لماذا عاد المفكر المغربي محمد عابد الجابري إلى «الجذور» بعد تمرّد؟

 لماذا عاد المفكر المغربي محمد عابد الجابري إلى «الجذور» بعد تمرّد؟
        

          التحية العطرة أزجيها إلى الأستاذ د. سليمان إبراهيم العسكري - رئيس تحرير «العربي» الغرّاء، ولقد اطّلعت باهتمام على ملف المفكر المغربي محمد عابد الجابري الذي كتبه د.حسن حنفي وجورج طرابيشي في مجلة العربي الغرّاء في العدد 426 نوفمبر العام 2010، الملف مفيد، يبدو فيه «الجابري» واسع الاطلاع، كثير التأليف، يحلم بإعادة الفلسفة القديمة إلى الحياة، وهو يخط لإنشاء فلسفة عربية معاصرة نهضوية، متأثرًا بعصره الذي هيمنت فيه الثقافة الغربية تقريبًا، وأورد هنا ملاحظتين مهمتين في رأيي:

          1- التفت «الجابري» بكليّته إلى التراث الفلسفي فقط من بين أركان ثقافتنا العربية الإسلامية الواسعة، علمًا بأن جميع المثقفين يعرفون أن الفلسفة وصلتنا عن طريق اليونان وبلغتهم، وقد أخذوها من الشعوب الشرقية في بلاد الشام ومصر الفرعونية. هذه الفلسفة لم تصبح «جماهيرية» عند الشعوب الإسلامية، بل كانت منزوية في جانب ضيق، وترفًا فكريًا عند قلة من المفكرين، وبقي «الوحي السماوي» هو دليل هذه الشعوب حتى الآن، وباءت محاولة ابن رشد بالإخفاق في الجمع بين الوحي والفلسفة وأحرقت كتبه.

          اعتمد الجابري في بداية حياته الفكرية على «العقل» وأبعد عنه كل ما يمتّ إلى «الوحي» بصلة، في مشاريعه الأولى، وكتب - مثلاً: «إن الخطر على التربية هو في المحافظة والتقليدية» وهو يدعو أيضًا «إلى تحقيق الاستقلال التاريخي للذات العربية عن طريق القول» أي أن يدعو إلى أن يستقل الإنسان العربي عن تاريخه الإسلامي ويتبنّى أفكاره المستمدّة من العقل، والتي أخفقت عبر العصور، مشدّدًا دومًا على إعمال «العقل» في كل شيء، وهذه «العقلانية»المفرطة إلى أين أوصلت الغرب العقلانيّ حديثًا؟ أوصلته إلى الحرية الشخصية المفرطة والأنانية والاعتداء على الشعوب الضعيفة، وإباحة الربا (الفائدة) والحريّات الجنسية، ما أدى إلى ظهور بوادر انهيار الحضارة الغربية كرامة واقتصادًا وبأسًا كما يقول مفكروهم.

          2- بعد أن قدم «الجابري» مشروعاته المتمرّدة على «الوحي» وقبل وفاته بأربع سنوات اتجه إلى «الجذور» فألّف «مدخل إلى القرآن الكريم» و«تفسير القرآن الكريم حسب النزول» فلماذا هذا التحوّل الكبير؟ أهو دعوة غير مباشرة للعودة إلى الإسلام؟ وقد رأى ما سُمّي بـ«الصحوة الإسلامية» تنتشر في معظم ربوع العالم الإسلامي، كما أنه لابد أن يشاهد القنوات الفضائية الكثيرة التي يدعو منها مفكرون مجددون ومحافظون إلى الإسلام.

          تحوّل «الجابري» بعد تمرّد طويل، ليس جديدًا في تاريخ المفكرين، هم كثر في الشرق والغرب، من أشهرهم د.طه حسين الذي تمرّد فترة على المقدسات ثم عاد فكتب «على هامش السيرة» و«الوعد الحق» ومنهم الفيلسوف الفرنسي الكبير «روجيه غارودي» الذي دخل في الإسلام وألّف «الإسلام دين المستقبل» عام 1982م وكتبًا أخرى.

عثمان الحاج حسون
حلب - سورية