رحلة ابن بطوطة في حلة جديدة

رحلة ابن بطوطة في حلة جديدة

رحلة ابن بطوطة المسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" قدم له وحققه ووضع خرائطه وفهارسه د. عبدالهادي التازي عضو الأكاديمية الملكية المغربية، وتلك تحية متواضعة لهذا الجهد:

في الجزء الخامس من الرحلة وفي آخر الصفحات نقرأ سيرة ذاتية مختصرة للدكتور عبد الهادي التازي.

"ولد المحقق بمدينة فاس في 7 شوال 1339 هـ/ 15 يونيو
1921. أسهم منذ صغره في الحركة الوطنية، فتعرض للنفي والاعتقال. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بفاس، ونال شهادة العالمية (اللام بالكسر) من جامعة القروين بفاس بدرجة متفوق جدا (1366هـ - 1947م) وعن أستاذا بها ابتداء من 1/ 5/ 1948. كما نال شهادة استكمال الدروس من معهد الدراسات العليا المغربية (1953) . انتقل من فاس للرباط بعد استرجاع الاستقلال للإشراف على القسم الثقافي بوزارة التربية الوطنية ( أكتوبر 1957). طمح إلى الانتساب لجامعة محمد الخامس فنال بها شهادة الدراسات العليا بميزة حسن جدا (28 أبريل 1963)، وشهادة في الإنجليزية من معهد اللغات ببغداد (1966). حاز دكتوراة الدولة في الآداب من جامعة الإسكندرية بمرتبة الشرف الأولى سنة 1971. نشر منذ صباه (1935) مقالات عدة، وترجم عن الفرنسية والإنجليزية عددا من الدراسات والمقالات تفوق 900. ألف عشرات من الكتب كانت بدايتها تفسير سورة النور (1365ه - 1946م). ومنها تحقيق تاريخ ابن صاحب الصلاة تاريخ الموحدين ثلاثة طبعات، ومنها تاريخ جامع القرويين في ثلاثة مجلدات، ومجموعة التاريخ الدبلوماسي للمغرب في اثني عشر مجلدا سوى الملاحق التي تقع في ثلاثة مجلدات، وقد اقتبست الموسوعة الإنجليزية ( ليدن) من المصادر الثلاثة. مارس الأستاذية والمحاضرة في طائفة من المعاهد والمدارس العليا والكليات بمختلف الجهات داخل المغرب وخارجه عن تاريخ العلاقات الدولية وغير ذلك من الموضوعات ذات الصلة بالحضارة والتاريخ. عين مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي عام 1974. عين سفيرا للمملكة المغربية يوم 13/ 5/ 1967 لدى الجمهورية العراقية، ثم لدى ليبيا في 4 يونيو 1967 ثم لدى بغداد مرة ثانية في 1968 حيث كان يقوم أيضا بمهمات دبلوماسية في إمارات الخليج في أوائل السبعينيات، ثم عين سفيرا لدى الجمهورية الإيرانية الإسلامية في 28 أبريل 1979، ثم عين مكلفا بمهمة بالديوان الملكي. شارك في عشرات المؤتمرات واللقاءات الدولية، منها مؤتمرات للقمة، يشغل إلى الآن رئيسا مؤسسا لنادي الدبلوماسيين المغاربة منذ 1995. رئيس المؤتمر السادس للأمم المتحدة لتنميط الأسماء الجغرافية (نيويورك) ابتداء من 1992. عضو المجمع العلمي العراقي من ذ 1966 ومجمع اللغة العربية بالقاهرة (1976) والمعهد الثقافي العربي الأرجنتيني (1978) ومؤسسة آل البيت ومجمع اللغة العربية (الأردن) مارس 1980 وعضو اللجنة التأسيسية لأكاديمية المملكة المغربية ثم عضو بالأكاديمية أبريل 1980، عضو بمجمع اللغة العربية بدمشق 1986، عضو مؤسس التراث الإسلامي الندن 1991)، عضو بالمجمع العلمي المصري 1996. وفي عدد آخر من الجمعيات والمؤسسات والمنتديات الإقليمية والدولية. حامل للأوسمة التالية: وسام العرش (المغرب 1963 ) - الحمالة الكبرى للاستقلال (ليبيا 1968)، وسام الرافدين (العراق 1972)، قلادة الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة (المغرب 1976)، الميدالية الذهبية للأكاديمية 1982، وسوف يصدر له قريبا "الوسيط في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية"، معربا عن الفرنسية والإنجليزية، و "مذكراتي".

