«كانكون» خطوة إلى الأمام.. لكنها لا تكفي لإنقاذ كوكبنا

  «كانكون» خطوة إلى الأمام.. لكنها لا تكفي لإنقاذ كوكبنا
        

          انتهى مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، الذي عُقد بمنتجع كانكون المكسيكي الهادئ على ساحل الكاريبي بمشاركة 200 دولة، إلى إقرار حزمة متوازنة من القرارات، وضعت حكومات العالم جميعها مجددًا على الطريق نحو مستقبل منخفض الانبعاثات، وتعهّدت بدعم تحرك عاجل لمواجهة تغير المناخ في البلدان النامية وإنشاء صندوق لمُسَاعَدتها.

          وقوبل إقرار هذه الحزمة، التي أطلق عليها اسم «اتفاقيات كانكون»، بترحيب حار وتصفيق متواصل من المشاركين في الجلسة الختامية للمؤتمر.

          وقالت المديرة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، المعنية بتغير المناخ كريستينا فيجيريس: «مؤتمر كانكون أنجز مهمته. وشعلة الأمل أضيئت مجددًا، واستعدنا إيماننا بقدرة عملية مواجهة تغير المناخ المتعددة الأطراف على تحقيق النتائج.

          وأظهرت حكومات العالم قدرتها على العمل معًا تحت سقف مشترك، من أجل الوصول إلى إجماع حول قضية مشتركة. وأظهرت أيضًا أن الإجماع في عملية شفّافة وشاملة يُمْكنُ أَنْ يَخْلقَ فرصة للجميع».

          وأضافت: «أطلقت حكومات العالم إشارةً واضحة بأنّها تتحرك معًا صوب مستقبل منخفض الانبعاثات، واتفقت أنْ تَكُون مسئولة أمام بعضها البعض في التحركات التي ستقوم بها صوب هذا الهدف، وفعلت ذلك على نحو سيشجع بلدان العالم قاطبة لأن تكون أكثر طموحًا مع مرور الأيام».

          ووافقت الدول المشاركة في المؤتمر على صيغة حل وسط قدمتها الحكومة المكسيكية، رغم اعتراضات بوليفيا.

          وقالت هذه الصيغة إن هناك حاجة ماسّة لتخفيضات عميقة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكنها لم تضع آلية لإنجاز التعهدات التي التزمت بها الدول.

          وظلت مقاومة بعض الدول لبروتوكول كيوتو عقبة كأْداء طوال الأسبوع الأخير من المفاوضات. ومع ذلك نجح الدبلوماسيون المشاركون في التوصّل إلى حل وسط. واستقبل المشاركون بالتصفيق كلمات ممثلي الحكومات التي كانت سبب معظم الاحتكاكات أثناء المفاوضات - وهي اليابان، والصين، وحتى الولايات المتّحدة- عندما أعلنوا دعمهم لمشروع الاتفاقيات.

          والواقع أن هذه الاتفاقات كانت أقل بكثير من الصفقة الشاملة والطموحة التي أرادها كثير من الحكومات ونشطاء البيئة. لكنها تبقى قاعدة يمكن أن تبنى عليها هذه الصفقة.

          وكما قال الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون، فإن هذا المؤتمر سَمح للزعماء بأن يتلمّسوا «آفاقًا جديدة» تسهم فيها كل بلدان العالم في «المهمة المشتركة للإبقاء على كوكبنا ينعم بالصحة ويتمتع بالأمان من البشر».

          وأكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن: «العالم الآن يَجبُ أَنْ يلتزم بوعوده. وهناك عمل شاقّ ينتظرنا حتى انعقاد مؤتمر تغير المناخ المقبل في جنوب إفريقيا».

          ويسعى «صندوق المناخ الأخضر»، الذي قرر المؤتمر إنشاءه، إلى جمع مائة مليار دولار سنويًا حتى العام 2020 لحماية الدول الفقيرة من التأثيرات المناخية وتُساعدُها على تحقيق تنمية منخفضة الكربون.

          وستدعم «لجنة التكيف» الجديدة هذه البلدان على خطط حماية المناخ. وحددت الاتفاقيات مقاييس لتمويل الدول النامية لتقليص عمليات إزالة الغابات.

          لكن هذه الصفقةَ أقل بكثير جدًا منْ الاتفاقية الشاملة التي كانت تطمح - ولاتزال تسعى - إليها العديد منْ البلدان في قمّةَ كوبنهاجن التي عُقدت العام قبل الماضي. ويبقى السؤال حول هل أي من إجراءاتها، بما في ذلك تخفيض الانبعاثات، سيكون ملزمًا قانونيًا، مفتوحًا دون إجابة.

