شعر المرأة في العصر الجاهلي قضايا ورؤى

شعر المرأة في العصر الجاهلي  قضايا ورؤى

كانت تراودني أسئلة وأنا أقرأ وأسمع عن بؤس حال المرأة في العصر الجاهلي، منها: أين هنَّ اللواتي أنجبن وربَّين أولئك الفرسان والقادة الذين خرجوا من جزيرتهم، بعد استضاءتهم بنور الإسلام إلى العالم، وأقاموا دولتهم العادلة المترامية الأطراف؟ وما قضاياهن ورؤاهن إليها، وإلى عالمهن؟ بدا لي أنَّ النصوص الشعرية التي أملتها تجارب عيشهن تنطق بإجابات عن هذه الأسئلة، فعدت إلى كتب تتضمَّن نصوصًا لشاعرات عربيات عشن في العصر الجاهلي، أبرزها كتابان: أوَّلهما «ديوان شاعرات العرب» لبشير يموت، الصادر  في طبعة أولى عن المكتبة الأهلية في بيروت سنة 1934، وثانيهما «شاعرات العرب»، لإبراهيم ونُّوس، الصادر عن منشورات ميريم في بيروت، في طبعة أولى سنة 1992، ومعظم النصوص المستشهد بها، في هذه المقالة مأخوذ منهما، وأجريت قراءات فيها تستنطقها فتنطق بمعرفة شعرية  تجيب عن تلك الأسئلة .

 

تجربة عيش المرأة في العصر الجاهلي هي، من نحو أول، تجربة عيش المرأة الخاصة في كل عصر، فهي الابنة والأخت والزوجة والأم في عالم الأسرة، تحيا مع الأب والإخوة، وهي الكائن الاجتماعي في عالم المجتمع، وهي الفرد المستقل بشخصيته وقضاياه، والحبيبة المعشوقة، والمحبة العاشقة، غير أن تجربة عيشها،  من نحو ثانٍ، مختلفة، ويعود اختلافها إلى اختلاف المجتمع العربي في العصر الجاهلي، فهو مجتمع قبلي، أبوي، تحكمه منظومة من الأعراف والعادات والتقاليد والقيم، ويحيا في منطقة صحراوية. والصحراء  كما هي معروفة متاهات ومهالك، تحوي نتفًا من مستلزمات الحياة، يجري بشأن الحصول عليها صراع مرير بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والحيوان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وكلٌّ يريد البقاء. وصف المهلهل هذا الصراع بقوله: «...، ذبحًا كذبح الشاة، لاتتقي/ ذابحها إلا بشخب العروق». ومن يريد أن يكون شاةً؟! لهذا كان على الجاهلي أن يبقى قويًا، وإلا لكان تلك الشاة. كانت المرأة تحيا في هذا الفضاء، في حماية القوي، وفي خوف من سبي الأقوى، وفي كلا الحالين تبقى في سعي إلى تحقيق الذات، فتُوفَّق أو تمنى بالخيبات، وتتشكل لديها تجربة شعرية تدفعها إلى أن تنشد شعرًا يمثّل تجربتها، وينطق برؤاها.
يقول إبراهيم ونّوس عن نصوص هذا الشعر: «أربعمئة قصيدة ومقطوعة شعرية نظمتها مئة وعشرون شاعرة في العصر العربي قبل الإسلام». (شاعرات العرب، ص.98). ويمكن تفسير قلَّة ما وصلنا من شعر الشاعرات العربيات في ذلك العصر بمعرفة وسيلة حفظ الشعر الشفوي العربي ونشره، وهي الرواية، فالراوي كان يحفظ  قصائد الشعراء الكبار المجوَّدة، والشعر المرتبط بقضايا مهمة: مدح، هجاء، رثاء، غزل، تاريخ ...، أو أمور وأحداث نادرة وطريفة، وهذا ما كان يهمّ مدوني كتب الأدب المتضمنة  «أحاديث السمر»، في ما بعد؛ لهذا، فإن ما وصلنا من شعر الشاعرات هو ذلك الشعر الذي أسهمت حلقات السمر وكتبه في عدم ضياعه، وهو شعر يمكن أن نفيد منه في تحقيق الهدف الذي نسعى إلى بلوغه.

