وجها لوجه: أحمد زيد السرحان والدكتور سليمان إبراهيم العسكري

 وجها لوجه: أحمد زيد السرحان والدكتور سليمان إبراهيم العسكري
        

المرأة أقدر من الرجل على طرح القضايا المهمة في مجلس الأمة!

          أحمد زيد السرحان رجل من جيل الرواد والمؤسسين والشهود على التطور السريع والمهم للحياة السياسية في الكويت بجميع مراحلها في العصر الحديث.

          ولذلك فهو يتمتع برؤية ثاقبة ومتعمقة لتطورات الكويت. والعم أحمد زيد السرحان يعتز بتجربته السياسية الثرية والطويلة التي عاصر خلالها ستة من حكام الكويت وهم الشيخ أحمد الجابر الصباح والشيخ عبدالله السالم الصباح والشيخ صباح السالم الصباح والشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ سعد العبد الله السالم الصباح والأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح.

  • هناك تيارات شديدة ضد المرأة الأن ولأنهم يخشون من عملها يطالبون بإعادتها إلى البيت
  • نحن إخوان سنة وشيعة كلنا كويتيون يجمعنا وطن واحد
  • في مصر كنت اتفاخر بأنني جار أم كلثوم!

          والعم أحمد زيد السرحان أصبح عضوًا في مجلس الأمة الأول عام 1963م وهو من جيل الشباب الداعين والمؤسسين للديمقراطية الكويتية، وقد تولى رئاسة ثاني مجلس أمة في تاريخ الكويت خلال الفترة بين عامي 1967 و1970.

          والعم أحمد زيد السرحان من مواليد العام 1912 بمنطقة القبلة بالكويت. وقد تلقى علومه بالمدرستين المباركية والأحمدية وبعدها بالإرسالية الأمريكية. وفي العام 1935 سافر إلى بغداد لاستكمال دراسته وبعد عام واحد عاد إلى البلاد والتحق بالعمل بشركة نفط الكويت.

          كان في شبابه لاعب كرة قدم، وكان ضمن تشكيل فريق كرة القدم في الكويت في العام 1932، كما أنه ناشط في «كتلة الشباب الوطني» السياسية بالكويت في عام 1938.

          التقت به مجلة «العربي» في شهر نوفمبر 2010م، في مكتبه التجاري في مجمع الصالحية الأنيق - والذي كان يحرص تماما على الحضور إليه في ساعات العمل الرسمية محافظًا بدقة على مواعيد وصوله وانصرافه يوميا،  كأنه يؤكد أن ساعات رولكس ووكالته لها في الكويت توجب عليه أن يحترم الوقت طوال حياته - لتدق باب مكتبه وتجلس إليه وتستأنس به وتلتمس عنده بعضا من رؤيته الثاقبة للتطور السياسي والديمقراطي في الكويت، وفهم خصائص دور الكويت في محيطها السياسي العربي والدولي. وقد دار هذا الحوار بقدر ما سمحت به صحته ووقته، أطال الله في عمره وعافاه.

  • معاصرتك لتجربة الكويت «الإمارة» قبل تحولها لدولة دستورية كانت مرحلة صعبة وكانت هناك حركة شعبية واسعة تطالب بالتحول؟

          - كانت مرحلة التحول مرحلة صعبة، وكان الشباب يتطلع إلى الأفضل، وإلى المشاركة السياسية، ومنذ الثلاثينيات وقبلها كذلك، كانت هناك دائماً مطالبات بهذه المشاركة، وكان أهل الكويت قريبين من الحاكم يستعين بهم ويقدمون له النصح والتوجيه. وكانت هناك «حركة الشباب الوطني» التي تضم ما يقرب من 200 شخص كويتي.

  • هل كانوا جميعهم من الشباب المتعلم؟

          - كان منهم عدد لا بأس به من الحاصلين على التعليم، أعني  كانوا متوسطي التعليم لكنهم دائما يبحثون عن المعرفة والاطلاع على ما يجري في العالم ومن حولهم.

  • لا أعنى بالتحديد التعليم المدرسي، أعني أنهم كانوا من المهتمين بالثقافة والأمور السياسية التي تجري من حولهم في البلاد العربية.