تحقيق رحلة ابن بطوطة

1- المجلد الأول: يقع الجزء الأول في 431 صفحة، منها 164 صفحة تغطي دراسة طويلة وشائقة للمحقق الدكتور عبد الهادي التازي تحت عنوان "من حوافز التفكير في هذا النشر الجديد". إن مصطلح " التحقيق " أصبح يعني غالبا قيام باحث بعملية إحياء كتاب تراثي مجهول أو معروف ليضاف إلى ما هو موجود من كتب محققة لا يتداولها عادة سوى أهل الاختصاص في أحسن الأحوال، لكن كم كانت متعتي كبيرة وأنا أقرأ مرتين هذه المقدمة الطويلة التي فتحت شهيتي لقراءة الرحلة كاملة ونفضت عني كسل مصاحبة الرحالة المغربي في رحلته. فهي مقدمة تظهر القدرة العلمية والكفاءة المنهجية اللتين يتوافر عليهما الدكتور عبد الهادي التازي حيث لم أكن أشعر أنني أقرأ تحقيقا تقليديا جافا، ولكن درسا نموذجيا في أخلاقيات البحث العلمي، وهذا أقل ما يمكن أن أصف به هذه المقدمة الجميلة حقا والمزينة بأشكال متنوعة من الوثائق والصور كصور مخطوطات الرحلة، صور أغلفة الرحلة المطبوعة بلغات أخرى غير العربية، وثائق متنوعة أضفت رشاقة وحياة على الرحلة وتدعو القارئ أن يقرأ ابن بطوطة بشغف ولذة.

هناك عناوين فرعية لهذه المقدمة: المخطوطات الثلاثون للرحلة - الأربعة الذين كانوا وراء إنجاز الرحلة - رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية - اهتمام الكتاب العرب بالرحلة - دراسات نقدية. لقد ذكر الدكتور عبدالهادي التازي أن هناك أربعة كانوا وراء إنجاز الرحلة أي السلطان أبوعنان (759هـ - 1356م) الذي أصدر أمره بفاس باستنساخ رحلة ابن بطوطة وجعلها في متناول القراء، ابن ودرار الحشمي، الوزير الذي أنصف ابن بطوطة وأرجع ابن خلدون إلى صوابه فيما يتعلق بمصداقية الرحلة، ابن جزي المولود بغرناطة سنة (721 هـ - 1321م) الذي قام باستنساخ الرحلة بأمر من السلطان أبوعنان، ابن بطوطة المولود بطنجة يوم الإثنين 17 رجب
(703هـ - 24 فبراير 1304) ولن أتردد أن أكتب بأن وراء هذه الرحلة خمسة حيث يجب إضافة اسم عبدالهادي التازي الذي بذل مجهودا رائعا وهو يعيد نشر الرحلة بشكل جديد، ولربما بشكل نهائي.

في دراسة الدكتور عبد الهادي التازي تستوقفنا فقرات تدفع بالقارئ لقراءة الرحلة كاملة. في ص 73: "... إن هناك اهتماما زائدا بالرحلة عبر العصور سواء من لدن الحكام أو من لدن العلماء والمثقفين بحيث إنه لم تخل فترة من الفترات دون أن نجد فيها أثرا للرحلة نسخا أو بيعا أو شراء، بل إننا كنا نلاحظ في بعض الأحيان أن تواريخ النسخ تتقارب فيما بينها، ومعنى هذا أن هناك طلبا متواليا على الرحلة من طرف هواتها والمعجبين بها، من طرف الذين وجدوا فيها ما يرضي استطلاعهم ويزيد في معلوماتهم عن العروبة والإسلام ". في ص 103: " لقد ناهزت الترجمات العشرين، ونحن على يقين أن هناك ترجمات أخرى لا نعرفها ". وعن مكان رحلة ابن بطوطة من أدب الرحلات، يعطي الدكتور عبدالهادي التازي تفسيرا ذكيا لولع المغاربة بالرحلة، فيكتب في ص 141: "وقد عرف المغاربة من قديم بأنهم متفوقون في أدب الرحلة وموفقون كذلك.. يدل على هذا ما تركوه من بصمات لهم في مختلف كتب التراث العربي. وترجع أسباب اهتمام المغاربة بالرحلة والكتابة عن تحركاتهم وخاصة في العهد الإسلامي: أولا وبالذات إلى أن الإسلام يجعل من الحج ركنا بارزا من أركانه، فالمسلم وهو يفكر في الثوابت التي تجعل منه مسلما مثالية تنتصب أمام مخيلته الكعبة المشرفة سواء أكان في شرقها أو غربها، خمس مرات في اليوم على الأقل يتجه إليها في صلاته وفي توسلاته".