المرأة بين القوي والأقوى 
كانت المرأة في العصر الجاهلي تقع من منظور القوي والأقوى، في إحدى حالين، يعبر أبو صخر الهذلي عن إحداهما بقوله: «تكاد يدي تندى، إذا لمستها/ وينبت، في أطرافها، الورق الأخضر/ وإني لتعروني لذكراك هزَّةٌ/ كما انتفض العصفور بلَّله القطر»، ويعبر الحارث بن عمر عن الثانية بقوله: «كل أنثى، وإن بدا لك منها/ اَية الود، حبُّها خيتعور/ إنَّ من غرَّه النساء بودٍّ/ بعد هذا، لجاهل مغرور» (ابن قيم الجوزية، أخبار النساء، ص10). في الحال الأول، المرأة باعثة صحوة فرح ويقظة تغريد، وخصب وحياة، وفي الحال الثانية هي مُختزَلة إلى كائن بيولوجي جنسي،  أنثى، حبُّها كاذب، وهي مخادعة، ثم يعمم الحكم، فيشمل جنس النساء، فكل من يثق بودهن جاهل مغرور، فماذا هي فاعلة في عيش هذين الحالين، وفي عيش أحوال تتنوَّع بينهما، بوصفها فردًا له حياته الخاصة، وعضوًا في أسرة، وفي قبيلة؟

المرأة الفرد/ الحياة الخاصة
هل يُبقي المجتمع القبلي للمرأة التي تحيا فيه حياة خاصة، تحياها بوصفها فردًا يختار ويقرر، ويخرج إلى تنفيذ قراره، فيحقق هدفه، أو يخفق في تحقيقه؟ 
تفيد النصوص الشعرية التي قرأناها أنَّ المرأة في العصر الجاهلي سعت إلى أن تحيا حياتها الخاصة، وفي شأن هو الأهم من شؤون هذه الحياة، هو الحب والزواج .
ترى أم الضحاك المحاربية أنَّ الحبَّ لا يفنى، لم يفنه كلُّ من حال دون عيشه طوال الزمن، وهذا ما تغنَّى به الشعر، وتقول: «وما الحب إلا سمع أذن ونظرة/ وجنة قلب عن حديث، وعن ذكر». وتنبي الراكب أن وجدها بالحبيب فوق كلِّ وجد، وتهمس له: «حسبي رضاه، وأني في مسرته/ ووده اَخر الأيام أجتهد»، ولا يحلو العالم لضاحية الهلالية إلا بوجود الحبيب: «ألا لا أرى للرائحين بشاشة/ إذا لم يكن في الرائحين حبيب»، ويغدو العالم مظلمًا وتتكثف اللوعة يوم الفراق، فما من أحد أكثر منها لوعة، في هذا اليوم: «... بأكثر مني لوعة يوم راعني/ حبيب، ما إليه وصول»، ولا تجد ليلى العامرية في هذه الحال، وإذ تُحرم حبيبها، إلا الصبر والركون إلى القدر: «نفسي فداؤك، لو نفسي ملكت إذًا/ ما كان غيرك يجزيها ويرضيها/ صبرًا على ما قضاه الله فيك على/ مرارة في اصطباري عنك أخفيها»، وتعيد ستيرة العصبية الأمر إلى الله، وترجو أن «يُحمَّ»  اللقاء كما «حمَّ» الفراق: فقالت: «الله حمَّ فراق بكرٍ/ فأرجو أن يُحمَّ لنا لقاها». وأن تكتفي عاشقةٌ بالإشارة، كما يقول الشاعر: «أشارت بطرف العين خفية (خيفة) أهلها/ إشارة محزون، ولم تتكلم/ فأيقنت أن القلب قد قال: مرحبًا/ وأهلًا وسهلًا بالحبيب المتيم»، فإنَّ عاشقةً أخرى، هي ابنة الخس،  تخرج على التحريم، وتقول: «... فأقسم لو خُيِّرتُ بين فراقه/ وبين أبي لاخترت لا أبا ليا ...» (التذكرة الحمدونية، 9/9)، وتخاطب عاشقة أخرى حبيبها: «... أقول له: فداك أبي وأمي/ حياتك من جميع الناس حسبي...» (إنباه الرواة...، ص. 300).
 