          - نعم كانوا على وعي ومعرفة بأوضاع وطنهم وما يجري حولهم وكان لمصر تأثير كبير في هذا الصدد، كانت مصر تمثل منبراً يتطلع إليه الناس في الكويت ويتابع الناس هنا ما يجري هناك، من أحداث سياسية، وما يجري مع البريطانيين هناك، وما يجري فيها من نهوض وطني، وثقافي وإعلامي.

          ويعود جزء من هذا التأثير علينا هنا في الكويت إلى الصحف والمجلات المصرية التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر والتي كانت تتأخر بالأسابيع للأسف، حيث كانت هذه الصحف والمجلات تأتي إلينا من مصر عن طريق البحر بواسطة البواخر التي تمر بالسويس إلى الهند أولاً ومنها إلى الكويت حيث لم تكن هناك وسائل مواصلات برية ولا جوية وقتها.

  • في تلك المرحلة الزمنية كان المجتمع الكويتي مجتمعاً فقيراً وقليل الحيلة وعلى الرغم من ذلك كان الشباب يهتمون بمتابعة الأحداث السياسية التي تجري من حولهم، سواء ما يجري في العراق أو إيران أو بلاد الشام و فلسطين والبحرين.

          - كانوا شبابا متابعين ومتطلعين وكنا إمارة صغيرة معزولة لكن بالاتصال والانتشار إلى الهند عن طريق التجارة استطعنا أن نقيم مجتمعا منسجما ومترابطا، وعلى قلب واحد، وكانوا يتعاملون مع الهند، سفراً للتجارة والعمل.

  • هل هذا الاتصال مع الهند فتح أعينهم وشكل وعيهم السسياسي الذي اشتهرت به الكويت في تلك الفترة؟

          - نعم كانت هناك جاليات كويتية كثيرة معظمهم رجال تجارة أو باحثون عن الكسب يجوبون البحار إلى الهند وشرق إفريقيا وإلى العراق وبلاد الشام براً عن طريق القوافل وإلى نجد بشكل خاص.

          ولكن في تلك الفترة كان الاتصال مع العراق قليلاً جداً وأكثره من خلال بعض ملاك الأراضي الكويتيين بالبصرة من التجار، كانت هناك حركة اتصال بواسطتهم، لكن بشكل عام كان الاتصال محدوداً، وكان أكثر اتصالنا التجاري مع الهند بحراً، ونجد عن طريق التجارة البرية.

  • هل أثرت الحياة الديمقراطية في الهند والحرية السياسية هناك في الشباب الكويتي؟

          - نعم بالتأكيد، حيث كانت هناك في الهند تقاليد للحكم الإنجليزي الديمقراطي في تلك الفترة، وكانت الهند دولة كبيرة ولها تقاليدها الديمقراطية، ولنا معها علاقات تجارية واسعة.

  • أقصد هل تأثرتم بالتجربة الهندية من حيث التطلع لإقامة دولة دستورية ووضع قوانين حديثة تنظم الدولة؟ وهل هذا التطلع هو الذي أثر في مطالبتكم بالدستور والقوانين أسرع من دول وإمارات الجزيرة العربية؟

          - نعم، على المستوى الثقافي والاطلاع الواسع أكثر من الدول الأخرى في الخليج، الكويت بلد فيه تطلع وفيه شباب يطمح إلى التحول السريع لمجتمعه وحياته، وذلك لأن الكويت كانت أكثرها وأشدها شوقاً للتحول، كان أغلب الشباب بالكويت مثقفاً من دون تعليم مدارس ولاجامعات وكنت اتطلع دائما لتطورات التجربة السياسية في مصر.

          بينما كانت رغبات التحول والتطلع أبطأ عند باقي الإمارات، وذلك نظراً لدور المثقفين الكويتيين الموجودين في ذلك الوقت، على الرغم من أنه لم تكن هناك موارد مالية أو دخل قومي للدولة كما هو الآن، وكانت الموارد القليلة الوحيدة تأتي عن طريق الجمارك فقط لا غير.

  • كيف كانت اتصالاتكم كمجموعة من الشباب الوطني بالقضايا العربية في المغرب، فلسطين، مصر؟ أحمد البشر، رحمه الله كان يقول: نحن بالكويت نصفنا وفدي ونصفنا سعدي حيث كنا نتأثر كثيراً بالحركات السياسية المصرية وانقساماتها إلى وفديين وسعديين.

