوايَ وأطفئي ما وضاح اليمن
|