وهكذا يكون العامل الأول هو تحقيق الأمل في زيارة تلك البقاع التي تشدنا إليها شدا، ومن هنا ندرك السر في توجه المغرب نحو الشرق، نحو مهد الحضارة ومهبط الوحي، ومن ثم كان بعض من يقصد البلاد الحجازية من الفقهاء والعلماء والأدباء لأداء فريضة الحج يشعر بأن عليه دينا يجب أن يؤديه لإخوته من الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بتلك الديار والذين كانوا يقنعون بوصف تلك المعالم وما تحتضنه من عوالم، وهذا الدين يتجلى في تحرير التعريف بتلك البقاع وبمن تضمهم تلك البقاع من رجال، أحياء وأمواتا، طبعا مع وصف المراحل التي مر بها الحاج من مدينته التي انتقل منها إلى حيث يجتمع بإخوته من سائر جهات العالم الإسلامي، محرما ملبيا إلى أن يقف على عرفة.. وذلك "التعريف" هو الذي نسفيه بالرحلة التي يتحدث فيها الرحالة عن محطاته المتبعة سواء كانت برا أو كانت بحرا، مضيفا إلى هذا حديثه، كما قلنا، عفا يعترضه في طريقه من مشاهدات، ومعرفا بالآثار التي خلفها الأسلاف، ومعطيا نبذة عن المواقع الجغرافية التي يسلكها بما تحتوي عليه من نعوت وأوصاف.

وهكذا، ازدهرت، نتيجة لهذا، حركة انتساخ المخطوطات، وخاصة منها كتب الرحلة لدى الحجاج يستصحبونها معهم للاستئناس وللقيام أحيانا بالمقارنات والمفارقات.

في المجلد الأول تبدأ رحلة ابن بطوطة بدءا من صفحة 147 مفصلة إلى خمسة فصول، كل فصل مخصص لمنطقة جغرافية عربية: المغرب الكبير، مصر، الشام وفلسطين، الحجاز، العراق وفارس. وعبر كل صفحات المجلد يقوم المحقق في أسفل كل صفحة بإعطاء تعريفات وشروح لغوية، تاريخية، دينية، جغرافية.. يستحق عليها الدكتور عبد الهادي التازي كل ثناء لأنه مجهود كبير.

2 - المجلد الثاني: الجزء الثاني يقع في 286 صفحة وفي أربعة فصول: عراق العرب والعجم (تابع) - بين المحيط الهندي والخليج الفارسي - آسيا الصغرى - القفجق (الفيافي الروسية) مع مجموعة ثرية من الصور والرسوم.

3 - المجلد الثالث: الجزء الثالث في 255 صفحة مع خمسة فصول: آسيا الوسطى - الطريق إلى دلهي - فتح دلهي ومن تداولها من الملوك - السلطان محمد بن تغلق - تاريخ مملكة محمد بن تغلق (الهند). المجلد كله صور ورسوم كذلك.

4 - المجلد الرابع: هذا الجزء من 351 صفحة وفي خمسة فصول: الجنوب الهندي (جزر مالديف - سيلان - البنغال) - آسيا ( الجنوب الشرقي والصيني) - العودة إلى المغرب - الرحلة إلى الأندلس - الرحلة إلى بلاد السودان . هذا الجزء أضيف إليه، زيادة على الصور والرسومات، ملاحق تزيد النص وضوحا حيث يقوم المحقق بإعطاء تفاصيل وشروحات مطولة تكمل المعلومات التي كانت في المتن موجزة، مثلا: شهادة لابن خلدون حول الرحلة وصاحبها، وثيقة تأسيس مسجد مالديف،إلخ. وكذلك أضاف المحقق معلومات خاصة بأسلوب تحقيقه خصوصا صور المراسلات الشخصية التي كانت تربطه مع شخصيات علمية وجامعات ومؤسسات أبحاث عبر العالم كلها تدور حول الرحالة ابن بطوطة.