          - نعم كان أغلب شباب الكويت مثقفا من دون تعليم مدارس ولا جامعات، كان التطلع دائماً لتطورات التجربة السياسية في مصر وذلك يتم من خلال الصحافة المصرية، وكنا نهتم ونشعر بتطورات التجربة السياسية المصرية، فكان بيننا من يحبون الوفد وسعد زغلول ومصطفى النحاس، وكذلك كان يوجد بيننا من يحبون الأحرار الدستوريين، وأنا كنت أؤيد الأحرار الدستوريين، في مصر، لأن حزب الأحرار الدستوريين، يؤمن بالدستور وكان يرأسه محمد محمود باشا، لقد تأثرنا بالصحف المصرية كثيراً، وكانت تصلنا صحف ومجلات الأهرام والمصور، وروزاليوسف ومجلة الدستور من مصر.

  • من كان يأتي بهذه الصحف والمجلات للكويت ويتولى بيعها؟

          - كنا نحصل عليها من الكويتيين الموجودين في الهند، كانوا يرسلونها إلينا ومن ثم من مكتبة الرويح وبعد ذلك في فترة لاحقة كانت تصلنا من سورية.

  • ألم تكن هناك صحافة عراقية تصل للكويت؟

          - نعم بالبصرة، كانت هناك وقتها صحيفتان.

  • هل كان هناك اهتمام بحركة رشيد عالي الكيلاني التي استقطبت شبابًا من الكويت في الأربعينيات من القرن الماضي؟

          - نعم، أكيد، لابد أن يتأثر بتلك الحركة شباب في الكويت وكانت هناك مكاتبات من بعض شباب الكويت مع رشيد عالي الكيلاني، ولكن كان شباب الكويت أكثر انشغالاً بالحياة السياسية في مصر، وكان أغلبهم وفديين لأن حزب الوفد كان شعبياً في مصر، ولكن السعديين (أو مناصري سعد) كانوا مثقفين أكثر كما كانوا أكثر دستورية.

  • كيف ترى الحياة السياسية المعاصرة الآن في الكويت، الدولة الدستورية مقارنة بالكويت الإمارة، هل كان التحول سريعاً أم أبطأ مما كنتم تنشدون؟

          - أبطأ مما توقعنا، ومسيرة المجتمع الآن تواجهها كثير من العقبات التي تؤخر تطور المجتمع تطوراً طبيعياً، وهناك كثير من مجريات الأحداث سارت بطريق لم نكن نتوقعها أو نسعى إليها.

  • كيف ترى دور الكويت العربي حالياً؟

          - كانت السنوات السابقة أكثر نشاطاً كويتياً واهتمامًا بالقضايا العربية وحتى اهتمامنا الرياضي تراجع أيضاً.

  • هل ترى أن تقلص دور الكويت العربي يرجع للغزو العراقي والمحنة التي مر بها المجتمع الكويتي؟

          - فعلا له أثر كبير، لكن ليس كليا، وكان الكويتيون أيام الاحتلال العراقي يعملون ليل نهار خارج الكويت، يعملون بكفاح مستمر، في جدة والطائف ولندن ومصر، وفي كل التجمعات في الخارج، وكان الكويتيون قد تحولوا إلى كتلة واحدة، وكانت السلطة في الطائف تعمل على تجميع صفوف الدول حول الحق الكويتي، ووقفت الدول العربية معنا وخاصة الدول الرئيسية كمصر وسورية والأردن والمغرب وغيرها، فضلاً عن الدور الأساسي الذي قامت به المملكة العربية السعودية وكذلك دول أجنبية وبخاصة بريطانيا التي لعبت دورا كبيراً جدًا في هذه الفترة لمصلحة الكويت وتحريرها.

  • ما هو المعوق أمام عودة الكويت ناشطة مرة أخرى في المجال العربي والدستور الكويتي ينص على أن «الكويت جزء من الأمة العربية» ما الذي يمنعها الآن كي تنشط مرة أخرى في المجال العربي؟ هل الأوضاع العربية لا تشجع على أن يكون لنا دور أنشط من الدور الحالي؟

          - الكويت الآن ليست أوضاعها كما كانت قبل الغزو، وهذه المستجدات أثرت على الدور الكويتي، سواء الثقافي أو السياسي وحتى الرياضي.