بين الفرد والأسرة 
في هذه الحال يحدث الخلاف بين الفتاة العاشقة الراغبة في الزواج ممَّن تحب والأسرة التي تنظر إلى «المصلحة».  من الأخبار الدالة على ذلك: «خطب دريد بن الصمة الخنساء بنت عمرو بن الشريد، فأراد أخوها معاوية أن يزوِّجها منه، فأبت، وقالت: لا حاجة لي به، فأراد معاوية أن يكرهها، فقالت: «... أَتُكْرهني، هُبلت، على دريد/ وقد أُحْرمتُ سيِّد اَل بدر/ معاذ الله ينكحني حبركي/ قصير الشبر من جشم بن بكر ...» (أمالي القالي، 163/2). أراد أن يزوِّجها ممَّن لا تحبه فأبت ...، فأراد أن يكرهها، فرفضت، وسألت مستنكرة: أتكرهني؟! وذكَّرت بما مضى: أُحرمت... ثم جاء أخوها الآخر صخر فحسم الخلاف وترك لها حرية اتخاذ القرار، لكن ماذا يحدث إن لم يكن أمثال صخر في حالات الإكراه الأخرى الكثيرة؟

مؤسسة الزواج 
ما كان يحدث هو أن تُحرم الفتاة من حبيبها، فتطوي الهوى، وتقول بلسان أم ضيغم البلوية: «...، وتعدو النوى بين المحبين، والهوى/ مع القلب مطويٌّ عليه الجوانح»، وتتزوج ممن لا تريد،  وتعيش «غريبة». 
نصوص الشعر التي تمثل هذه الغربة كثيرة، منها نص لأسماء المرية تخاطب فيه جَبَلي نعمان: «أيا جبلي نعمان، بالله، خلِّيا/ نسيم الصبا يخلص إليَّ نسيمها/ .../ وكيف تداوي الريح شوقًا مماطلًا/ وعينًا طويلًا بالدموع سجومها!؟/ .../ بأنَّ بأكتاف الرغام غريبة/ مولهة ثكلى، طويل نئيمها».  يلاحظ وجود رمزين يمثلان ثنائية يحول طرفها الأول: الجبلان دون مجيء الطرف الثاني: نسيم الصبا، وهذا النسيم دال على أن الهواء باعث الحياة، وهي تقسم على هذين الجبلين بالله أن يخلِّيا هذا النسيم يخلص إليها، والقسم بالله دالٌّ هنا على أنها لم يبق لها سواه، لكنها تسأل عما إذا كانت الريح يمكن أن تداوي داء غريبة مثلها، ولا تفوتنا ملاحظة تكرار اللفظة: «الطول» الدالة على دوام حالة «الغربة»، والقافية الناطقة بالآهة الممتدة طوال الزمن. وفي قصيدة أخرى، يتخذ الوادي الظليل دلالة نسيم الصبا، فتنشد أعرابية: «فإنَّ به ظلًا ظليلًا ومشربًا/ به نُقع القلب الذي كان صاديا».
ويصل الأمر  بـ«غريبة» إلى أن تجد الخلاص في السبي، وهذا أمر عجيب يرد خبره في «أخبار النساء»، لابن قيم الجوزية، ص.10. جاء في هذا الخبر: «غزا ابن هبيرة الغساني الحارث بن عمر، فلم يصبه في منزله، فأخرج ما وجد له، واستاق امرأته، وكانت من الجمال في نهاية، فأُعجبت به، فقالت له: انج، فوالله لكأني به يتبعك كأنه بعير اَكل مرارًا، فبلغ الخبر الحارث فأقبل يتبعه حتى لحقه، فقتله ...». العجيب، في هذا الخبر، أن تُعجب هذه المرأة بسابيها الذي «يستاقها» كأنها مما يملك، وتشبه زوجها بالبعير الهائج، وتحذر سابيها منه. لكنَّ امرأة أخرى هي ليلى بنت لكيز البكرية، وكانت من أجمل النساء، ترفض الزواج من «كسرى»، وإذ يسبيها ويعذبها، تنشد قصيدتها المعروفة: «ليت للبراق عينًا، فترى/ ما ألاقي من بلاء وعنا»، فيأتي البراق، الفارس الأقوى، ويخلصها، ويتزوجها. ويؤدي نشيد امرأة، هي عفيرة الجديسية، اعتدى عليها «عمليق من طسم»، الى قيام ثورة تخلص قومها منه، ومما جاء في نشيدها: «...، فلَلْبَين خيرٌ من تمادٍ على أذًى/ ولَلموت خيرٌ من مقام على الذل». 
ونجد نصوصًا كثيرة تدلُّ على إعجاب المرأة بزوجها، فهذه الخرنقة بنت بدر تفخر بزوجها بشر بن عمرو، فتقول: «لقد علمت جديلة أنَّ بشرًا/ غداة مُربَّحٍ، مرُّ التقاضي ...»، وهذه ليلى بنت مرداس، تقول لزوجها: «اجعل خماري حبلًا...» لعطائك المحتاجين، وتنشد: «...فأعط، ولا تبخل لمن جاء طالبًا/ فعندي لها خطم، وقد زالت العلل».