5 - المجلد الخامس: هذا الجزء الخامس والأخير في 286 صفحة أسماه المحقق "فهرس الفهارس"، نقرأ العناوين الآتية مفهرسة بتفصيل كامل: الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية، الأشعار، الأمثال والتعابير والأقوال، الأعلام البشرية، الأعلام الجغرافية، القبائل والسلالات والأجناس والدول والهيئات والفرق، الأدوات والآلات والرسائل بما فيها المراكب، الأسلحة، الأمراض، الأنهار والأدوية والبحيرات، الجواهر والحلي، الحيوانات، العطور والبخور، الطعام والشراب، العادات، الكتب الوارد ذكرها في المتن، اللباس، المعلومات، الأسواق، الحصون، الزوايا والرباطات، القصور، القلاع، الأديرة والكنائس والمارستانات، المدارس، المشاهد والمزارات والمقابر، المساجد والجوامع، منشآت متنوعة، المواد، النباتات، النقود، المصطلحات الحضارية. وفي آخر المجلد نجد المراجع والمصادر بالعربية، المجلات والجرائد، ويوجد فهرس خاص بالمخطوطات، ثم مصادر بغير اللغة العربية زيادة على خريطة بالألوان شديدة الوضوح من تحضير المحقق بمساعدة قسم الخرائطية بالرباط. " فهرس الفهارس" يسهل البحث على القارئ المستعجل، وكل مثقف عربي سيجد بغيته في هذا الفهرس الكبير حيث يمكن لأي قارئ أن يعثر على مدينته، مثلا، أو البلد الذي ينتسب إليه، وهكذا يحصل التواصل بين الماضي والحاضر، وبالتالي يكون للتراث العربي الإسلامي معنى وفائدة.

إذا كنت قد أعجبت بتحقيق الدكتور عبد الهادي التازي، فإني اجتهدت في أن أجد جانبا سلبيا في عمله حتى يكون عرضي موضوعية، وفعلا وجدت إشكالا يتعلق بموضوع قبر ابن بطوطة، يكتب المحقق في أسفل ص 81: " يؤكد الشيخ سكيرج في رياض البهجة في أخبار طنجة، الخزانة الصبيحية بسلا (سلا، قرب الرباط) أن القول بوجود القبر بحومة أجزناية بطنجة يبقى أضغاث أحلام ! ويقتدي به في هذا الأستاذ عبداللهكنون في سلسلته مشاهير المغرب، الحلقة 25 ". إذن من يرقد في ذلك الضريح بطنجة والذي كم من مرة زرته ويزوره غيري، من داخل المغرب وخارجه على أساس أنه قبر ابن بطوطة. إن الدكتور عبد الهادي التازي لم يعط لهذا الموضوع حقه من التمحيص وشهادته السالفة غير مقنعة، بل جاءت سريعة وكأنني به يريد أن يتخلص من هذه الإشكالية، ولكن ومع ذلك، أجد العذر للمحقق لأن حقيقة معرفة الراقد في "ضريح ابن بطوطة بطنجة" يحتاج إلى تشريح علمي وطبي، وهذا يفوق طاقة المحقق والكمال لله وحده.

الآن، أصبح ابن بطوطة شخصية معاصرة لنا بفضل هذا التحقيق الناجح، وبالمناسبة في مراسلة لي مع الروائي اللبناني الكبير أمين معلوف، وفي لقاء معه كذلك كرر لي أنه لم يكن يفكر في الكتابة عن ليون الإفريقي، بل عن ابن بطوطة، إلا أنه تراجع عن مشروعه وكانت روايته الأولى ليون الإفريقي وتوالت رواياته الناجحة وإلى الآن لم يكتب تلك الرواية المنتظرة عن الرحالة المغربي ومن خلال مجلة " العربي " أدعو أمين معلوف أن يقرأ تحقيق الدكتور عبد الهادي التازي، وأتمنى أن يتحفنا الروائي اللبناني بهذه الرواية كما أتحفنا الكاتب المغربي بهذا التحقيق الثمين، وهكذا يتكامل التحقيق العلمي مع الإبداع الأدبي.

 

عزام بونجوع

 
  




د. عبدالهادي التازي





غلاف الكتاب