ذوو البصيرة يلونون العالم بالموسيقى

  ذوو البصيرة يلونون العالم بالموسيقى
        

          في مركز الأميرة سلمى بمدينة الزرقاء، بالمملكة الأردنية الهاشمية، حظيت الكاتبة بفرصة الاستماع إلى هؤلاء الذين لا يرون ضوء النهار، لكنهم يصنعون بأحلامهم قوس قزح من الأصوات والأصداء المغلفة بالأمنيات. ويكمن في الاهتمام بالتجربة الدعوة للجميع لكي يتبنوا ذوي الإعاقة، وإبداعهم.

          منذ الصباح، أو في الحقيقة ما بين النوم والنوم. وبين ما تراءى لي أنها هي الأحلام، بل هو الصحو بعينه، لم أعد أعرف من ذاك الذي لا أعرفه، إلا أن أكون بحال من الامتنان والشكر، لذاك الشيء الذي يعطي أمواجًا. ومن بين أمواجه كانت هنالك شعلة. تلك الشعلة من أين تأتي بأنوارها؟ وأتساءل لكي أداري جهلي وضعفي، هل يتجزأ نور الشعلة؟ هل تتقاسم ذرات النور محيطها؟ ليأتي الهمس مجددًا من ذاك المكان، ربما يتجزأ وربما لا يتجزأ.

          ولكن من أين لي أن أمسك بذاك النور، لكي استطيع أن أعيش دورات مذاقه.. ذاك المذاق ربما يكون باستطاعته أن يداري جهلي وضعفي وترددي ولكن ذاك النور استطاع أن يدعوني لملاقاته.

          لكي أعيش مجددًا، مع ذوي البصيرة أو لأنه بالحقيقة أنا التي تعيش مجددًا، مع ذاك النور الساكن الآمن بين جذور الأشجار، وفي تضاريس الأوراق لزهور الياسمين بين شقوق الجبال، وفي طبقات الأرض السفلية حيث يكون ذاك السائل المتلألئ، الذي يخلع أثوابه في بعض الأحيان، تقول كلماته: إنه من أعماق الأعماق هناك النور، وهنالك أيضًا النيران، هي في بعض الأحيان أكثر من الدمار، ولكنه الدمار لعقولنا الناقصة والدمار لفهمنا المتواري «وبالقلب والقلب وحده تكون الحكاية».

المشوار: أهل البصيرة

          هو مشوار عادي ما بين مدينتي عَمَّان والزرقاء. ها أنا أعود مخطئة لأضع اللاصقات والأوصاف. عادي غير عادي تلك الألفاظ والكلمات التي لا معنى لها. هو مشوار.. فقط مشوار.

          قالت زينة تلك الصبية المحببة: نجوى نريد أن نقوم بعمل فيه المعنى الحقيقي للعطاء، أفكار وأحلام، تصورات.. ليلى أحلامها تشبه ألوان لوحاتها. نوار لا تكف عن الحديث عن البيئة ومشكلاتها.. عن الأرض وتقلباتها.

          ولكن كان الذي لابد له من أن يكون. تلتقي زينة بمنال. منال ليست فقط من ذوي البصيرة بل هي منبع البصيرة. لديها مشوارها مع الأطفال الذين يترددون على مركز الأميرة سلمى في الزرقاء لتطوير قدراتهم وإبداعاتهم.

          ثم كان المشوار، منال، زينة، ليلى ثم نجوى قالت منال بالعفوية العذبة:

          نجوى ماذا عنك؟ ماذا تفعلين؟ ما هي اهتماماتك؟

          قلت لها بالعفوية نفسها: لا لن أقول شيئًا. عليك أنت أن تتعرفي على كل شيء بنفسك. من أنا؟ عليك أن تتعرفي على نجوى بعين القلب.