          وقال كبير المفاوضين الأمريكيين تود ستيرن: «ما لدينا الآن هو نص. وهو، رغم أنه أبعد عن الكمال، فإنه بالتأكيد قاعدة جيدة للتَقَدُّم للأمام».

          وأبدى نظيره الصيني زي جينهوا، مُلاحظة مماثلة، مضيفا: «المفاوضات في المستقبل سَتَستمر في كونها أصعب».

          ووَجدتْ بوليفيا عيوبًا سواء في عناصر الصفقة أو في الطريقة التي صيغت بها النصوص من خلال محادثات خاصّة بين مجموعات صغيرة منْ البلدان.

          وأشار رئيسُ وفدها، بابلو سولون، إلى أن أكثر ما يقلقه أن الالتزامات لم تحدد وفقًا لبروتوكول كيوتو.

          وقال سولون: «إننا نتحدث عن تخفيض (إجمالي) في الانبعاثات يتراوح بين 13 و16%، وهذا سيعني زيادة في درجات الحرارة، قدرها أربع درجات مئوية».

          وأردف: بمسئولية، نحن لا نَستطيعُ مُسَايَرَة هذا- ما سيعني أننا إذا سايرنا هذا الوضع، فإننا سنكون، كما قال رئيسنا، قد ارتكبنا إبادة إيكولوجية وإبادة جماعية للبشر».

          لكن كلير باركر، كبيرة مستشاري سياسات المناخ في المنظمة البيئية الدولية «الاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN» تقول: «لقد ابتعدنَا عن شلل ما بعد كوبنهاجن».

          وأضافت: «الدول النامية يُمْكنها أنْ تَرى أموالاً على الطاولة وبوسعها أن تسحبها لتتكيف مع الآثار التي تواجهها بالفعل لتخفيض الانبعاثات».

          أما تارا راو، كبيرة مستشاري السياسات في منظمة «الصندوق العالمي للحياة البرية WWF» فقالت: «هناك ما يكفي في هذه الاتفاقيات لكي نعمل عليه صوب اجتماع آخر العام في جنوب إفريقيا، لكي نتوصّل إلى اتفاقية ملزمة قانونياً هناك».

          وكان سقف التوقعات المنخفض قد خيّم على الاجتماعات، التي استمرت أسبوعين. لكن الدبلوماسيين المشاركين بذلوا جهودا مضنية خلف الكواليس في اليوم الأخير للمؤتمر حتى توصّلوا في اللحظات الأخيرة إلى صيغة الحل الوسط التي قبلت بها جميع الأطراف.

          ومع اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المؤتمر حول بناية الاتفاقية المقترحة، فإن رئيسة المؤتمر وزيرة الخارجية المكسيكية باتريشيا إسبينوزا، والتي يُنسب إليها فضل كبير في الحيلولة دون انهيار المباحثات والوصول إلى صفقة الحل الوسط، قالت للمشاركين: «إن هذه النتائج هي أفضل ما يمكننا تحقيقه عند هذه النقطة من المسيرة الطويلة».

          وأصرّت روسيا واليابان على تضمين الاتفاقيات عبارات تفتح لها الباب للهُرُوب من تمديد التخفيضات الملزمة قانونًا للانبعاثات الواردة في معاهدة كيوتو، بينما انطوت في الوقت ذاته على إشارات قوية على أن هناك مستقبلاً فعالاً للبروتوكول- وهو مطلب رئيسي للبلدان النامية.

          أما «صندوق المناخ الأخضر» فسيتولى البنك الدولي الوصاية عليه- وهو ما طالبت به الولايات المتحدة، والاتحاد الأوربي واليابان- بينما ستشرف عليه هيئة جديدة تحقق التَوازنَ بين البلدان المتطورة والنامية.

          وستخضع إجراءات كبح الانبعاثات في البلدان النامية لتحقّق دوليٍ فقط عندما تكون مموّلة من قبل المال الغربي- وهي صياغة أرضت كلاً من الصين، التي عبّرت عن تخوفها من إجراءات التحقق هذه، والولايات المتّحدة، التي طالبت بها.

          وإجمالاً، يجب الإقرار بأن اتفاقيات كانكون خطوة مهمة. غير أنه يمكننا القول إنها نجحت في إنقاذ مصداقية الأمم المتحدة، لكنها أخفقت في إنقاذ الكوكب. فالدول المتقدمة وعدت في مؤتمر كوبنهاجن بجمع 100 مليار دولار بحلول العام 2020.