  • كل الأدوار تقلصت، على الرغم من زيادة عدد المتعلمين الكويتيين العائدين من كل جامعات العالم؟

          - لا يسمح المجال الآن للحديث بتفاصيل عن تلك المعوقات، فليس هنا مجالها، لكن أدعو الله أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح لهذا البلد وهذا الشعب الطيب الأصيل، وأدعو الله أن يمد يد العون لأهل الكويت الأصلاء للاهتمام بأمور وطنهم ويديرون شئونهم كافة، كما كانوا في السابق، وألا يتركوا زمام الأمور لغيرهم ممن لا يحملون تاريخ وهموم هذا الوطن الغالي.

  • هل هناك قصور من هذه الأجيال الجديدة من الشباب الكويتي المتعلم؟

          - لا أرى الاهتمام الكافي لدى الشباب الآن بالعمل السياسي، وحالياً جلهم يسعون للاهتمام بالوظيفة والكسب المعيشي والراحة.

  • كانت الحركة الوطنية سواء قبل الدستور أو حتى بعد الدستور، قادها شباب من كل المستويات، وتجار الكويت ساهموا بأموالهم ووقتهم في العمل السياسي. وكان لهم دور بارز في الحياة السياسية وتأسيس المجالس واللجان الشعبية وإصدار الصحف والمجلات، ووضع الدستور، فهل ترى الآن تقلصاً لدور هؤلاء في الحياة السياسية؟

          - الشباب الآن لم يعد لديهم رغبة، وهدفهم الذي يشغلهم الآن أكثر هو تيسير الأمور المالية والكسب المادي والوظائف، ولكن أيضاً هناك أمورًا كثيرة تجري تدفع بهم للابتعاد عن مثل هذا النشاط ولا حافز لديهم، حتى ظاهرة السفر إلى خارج الكويت للبحث عن شيء من الراحة والاستمتاع البريء سببها أمور كثيرة، مع أن كل شيء متوافر في الكويت.

          قالت الضفدعُ قولاً فسرته الحكماءُ:
                                        في فمي ماءٌ، وهل ينطقُ منْ في فيهِ ماءُ؟!

  • كيف ترى مجلس الأمة مع دخول المرأة إلى عضويته؟

          - المرأة، أستطيع القول إنها يمكنها الإنتاج والعمل المتواصل والابتعاد عن المشكلات، وطرح الأمور المهمة في حياة المواطنين أكثر من الرجال على الرغم من قصر تجربتها. والمرأة دورها مؤثر ، وعدم اهتمام الناخبات النساء بدعم المرشحة الكفؤة أمر مؤسف، لابد أن تعي المرأة أن المرأة النائبة هي خير من يمثلها ويعبر عنها وعن قضاياها، وأنا أدعو النساء للتصويت بموضوعيه شديدة. وأنا شخصياً انتخبت المرأة وسوف أنتخب المرأة دائماً لأنها عنصر فعال وقوي وليس لديها تطلعات أخرى غير العمل والإنتاج.

          ليس هناك سوى أربع عضوات بالمجلس، أنا انتخبت أربع عضوات في منطقتي وفازت منهن اثنتان. وأظن أن الرجال أكثر انشغالاً في الأمور المادية والعلاقات الاجتماعية والصداقات، بينما السيدات يركزن أكثر وبشكل أحسن. نعم، هن يركزن أكثر فيما يفيد المجتمع بشكل جيد. والمرأة سلاح قوي الآن، لكن هناك الآن من يعمل ضد حركة المرأة.

          ومع الأسف هناك تيارات شديدة ضد المرأة الآن، ومعروف هدف هذه التيارات من ذلك، وهو الخوف من عملها ونشاطها، لذلك هم يطالبون بإعادة المرأة إلى البيت فقط.

  • هناك أصوات عالية ضد ترشح المرأة في أكثر من بلد عربي، في مصر والأردن واليمن، وفي كثير من البلاد العربية، وراءها حركة تدعو وتعمل لمنع المرأة حتى من العمل وتدعوها إلى العودة إلى البيت تقر فيه!

          - أنا أعرف السبب، لكنها تقاوم، أيام صفية زغلول في مصر كانت تقاوم من بعد سعد زغلول ونجحت. ومن حسن حظ المرأة أن كان هناك صديق ونصير للمرأة في مصر، استطاع أن يساعد حركة المرأة في تلك الفترة ويساندها وكون لها رأيا شعبيا واسعا وهو قاسم أمين.

  • دائما هناك من يتبنى فكرة متقدمة تنجح ، حتى لو كانت قلة قليلة، فأنتم كنتم قلة ولكنكم كنتم قيادة يحترمها الناس ويؤيدها حتى كبار السن كانوا يدعمونكم.