الفارس الحامي ومنظومة قيم الفروسية العربية  
هل هو في الحالين: كره الزوج وحبُّه، الإعجاب بالحامي، الفارس الأقوى، والرجل - المثال لمنظومة قيم الفروسية العربية؟ تفيد قراءة نصوص الشعر، الرثاء والمديح والفخر ...،  بأنَّ الإجابة: نعم؛ فالنصوص التي نقرأها  تتغنَّى بقيم هذه المنظومة، ومن النماذج الدالة على ذلك، نذكر قصائد الخنساء في رثاء صخر أخيها، وقد مرَّ بنا موقفه من قرارها رفض من خطبها، فهي ترى إلى صخر، ليس بوصفه أخاها فحسب، وإنما بوصفه الفارس العربي، ولندع النص ينطق بصفات هذا الفارس: «يهدي الرعيل، إذا ضاق السبيل بهم/ نهد التليل لصعب الأمر ركَّابا/ المجد حلَّته، والجود علَّته،/ والصدق حوزته، إن قِرنُه هابا/ خطَّابُ محفلةٍ/ فرَّاجُ مظلمةٍ/ إن هاب مُعضلة سنى لها بابا/ حمَّال ألويةٍ، قطَّاع أوديةٍ/ شهَّاد أنديةٍ، للوتر طلَّابا/ سمُّ العداة، وفكَّاك العناة، إذا لاقى الوغى لم يكن للموتِ هيَّابا ...» ( راجع للمزيد: الديوان، ص.8). تتميز هذه القصيدة بخصائص شعرية منها: الأصوات مهموسة دالَّة على حالة الحزن، والعبارات قصيرة، مقسمة بالتساوي ومتوازنة، إيقاعها جليٌّ، يتيح التكرار والتعداد، معدَّة للندب. وتتمثل هذه الصفات في قصائد الخنساء، في رثاء صخر جميعها، وبخاصة في قصيدتها المشهورة، التي جاء فيها: «... وإنَّ صخرًا لتأتمُّ الهداة به/ كأنه علمٌ في رأسه نار...»، كما تتمثل في قصائد أخرى، منها قصيدة تعرب فيها عن حبها لكوز، ابن أخيها صخر، وقد جاء فيها: «... فيا حبذا كوزٌ، إذا الخيل أدبرت/ وثار غبار في الدّهاس، وفي الأكم». 
وكانت المرأة، في هذا العصر قادرة على تجاوز الصراع القبلي، وتقدير الفارس الآخر، فهذه ريطة بنت جذل، زوجة ربيعة بن مكدم، الفارس المعروف، تُكرم أسير قومها دريد بن الصمة، وتطلق سراحه، وتنشد قصيدة تشيد بها فيه، ومنها: «...، ففكوا دريدًا من إسارِ مخارقٍ/ ولا تجعلوا البؤس إلى الشّر سلَّما»؛ وذلك لأن دريدًا قال لزوجها بعد أن كُسر رمحه في المعركة: أيها الفارس، إنَّ مثلك لا يُقتل، ولا أرى معك رمحًا، فدونك هذا الرمح.
منظومة القيم هذه كيف يمتلكها الفارس العربي؟ تفيد نصوص بأنَّ تربية الأم هي التي تتيح له ذلك. تقول سبيعة بنت الأحبّ لابنها، على سبيل المثال: «ابني، لا تظلم بمكة / لا الكبير ولا الصغير/ واحفظ محارمها، بني/ ولا يغرنك الغرور...، فاسمع، إذا حدثت/ وافهم كيف تكون عاقبة الأمور».
وتحكِّم أمٌّ أخرى العقل، وتدبِّر أمر أسرتها بالحكمة. أحبَّ سعد بن أم النحيف فتاة، وطلب من أمه أن تخطبها له، فنصحته بأن يتريث، لمعرفتها بسوء طباعها، لكنه لم يسمع نصيحة أمه وتزوج حبيبته، وما إن مضت عدة أشهر حتى عرف أنه أخطأ فأراد أن يطلِّق زوجته، فقالت له أمه: «لعمري، لقد أخلفت ظني، وسؤتني/ فحزت بعصياني  الندامة،فاصبر/ ولا تك مطلاقًا ملولًا، وسامح الـ/ القرينة، وافعل فعل حرٍّ مُشَهِّر...». وتنطق هند بنت الخس بالحكمة، فترسم شخصية «الفتى» في قصيدة  طويلة، فتقول، في مطلعها، بعد أن ترى أن خير القول في الحكم نافع: «وليس الفتى، عندي، بشيء أعدُّه/ إذا كان ذا مال، ومن العقل مفلس ...»، ثم تذكر صفات هي صفات الفارس العربي الكريم الشجاع  .

