وتريات

وتريات
        

هناك.. من بعيد

هناكَ.. من بعيد
هناكَ
في السماء
طيرٌ يغادر البلاد
سألته
لم يجبْ رعبا
سألته
لم يرد خوفا
تُرى لماذا؟
هناك
في فلسطين
أم تحلو
سألتُها
لم تخبرني
سألتُها
لم تجبني
تُرى لماذا؟
هناك
في أرضِ القدس
ثوري هائم
ثوري يتألم
سألته
إلى أين تذهب؟
لِمَ تتألم؟
لمْ يجبني
هناك
في البحر
حوتٌ يهجر مسكنه
سألته
لم يجب
هناك
في دارِ القدس
جرائم تحدث كل يوم
والأرضُ الطاهرة
صارت أرضَ خزي
هناك
طيرٌ يغادرُ البلاد
خافَ أن يستعمر
خاف أن تقتله طيورٌ حربية
هناك
أم تحلو
تحلو لأن ابنتها قُتلت
انفجرت بها قنبلة
تحلو لأن طفلَ ابنتها
قُضي عليه قبل أن يولد
هناك
ثوري هائم
هائمٌ يبحث عن الحرية
الحريةُ تستغيث
يتألمُ لأن سيده
آذنَ بالقتل
آذن للدمار أن ينتشر

شعر: آمال فرشة - الجزائر

المنديل المطرز

وعلى مقعدٍ في المحطةِ تلكَ المهجورَه
زَرَعتْ جَنْبَها الموْجوعَ ورَاحتْ تَرْقُبُ ذاكَ القطار
مَدَّتْ ساقَيْها، ثَنَتْ، قرْفَصَت،
أسنَدَتْ ظهرَها المحدَوْدَبْ للجُدْرانِ المَبْشورَه
وَغَفَتْ
طَالَ الانتظَار
بالجِوَارِ تَهالَكْ بَعْضُ الجموع
قاسَمُوهَا مقْعَدَها الأعْرَج السَّاقِ ثمَّ الدُّموعْ
لَمْلَمْت جأشَها، انتصَبَتْ، حَدَّقَتْ بالأنظارِ
ثمَّ من بَصرٍ شاحبٍ أشرَقَتْ أغباشٌ من الأسْحَارِ
وزَوابعُ مِنْ حَوْلِهَا شَمَّرَتْ تَكْنسُ الصُّبَّار
أوْراقَ جَرَائدَ باليةٍ خَبَّأتْهَا الزَّوايا
ثمَّ مِنْديلٌ مِنْ حَقَائبِها بَانَ رَثَّ الثَّنايَا
لَقَطَتْهُ ورَاحَتْ تَرتِقُ مِنْهُ الحَوَاشي
ورُويدًا، رويدًا، شَطَّتْ كُلُّ الشُّقوق
فَنُدوبٌ مِنْ وَجهِها التأمَتْ وحُروق
وأطَلَّ بَريقٌ مِنْ عينِها الغائرة
كَمْ قَصَّتْ عَنْ أيّام الصِّبا،
عَنْ رُبىً لَعِقَتْهَا المواشي،
قَصَّتْ عَنْ جِرَار الأسمُن والعَسَل،
عَنْ عِشقٍ قديمٍ، عَنْ أولَى القُبَل،
عَنْ فوانِيس طوَّقَتْ مَفْرِقَ الأرمُضَاءِ بأغصَانِ الزَّيتُون،
عَنْ حَانُوتِ البُّنِّ والصَّابون
عَنْ أحذيةٍ ضخمةٍِ زَفَّت نَعْي الزَّوْجِ المحزون،
عَنْ بِزَّةِ والِدِها، ثُمَّ عَنْ دَبُّوسٍ ضائِعٍ،
عَنْ عَبْراتٍ في عَيْنِ ابنِها البِكْر مَا انْفَكَّتْ حَائرَه،
عَنْ خَنْساءِ الحَيّ عَنْ أرْجُوزاتِ الإعْدام،
عَنْ عُرُوبَتِنا الثُّكْلى سَائرِ الأيّام،
عَنْ مَوْتِ وحيدٍ لَهَا وعَن الكفَنِ،
عَنْ قَرْيتهَا يَوْمَ انتَبَذَت شَاحِطًا، وَعَن الوَطَنِ،
عَنْ............... وَعَنْ
رَأْسُ إبْرتها شَقَّ الجلْدَ الجّافّ،
هَرَعَتْ قَطَراتُ دَمٍ تَتَعجَّلُ في الانصِراف،
عانَقَ الأخْدُودُ الأخدُودَ في لَهْفَةِ الظَّمْآن
وَهَدِيرٌ عَلا مِنْ فَوْهَاتِ القَاطِراتِ يَصُمُّ كُلَّ الآذَان،
يَجْتَرُّ غِلاَلَ المَزَارِع
وعَلى مقْعَدٍ في تلْكَ المحَطَّةِ تِلْكَ المَهْجورَه
لَوَّحَ المِنْديلُ المُطَرَّزُ تَعْلوهُ بُقعاتٌ مِنْ دَمٍ مُستَدِيرَه
فَارْتَوى ثَوْبَهُ المبْلُولُ بِدَمْعِ الجمُوعِ الكثيرَه
رَاحَتْ تَتَرقَّبُ ذَاك القِطار
هَا قَدْ طَالَ الانتظَار