          - كتلة الشباب الوطني، نعم كانت لها شعبية وتأثر بها الشباب.

  • كيف ترى الأمور في عالمنا العربي؟ دعنا نأخذ منطقة الخليج، هل ترى خطراً يهددها في القريب؟

          - لا، ليس هناك خطر مباشر على دول الخليج.

  • وماذا عن إيران؟ والأسلحة النووية ودورها؟

          - هناك تحالف مع دول أخرى قوية، لاسيما أن هذه الدول لها مصالح في مصادر الثروة وتملك قوة عالمية، ولا أظن أنها يمكن أن تسمح لأحد أن يعبث بأمن المنطقة، ويهدد مصالحها.

  • لماذا لا يكون هناك تعاون بين دول الخليج وإيران والعراق وهم يمتلكون الثروة النفطية الكبيرة في العالم، بحيث يحافظ كل طرف على الطرف الآخر لكي يؤمن مصالحه، مع تأمين مصالح الجميع؟

          - لكي يتحقق ذلك مطلوب من الدول كافة أن تكف أيديها عن التدخل في شئون الآخرين، ودائمًا ليس هناك استقرار سياسي عندما يأتي التدخل من خارج المنطقة مستهدفًا الدول الصغيرة والغنية.

  • استقرار الخليج مرتبط باستقرار العراق، أليس كذلك؟

          - نعم، ليس هناك استقرار لأنه ليس هناك توافق وارتباط بين الشعوب، ولا يوجد اتفاق بين العراقيين، اتفاق بين الشمال والوسط والجنوب، كل فئة لها مصالح تسعى إلى الحصول عليها بعيداً عن مصالح الآخرين، وهذا أمر ليس في مصلحة الجميع.

  • هناك أصوات الآن ترى أن العراق لن يستقر إلا بالتقسيم؟

          - الأكراد يشكلون قوة ولهم أنصار من الخارج يدعمونهم، ويطالبون الآن بتقرير المصير! بينما في الجنوب توجد قوى شيعية قوية، وهكذا، وأنا أعتقد أن الخلاف الشيعي - السني، أهون من الخلاف الشيعي - الكردي، وأعتقد أن الأول أبسط بكثير، الأكراد هم المشكلة الآن. ولا يوجد صراع بين الشيعي والسني، وحتى في الكويت، كلنا إخوان سنة وشيعة لا فرق كلنا كويتيون، ولن يختلفوا على القواسم المشتركة، وما يجمعهم هو الوطن الواحد ولا نؤيد أي دعوة للتفرقة بين السنة والشيعة. وليس من مصلحة أي طرف وقوع تقسيم في العراق، ففي التقسيم كل الأطراف ستخسر. ونأمل ألا يسير العراق في اتجاه التقسيم، لكن الأمر كله يتوقف على الأكراد.

  • جيلكم بدأ وعيه في نهايات الخلافة العثمانية، هل ترى أنه من مصلحتنا كعرب أن نعيد تركيا إلى المنطقة العربية مرة أخرى كقوة نفوذ في تحالف ضد إيران؟ هل ندعو الأتراك مرة أخرى للمنطقة، وكأننا نعيد التنافس التركي - الفارسي في منطقتنا العربية؟

          - أنا كعربي يجب أن أضع الثقة في الكل، ومع تركيا بالذات لأن لنا ماضيا مع تركيا عميقًا جداً جداً، نحن كعرب يجب أن نبقى أصدقاء مع كل الأطراف، وأن نصادق ونتعاون مع الجميع، بشكل حيادي ونغلب مصالحنا كعرب، وبالنسبة إلى تركيا فلنا ماضٍ عميق من العلاقات، وعلينا أن نراعي تلك العلاقة القديمة ونحولها إلى علاقة إيجابية يستفيد منها الطرفان في بناء أوطانهم، لكني أضع الثقة في الجميع. كبلد صغير، يجب أن أكون محايداً وأحافظ على علاقات صداقة مع الجميع، وكذلك علينا أن نوثق العلاقات مع الدول الكبرى سواء منها العلاقات السياسية أو غير السياسية.

  • خاصة إيران وتركيا، لنا معهما تاريخ طويل مشترك؟

          - نعم، لا يمكن العيش من دون تعاون معهما، لكننا نريد موقفًا عربيًا موحدًا لدعم هذا التعاون، وإقرارًا عربيًا بمبدأ التعاون بين العرب ودول الجوار بشكل يحفظ مصالح العرب ويحفظ مصالح دول الجوار، وخاصة تركيا وإيران.