          لتشق كلمات ليلى أجواء السيارة، التي تنطلق بنا إلى الزرقاء. إنك يا نجوى عندما نصل إلى مركز الأميرة سلمى وتلتقي مع الأطفال هناك، سوف ترين كيف يكون الحب مختبئًا في عيون الأطفال في مركز الأميرة سلمى.

          ابتدأت الشعلة بالفوران. تلك الشعلة ابتدأت بكتابة دفاترها. تلك الدفاتر ابتدأت بالسؤال لماذا لا نعيد لأصحاب الاسم اسمهم ؟

          لماذا يا منال هذا الابتعاد والاغتراب عن الاسم الحقيقي. إنه «ذوو البصيرة»، ابتسمت منال ثم كان الصمت لكي يتردد الاسم البصيرة، ذوو البصيرة، القلب المتفتح. إلى أن وصلنا إلى مركز الأميرة سلمى في الزرقاء كان الاستقبال فرحًا.

          ارتدت منال ملابس المعلمة في شخصيتها وطريقة كلامها تعطي التعليمات لأطفال مركز الأميرة سلمى والإرشادات.. لتقول لهم لدينا اقتراح من مجموعتنا بأن يكون اسمنا هو ذوو البصيرة، عوضًا عن إعاقة بصرية، كفيف، أعمى.

          ماذا كان الجواب. وداعًا للإعاقة البصرية فنحن.. نحن من ذوي البصيرة..

خالد

          قال خالد من ذوي البصيرة: ذهبت إلى سوق الزرقاء لأشتري الملابس، قال لي البائع: ماذا تريد؟ هل تعرف حقًا ما تريد شراءه: فأنت أعمى. انتفض خالد وهو يروي قصته مع البائع. لقد قلت له وبصوت واضح: لست بالمعاق بصريًا فأنا من ذوي البصيرة، أواه يا خالد ماذا فعلت؟ ومن أي باب دخلت.

          نظرت إليه فبان النور على وجهه. هل تستطيع يا خالد أن ترى نور وجهك؟ هل يستطيع قلبك أن يمسك بمرآته ثم يمد يديه إلى وجهك الجميل ثم يعكسه على مرآة القلب؟ لعل القلب استطاع فوجه خالد قد نبتت فيه أسرار النور.. أتراها الشعلة؟

إسراء

          قالت إسراء: هل أقص شعري؟ هي تعرف تماما أن شعرها جميل إلى آخر مشوار الجمال.

          قلت لها لماذا تقولين ما تقولين؟ أجابت ضاحكة: أنت تعرفين ما أقصد.

          هي تريد أن ترى جمال شعرها بعيني، بكلماتي، بأحاسيسي. تريد من عيني أن تريا جمال شعرها وتعيدا النظر إليها بكلمات، بالأوصاف عن شعرها الجميل.

          أمسكت بضفائرها ثم قبلتها. شعرت بقبلاتي على شعرها الجميل. ولعل جمال شعرها استطاع أن يشق طريقه الى القلب. فرأت إسراء جمال ضفائرها.. أتراها الشعلة؟

هيا

          قالت هيا: أين أنت؟ اقتربي..ثم أمسكت بذاك الطوق الذي أرتديه، لتقول إنه تمامًا مثل طوق أمي، أمي لديها طوق مماثل لما ترتدين.

          ابتسمت، ابتسمت. هي تعرف تمامًا أن طوق أمها قد حمل بين ذراته الحنان. ولعلها شعرت بأن طوقي يحمل كمًا مماثلاً من الحنان.. أتراها الشعلة؟.
---------------------------------
* كاتبة من سورية مقيمة بالأردن.

 

 

نجوى الزهار*   
  




المنشدون داخل مركز الأميرة سلمى بمدينة الزرقاء الأردنية





الكاتبة تستمع إلى أداء متدربة من ذوات البصيرة





من لا يرى لا يفتقد القدرة على الاختيار





لا يرون النهار، لكنهم يحلمون بقوس قزح من الأمنيات الملونة