كيف نغير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين؟

 كيف نغير الصورة النمطية عن العرب والمسلمين؟
        

          السيد الدكتور سليمان إبراهيم العسكري، أسرة تحرير مجلة العربي، تحية احترام وتقدير لما تبذلونه من جهد في سبيل الرقي بالثقافة العربية، أما بعد:

          في افتتاحية العدد 621 لشهر أغسطس 2010 «نشر الإسلام أسئلة الحاضر وإجابات الأمس»، اهتممتم بعرض كتاب «هيو كنيدي» عن الفتوحات العربية الكبرى، رغبة منكم في استخلاص أسباب ذلك الانتشار الاستثنائي للإسلام في وقت قياسي، وبحثا عن إجابات عن أسئلة الحاضر ودواعي الصورة النمطية السلبية للإسلام والمسلمين في الثقافة والإعلام الغربيين. وقد كان عرضا رائعا وموضوعيا، نبه إلى طرافة بعض الاستنتاجات التي خالفت ما سار عليه الكثير من المستشرقين وإلى بعض الآراء المتحاملة على الإسلام والمسلمين كذلك. مثلما نبهتهم إلى ضرورة امتشاق القلم عوض السيف للدفاع عن الإسلام والتسلح بالسمو الأخلاقي لنشره عوض التزمت.خاصة في ظل الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية.

          هذه الافتتاحية القيمة دفعتني إلى تقديم هذه الإضافات، علّها تساهم في تصحيح بعض الآراء الخاطئة عن الإسلام والفتوحات وفي إبراز أسباب صورة العرب والمسلمين النمطية والسلبية التي روجتها وتروجها وسائل الإعلام الغربية.

          روج أغلب المستشرقين - وتابعهم في ذلك تلاميذهم الشرقيون - فكرة أن الفتوحات الإسلامية كانت دموية تدميرية، وأن الإسلام انتشر على جماجم القتلى ودمائهم، وهي فكرة لا تخلو من الافتراء والتجني، لأنهم يتناسون أن قتال المناوئين في الإسلام لا يحدث إلا عند الضرورة القصوى وأن اللجوء إليه مقيد بشروط كثيرة أهمها:أن يكون قتالا دفاعيا لرد الظلم والعدوان الخارجي، إضافة إلى تفضيل القرآن الجنوح للسلم متى جنح له الآخر. كما أن القرآن حث المسلمين على الرفق واللين في الدعوة إلى الإسلام وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأهم بالنسبة إليه أن تدين له النفوس والقلوب لا الأجساد والرقاب. لذلك تواترت في القرآن آيات من قبيل ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ . وعملا بمثل هذه الآيات سعى الرسول والمسلمون من بعده إلى نشر الإسلام معتمدين الرفق واللين متجنبين العنف والقتال ما أمكن إلى ذلك سبيلا ومشددين على وجوب تجنب التدمير والتخريب والإفساد في الأرض.

          لكن هذا لا يعني أن جميع الفتوحات كانت سلما وصلحا، كان هناك قتال ومعارك، لكنه قتال جيوش لجيوش لم يلجأ فيه المسلمون إلى هدم المدن ولا إلى تخريبها ولا إلى إفساد الزروع وقلع الأشجار وسفك الدماء قط. فقتالهم كان موجهًا للطغمة الحاكمة (الفارسية والبيزنطية والرومانية) التي كانت في قطيعة تامة مع شعوب البلاد المفتوحة المضطهدة والمطحونة وقد استبشرت بهؤلاء الفاتحين واعتبرتهم محررين منقذين لا محتلين غازين خاصة بعد أن شهدت تسامحهم وحرصهم على صون أرواحها وممتلكاتها وتجنيبها الضرائب المجحفة التي كانت تفرضها عليها بيزنطة أو فارس. بل إن هذه الشعوب عملت على  تيسير هذا الفتح وإنجاحه للتخلص من نير الاستبداد والظلم اللذين رزحت تحتها قرونا، حتى إن «المسيحيين في بلاد الشرق كانوا يرون أن حكم المسلمين أخف وطأة من حكم بيزنطة وكنيستها» كما يقول «ول ديورانت» في «قصة الحضارة» المجلد 13 - 14 ص130.

          رغم ما حفل به تاريخ الإسلام من تسامح، إذن، فإن صورة العرب المسلمين في الغرب سلبية نمطية متكررة، يمكن إجمالها في صورة رجل بدوي إرهابي متعصب يتنعم بمنجزات الحضارة الغربية ويهددها في آن واحد. وهي صورة ابتدعها الصليبيون وأدباؤهم أثناء الحروب الصليبية (انظر وصف دانتي في جحيمه للرسول صلى الله عليه وسلم)، ثم روجها أغلب المستشرقين الذين كان همهم التمهيد للحملات الاستعمارية، ثم كرستها وسائل الإعلام الغربية المعاصرة في الأفلام والمسلسلات والصحف والمجلات.