  • لكن موقفنا العربي الآن ليس موحدًا باتجاه تركيا ولا إيران ولا الغرب فهل نحتاج إلى تنشيط الجامعة العربية ليكون لها دور أكبر؟

          - مع الأسف الجامعة العربية لم يعد لها دور كبير الآن، وضعف دورها في السنوات الأخيرة وهذا راجع لعدم اتفاق الدول العربية على كثير من الأمور، سواء مع دول الجوار أو الدول الكبرى، وهناك مصالح إقليمية تغلب على المصالح القومية.

  • بم تنصح الأجيال العربية من خبرتك الطويلة في العمل السياسي والوطني والعربي؟

          - أقول الله يستر... لا أستطيع القول أكثر من ذلك، الله يستر من قادم الأيام.

  • ثقافتنا العربية ضعفت ولم تعد أجيال الشباب تهتم كثيرا بثقافتها العربية والوطنية.

          - نعم نسير عربياً من سيئ إلى أسوأ، وعسى الله أن يحفظ أوطاننا، ويحفظ لنا الكويت عزيزة متضامنة وذخراً للعرب.

  • التعليم كيف تراه؟

          - التعليم والأجواء الثقافية قاصرة جداً، والحياة الاجتماعية أيضاً، وأمور أخرى كثيرة، لا تسر الخاطر، وثقافتنا العربية الآن لا تخدم مجتمعاتنا بالشكل المطلوب منها، وكذلك التعليم وبرامجه.

  • هل تعتقد أن الأولوية للعرب الآن هي التعليم والثقافة، أم السياسة؟

          - طبعاً التعليم والثقافة، من دونهما لا حياة للشعوب، والدول الكبرى سيطرت على كثير من الدول الأخرى بالتعليم والدراسات من أوربا إلى إفريقيا وآسيا والأمريكتين، أما الاستعمار المباشر فلم يورث إلا الثورات، ولم يبق لهم إلا ما خلفوه من أثر في التعليم والثقافة، ويجب أن يتطلع شعبنا للأحسن والأفضل من خلال التعليم والثقافة.

  • هل ترى أن دول الخليج تسير الآن على طريق التوحد من خلال منظومة دول مجلس التعاون؟

          - لا أرى شيئاً واضحاً يسير في هذا الاتجاه.

  • على الرغم من أنهم يقفون على أرضية مشتركة من العادات والتقاليد ونسبة التطور والثروات الاقتصادية، ولكن ليس هناك سرعة في التجمع والتوحد؟

          -  تحدث بينهم اجتماعات سنوية، لكنك لا تراها تتطور في أي اتجاه، نعم هناك بطء، فمنذ متى ونحن نتكلم عن ربط المنطقة بخط السكة الحديد. وكذلك توحيد العملة، وإنشاء بنك مركزي موحد للمنطقة وقوة عسكرية موحدة، على الرغم من النتائج الكبيرة المرجوة من هذا التوحد، فإن المسيرة بطيئة جداً، والكويت أثرت في البداية على كل الدول الخليجية، ثم تقلص تأثيرها.

  • مقابلتك للرئيس عبدالناصر سنة 67، ما مناسبتها؟ وهل كنت رئيسا لمجلس الأمة في ذلك الوقت؟

          - كانت بمناسبة حرب 67 ضد إسرائيل والدور الذي لعبته الكويت مع مصر في هذه الفترة، حيث أرسلت جيشاً (كتيبة) للدفاع والمشاركة في حماية قناة السويس، وللدفاع عن الشقيقة الكبرى مصر، وسافرت إلى القاهرة كوني رئيسا لمجلس الأمة الكويتي وقابلت الرئيس جمال عبدالناصر بمنزله بمنشية البكري، وبرفقتي السفير الكويتي حمد الرجيب، ومحمد لبيب شقير رئيس مجلس الأمة المصري.

          وكذلك بعد وفاته ذهبت مع جميع الرؤساء العرب لتقديم العزاء، وقد قابلت الرئيس السادات مرتين، واحدة باستراحته بالقناطر الخيرية، والمرة الثانية بفندق شبرد، وكانت لنا علاقات دائمة متينة مع مصر.