شعر: وهيبة سالمي - المغرب

الشارة الحمراء

ذوب اللثغة في قافية الشعر
وأرسى سفن العودة شرقًا
كرزًا يحمل في منقاره الوردي
في شارتهِ الحمراء لغز
يهب الدهشة جمرًا ويشب الليل نارا
بات ذاك الطيرُ والليل كما أشرعه الحلم
أطلت كلُّ أبراج المدائن
نبتت خلفَ جدارِ الصمت للزهو مآذن
وحكاياهُ تطايرنَ مع الريح شرارًا
فأرقت الجسد المتعبَ في كأسٍ وعود
وجوارُ البيت أضحى قببًا
والناسُ في غمرة حلمي يتناجون
واصطاد على أسطح مرآتي
شحاريرَ من الضوء
عقدت العزمُ في ليلتي البكر
على أن أتبارى
أنا والبرقُ على قارعةِ الدرب يقينًا
يخطف الأعين
لم أكن أعلمُ كيف انبثقَ النبعُ صراحًا
وسرى مثلَ حريق
وري الزند جناحٌ أشقر اللون، ولكن
قارب القوسِ سراعًا ثم طارا
وتبعت الغيمة الخضراء.. دليني
فقد كنت طوالَ الدهر نائم
كان مرماي سماءً غارقًا في البحر، غائم
كانت الحرةُ تحميني من الريح
تغطي الرأسَ من فرحتها بي - لتجليني -
بآلاف التمائم..
وترش الأفقَ بالحرملِ حولي
تطرد الجنَّ، فلا ينزغني منهم مريد
أو يهيم - الدهر - بالمحروسِ هائم
وتلف الشملة السوداء، تطويني
فلا أعرف من أين أتى واختبأ الليل ورائي
وسريري، هكذا صار!
وأمي تقرأ الورد كما علمها الشيخ مرارًا
عبثًا تسهر في غرفتي العنقاء
لا تعرف للطفل قرارا
وعلى هسهسة الطير أفاقت ذات يوم
سحب الغيب، وطارت حيث طارا
غير أني ولهاث الليل في حضني غيبت
توارت شارتي الحمراء
غاب الطير عن عيني.. توارى
رحت أسعى ثملاً مرتعش الكف، أمامي
عقرب الساعة يرتد فلا يقرأ للغيب مدارا
جثث ترقد زرقاء على الجسر
وكأس يقرع الكأس على منحدر الموت
شبابيك حريم تجلد الضوء
فلا تبتئس الأعين، لا تعرف للصيد قرارا
وعلى مرأى من الخلق يجوس الحي
لا تفزعه الأعين، لا أعين!
إذ يجترح الموت
وتشتد به الريح فيمتد على الأسطح
والريح مرارًا تهب النزوة
تشتد وتلتف على الأحرف
لا يفتض أنثاه بصير في حمى الحي جهارا
شبح ظل على مقربة من شجر القرية
أسراب عصافير حيارى
كيف لي أن أعرف الطير يقينًا
كيف لي أن أركب البحر غلامًا قرشيًا
قد طغى البحر
تسلى بقرابيني وجارا

شعر: د. أحمد محمد المعتوق - السعودية