          هذه الصورة السلبية المحقرة للعرب والمسلمين تكمن وراءها أسباب كثيرة منها ما هو ذاتي نتحمل نحن مسئوليتها ومنها ما هو موضوعي، أما الأسباب الموضوعية فتتمثل أساسًا في:

          - رغبة الطرف الآخر في شيطنة العرب المسلمين استدراراً لعطف الرأي العام وتجييشًا له.

          - سيطرة أباطرة المال الصهاينة الموالين لدولة الاحتلال إسرائيل، على وسائل الإعلام الغربية التي تبنت تبعًا لذلك وجهة النظر الصهيونية القائلة بأن العرب والمسلمين يكرهون دولة إسرائيل.

          أما الأسباب الذاتية التي نتحمل نحن مسئوليتها فيمكن إجمالها في:

          - تقصير وسائل الإعلام عندنا في مواجهة هذا الافتراء بإهمالها الترويج لمبادئ الإسلام السمحة وقيمه الفاضلة التي ترتكز على معنى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  وهو المبدأ المبني على جعل المسلمين يتقبلون الثقافات الأخرى، الفارسية واليونانية والرومانية في حضارتهم الوليدة، دون حرج، وإفساحهم المجال للمسيحيين واليهود والسريان للإبداع العلمي والأدبي في ظل الحضارة العربية الإسلامية وتشجيعهم على ذلك.

          - تشويه هذه الوسائل غير المتعمد - أحيانًا - للمجتمع العربي وعاداته بتقديم المرأة مثلا في صورة مزرية تعود إلى عصور الانحطاط، ومناقضة لما دعا إليه الإسلام ولما حققه من إنجازات.

          - اهتمام بعض كتابنا وأدبائا ومخرجينا السينمائيين بالجوائز الغربية فيكيّفون أعمالهم وفق الصورة التي يريدها الغرب عنا وهي تلك الصورة السلبية التي ذكرناها آنفًا.

          - انتشار الحركات الإرهابية والأصولية المتطرفة التي تتخذ من الإسلام ستارًا لها، وتفسير القرآن تفسيرًا مبتسرًا متعصبًا ينافي قيمه السمحة ومبادئه الفاضلة، ويجيز لها قتل الأبرياء مسلمين وغير مسلمين. في حين أن الإسلام بريء منها، ومن أعمالها.

حلول تساعد في تغيير نظرة الغرب لنا

          بعد تشخيص الداء وأسبابه، يسهل علينا اقتراح حلول يمكن أن تساعد في تغيير نظرة الغرب لنا وتجاوز تلك الصورة المشوهة للإسلام والمسلمين، وهي حلول يجب أن تتضافر فيها مجهودات الأفراد ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع. أما الأفراد فمن واجبهم تقديم صورة مشرفة للإسلام بأن تكون أقوالهم وأفعالهم على درجة عالية من النبل والسمو تجسيدا لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . فيكونوا قدوة حسنة للآخرين، ويؤثروا فيهم بنبل أخلاقهم وسموها، أما وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني فعليها الاهتمام بالترويج الفاعل - عبر استراتيجية إعلامية وثقافية متكاملة لمبادئ الإسلام السمحة وقيمه النبيلة التي تنبذ التعصب والتزمت، وتؤكد أن الاختلاف سنة الله في خلقه وأنه السبيل الوحيد للرقي الحضاري والثقافي، وأن الآخر طرف يجب احترامه واحترام خصوصياته وثقافته وليس عدوا يجب قتاله. كما عليها التعريف، بنماذج مشرقة من معاملة المسلمين لأهل الكتاب معاملة حسنة، أهلتهم لأن يكونوا من بناة الحضارة العربية الإسلامية موظفين كبارا في الدولة ومترجمين مهرة ومؤلفين عباقرة.

          والأفضل أن يكون هذا بلغات أجنبية حتى تصل الرسالة الإسلامية إلى أكبر عدد ممكن من الرأي العام الغربي الذي ضللته وسائل إعلامه وقدمت له صورة مشوهة مغلوطة. بهذا فقط يمكننا أن نغير تلك الصورة السلبية، وأن نفتح مع الآخر قنوات حوار بناء قائم على الاحترام المتبادل للخصوصيات الثقافية والدينية، بعيدًا عن الافتراء والتشويه وزرع بذور العداء والحقد.

سامي الحاجي
القيروان - تونس