  • هل كنت رئيساً لمجلس الأمة أيام الرئيس السادات؟

          - نعم. لكني كنت أعرفه كما قلت سابقاً قبل أن أكون رئيساً لمجلس الأمة، والمصريون لهم مكانة كبيرة وتقدير عند الكويتيين، لأن أبناءنا الكويتيين الشباب ذهبوا إلى مصر في الثلاثينيات، للدراسة هناك، وأمر مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر بصرف رواتب للطلبة الكويتيين الدارسين هناك، وكنا وقتها بلداً فقيراً لم يكن عندنا شيء قبل بداية النفط، وهذا لم ولن ينساه أهل الكويت من فضل مصر على الكويت في تلك المرحلة.

  • كانت هناك علاقات مع مصر؟

          - نعم يمكنك التأكد منها من أرشيفات الصحف، فكل هذه المسائل موثقة في صحف تلك الفترة.

  • هل أنت من هواة سماع أم كلثوم؟

          - نعم كنت مغرماً بها، كنت أذهب مع أصدقائي إلى مصر, ملأ قلبي مثل الملايين في العالم العربي كل الشجن والدفء والحب بسبب أغاني أم كلثوم، لا أظن أن هناك أمراً وحد رأي العرب بقدر عشقهم لصوتها، ومازلت أذكر كيف كنت أنا وعدد كبير من المعارف والأصدقاء نجتمع في كل خميس بالديوانية لعلمنا أنه اليوم المحدد لإذاعة حفل ستغني فيه أم كلثوم وتبثه إذاعة القاهرة. ثم جاءت إلى الكويت بدعوة من وزارة الإرشاد والأنباء، ونزلت في فندق كارلتون وذهبت لمقابلتها والترحيب بها، مع السفير المصري في الكويت.

  • متى كانت المرة الأولى التي حضرت فيها حفلاً لأم كلثوم؟

          - المرة الأولى كانت، قبل أن أكون رئيساً لمجلس الأمة بفترة طويلة وفي المرة الثانية كنت رئيساً لمجلس الأمة وكان الحفل هنا بالكويت.

          ومن فرط إعجابي وشغفي بفنها، قررت أن أسكن في مصر بالقرب منها، بحثت عن بيت قريب من بيت أم كلثوم وجدت منزلاً بمنطقة الزمالك شارع أبو الفدا بجوار منزل أم كلثوم كي أسكن إلى جوارها، وفعلاً سكنت بجوارها! وكنت أتفاخر أمام أصدقائي بأنني جار لأم كلثوم في مصر.

          والموسيقى والغناء لهما دور كبير في تقريب الشعوب بعضها بعضاً، وأنا أحب سماع الموسيقى.

  • ما مناسبة لقائك بأم كلثوم؟

          - كنت بمصر وجاءتني دعوة من وزارة الإعلام، وذهبت لمقابلتها بواسطة المذيع المشهور أحمد سعيد بإذاعة صوت العرب بالقاهرة.

  • أراك تستشهد بالشعر كثيراً، هل تحفظ الكثير منه؟

          - دعْ كل قلبٍ لم يُمازِجْه الهوى
                                        أحَواهُ ديرٌ أم حَواهُ مسجدُ
          وبدفترِ العشاقِ من خطَّ اسمَه
                                        لم يعْنِه خُلدٌ ونارٌ توقدُ

          شكراً جزيلاً ودعائي لك بالصحة والعمر المديد، لترى ما يفرحك في العالم العربي قريبًا إن شاء الله.





أحمد زيد السرحان والدكتور سليمان إبراهيم العسكري





 





النادي الأدبي.. نهضة ثقافية مبكرة





أحمد السرحان رئيس مجلس الأمة مستقبلًا أمير دولة الكويت الأسبق الشيخ صباح السالم في افتتاح دورة مجلس الأمة





السرحان يفتتح إحدى جلسات مجلس الأمة





من اليمين: صاحب السمو أمير ألبلاد الشيخ صباح الأحمد عندما كان وزيرًا للخارجية، عبدالله مشاري الروضان وزير الأوقاف والشئون الإسلامية الأسبق، أحمد زيد السرحان رئيس مجلس الأمة (1967 - 1971) عبد العزيز الفليج وزير الصحة الأسبق





الرئيس المصري عبد الناصر يستقبل السرحان في منشية البكري عام 1967





السرحان مرحباً بأم كلثوم خلال زيارتها للكويت