رينيه ماغريت «المُدّة المطعونة»

رينيه ماغريت «المُدّة المطعونة»
        

          السوريالية حركة فنية وأدبية تشكلت نتيجة الميثاق الذي وضعه لها أندريه بروتون عام 1924م في باريس، وجاء فيه أن «تعليق العقل الواعي يمكنه أن يسمح للأفكار غير المُراقبة بأن تعبِّر عن نفسها». وعلى الرغم من أن هذه الحركة تألفت من أساليب فنية عدة، فإن أشهر أساتذتها اعتمدوا الرسم الدقيق المشابه في تفاصيله للواقع، ولكن في تركيب عام غير واقعي على الإطلاق. ومن هؤلاء البلجيكي رينيه ماغريت.

          رسم ماغريت هذه اللوحة عام 1938م لحساب راعي السورياليين البريطاني إدوارد جايمس، آملاً أن يعلقها صاحبها الجديد عند أسفل السلّم المؤدي إلى قاعة الحفلات، «حتى يدهس القطار الضيوف وهم في طريقهم إليها»، ولكن جايمس علَّق اللوحة فوق مدفأة غرفة الجلوس.

          نرى في هذه اللوحة مدفأة رخامية بيضاء مصمَّمة وفق شكل هندسي حديث وخالية من الزخارف، تخرج منها (أو ثُبِّتت فيها) قاطرة سوداء يخرج منها دخان ليسلك السبيل نفسه الذي يفترض بدخان حطب التدفئة أن يسلكه. وفوق المدفأة توجد مرآة، وساعة وشمعدانان، تنعكس صورتهما على المرآة من دون أي شيء آخر، وكأن القاعة خاوية تمامًا، لا أناس فيها، ولا شيء على الجدران المقابلة يمكن أن تنعكس صورته على هذه المرآة.

          وعندما نضيف إلى هذا الفراغ النسبي، الانتصار الساحق للخطوط المستقيمة والزوايا القائمة، في مكان لا يحدث فيه شيء ويخلو تمامًا من الحياة، يمكننا أن نتلمّس طابع الثبات.. ثبات الوقت. إذ مهما دارت عقارب الساعة فوق المدفأة، فإن القطار ذا المحرك المشتعل لم ولن يتحرك من مكانه.

          أما على صعيد الأسلوب، وفي حين أن معظم السورياليين استعملوا الفرشاة الغليظة في التعبير، وجنح بعضهم في الترميز اللوني والخطّي حتى لامس حدود التجريد، وعقَّد قراءة الموضوع، فإن هذه اللوحة تجسد كل ولع ماغريت بضرورة مشابهة الواقع في التفاصيل. وقد كان في ذلك شبيهًا بأستاذ السوريالية سلفادور دالي (وربما أكثر منه). فبعض أجزاء هذه اللوحة تبدو كأنها منتمية إلى الواقعية الفوتوغرافية في وقتها، مثل الساعة، والخشب الذي يغطي الجدران على مستوى المدخنة. حتى خشب الأرضية يبدو مثيرًا للدهشة لجهة ما تطلبه من عناء لرسمه بهذه الدقة. وكل ذلك بلونين فقط هما البني والأصفر، إضافة إلى الأبيض والأسود.

          تبقى الإشارة إلى المتاعب التي تسبب بها فهم اسم هذه اللوحة. فقد أسماها ماغريت بالفرنسية «المدة المطعونة» (La Duree Paigrarde)، وكان يمتعض من الترجمة الإنجليزية الحرفية «الوقت المطعون» (Time Transfixed)، والأسوأ منها «الوقت العابر المطعون بخنجر».. فكما هي الحال في الكثير من أعمال السورياليين، تبدو العلاقة بين اسم اللوحة ومضمونها، غامضة أكثر مما يمكن للعين أن ترى..

 

 

عبود عطية   
  




رينيه ماغريت، «المدة المطعونة»، (147 × 99 سم)، 1938م، معهد الفن في شيكاغو