الفرد والقبيلة/ الجماعة 
كان «الفرد» في العصر الجاهلي ابنًا لقبيلته بارًا بها، ويتجلى موقفه القبلي في الأيام الصعبة، ومن هذه الأيام معركة «ذي قار» التي انتصر فيها العرب، ممثَّلين ببني شيبان، على الفرس، وكان للنسوة دور أساس في توحيد القوم، وتحريضهم، ومساعدتهم، ومن هؤلاء النساء صفية بنت ثعلبة الشيبانية، التي أنشدت تحرض قومها، وتذكر فرسانهم كل واحد منهم باسمه، ومما جاء في قصيدتها: «...، وعندي الأفقم الهماس في فئة/ منهم ظليم وعمار بن ذي كرب ...»، ومنهن هند بنت النعمان التي تغنت بنصر فرسانٍ حموها ولم يسلموها للغزاة، وهزموا أعداءها،  بقصيدة مطلعها: «لقد حاز عمرو مع قبائل قومه/ فخارًا سما فوق النجوم الثواقب».
 
الفرد - الأسرة - القبيلة
ويحدث أن تتشابك علاقات الفرد والأسرة والقبيلة، كما حدث عندما قتل جساس بن مرة البكري كليبًا التغلبي، ما أدى إلى نشوب حرب «البسوس»، وقيام أخت كليب بطرد زوجته الجليلة، أخت جساس، من منزلها، فعاشت هذه تجربة مرة جسدتها بقصيدة طويلة جاء فيها: «...، فعلُ جَسَّاس على وَجدي به/ قاطعٌ ظهري ومُدنٍ أجلي/ .../ فأنا قاتلة مقتولة/ ولعلَّ الله أن ينظر لي».

في الختام
يمكن القول: إن اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى الملاحظ في غير موقف دالٌّ على عظم مشكلات العصر الجاهلي، وعلى عجز أبنائه عن حلِّها، وقد استجاب الله لدعاء عباده، فبَعث نبي الهداية والرحمة . كما يمكن القول: إن شعر المرأة في هذا العصر يمثل   تجاربها، ومثلها قصائد ومقطوعات تتصف بصفات، منها: معجم لغوي مألوف هو معجم الحياة اليومية، وعبارات بسيطة التركيب، ووحدة موضوعية، ورؤى واضحة كاشفة، وهذه صفات الشعر التلقائي غير المجوَّد، ولعل هذا ما جعل الرواة يزهدون في حفظه ونشره، فقلَّ ما وصلنا منه ■