دور الحكومات في نقل التقنية

تعقيب على مقال

تتسم قرارات نقل التكنولوجيا إلى العالم الثالث بسمتين رئيسيتين:

الأولى: اعتباطية هذه القرارات، وعدم استنادها إلى الأبحاث والدراسات والمناقشات حول جدواها وملاءمتها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المستوردة.

والثانية: عدم دخول هذه القرارات في إطار خطة متكاملة مدروسة بحيث يأتي كل قرار مكملا لما سبقه، وجزءا مما يليه، والنتيجة غياب التوازن والتناغم والانسجام بين هذه القرارات.

والحقيقة أن استيراد التقنية ينبغي أن يكون ملبيا لحاجات الناس وأوضاعهم، بمعنى ألا تحدث اختناقات في العمالة، أو تخمة في السوق المحلية. واختيار التكنولوجيا الملائمة أيضا يستند إلى معرفة موارد البلاد، وإمكانية التصدير إلى الأسواق الخارجية، وواقع القوى المنتجة، ومدى استعدادها للتكيف المهني.

توافر الإطار الاقتصادي الاجتماعي الملائم لنقل التكنولوجيا

إن إهمال العلاقة الجدلية بين التغير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي من ناحية، والغزو التكنولوجي من ناحية أخرى، هو الذي يؤدي إلى الوهم بأن هذا البلد النامي أو ذاك، قد دخل العصر النووي أو التكنولوجي. والواقع أن الفكر التنموي لا يعتمد مطلقا على المقاييس المادية الجامدة مثل عدد المصانع والسيارات والجرارات وما سواها، بل ينطلق من الإنسان الذي ابتدع هذه التقنيات، أو الإنسان المستعد لهضمها، بناء على أرضية ثقافية، وتركيبة اجتماعية واقتصادية مميزة لهذا الإنسان والمجتمع الذي ينتمي إليه.

وكثيرا ما يترك نقل تقنية ما من مجتمع إلى آخر، بصرف النظر عن اختلاف ظروفهما الاجتماعية والاقتصادية والثقافية نفس الأثر الذي يتركه زرع الأعضاء في الأجساد البشرية، أي عملية رفض ونقص في التكيف لدى اليد العاملة. فالنقل الناجح للتقنية قبل أن يكون طريقا مختصرا للتطور الاجتماعي والاقتصادي، هو ملاءمة وتفاعل بين الإطار الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لهذه التقنية، وبين من يتعامل معها أو يستهلك منتجاتها.

تأمين التمويل المحلي والأسواق المحلية

اعتمدت بلدان العالم الثالث على الشركات متعددة الجنسيات، وعلى البلدان الأجنبية، والخبراء الأجانب، في وضع التصاميم والدراسات وأعمال الصيانة وتنفيذ المشاريع الصناعية وما سواها. وإذا وضعنا جانبا الهدف الأساسي الذي تنشده مثل هذه الشركات، والذي يتجلى في تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح، وبغض النظر عن جدوى ما تنقله من تقنيات، تبرز أمامنا قضية أكبر، وهي التبعية الاقتصادية تجاه هذه الشركات أو البلد المورد، مع ما تحمله هذه التبعية، ضمنا، من تبعية اجتماعية وسياسية. فالبلد الخاضع اقتصاديا لقوة خارجية هو بكل وضوح خاضع في الوقت نفسه سياسيا واجتماعيا.

وهكذا فإن توفير المقومات المالية (القطرية) أو (القومية)، وتأمين السوق (المحلية) أو (المشتركة)، أمر من شأنه أن يلغي سياسة السيطرة والتبعية للعالم الصناعي. كما أن اعتماد البلدان النامية على نفسها، وعلى مواردها الخاصة في الداخل، هو السلوك الوحيد لتقدمها تكنولوجيا واقتصاديا، وإطلاق يدها في اتخاذ قراراتها من موقع القوة والاستقلالية.

د. زهير عبد الوهاب
مدير المعهد الطبي التقني- دير الزور/ سوريا