          ولكن لم يتم تحديد مصادر هذه الأموال. وفاجأنا أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في كانكون بقوله إن معظم هذه الأموال ستأتي من القطاع الخاص. وتكمن النقطة السوداء في اتفاق كانكون في كون أغلب المسارات التي تم الاتفاق بشأنها هنا «لم يتم تحديد لا جدول زمني ولا إجراءات تطبيقية لها، كما أنه لم يحقق تقدمًا يُذكر نحو حل الخلافات بشأن كيوتو أو فرض قيود طويلة الأجل على الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض.

صفقة كانكون المناخية

الأشياء المُنجَزة

  • صندوق لتَوجيه الأموال منْ الغرب إلى البلدان النامية.
  • إقرار رسمي بأن هناك حاجة إلى زيادة الالتزامات الحالية بتخفيض الانبعاثات.
  • إطار لدفع أموال لبلدان حتى لا تقطع غاباتها.

الأشياء غير المُنجَزةَ

  • تخفيضات أعمق للانبعاثات.
  • آليات للتفاوض حول تخفيض أعمق للانبعاثات.
  • تقرير الوضع القانوني لأي اتفاقية عالمية جديدة.

عناصر اتفاقيات كانكون

الانبعاثات الغازية

  • يعترف نص الاتفاق بأن الأمر يتطلب الالتزام «بتخفيضات مهمة» في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وذلك للحد من ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية أكثر من درجتين مئويتين، مقارنة مع ما كانت عليه قبل عصر التصنيع.
  • من أجل تحقيق الأهداف التي نصّت عليها الدراسات العلمية، يجب على الدول الصناعية من هنا حتى العام 2020 تخفيض نسبة انبعاثاتها الغازية بما بين 25 و40% عما كانت عليه في العام 1990.
  • هناك ضرورة لتكثيف الجهود من أجل التخفيض من نسبة الانبعاثات الغازية المؤثرة في ظاهرة الاحتباس الحراري من أجل تحقيق هذه الأهداف».

على المدى الطويل

  • ينص الاتفاق على «مراجعة دورية للأهداف على المدى الطويل» من أجل ضمان عدم ارتفاع درجة حرارة الكوكب أكثر من درجتين مئويتين مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
  • ستبدأ المراجعة الأولى في العام 2013 لكي تكتمل في العام 2015.

معاهدة كيوتو

  • يجب الاستمرار في المفاوضات لضمان ألا تكون هناك فترة فراغ بين المرحلتين: الأولى من الالتزامات والتي تنتهي في العام 2012، والفترة التي تليها، فنص معاهدة كيوتو، الذي لا يوضح إمكانية إضافة فترة تمديد بعد العام 2012، لا يطالب الدول الصناعية بتحديد تعهدات التخفيض من الانبعاثات الغازية بالأرقام للفترة التالية.

المراقبة

  • على الدول النامية ، وبالأخص ذات الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند، أن تقدم، وفقًا لإمكانياتها، تقارير كل سنتين حول حجم الانبعاثات الغازية المؤثرة في ظاهرة الاحتباس الحراري، وعن الإجراءات التي تتخذها للحد من ذلك.
  • تقدم هذه التقارير للدراسة والتحليل لهيئة دولية لا صلاحية لها في «التدخل» أو في «فرض العقوبات» مع «احترام تام لسيادة الوطنية».

مساعدة الدول النامية

  • تأسيس صندوق أخضر «لدعم المشاريع والبرامج والسياسات في الدول النامية».
  • وعدت الدول المتقدمة في مؤتمر كوبنهاجن بجمع 100 مليار دولار بحلول العام 2020، ولكن لم يتم تحديد مصادر هذه الأموال.
  • تأسيس مركز تكنولوجيا المناخ وشبكة لتطوير المعرفة في مجال تكنولوجيا البيئة في دول الجنوب.

حماية الغابات

  • تبنى نص الاتفاق هدف «كبح إزالة الغابات والحد منها، الذي يتسبب في ما بين 15 و20% من الانبعاثات الغازية الإجمالية».

 

 

أحمد خضر الشربيني   

 




مؤتمر كانكون أنقذ مصداقية الأمم المتحدة





رئيسة المؤتمر وزيرة الخارجية المكسيكية باتريشيا إسبينوزا، التي يُنسب إليها فضل كبير في الحيلولة دون انهيار المباحثات والوصول إلى صفقة الحل الوسط





 





المديرة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ كريستينا فيجيريس





الاتفاقات كانت أقل بكثير من الصفقة الشاملة والطموحة التي أرادها كثير من الحكومات ونشطاء البيئة





إيفو موراليس، رئيس بوليفيا.. الدولة الوحيدة التي عارضت الاتفاق